Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف تغلبت أسواق التنبؤ على استطلاعات الرأي في السباق الرئاسي الأميركي؟

نجاح "بولي ماركت" ومنصات المراهنات الأخرى في تحديد نتيجة الانتخابات من شأنه إنهاء عصر التنبؤ السياسي

نشأت استطلاعات الرأي في عام 1936 عندما تنبأ جورج غالوب وإلمو روبر بفوز فرانكلين روزفلت استناداً إلى استطلاعات العينة (أ ف ب)

ملخص

في عام 2016 أخطأت جميع استطلاعات الرأي تقريباً عندما فاز دونالد ترمب بالرئاسة

أحرز دونالد ترمب انتصاراً كبيراً في انتخابات 2024، مؤكداً الدور المتزايد لأسواق التنبؤ مثل منصة "بولي ماركت" القائمة على العملات المشفرة.

وتتيح هذه الأسواق للمستخدمين تداول عقود تعتمد على نتائج أحداث مستقبلية، مما يعكس تحولاً ملحوظاً في الاعتماد على تقديرات الخبراء واستطلاعات الرأي التقليدية. ويبرز هذا النجاح إمكانية أن تصبح أسواق التنبؤ أداة رئيسة لفهم الرأي العام وتوقع النتائج السياسية.

وبحلول صباح يوم الانتخابات سجلت منصة "بولي ماركت" تداولات بلغت قيمتها 1.8 مليار دولار حول فوز ترمب بالرئاسة بنسبة 62 في المئة، إلى جانب نصف مليار دولار حول فوز هاريس بالتصويت الشعبي بنسبة 73 في المئة. وشهدت المنصة أكبر رهان على فوز ترمب من قبل مستثمر غامض أطلق على نفسه اسم "ثيو"، الذي يعد من أبرز اللاعبين في هذا المجال، وتعكس هذه الأرقام ثقة متزايدة في دقة أسواق التنبؤ مقارنة بالتقديرات التقليدية.

كان فوز دونالد ترمب في انتخابات 2024 أكثر حسماً مما توقعت أسواق التنبؤ، بما في ذلك منصة "بولي ماركت"، وحتى مع ثقة المستثمر المعروف باسم "ثيو" بفوز ترمب في التصويت الشعبي، لم يشارك كثر هذه القناعة. ومع ذلك أثبتت أسواق التنبؤ دقتها مقارنة بمعظم استطلاعات الرأي التقليدية والتوقعات السياسية، التي رجحت نتائج متقاربة جداً، في حين يعكس هذا التباين تحولاً ملحوظاً نحو أسواق التنبؤ كأداة أكثر موثوقية لفهم المزاج العام مقارنة بالنماذج التقليدية.

وأفادت صحيفة "وول ستريت جورنال" في يوم الانتخابات أن أسواق التنبؤ منحت دونالد ترمب فرصة فوز تراوح ما بين 57 و62 في المئة، بينما أظهرت استطلاعات الرأي تنافساً شديداً. ووفقاً لمحاكاة الإحصائي الأميركي نيت سيلفر، فازت كامالا هاريس في 40012 من أصل 80 ألف محاكاة، مما منحها فرصة فوز بنسبة 50 في المئة، وعلى رغم ذلك، أحرز ترمب انتصاراً كبيراً يفوق التوقعات، مما يعكس فجوة واضحة بين تقديرات الأسواق ونتائج الاستطلاعات، ويؤكد أهمية أسواق التنبؤ كأداة أكثر دقة في تحليل النتائج السياسية.

أضافت مداهمة مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) لمنزل الرئيس التنفيذي لشركة "بولي ماركت"، شين كوبلان، الأربعاء الماضي، تطوراً دراماتيكياً آخر على القصة. وعلى رغم عدم وضوح أسباب التحقيق، يبقى التنبؤ بنتائج الانتخابات في حد ذاته ليس جريمة. ويثير هذا التطور أسئلة حول الإطار القانوني للأسواق التنبئية، التي يدافع عنها الاقتصادي البريطاني فريدريك هايك باعتبارها أحياناً أكثر دقة من تقديرات المراقبين، في حين قد تكون انتخابات 2024 منحت فيها الأولوية للتنبؤات الذاتية على حساب أسواق التنبؤ المتطورة.

موقع مراهنات مدعوم بالعملات المشفرة

يقول الزميل الأول في مؤسسة "هوفر" بجامعة ستانفورد، مؤسس شركة "غرينمانتل"، نيل فيرغيسون، وزميل في المؤسسة ماني رينكون كروز، مؤسس مشروع التمويل اللامركزي "بوتنوود"، أن محللي استطلاعات الرأي أمضوا الأشهر التي سبقت الانتخابات في التقليل من شأن أسواق التنبؤ، فكلما ازدادت فرص فوز ترمب على منصات مثل "بولي ماركت" و"كالشي"، كانت ردود الفعل النقدية تجاه هذه الأسواق أكثر حدة، مما يعكس التوتر بين تقنيات التنبؤ الحديثة والأساليب التقليدية.

ووصفت صحيفة "نيويورك تايمز" منصة "بولي ماركت" بأنها "موقع مراهنات مدعوم بالعملات المشفرة"، وانتقدت توقعاتها بفوز ترمب، معتبرة تقدمه "وهماً". ونقلت عن البروفيسور راجيف سيثي من معهد "برنارد" مخاوفه من أن تكون المنصة عرضة للتلاعب، إذ أشار إلى أن بعض المتداولين قد يكونون مستعدين لتحمل الخسائر بهدف التأثير في تصورات الجمهور، مما قد يؤثر في التبرعات والروح المعنوية ودعم المتطوعين، وحتى نسبة الإقبال على الانتخابات.

وفي تعليق آخر، قال محلل العملات المشفرة آدم كوشران إن خسارة ترمب قد تعزز من حجج ادعاءاته بأن الانتخابات "سرقت منه"، إذ إن نتائج أسواق المراهنات قد تستخدم لتشويه صدقية الانتخابات.

ووجه انتقادٌ آخر مفاده أن المشاركين في أسواق التنبؤ لم يكونوا ممثلين للسكان بصورة عامة. ووفقاً لسكوت كومينرز من كلية هارفرد للأعمال، فإن أسواق التنبؤ لم تحقق أداء أفضل من استطلاعات الرأي في التنبؤ بفوز ترمب في 2016، موضحاً أن الأسواق لا تعمل بصورة جيدة عندما لا يكون اللاعبون الرئيسون ممثلين بصورة صحيحة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

بناءً على ذلك، كان من المتوقع أن يؤدي الحظر المفروض على المواطنين الأميركيين على استخدام منصة "بولي ماركت"، الذي فرض نتيجة لتسوية مع لجنة تداول السلع الآجلة في عام 2022، إلى تقليل فاعلية المنصة. ومع ذلك يبقى أن الأميركيين، على رغم الحظر، ليسوا وحدهم من يمتلكون المعرفة السياسية أو القدرة على التنبؤ بالانتخابات، إذ يمكن للمشاركين من دول أخرى تقديم رؤى قيمة أيضاً.

وفي تفسيره لارتفاع أسهم ترمب على "بولي ماركت"، قدم موقع "نيت سيلفر" تفسيرات عدة، منها أن المتداولين كانوا "قلقين" أو أن محللي العملات المشفرة بدأوا يميلون بصورة متزايدة نحو ترمب. وأشار إلى تأثير تغريدات إيلون ماسك، إضافة إلى غياب "الأموال الذكية" في السوق، ومع ذلك، يظل هذا التفسير غير مقنع بالنظر إلى أن استطلاعات الرأي، التي يعتمد عليها المحللون التقليديون، فشلت في التنبؤ بنتائج الانتخابات.

هل أصبح التنبؤ علماً؟

نشأت استطلاعات الرأي في عام 1936، عندما تنبأ جورج غالوب وإلمو روبر بفوز فرانكلين روزفلت استناداً إلى استطلاعات العينة. ومنذ ذلك الحين، أصبحت هذه الاستطلاعات جزءاً أساساً من تغطية الانتخابات، مما خلق انطباعاً بأن التنبؤات السياسية أصبحت علماً دقيقاً، لكن الكم الكبير من البيانات لا يعني بالضرورة جودتها، إذ إن الجمع بين كميات ضخمة من المعلومات قد يؤدي أحياناً إلى نتائج غير دقيقة.

في عام 2008، حقق نيت سيلفر شهرة واسعة بعدما توقع بصورة دقيقة فوز باراك أوباما في 49 ولاية من أصل 50، وكانت ابتكاراته الرئيسة تتمثل في استخدام استطلاعات الرأي المختلفة كمدخلات في نموذج خاص به.

وفي عام 2016، أخطأت جميع استطلاعات الرأي تقريباً عندما فاز دونالد ترمب بالرئاسة، وفي عشية الانتخابات، منح نيت سيلفر هيلاري كلينتون فرصة 66.9 في المئة للفوز، وتوقع حصولها على 294 صوتاً في المجمع الانتخابي، ولم يكن الخطأ بسبب نقص البيانات، بل لأن جميع استطلاعات الرأي تقريباً أظهرت تقدم كلينتون، مما أدى إلى تقديرات خاطئة على رغم توافر كثير من المعلومات.

فيرغيسون وكروز تساءلا عن الخطأ الذي وقع في استطلاعات الرأي عام 2016، وفي تقريرهما، أكدا أن المشكلة تكمن في التمثيل المفرط لخريجي الجامعات، مما أدى إلى تحيز لمصلحة هيلاري كلينتون، وأشارا إلى "تأثير المراقب" وكيف أن طرح سؤال في استطلاع يؤثر في الإجابات، وأخيراً، لفتا إلى ميل استطلاعات الرأي لتصبح جزءاً من الأخبار، مع تحفيز المؤسسات الإخبارية لبيع السباق المفتوح بدلاً من النتائج الحاسمة مسبقاً.

فيرغيسون وكروز يريان أن انتقادات أسواق التنبؤ تشابه الانتقادات الموجهة لاستطلاعات الرأي، فمن تمثيل عينة غير دقيقة إلى تحريف الحوافز المالية وتوليد الزخم للمرشحين، تشير هذه الانتقادات إلى "الخطايا" نفسها في أسواق التنبؤ كما في استطلاعات الرأي.

التفوق على استطلاعات الرأي

ولأسواق التنبؤ جذور تاريخية أقدم من استطلاعات الرأي الحديثة، فقد اكتشف بول دبليو رود وكولمان أس سترمبف من جامعة نورث كارولاينا في تشابل هيل، بيانات تشير إلى وجود أسواق منظمة للمراهنة على الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة بين عامي 1868 و1940، مما يعكس تاريخاً طويلاً للتنبؤ بالنتائج السياسية.

لكن أسواق المراهنات السياسية المبكرة تراجعت بعد سلسلة من النكسات، أبرزها حملة القمع التي شنها عمدة نيويورك فيوريلو لا غوارديا خلال الحرب العالمية الثانية، إضافة إلى تأثير الحظر الفيدرالي في نقل الرهانات بين الولايات، وكان هذه القوانين تهدف إلى مكافحة الجريمة المنظمة والابتزاز، مما أعاق نمو هذه الأسواق في تلك الفترة.

استغرقت أسواق التنبؤ السياسي سنوات لتظهر مجدداً تحت إشراف لجنة تداول السلع الآجلة، وكان ذلك في 1988 عندما أطلق اقتصاديون من جامعة أيوا سوق "أيوا للأوراق المالية السياسية". واليوم تعرف هذه الأسواق بأسواق أيوا الإلكترونية (IEM)، وتعمل كمشروع تعليمي بحت، يحدد سقف الرهانات عند 500 دولار، ويقتصر المشاركة على الطلاب، وعلاوة على ذلك، تحدد هذه الأسواق سقفاً للمشاركين يراوح ما بين 1000 و2000 شخص، بحسب السؤال المطروح.

وبعد 26 عاماً، وتحديداً في عام 2014، أنشأت جامعة فيكتوريا في ويلينغتون بنيوزيلندا ثاني أكبر سوق للتنبؤات "بريديكتيت"، الذي حصل على إعفاءات مشابهة من لجنة تداول السلع الآجلة للأوراق المالية، مثل تلك التي حصلت عليها أسواق "أيوا الإلكترونية"، مع اتباع قواعد مماثلة.

على رغم تطور أسواق التنبؤ، فإنها ما زالت تخضع لقيود تنظيمية صارمة، مما يحد من إمكاناتها، وإضافة إلى ذلك، فإن السيولة في هذه الأسواق ضحلة للغاية مقارنة بأسواق المال التقليدية، إذ تعد المعاملات مرتفعة الكلفة لدرجة تجعلها غير مجدية من الناحية المالية بالنسبة إلى كثير من المستثمرين.

ويقول فيرغيسون وكروز إنه على رغم العيوب التي تشوبها، فإن أسواق التنبؤ تتفوق في الغالب على استطلاعات الرأي، ووفقاً لتحليل لأسواق "أيوا الإلكترونية" بين عامي 1988 و2008، تفوقت التنبؤات المستخلصة من الأسواق على تلك المستخلصة من استطلاعات الرأي في نحو 75 في المئة من الحالات، سواء قبل الانتخابات بأشهر عدة أو عشية الانتخابات.

وتعد هذه النتيجة مذهلة بالنظر إلى أن إجمال الرهانات في أسواق "أيوا الإلكترونية" على مدى 25 عاماً بلغ 4.1 مليون دولار فحسب، وهو أقل من المبلغ الذي راهن عليه "ثيو"، أحد كبار المتداولين في "بولي ماركت"، في يوم واحد.

"آلة وزن وتصويت"

قال أستاذ الاستثمار الشهير، بنيامين جراهام، إن "السوق في الأمد القريب آلة تصويت، وفي الأمد البعيد آلة وزن". ويشير إلى أن الأسعار في المدى القصير تتأثر بمشاعر السوق، بينما في المدى الطويل تميل إلى عكس القيمة الحقيقية، ومع ذلك، لم يأخذ جراهام في اعتباره التأثير الحاسم للسيولة وحجم التداول، وهما عاملان يمكن أن يزيدا من تقلبات السوق في كلتا الفترتين.

وتعد أسواق التنبؤ الضحلة بمثابة آلة تصويت، بينما تمثل الأسواق العميقة آلة وزن، ومع دخول العملات المشفرة في هذا المجال، أصبحت أسواق التنبؤ أعمق مما كان يعتقد كثر، إذ تسهم العملات المشفرة في توفير سيولة أكبر، مما يعزز دقة التنبؤات ويجعل الأسواق أكثر قدرة على عكس القيمة الحقيقية للمعلومات المتاحة.

مع اتساع أسواق التنبؤ مثل "بولي ماركت" وازدياد حجمها، أصبحت أكثر جذباً للمتداولين الدوليين بدلاً من الطلاب الجامعيين، ففي حين أن أسواق مثل "أيوا الإلكترونية" و"بريديكتيت" لا تقدم مكافآت كبيرة، تتيح "بولي ماركت" فرصاً أكبر مع حجم تداول ضخم، مما يجعلها أكثر جذباً للمتداولين المتمرسين وأقرب إلى بيئة "وول ستريت" من كونها مجرد منصة تعليمية أو ترفيهية.

تفسر السيولة الكبيرة لـ"بولي ماركت" تصرفات "ثيو"، الذي تصرف بحذر وذكاء، إذ أسس مراكزه بصورة سرية وباستخدام محافظ متنوعة ومشتريات صغيرة الحجم لتجنب رفع الأسعار.

لم يقتصر رهان "ثيو" على فوز ترمب في المجمع الانتخابي، بل راهن أيضاً على فوزه بالتصويت الشعبي، وهو ما كان يمثل موقفاً أقلية في "بولي ماركت"، وراهن على فوزه في ست ولايات متأرجحة، بما في ذلك "الجدار الأزرق" في ميشيغان وبنسلفانيا وويسكونسن، وبحسب التقارير، حقق ثيو ربحاً غير متوقع قدره 85 مليون دولار من رهانه، ومع توجهاته، تبعه كثر.

أسواق التنبؤ

ويرى فيرغيسون وكروز أن صعود أسواق التنبؤ يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالتراجع العام للمحللين في مختلف المجالات، وأشارا إلى أن منصات مثل "بولي ماركت" تؤكد فكرة أن مستخدميها يعرفون أفضل من مستطلعي الرأي، وهي فكرة مشابهة لتصريح إيلون ماسك على "إكس" حين قال "أنتم اليوم وسائل الإعلام".

وعلى رغم عيوب أسواق التنبؤ، فإن الجمهور قد يتأقلم معها بالطريقة نفسها التي استوعب بها حدود استطلاعات الرأي، فالأسواق غالباً ما تجذب متداولين قليلي العدد في البداية، لكنهم يتكيفون مع المعلومات الجديدة بصورة أسرع، فعلى سبيل المثال، تغيرت الاحتمالات في أسواق التنبؤ بسرعة بعد أداء الرئيس بايدن السيئ في المناظرة، مما يبرز قدرة الأسواق على استيعاب البيانات فور حدوثها، وهو ما لا تفعله استطلاعات الرأي بصورة مشابهة.

ويشير الاختراق الكبير الذي حققته "بولي ماركت" هذا العام إلى زيادة محتملة في السيولة لأسواق التنبؤ، وهو ما قد يسهم في تحسين دقة هذه الأسواق وأهميتها، لكن هذا التوسع مرهون بعدم حدوث تغييرات في البيئة التنظيمية.

يعد المتنبئون مثل نيت سيلفر شخصيات ذات صدقية مشابهة للمحللين الماليين مثل جيم كرامر، الذي يقدر تأثير الأسواق في الانتخابات. وفي الرابع من نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري، أشار كرامر إلى أن ارتفاع أسعار الأسهم في شركات البناء والمستوردين قد يكون مؤشراً إلى زيادة ثقة المستثمرين في احتمال فوز نائبة الرئيس كامالا هاريس، مما يعكس مدى تأثير الأسواق في التنبؤ بالاتجاهات السياسية.

اقرأ المزيد