Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"هوس التصوير" خطر جديد يهدد اللبناني في الحرب

يراوح متوسط عمر من يتعرضون لحوادث بسبب صورة أو فيديو ما بين 15 و23 سنة

ملخص

"هوس التصوير" يعرض حياة كثر للخطر وقد يكون هدف هؤلاء الشهرة أو نيل مزيد من الإعجابات والتعليقات الإيجابية، وربما أحياناً كسب المال.

مئات الوفيات تسجل حول العالم بسبب هاجس التصوير، فقد تبدو فكرة التقاط صورة مميزة من زاوية مختلفة وخارج المألوف أمراً عادياً لحفظها كتذكار لأوقات ولحظات ممتعة ومغامرات شيقة. لكن "هوس التصوير" يعرض كثراً للخطر في سعيهم إلى التقاط سيلفي أو صورة "مبهرة" لموقع مميز في مسعى إلى حصد مزيد من الإعجابات لدى نشرها على وسائل التواصل الاجتماعي. وهؤلاء يقومون بأنشطة في غاية الخطورة لالتقاط "الصورة الحلم" أو ربما يقدمون على خطوات تعد جنونية، وإن كان ذلك يعرض حياتهم للخطر لوجودهم في أماكن أو ظروف غير آمنة، ما دامت الصورة التي يركزون على التقاطها ستكون جميلة من زاوية معينة أو من موقع محدد. وقد يكون هدف من يقدمون على مثل هذه الخطوات الشهرة أو نيل مزيد من الإعجابات والتعليقات الإيجابية، وربما أحياناً كسب المال من وراء ذلك إذا كان ذلك ممكناً. لكن يربط علم النفس أساساً هذه الحالة بـ"ضعف الثقة بالنفس والسعي إلى التعويض عن نقص معين وإشباع غزيرة محورها جذب الانتباه". واليوم في ظروف الحرب في لبنان، بات هذا الهاجس أكثر انتشاراً بين المواطنين ويتحكم بتصرفاتهم، فبعضهم يسارع إلى مكان القصف لتصوير فيديوهات والتقاط صور للأضرار والدمار، تحقق انتشاراً على وسائل التواصل الاجتماعي وتحظى بتفاعل واسع.

حوادث مؤلمة

تسجل الهند أعلى نسبة وفيات بسبب السيلفي والتصوير، ومن الحوادث المؤلمة التي حصلت في البلاد تلك التي أودت بحياة ثلاثة طلاب دهساً تحت القطار وهم يحاولون التقاط سيلفي عام 2015. ومع تكرار الحوادث المماثلة التي بلغ عددها 159 حالة وفاة بسبب التصوير في الهند من أصل 259 في العالم بين عامي 2011 و2017 بحسب دراسة أجريت، علقت مومباي لافتات في أماكن محددة كانت شهدت حوادث مروعة، "ممنوع التقاط صور سيلفي". وتسببت صورة سيلفي حاول أن يلتقطها جنديان روسيان وهما يمسكان قنبلة بمقتلهما عندما انفجرت. وفي روسيا أيضاً أراد شاب روسي عمره 17 سنة التقاط صورة سيلفي من مكان مرتفع يظهر فيه كما لو كان معلقاً في الهواء، إلا أنه سقط ميتاً. وعشرات الحوادث المماثلة تتكرر سنوياً في العالم بسبب "هوس التصوير" والمخاطرة بالحياة لالتقاط صورة وفيديو.

لكن الحرب في لبنان أعادت تسليط الضوء على هذه الظاهرة نظراً إلى كثرة الفيديوهات التي تنشر من مواقع الغارات من دون أي اعتبار لما يترافق مع لحظات التقاطها من مخاطرة. ولعل أحد الفيديوهات الأكثر تداولاً ذاك الذي التقط في منطقة الطيونة داخل بيروت في اللحظة التي قصف فيها أحد المباني ليدمر بالكامل، فعلى رغم أمر الإخلاء الذي سبق الغارة تجمع العشرات في محيط المكان لالتقاط الفيديوهات والصور لحظة استهداف المبنى.

عندما انقلبت المعايير

يؤكد النقيب السابق للمصورين الصحافيين جمال السعيدي الذي وثق الحرب الأهلية بالصور ونقل الخبر طوال عقود، أن وجود وسائل التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية أسهم بالفعل في إيصال الخبر والصورة معاً بسهولة فائقة. فمنذ وجودها تبدلت المعايير في التصوير ونقل الخبر وانقلبت المقاييس بصورة جذرية. لا ينكر أن للهواتف الذكية جوانب إيجابية لاعتبارها ساعدت في تسليط الضوء على قضايا إنسانية واجتماعية على نطاق واسع، وفي أماكن قد لا تصل إليها وسائل الإعلام بالوقت نفسه والسرعة في لبنان والعالم. وفي المقابل، من سلبياتها أننا فقدنا عنصري الدقة والصدقية في نقل الخبر والصورة وتزييف الحقيقة أحياناً، وانتهاك بعض الخصوصيات حتى. وقد ظهرت هذه الهواتف لتقلب المقاييس بعد أن كان المصور الصحافي المحترف يلتزم بأخلاقيات وتوجيهات المهنة وينقل الخبر وفق معايير معينة. واليوم أصبح الكل قادراً على التقاط الصور من دون أي التزام بالمعايير الأخلاقية، وهذا ما أسهم في انتشار الفوضى في مجال التصوير.

كما أنه بوجود وسائل التواصل الاجتماعي زاد عدد الذين يسعون إلى أن يكونوا هواة ومؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي. وفي مساعيهم إلى تحقيق ذلك، يتصرفون بطريقة غير آمنة وغير مسؤولة بما يعرض حياتهم للخطر بالدرجة الأولى، وحياة الآخرين أيضاً. والأسوأ أنهم قد لا يراعون الأخلاق الإعلامية والمشاعر الإنسانية بنشرهم صوراً لإصابات وتشوهات وأطفال عراة خلال الحرب أو خلال أية أحداث مفاجئة بسبب ذاك "الهوس بالتصوير"، فيما أخلاقيات المهنة تفرض معايير معينة على المصور الالتزام بها.

ويقول "هي ظاهرة تفشت في المجتمع اللبناني وتبدو بالنسبة لي حالاً مرضية يجب معالجتها عبر الرقابة الذاتية للحد من الأخطار على الذات والعودة إلى الضمير الإنساني للحد من الأذى الذي يطاول الآخرين".

وانطلاقاً من خبرته الطويلة لأكثر من 40 عاماً في مهنة التصوير الصحافي وفي تغطية الحروب والأحداث في لبنان والشرق الأوسط، يؤكد السعيدي أنه قبل وجود الهواتف الذكية لم يكن هناك وجود لهذا النوع من التغطية، إلا من قبل مصورين محترفين. ومن الممكن أن يواجه المصور أخطاراً عدة، وقد تعرض هو أيضاً إلى جروح بليغة كادت تودي بحياته، وسقط عديد من زملائه داخل لبنان وفي الدول المحيطة التي شهدت أزمات وحروباً أثناء قيامهم بواجبهم المهني، "لكن كان هناك التزام بمعايير معينة وتحمل للمسؤولية" على حد قوله. وعلى رغم عشقه لمهنة التصوير الصحافي يشير إلى أنه لا يسعى وراء السبق الصحافي على حساب حياته، وهذا ما ينصح به أي مصور سواء كان محترفاً أو هاوياً.

ومن جهتها، تقول الاختصاصية في المعالجة النفسية كارول سعادة إن العالم الافتراضي مساحة كبيرة في حياة الأفراد حالياً، حتى إن كثراً يظهرون بهوية مختلفة عن هويتهم الحقيقية. والأسباب وراء ذلك هي بصورة أساس قلة الثقة بالنفس أو السعي إلى التأثير بالآخرين. وتعد الحوادث المتكررة التي تحصل بسبب "هوس التصوير" الذي يتملك كثراً في العالم، في تزايد مستمر مما يؤكد خطورة الوضع. وتضيف "أظهرت دراسات كثيرة أن متوسط عمر من تصل بهم الأمور إلى حد الهوس بالتصوير والمخاطرة بالحياة يراوح ما بين 15 و23 سنة. ففي هذه المرحلة العمرية تزيد معدلات التهور، ولا تكون اكتملت القدرة على التحكم بالعواطف. ويبحث هؤلاء بصورة خاصة عن تقدير الآخرين لهم لتعزيز ثقتهم بأنفسهم، ويرتبط ذلك بنقص معين في الثقة بالنفس، أو بصورة الذات، أو حتى أحياناً بشخصية مرضية معينة قد تكون عرضة لسلوكات يغلب عليها التهور مثل الشخصية الحدية، وأيضاً الشخصية النرجسية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أرقام شبه متساوية

وتظهر الأرقام أن هذه الظاهرة شبه متساوية لدى الجنسين وإن كانت الأرقام تظهر ارتفاعاً بسيطاً لدى الرجال الذين قد يكونون أكثر عرضة. لكن يبدو أن الأرقام تتزايد حالياً بين النساء اللاتي يتعرضن أيضاً لإصابات بسبب "هوس التصوير" خلال الأعوام الأخيرة بمعدلات كبرى، بسبب المخاطرة بالحياة في أماكن سياحية معينة أو في الحرب.

ونتيجة الإدمان على وسائل التواصل الاجتماعي لدى كثر، وكونها أصبحت تحتل مكانة كبرى في حياتهم، زاد الاهتمام بالتقاط صور لحصد أكبر عدد ممكن من الإعجابات والمشاركات. ووفق سعادة، تكمن المشكلة الأساس في أن منصات التواصل مثل "إنستغرام" وغيرها، تحفز من يعاني نقصاً معيناً، ويبحث خارج "الأنا" على رضا الآخر لتعزيز ثقته بنفسه عبر نيل الإعجابات وعدد المتابعين. حتى إن للمجتمع والمحيط تأثيراً أيضاً على هؤلاء الأشخاص، وبخاصة من قبل أولئك الذين يشاركون تحديات فيها مخاطرة ومجازفة. ويرتبط ذلك أيضاً بنقص معين أو في حاجة شخص إلى نظرة الآخر لتعطيه قيمة معينة أو تقديراً له ولإمكاناته.

حتى إن خوف الإنسان من خسارة هاتفه أو حظر وسائل التواصل، عرف في علم النفس بـ"النوموفوبيا". وهذا النوع من الإدمان كأي نوع آخر من الإدمان، له أعراض خطرة تظهر بصورة واضحة لدى الانقطاع عن وسائل التواصل أو الهواتف. وانطلاقاً من التعلق الزائد بوسائل التواصل الاجتماعي والعالم الافتراضي، زاد التعلق بالتصوير وصولاً إلى حد تحوله إلى هاجس فعلي. فأصبح هناك سباق على التصوير، خصوصاً أنه بات أكثر سهولة بوجود الذكاء الاصطناعي والتقنيات المتطورة القادرة على إدخال التعديلات اللازمة على الصور والفيديوهات. هذا ما يشجع كثراً على المخاطرة بحياتهم والتصرف بطريقة متهورة، لالتقاط أجمل الصور والفيديوهات وتحقيق أعلى نسبة من المشاهدات على وسائل التواصل. وهذا مما أدى إلى تكرار الحوادث المؤلمة في العالم لأشخاص أرادوا التقاط صور أو فيديوهات قرب حيوانات مفترسة مثلاً، أو في الطبيعة في مواقع خطرة قريبة من منحدرات شاهقة.

وتعد سعادة أن التهور سمة أساس وواضحة لدى من يقدمون على سلوك مماثل لالتقاط صورة أو فيديو يحقق انتشاراً أو ينال كثيراً من الإعجابات.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير