ملخص
لو لم توجد وسائل الاتصالات والتواصل الاجتماعي الحديثة لكانت آثار كورونا أشد مما هي عليه اليوم، ليس على الصعيدين النفسي والاجتماعي فحسب، بل حتى على الصعيدين الاقتصادي والتربوي.
قبل عامين تقريباً، كانت كورونا جزءاً لا يتجزأ من حياتنا اليومية، كانت "تأكل وتشرب معنا"، أو كانت "تتنفس معنا"، مجازاً طبعاً لأن من تنفس مع كورونا لا بد من أنه عانى كثيراً، أو ربما انتقل إلى رحمة الله.
كانت كورونا حديث الناس، فلان "تكَرْوَن"، تم اشتقاق فعل من الكلمة اليونانية الأصل، وأيضاً اشتقاق صفة تصف المصاب فيقال فلان "مكَرْوِن".
حظر وإغلاق وتباعد ومنع تجول. رخص بأوقات محددة لشراء الحاجات والضروريات. تطعيمات، وتساؤلات:
- أنت شخذيت؟
- أسترازينيكا.
- غلطان! فايزر أحسن.
صار بعض الناس الذين بالكاد "يفكون الخط" خبراء في علم المناعة وعلماء في أنواع التطعيم.
تباعد الناس وأغلقت الدواوين في الكويت، يمكن وصف الدواوين في الكويت بأنها ملتقى اجتماعي وسياسي ورياضي وصحي إلخ إلخ. وتحولت الهواتف الذكية إلى دواوين. تخيل لو أن الجائحة حلت بنا قبل عصر الهواتف الذكية!. كيف كان يمكن أن يتواصل الناس؟. كان العتب لمن توقف عن التواصل والوصال، "شدعوا! وينك يالقاطع؟". وتحول في مجموعات (غروبات) الـ"واتساب" إلى "أفا! ليش ما تشارك؟". بل أصبح تواصل الناس بالـ"واتساب" مكتوباً أو برسائل صوتية مسجلة أكثر حتى من الاتصال المباشر ببعضهم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لو لم توجد وسائل الاتصالات والتواصل الاجتماعي الحديثة لكانت آثار كورونا أشد مما هي عليه اليوم، ليس على الصعيدين النفسي والاجتماعي فحسب، بل حتى على الصعيدين الاقتصادي والتربوي، فقد تحولت كثير من الأنشطة الإنسانية الاقتصادية والتعليمية إلى العالم الافتراضي وصار التعليم عن بعد وتغيرت أمزجة وأجواء العمل في كثير من المهن، ولم تعُد كما كانت قبل الجائحة.
تأجلت حفلات الزواج، واقتصر العزاء في المقابر على أهل الميت. وكانت الناس قبل الجائحة تقدم العزاء على مدى ثلاثة أيام، وهي من العادات الجديدة نسبياً. أذكر في ستينيات القرن الماضي أن العزاء في قرية الجهراء يقتصر على المقبرة، وكان في الجهراء مسجدان أحدهما إلى جانب المقبرة القديمة، تتم الصلاة على الجنازة فيه ثم يحمل النعش على الأكتاف ويصطف أقرباء الميت بعد دفنه لتلقي العزاء. وكانت أعداد الناس قليلة، فكل من في المنطقة أدى واجب العزاء "وصلّوا على الميت يرحمكم الله".
أخذ العزاء بعد ذلك أشكالاً من التمظهر والتكلف وربما المفاخرة، ثلاثة أيام يتفاخر بعض أهل الأموات بأعداد من جاءهم معزياً. أذكر وزيراً ونائباً برلمانياً سابقاً عاتبني لأني لم آتيه في عزاء والدته، استغربت من عتبه، فالعتب غالباً لعدم حضور الفرح، وليس للغياب عن الترح، فقلت له قولاً لا يصلح للنشر.
تلاشت عادات العزاء لمدة ثلاثة أيام، وأصبح اليوم يتم في المقبرة بالغالب، وتغيرت طريقة تقديم العزاء في المقبرة، فقد اقتصرت على السلام بالنظر.
قبل أكثر من 10 أعوام، سألني أحد أعضاء وفد كويتي كنت من ضمنه في الرياض خلال شهر رمضان المبارك وذهبنا إلى قصر الملك عبدالله بن عبدالعزيز (رحمه الله) للمباركة بالشهر الفضيل، "شنو يعني السلام نظر؟"، فقلت له، "أي لا مصافحة ولا تقبيل، تمر وتلقي السلام رافعاً يدك بالتحية". كانت أعداد الزوار بالآلاف، ولو أن الملك صافحهم جميعاً لانتهى الشهر ولم تنتهِ المصافحة.
قلّت أعداد الدواوين في الكويت بعد جائحة كورونا التي فعلت فعلها بالعادات والتقاليد التي سبقت الجائحة، وفتح العالم الافتراضي دواوين في وسائل التواصل الاجتماعي، وقلّ التواصل الكلامي بل تراجع كثيراً بين الناس، خصوصاً أجيال الشباب التي انتشر بينها الاكتئاب والصمت، وتغيرت عادات وتلاشت عادات لأنها تكرونت، فاختفت وذهبت من دون رجعة.