ملخص
في الجزءين الأول والثاني من سلسلة "استهداف الوجود الأميركي في لبنان بين 1983 و1984"، كشفت "اندبندنت عربية" تفاصيل سرية عن استهداف ملحق السفارة الأميركية في عوكر عام 1984، وكيف ساعد حارس السفير البريطاني الشخصي في التخفيف من حدة الهجوم بعدما أصاب المهاجم الانتحاري، وكذلك هوية ممول هذا الهجوم، وفي الجزء الثالث والأخير نعرض قراءة أميركا الأمنية لهذا الاستهداف، وكيف قيمت بعدها الوضع في لبنان، إضافة إلى رسالة كان بثها آخر رئيس وزراء في إيران تحت حكم الشاه محمد رضا بهلوي شابور بختيار إلى لندن في أعقاب الحادثة.
شكلت الاستهدافات المتتالية لأشخاص أميركيين ومصالح أميركية في لبنان في خضم الحرب الأهلية (1975 – 1990) تحدياً كبيراً للإدارات الأميركية في واشنطن خلال تلك المرحلة، لعل أبرزها إدارة الجمهوري رونالد ريغان.
وتركت هذه الاستهدافات المتتالية انتقادات في الداخل الأميركي وتساؤلات جدية حول قدرة واشنطن على حماية دبلوماسييها ومنشآتها في الداخل اللبناني، بخاصة أن تكرارها كان يفترض أن يفضي إلى اتخاذ إجراءات فعالة لحماية هذه المرافق.
في الجزءين الأول والثاني من سلسلة "استهداف الوجود الأميركي في لبنان بين 1983 و1984"، كشفت "اندبندنت عربية" تفاصيل سرية عن استهداف ملحق السفارة الأميركية في عوكر عام 1984، وكيف ساعد حارس السفير البريطاني الشخصي في التخفيف من حدة الهجوم بعدما أصاب المهاجم الانتحاري، وكذلك هوية ممول هذا الهجوم، وفي الجزء الثالث والأخير نعرض قراءة أميركا الأمنية لهذا الاستهداف، وكيف قيمت بعدها الوضع في لبنان، إضافة إلى رسالة كان بثها آخر رئيس وزراء في إيران تحت حكم الشاه محمد رضا بهلوي شابور بختيار إلى لندن في أعقاب الحادثة.
يكشف الملف الذي يحمل رقم التصنيف FCO 93/3814 ضمن وثائق الأرشيف الوطني البريطاني، ويتضمن تقارير ومراسلات سرية، عن تورط "حزب الله" اللبناني في عملية تفجير ملحق السفارة الأميركية في بيروت في الـ20 من سبتمبر (أيلول) 1984.
وفي تقرير أرسله السفير البريطاني في واشنطن أوليفير رايت بعد أيام من وقوع الاستهداف، إلى مرجعيته في لندن توقع "استمرار وتصاعد التهديد الإرهابي ضد الموظفين الأميركيين في بيروت والمنطقة، إذ يُعتقد أن الجهات المنفذة تنتمي إلى ميليشيات طائفية مسلحة مدعومة من إيران".
وجاء في نص التقرير الذي أرسله السفير أوليفير رايت في الأول من أكتوبر (تشرين الأول) عام 1984 "أخبرنا أحد موظفي وزارة الخارجية الأميركية (اسمه روس) أن هناك أدلة كثيرة على أن أعضاء 'حزب الله' المتمركزين في بيروت، بدعم من أولئك الموجودين في البقاع، كانوا مسؤولين عن الهجوم على السفارة الأميركية. وقد نُوقشت إمكانية الانتقام ولكن الحجج المعارضة كانت مقنعة حتى الآن"، ويضيف أن الموظف في الخارجية الأميركية نقل له كيف أن السوريين وصفوا التفجير سراً بأنه "مؤسف للغاية"، أما الدبلوماسي والسياسي الأميركي ريتشارد مورفي فأوضح خلال زيارة لدمشق وجهة النظر الأميركية بأن السوريين قادرون على بذل مزيد من الجهود للسيطرة على الجماعات الموالية لإيران في البقاع. وهنا يقول رايت "لم يرد السوريون على ذلك، لكنهم فهموا الرسالة. لقد انتهت صلاحية الورقة الإيرانية بالنسبة إلى السوريين في لبنان وأصبحت الآن مصدر إحراج لهم".
إعادة تقييم الإجراءات الأمنية
ضمن المرسلات والوثائق التي كشف عنها الأرشيف الوطني البريطاني تقرير، تضمن تقييم نظام الأمن الأميركي والإشراف على المنشآت الدبلوماسية في لبنان. وتتضمن المذكرة التي وجهت إلى أعضاء لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي تقريراً أولياً عن تفجير ملحق السفارة، وهذا التقرير أعده فريق عمل اللجنة.
أرسل هذا التقرير في الـ19 من أكتوبر 1984، وهو نتاج زيارة ميدانية قام بها فريق العمل إلى بيروت بين الثاني والسادس من أكتوبر من العام نفسه. وقد ذكروا في نهاية هذه المهمة "خلال هذه المهمة، ووفقاً لتعليماتكم، رافقنا مختص أمني عند لقائنا فريق أمن السفارة (الأميركية) لمناقشة الحماية المادية للملحق (في عوكر شرق بيروت). وأجرينا جدولاً مكثفاً من الاجتماعات التي شملت موظفي السفارة وعدداً من المسؤولين الأمنيين والسياسيين اللبنانيين. تطرقت نقاشاتنا إلى قضايا أوسع، كأهمية الدور الأميركي في الدبلوماسية الشرق أوسطية الحالية، وآفاق المصالحة في لبنان، ومصادر التهديد الإرهابي".
وخلص هذا الفريق إلى أن سبب نجاح الهجوم لم يكن ناتجاً عن الانتقال المبكر إلى مبنى الملحق أو نقص في عدد مشاة البحرية أو المعدات، بل يكمن السبب في أنه لم يُؤمن الطريق المؤدي إلى الملحق بحواجز متحركة موقتة خلال فترة انتظار تركيب بوابة أمنية دائمة، مما سمح بمرور مركبة الهجوم من دون توقيفها.
وأضاف التقرير "بينما كان من الواضح أن السفارة تتحمل مسؤولية السيطرة على نقاط الوصول المحيطة، لم نتمكن من تقييم مدى كفاية إشراف وزارة الخارجية (الأميركية) على هذه المهمة أو مدى استيعاب سلسلة القيادة بأكملها ضرورة منع تكرار الهجمات على المنشآت الأميركية في بيروت".
التحديات السياسية والإرهابية في لبنان
في سياق آخر، يتناول التقرير الأميركي المذكورة تفاصيله سابقاً الوضع السياسي المعقد في لبنان وجوانب الدور الأميركي داخله، ويتوقف عند غياب المؤسسات الوطنية الفاعلة وتراجع دور الجيش اللبناني. كما يناقش الوضع السياسي المتأزم وأسبابه، ناهيك بالتهديدات الإرهابية المتزايدة ضد الأميركيين في لبنان ومنطقة الشرق الأوسط بصورة عامة، مع التركيز على دور الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران.
في ما يتعلق بالاضطرابات السياسية في لبنان، يوصف الفريق الأميركي الذي حضر إلى بيروت "مستقبل لبنان بأنه أكثر قتامة من أي وقت مضى. لم يعد هناك مؤسسات وطنية حقيقية قادرة على الاستمرار، ويكاد الجيش اللبناني يحافظ على مظهره كقوة وطنية. بصورة متزايدة، تتكون الفرق العسكرية من مجموعات دينية واحدة، مما يجعلها أشبه بالميليشيات الإقليمية بدلاً من كونها جزءاً من جيش وطني. في صفوف الجيش، يتحكم قادة كل طائفة دينية في الترقيات، مما يعني أن الأفراد يُكافأون أكثر على ولائهم للطائفة من ولائهم للوطن".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
حينها كانت الحرب الأهلية تعصف بصورة كبيرة بالجيش اللبناني الذي شهد انقسامات وانشقاقات، وكان قائده ميشال عون الذي تولى منصبه بعد إبراهيم طنوس الذي استقال في صيف 1984.
وبالعودة إلى التقرير الأميركي، مما جاء في نصه عن الوضع السياسي:
البرلمان في الوجود، لكن أعماله تكون متقطعة. لم تُجرَ انتخابات منذ عام 1972، ويتساءل كثير من اللبنانيين عما إذا كان النواب الذين انتُخبوا قبل 12 عاماً لا يزالون يمثلون دوائرهم الانتخابية. بصورة عامة، يُمثل هؤلاء النواب الأسر التقليدية في لبنان، وهم محافظون في توجهاتهم. يعيش العدد من النواب المسلمين والمسيحيين في مناطق مسيحية حيث يكون الأمان الشخصي أفضل.
في محادثات مع مجموعة واسعة من القادة اللبنانيين، كانت هناك قلة من الأمل في قدرتهم على حل مشكلاتهم بأنفسهم. والتردد الكبير لدى اللبنانيين في تحمل المسؤولية عن أخطائهم الماضية أو عن مستقبل بلادهم يزيد من استمرار الفوضى.
توقع مزيد من الضحايا الأميركيين
في هذا الملف من الأرشيف الوطني البريطاني، يتضح جلياً كيف أن التهديد الأمني كان يلاحق الأميركيين في لبنان والمنطقة. وهنا يعتبر معدو التقرير الأميركي أنه من غير المرجح أن يتراجع التهديد الإرهابي ضد الأفراد الأميركيين في بيروت وأماكن أخرى في الشرق الأوسط في المستقبل القريب، ويقولون "الإرهابيون الذين شنوا الهجمات ضد السفارة الأميركية في بيروت وضد ثكنات المارينز يُعتقد على نطاق واسع من قبل الخبراء في المنطقة وواشنطن أنهم من الشيعة اللبنانيين المدربين والممولين من قبل إيران. هؤلاء مستعدون للموت لتنفيذ مهماتهم. بما أن التصدي للهجمات الانتحارية سيظل أمراً صعباً للغاية، يجب توقع مزيد من الضحايا الأميركيين. حتى لو نجحت الولايات المتحدة في جعل وجودها في بيروت محصناً ضد الهجمات، وهو ما قد لا يكون ممكناً، أو حتى إذا انسحبت تماماً من لبنان، فمن المرجح أن تستمر الهجمات ضد الأميركيين في أماكن أخرى".
رسالة بختيار إلى بريطانيا
بعيداً من التقرير الأميركي، يكشف هذا الملف البريطاني عن رسالة كانت سرية في حينه، بعثها آخر رئيس وزراء في إيران تحت حكم الشاه محمد رضا بهلوي شابور بختيار إلى وزير الدولة للشؤون الخارجية وشؤون الكومنولث في بريطانيا جيفري هاو، يعبر فيها عن قلقه واستيائه بعد إصابة السفير البريطاني في بيروت باستهداف ملحق السفارة الأميركية في عوكر، معرباً عن امتنانه لعدم تعرضه لإصابات خطرة.
في هذه الرسالة ينتقد بختيار نظام آية الله الخميني في إيران بسبب ازدرائه الحياة البشرية، معتبراً أن الهجوم على الدبلوماسيين يعد اعتداءً على العلاقات الدبلوماسية ذاتها.
ومما قاله في الرسالة
"إنني على قناعة تامة بأن معاناتهم لا يمكن أن تنتهي، ولا يمكن استعادة المعايير المتحضرة للدبلوماسية والتجارة الدولية، إلا عندما يتم إزاحة نظام الخميني عن السلطة، وخلال رحلاتي حول العالم، فإنني اكتسبت انطباعاً بأن كثيراً من الحكومات وصلت إلى النتيجة نفسها.
نحن الإيرانيين لا بد من أن نحقق التغيير في شؤوننا الداخلية بأنفسنا، ولكنني آمل أن نحظى في هذا المسعى بحسن نية الشعب البريطاني".
وشابور بختيار كان آخر رئيس وزراء في عهد بهلوي وأحد أبرز معارضي النظام في إيران بعد الثورة، انتهت مسيرته النضالية باغتيال مأسوي، لم يفلح النظام الإيراني في اغتياله في المرة الأولى عام 1982 حين أرسل إليه أنيس النقاش وهو لبناني الجنسية، وعاد عملاء النظام ونفذوا عملية اغتيال بختيار في باريس عام 1991.
اقرأ المزيد من الحلقات: