ملخص
امتنعت بريطانيا عن فرض رسوم جمركية على المركبات الكهربائية الصينية التي فرضتها كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي
في حملته الانتخابية، وعد دونالد ترمب بفرض تعريفات جمركية تصل إلى 60 في المئة على المنتجات الصينية، مما يهدد باندلاع حرب تجارية عالمية قد تؤثر في بريطانيا، ومن المتوقع أن تدفع هذه الخطوة المنتجات الصينية بعيداً من السوق الأميركية باتجاه أوروبا وبريطانيا مما يزيد الضغط على الأخيرة لاتخاذ موقف أكثر صرامة تجاه الصين.
قد تشمل التبعات ارتفاع كلفة استيراد تقنيات الطاقة المتجددة مثل الألواح الشمسية وطواحين الهواء، مما يهدد خطط بريطانيا للتحول السريع للطاقة النظيفة بحلول نهاية العقد.
من جانبه، حذر مدير مركز سياسات التجارة الشاملة، مايكل جاسورك، من خطر حقيقي يتعلق بتوجه ترمب نحو فرض التعريفات الجمركية، معتبراً أن التفاوض الثنائي في الماضي ساعد دولاً على تجنب تنفيذ هذه التعريفات.
وأضاف أن ترمب قد يستخدم التهديد بالتعريفات كوسيلة ضغط لتوجيه سياسات الدول تجاه الصين، مشيراً إلى أن فرض التعريفات الجمركية المرتفعة قد يعتمد على استعداد هذه الدول للتعاون مع الولايات المتحدة في الحد من التجارة الصينية في صناعات معينة.
ولا يتفق الاقتصاديون على التأثير الإجمالي للحرب التجارية المحتملة في اقتصاد بريطانيا، على رغم أن البعض اقترح أن هذا التأثير قد يكون محدوداً نسبياً.
وابل التعريفات الجمركية
وأشار كبير الاقتصاديين في "بانمور ليبيرم"، سيمون فرينش، إلى حقيقة مفادها أنه خلال فترة ولاية ترمب الأولى ــ على رغم وابل التعريفات الجمركية على الصين وغيرها ــ قضت التجارة العالمية معظم الفترة فوق الاتجاه الطويل الأجل حتى ظهور الوباء، وعلاوة على ذلك، كان النمو في حجم الاقتصاد العالمي بين عامي 2017 و2019 هو بالضبط ما توقعه صندوق النقد الدولي في أكتوبر (تشرين الأول) 2016، قبل شهر واحد من انتخاب ترمب.
مع ذلك، قد تعاني بعض قطاعات الاقتصاد البريطاني المعرضة إما للصين أو الولايات المتحدة إذا وقعت البلاد في فخ التعريفات الجمركية الانتقامية، وستعاني شركات التجزئة البريطانية، التي لن تتأثر بصورة مباشرة بالتعريفات الجمركية الأميركية بصورة عامة، في حال اندلاع حرب تجارية نظراً إلى أنها تستورد كثيراً من سلعها غير الغذائية من الصين.
وكانت سلالتان من الأسهم الأوروبية المعرضة للصين، بما في ذلك بنك "أتش أس بي سي" و"أنجلو أميركان"، والأسهم الأميركية، بما في ذلك شركة المشروبات "ديجيو" وشركة المواد الكيماوية "كرودا" على التوالي، التي يتألف منها بنك "باركليز"، سجلتا أداء أضعف بكثير من السوق الأوسع في الفترة التي سبقت انتخاب ترمب، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى المخاوف المتعلقة بالتعريفات الجمركية.
ويواجه قطاع السيارات خطر الوقوع في مرمى نيران حرب تجارية، نظراً إلى ارتفاع مستوى تعرضه للسوقين الأميركية والصينية. وتشير أحدث الأرقام الصادرة عن جمعية مصنعي وتجار السيارات إلى أن الولايات المتحدة والصين هما ثاني وثالث أكبر وجهتين للتصدير للسيارات الجاهزة المصنعة في بريطانيا.
نشاط التصنيع
امتنعت بريطانيا عن فرض رسوم جمركية على المركبات الكهربائية الصينية التي فرضتها كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وقد يصبح هذا نقطة خلاف بين بريطانيا وإدارة ترمب القادمة.
وفي حديثه عن موضوع المركبات الكهربائية المصنعة في الصين، قال السكرتير الدائم السابق في قسم التجارة الدولية، جون ألتي، لصحيفة "التايمز"، "فرضت الولايات المتحدة رسوماً جمركية عالية للغاية بنسبة 100 في المئة وفرض الاتحاد الأوروبي مجموعة من الرسوم الجمركية على مستوى أقل... قد تقول الولايات المتحدة إذا لم تفرض رسوماً جمركية على البطاريات من الصين، فإن السيارات القادمة من بريطانيا مع هذه البطاريات تتحايل فعلياً على تعريفاتنا الجمركية على الصين، لذا فعليك أن تتبع الولايات المتحدة، وهذا مرة أخرى يمثل معضلة بالنسبة إلى بريطانيا".
انجرار بريطانيا لحرب تجارية
وفي حال انجرت بريطانيا إلى حرب تجارية بين الولايات المتحدة والصين، فإن هذا يثير أيضاً احتمال ارتفاع أسعار المعادن الحيوية التي تشكل أهمية بالغة لصناعات السيارات والطاقة الخضراء.
وتخضع إمدادات المعادن الحيوية، بما في ذلك النحاس والليثيوم والكوبالت والنيكل، لسيطرة صارمة من قبل الصين، التي تنتج وتنقي ما بين 60 و90 في المئة من إمدادات العالم، وفقاً لتقديرات "بينشمارك مينيرال إنتليجينس".
وقال الرئيس التنفيذي لشركة "تيمكمن"، بريان مينيل، وهي شركة استثمار في المعادن الحيوية، إن هذا نتيجة 20 عاماً من التركيز الذي ترعاه الدولة من قبل الصينيين على بناء سلاسل توريد المعادن الحيوية.
وأضاف مينيل "بينما كان الجميع نائمين، كانت الشركات الصينية، المدعومة جميعاً بتمويل حكومي رخيص، نشطة في جميع أنحاء العالم، أولاً، عبر تأمين إمدادات الموارد الأولية من خلال شراء أو تمويل مشاريع التعدين، وتطوير البنية التحتية في البلدان الغنية بالموارد في مقابل السيطرة على تدفق المنتجات، وثانياً، بناء القدرة على المعالجة لتحويل المواد المستخرجة إلى مواد كيماوية معدنية عالية النقاء تدخل في البطاريات وغيرها من التقنيات".
وقال مينيل إن انتخاب ترمب من المرجح أن يزيد من التدقيق على أمن سلسلة التوريد للصناعة الأميركية وقدرتها التنافسية، مضيفاً "مهما كانت النتيجة في الولايات المتحدة، فإنها ستركز الانتباه بصورة أكبر في بريطانيا وأوروبا على هذه الضرورة".
تفاقم سلطة الصين
تفاقمت سيطرة الصين على الإمدادات بسبب ندرة الاستكشاف الجديد من قبل شركات التعدين المتنوعة الكبيرة، التي يدرج عديد منها في المقام الأول في لندن، والتي اختارت إعادة النقود إلى المساهمين بدلاً من الاستثمار في بناء إمدادات جديدة.
وأُسست شركة "تيكميت" خلال إدارة ترمب الأولى في عام 2017 وتدعمها الحكومة الأميركية التي تحتفظ بحصة 15 في المئة. وفي بريطانيا، تعد الشركة أكبر مساهم في "كورنيش ليثيوم"، وهو مشروع لتعدين الليثيوم يهدف إلى توفير أكثر من 10 في المئة من الطلب في البلاد على معدن البطاريات الرئيس بحلول نهاية العقد.
وقبل الانتخابات الأميركية اتخذت الحكومة خطوات مبكرة لتعزيز الوصول إلى المعادن الحيوية، وفي أول موازنة لها الشهر الماضي، أعلنت وزيرة الخزانة البريطانية، راشيل ريفز، أن القروض المدعومة من الدولة ستتاح للشركات البريطانية التي تستورد المعادن الحيوية كجزء من السباق لتأمين الإمدادات.
المستحضرات الصيدلانية
أيضاً هناك قطاعات أخرى في بريطانيا قد تكون عرضة لحرب تجارية، إذ حددت هيئة مراقبة التجارة الدولية صناعة الأدوية في بريطانيا كواحدة من الخاسرين الرئيسين في حال نشوب حرب تجارية، وتوقعت انخفاضاً بنسبة تزيد على 15 في المئة في التجارة مع بقية العالم بفضل تعرضها للولايات المتحدة.
في عام 2023، ذهب ما يزيد قليلاً على 29 في المئة من إجمال صادرات بريطانيا من الأدوية إلى الولايات المتحدة، وستمثل التعريفة الجمركية العالمية بنسبة 10 في المئة أو 20 في المئة زيادة كبيرة على الحواجز المنخفضة الحالية في الولايات المتحدة للأدوية البريطانية.
في الوقت نفسه، أكملت شركة "أسترازينيكا" أخيراً عملية شراء بقيمة 1.2 مليار دولار لشركة "غراسيل بايوتيكنولوجيز" ومقرها شنغهاي، وهي شركة مطورة لعلاجات خلايا السرطان وأمراض المناعة الذاتية، وتعد البلاد أكبر سوق خارجية للشركة من جهة المبيعات. كانت هناك تكهنات العام الماضي بأن "أسترازينيكا" تفكر في فصل أعمالها الكبيرة في الصين من خلال قائمة منفصلة، لحماية المجموعة وسط التوترات الجيوسياسية المتزايدة.
وفي الوقت نفسه، تحددت "يونيليفر" أيضاً كضحية محتملة للإدارة الأميركية الجديدة لأن أكبر قاعدة إنتاج لها تقع في منطقة هيفاي الصناعية في الصين، إذ تصنع منتجات "دوف" و"كلير" و"لوكس"، وقد تتأثر بالرسوم المفروضة على الصادرات الصينية.
وتمتلك مجموعة السلع الاستهلاكية المدرجة في لندن عمليات تصنيع رئيسة في المكسيك، والتي تواجه أيضاً تعريفات جمركية تزيد على 25 في المئة. ولدى شركة "يونيليفر" أربع خطط في البلاد، والتزمت بناء مصنع تصنيع جديد في ولاية نويفو ليون بشمال المكسيك بكلفة 400 مليون دولار.
السلع الفاخرة
سيكون قطاع السلع الفاخرة هو الآخر عرضة لحرب تجارية بين الصين والولايات المتحدة، بعدما وجد نفسه في كثير من الأحيان في مرمى النيران في النزاعات التجارية السابقة.
في عام 2019، خلال رئاسة ترمب الأولى، أدى نزاع تجاري طويل الأمد في شأن الدعم الحكومي لشركة "إيرباص" و"بوينغ" بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة إلى فرض الأخيرة رسوماً بنسبة 25 في المئة على المنتجات الفاخرة بما في ذلك "الويسكي" الشعيري الاسكتلندي.
وقلل المستهلكون من الطبقة المتوسطة الذين غذوا الطفرة في الطلب على السلع الفاخرة من إنفاقهم على مدى العام الماضي لأنهم يشعرون بالضائقة الناجمة عن تباطؤ سوق العقارات في البلاد.
ونظراً إلى أن المتسوقين في الصين يدخرون بدلاً من الإنفاق، فقد أبلغ عديد من شركات السلع الفاخرة عن انخفاض مزدوج الرقم في المبيعات في البلاد، وفي وقت سابق من هذا الأسبوع أعلنت مجموعة "بربري البريطانية" للسلع الفاخرة عن انخفاض بنسبة 25 في المئة في مبيعاتها في منطقة آسيا والمحيط الهادئ خلال الأشهر الستة حتى الـ30 من سبتمبر (أيلول) الماضي. وأكد الرئيس التنفيذي الجديد للمجموعة، جوشوا شولمان، أنه في حين تظل البلاد سوقاً مهمة للعلامة التجارية، إلا أن هناك "قضايا كبرى في الصين الآن".
الانخفاض الحاد في المبيعات
وقال المحلل في "بيرنشتاين" لوكا سولكا "كان الصينيون جمهوراً مهماً من المستهلكين على مدى السنوات الـ25 الماضية، ولأنهم في موقف دفاعي ولأنهم يمثلون جزءاً كبيراً من السوق العالمية، فإن هذا يضر بالصناعة".
وأثارت تحذيرات الأرباح الصادرة عن شركة "كيرينغ"، مالكة علامة "غوتشي"، إلى جانب الانخفاض الحاد في المبيعات في "مولبيري" و"ريتشمونت"، مخاوف المستثمرين في شأن مستقبل قطاع السلع الفاخرة.
وعلى رغم هذا الغموض، فإن هناك عدداً قليلاً من شركات السلع الفاخرة التي تمكنت من تجنب الانحدار، ففي الشهر الماضي أعلنت شركة "هيرميس"، صانعة حقائب "بيركين"، عن زيادة بنسبة 11 في المئة في مبيعات الربع الثالث من هذا العام بفضل استمرار مرونة العلامات التجارية الفاخرة الراقية، وسجلت مجموعة "برادا"، الشركة الأم للعلامة التجارية التي تحمل الاسم نفسه و"ميو ميو"، زيادة بنسبة 18 في المئة في الإيرادات في الأشهر التسعة الأولى من العام.
وقال سولكا "أعتقد أن المستهلكين، عندما يكون هناك تباطؤ وعندما يراقبون أموالهم، فإنهم سيكونون متميزين للغاية في ما يتعلق بالعلامات التجارية التي يشترونها، ويركزون إنفاقهم على العلامات التجارية الأكثر جاذبية". وأضاف "فكر في ميو ميو، على سبيل المثال، التي يفضلها المستهلكون بوضوح وتتغلب على هذا التباطؤ بصورة جيدة للغاية".
في حين استمرت حفنة قليلة فقط من العلامات التجارية في الأداء الجيد وسط الركود الأوسع للقطاع، إلا أن هناك بصيص أمل لبيوت الأزياء.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي حديثه إلى المستثمرين الخميس الماضي أكد شولمان أن الصناعة يجب ألا "تقلل أبداً من قوة المستهلك الصيني وقدرته على الصمود والمسار الطويل الأجل للسوق، إذ نعتقد أن هذه قضايا دورية، وكما فعلوا في الماضي، فإن المستهلك الصيني سيعود بقوة".
وسلطت تصريحاته الضوء على التفاؤل المتزايد في شأن مستقبل الاقتصاد الصيني بعدما كشفت الحكومة عن سلسلة من حزم التحفيز التي تهدف إلى إحياء التوقعات الاقتصادية للبلاد. ومع ذلك، فإن توقيت ارتفاع الإنفاق الاستهلاكي في البلاد وارتفاع قطاع الرفاهية الأوسع نطاقاً لا يزال موضع تساؤل.
وقال سولكا "ربما نرى نقطة تحول الآن بعدما بدأ بنك الاحتياطي الفيدرالي في خفض أسعار الفائدة، وبدأ الصينيون في دعم اقتصادهم بصورة كبيرة ما من شأنه أن يوفر بيئة أفضل في عام 2025".