ملخص
يقول مراقبون سودانيون إن الحرب كبدت النساء خسائر فادحة في شتى نواحي الحياة، إذ تسببت في فقد وظائفهن وبخاصة أن معظمهن يعلْن أسراً ممتدة؟
دفعت نساء السودان ثمناً فادحاً في الحرب المستعرة بين الجيش وقوات "الدعم السريع" منذ اندلاع شرارتها الأولى في العاصمة الخرطوم منتصف أبريل (نيسان) 2023، وتمددها إلى دارفور والجزيرة وكردفان والنيل الأزرق وأماكن أخرى لتشمل أكثر من 70 في المئة من مساحة البلاد، إذ تعرضت معظمهن لأضرار وخيمة من نهب للممتلكات وتعنيف جسدي وجنسي في ظل شبه غياب للعدالة ومحاسبة الجناة، إضافة إلى فقد بعضهن أطفالهن وأزواجهن، فضلاً عن معاناة النزوح المتكرر بسبب اتساع رقعة الحرب.
ومعلوم أن المرأة تعمل دائماً على تخطي المصاعب مهما عظمت، إذ تمكنت كثير من النساء السودانيات من مقاومة مآلات الحرب والتغلب على ظروفهن برسم واقع مغاير من خلال العمل في التجارة وممارسة أنشطة تدر عائداً مناسباً يساعدهن في تسيير معيشتهن اليومية، بعدما فقدت كثيرات منهن وظائفهن الأساسية، وبخاصة أن معظمهن من حملة الشهادات الجامعية.
هموم وخيارات
المواطنة السودانية هدى علي، موظفة في إحدى المؤسسات الحكومية في الخرطوم، وكانت تترد في أن توصد باب منزلها في ضاحية الفتيحاب في مدينة أم درمان والنزوح، تقول "في تقديري طالما أن المنازل لم تنج من تعديات ’الدعم السريع‘ من نهب وسرقة وتهجير قسري، رأينا من الضروري النزوح إلى الولايات التي تؤوي آلاف النازحين الذين فروا من جحيم القتال الذي يحتدم يوماً تلو الآخر".
وأضافت "بعدما انعدمت أمامنا خيارات وسائل النقل صعدت ومعي أطفالي الأربعة إلى شاحنة "مركبة كبيرة" مخصصة لنقل السلع والمواشي، وبعد مشقة وصلنا إلى مدينة عطبرة بولاية نهر النيل شمال البلاد، وعبر الوسطاء تمكنت من استئجار منزل متواضع بمبلغ معقول نوعاً ما وسددت إيجار شهرين، فضلاً عن شراء بعض الحاجيات المهمة من سلع وأدوات منزلية وغيرها".
وتابعت "قساوة الأوضاع وشح الإمكانات جعلاني أفكر في ضرورة التخطيط للخروج من هذا المأزق وذلك من خلال ممارسة أي نشاط كان، وبعد تفكير عميق توصلت إلى إمكانية العمل في مجال صناعة العطور البلدية التي تخص المرأة السودانية ومن ثم بيعها في السوق، وبالفعل انطلقت في هذا النشاط من منزلي ووفق قدراتي المالية، وخلال فترة وجيزة لم تتعدَ الثلاثة أشهر وجدت تلك العطور رواجاً وإقبالاً واسعاً، لا سيما وسط نساء المنطقة حيث أسكن، إضافة إلى النساء اللواتي يغادرن إلى خارج البلاد".
وأشارت هدى إلى أن "هذا النوع من التجارة لم يكن من ضمن خياراتي، لكن الظروف القاسية التي نعيشها بسبب الحرب جعلتني أقتحم هذا المجال بعدما كنت أشغل منصباً مهماً في إحدى المؤسسات الحكومية، إلى جانب أنني أكفل أطفالاً دون والدهم".
مصير مجهول
وخلف طاولة صغيرة زاخرة بالمشغولات اليدوية من الأكسسوارات المصنوعة من الخرز تجلس إشراقة فضل التي كانت تعمل مُحاضرة في إحدى الجامعات بالخرطوم، وقالت إن "الصراع المسلح في السودان أدى إلى قلب موازين الحياة، مما أجبرني للجوء إلى مصر برفقة أبنائي ووالدتي، وهي رحلة نحو مصير مجهول، في ظل الظروف الاقتصادية المعروفة لدى الجميع، ولم أجد مصدراً للرزق سوى العودة إلى الهواية القديمة والاستعانة بها في توفير متطلبات الحياة من إيجار ومعيشة".
وأردفت فضل "كنت شغوفة منذ صغري بصناعة المشغولات اليدوية، لكن توقفت عن ممارسة تلك الهواية لأعوام طويلة، وأجبرتني الحاجة الشديدة وبخاصة أنني لا أملك دخلاً يغطي التزاماتي من سكن ومعيشة إلى عمل الأكسسوارات المنظومة من الخرز الذي أجلبه من مدينة بورسعيد وأعرضها في البازارات التي عادة ما تكون مصاحبة للمبادرات الخيرية التي تنظمها سيدات دعماً للمرأة السودانية، وأصبح لدي زبائن يتواصلون معي عبر الوسائط المختلفة، كما أعتمد أيضاً على التسويق الإلكتروني، وتمكنت من تخطي الظروف القاهرة بالمثابرة والعلاقات الممتدة".
ولفتت المحاضرة الجامعية إلى أن "العمل أياً كان نوعه ليس عيباً طالما أنه يدر أموالاً تكفي شر السؤال".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
واقع مختلف
في السياق، تشير المتخصصة الاجتماعية أحلام يوسف إلى أن "الحرب كبدت النساء خسائر فادحة في شتى نواحي الحياة، إذ تسببت في فقد وظائفهن، وبخاصة أن معظمهن يعلْن أسراً ممتدة، مما أدى إلى اضطرارهن للنظر إلى ما وراء المعارك، إذ نجدهن في كل موقع يعملن من أجل مواصلة حياتهن ويرسمن واقعاً مختلفاً ويبحثن ويخططن من أجل ايجاد مصدر للرزق، فهناك من اتجهت للعمل في المنازل والمخابز والمحال التجارية وغيرها من الأعمال، في حين استفادت بعضهن من مواهبهن الكامنة لبدء نشاط تجاري لفك الضائقة المعيشية التي تعانيها معظم الأسر السودانية".
وواصلت يوسف، "حقيقة أدهشتني إرادة النساء القويات اللواتي تجاوزن مآسي الحرب، وبخاصة الأسر التي تعولها نساء، لكن المشكلة في أن استمرار الحرب يعني مزيداً من الانتهاكات التي ستظل تطاول النساء، في ظل غياب وسائل الحماية".
وبينت أن "بيئة العمل سواء داخل السودان أو خارجه باتت صعبة للغاية ومواجهة بتحديات كبيرة مثل ارتفاع أسعار المواد التي تدخل في صناعة المنتجات، إلى جانب التهديدات الأمنية التي تستهدف الولايات، وعلى رغم ذلك يقيني أن المرأة السودانية قادرة على الصمود".
ونوهت المتخصصة الاجتماعية إلى أنه "في المقابل هناك نساء قابعات يعانين الظلم الذي وقع عليهن، لذلك لا بد من أن يعملن من أجل النهوض مجدداً وعدم الاستسلام لليأس وفظائع الحرب لأن المشوار نحو الاستقرار لا يزال بعيد المنال".
وختمت حديثها بمناشدة المجتمعات الدولية "كي لا تصبح أزمة نساء السودان منسية، إذ يستوجب التكاتف لدعمهن وحمايتهن، حتى يعملن على إعادة بناء حياتهن".
آفاق جديدة
على صعيد متصل قالت الناشطة الاجتماعية نسرين عبدالوهاب إن "الكوارث والأزمات من شأنها إحداث تغيير في الإنسان، لا سيما أنه من الممكن أن تفتح آفاقاً جديدة في الحياة، إذ إن بعض الولايات السودانية شهدت ازدهاراً بعد تدفقات النازحين، وبخاصة في ما يتعلق بالحركة الاقتصادية من خلال نقل أسواق الخرطوم إليها، وهو ما ساعد في تفعيل الأنشطة التجارية خصوصاً النساء اللواتي يجدن صعوبة في العمل، فضلاً عن أن هناك بعض المشاريع الصغيرة نشطت مثل الوجبات السريعة والمشروبات الباردة والساخنة".
وأشارت الناشطة الاجتماعية إلى أن "ظروف الحرب القاسية وبخاصة تأثيرها في الأسر من النواحي الاقتصادية جعلت كثيراً من النساء يبتكرن أنشطة جديدة لاقت إقبالاً وسط فئات مختلفة، فضلاً عن اقتحام أخريات سوق العمل في مجالاتها المختلفة وهو أمر لم يكن معتاداً من قبل، وهو ما سيُحدث أثراً إيجابياً في المستقبل".