ملخص
من المرجح أن الفوز الحاسم الذي حققه ترمب في هذه المنطقة مرتبط بشدة بدعمه القوي لإسرائيل أثناء فترة رئاسته السابقة، والقرارات التي اتخذها مثل نقل السفارة الأميركية إلى القدس والاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان المحتلة
ما القاسم المشترك بين حي يهودي أرثوذكسي في بروكلين وحي الساحل الجنوبي الإيطالي لجزيرة ستاتن، والجانب الغربي من منطقة روكاوايز؟
هذه الأحياء داخل مدينة نيويورك كلها فاز فيها دونالد ترمب خلال الانتخابات الرئاسية وبفارق شاسع عن منافسته.
وعلى رغم أن مدينة نيويورك (ومانهاتن على وجه الخصوص) لا تزال تصوت بغالبية ساحقة للحزب الديمقراطي، فإن التصويت لترمب زادت نسبته في خمسة أحياء من المدينة أكثر من أي مكان آخر داخل البلاد تقريباً.
وانخفض هامش فوز كامالا هاريس بمقدار 16 نقطة مقارنة بأداء جو بايدن ضد ترمب في انتخابات عام 2020. وداخل منطقة برونكس زاد ترمب نسبته من الأصوات من 16 إلى 27 في المئة. أما في منطقة كوينز التي ولد فيها ترمب ارتفعت حصته من 21 إلى 38 في المئة.
مع تحقيق ترمب مكاسب في مسقط رأسه، ما الذي تكشفه الأحياء الأكثر تأييداً له في المدينة عن قدرته على جذب الناخبين؟
شارع في ميدوود
يضم هذا الشارع نحو 30 منزلاً على أحد جانبي الطريق. أما في الجانب الآخر توجد مكتبة عامة وحديقة وفي نهايته يوجد مبنى سكني. وبعد أسبوع من انتهاء الانتخابات، تغطي أوراق الخريف المتساقطة الأرض في حين تمر أمهات مع أطفالهن الصغار على الطريق كل بضع دقائق.
لا توجد لافتات ولا أعلام ولا ملصقات دعائية تكشف عن سر هذا الحي، لكنه واحد من أكثر الأحياء تأييداً لترمب داخل مدينة نيويورك حيث صوت 98.1 في المئة من الناخبين فيه لمصلحة الرئيس السابق، في حين حصلت هاريس على صوت واحد فحسب.
مثل هذا التصويت الموحد يعد نادراً في المدينة المتعددة الثقافات، لكن هذا الشارع يقع داخل حي ميدوود اليهودي الأرثوذكسي في جنوب بروكلين.
ومن المعروف أن معظم الناخبين الأرثوذكس المتشددين ينتظرون تأييد كبار الحاخامات لمرشح معين قبل الإدلاء بأصواتهم، ونادراً ما يحيدون عن هذه التوصية.
ولذلك لم تكن النتيجة مفاجئة لأعضاء هذا المجتمع.
وقال أحد سكان الشارع ورب عمل طلب عدم الكشف عن هويته "أنا لست مصدوماً على الإطلاق، ولا حتى قليلاً".
عندما سألته "اندبندنت" عن سبب تصويته لترمب، أجاب "سبب تصويتي بسيط جداً: الاقتصاد".
أما خافيير كيبودي (48 سنة) مدير متجر خبز قال إن دافعه لدعم ترمب كان ببساطة شعوره بأن وضعه كان أفضل قبل أربعة أعوام.
وأوضح كيبودي الذي انتقل إلى الولايات المتحدة من الأرجنتين قبل 25 عاماً قائلاً "قبل أربعة أعوام عندما كان رئيساً لم تكن هناك حروب في العالم، لا في أوكرانيا ولا داخل إسرائيل. أنا يهودي أرثوذكسي أعيش حياة جيدة وكل شيء كان مثالياً، لكن أربعة أعوام من حكم جو بايدن كانت كارثية".
وأضاف "نريد أن نعيش نحن وعائلاتنا حياة أفضل من الماضي، لا نطالب بكثير ولا نريد القتال مع أي أحد".
أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة "نيشما للأبحاث" خلال سبتمبر (أيلول) الماضي أن ترمب كان متقدماً على هاريس بين اليهود الحريديم بنسبة 93 في المئة من الأصوات المحتملة. ولكن الانقسام بين الناخبين الأرثوذكس المعاصرين [لديهم وجهات نظر سياسية أكثر تنوعاً ويتفاعلون بشكل أكبر مع القضايا الاجتماعية المعاصرة مقارنة بالمجتمع الحريديم الأكثر انعزالية وتقليدية] في نفس الاستطلاع كان أقل حدة، إذ كانت هاريس متقدمة قليلاً.
ووفقاً لإحصاء أجرته منظمة نداء اليهود المتحدين خلال وقت سابق من هذا العام، يعيش نحو 430 ألف يهودي داخل نيويورك ضمن عائلات أرثوذكسية، أي نحو خمس الأسر اليهودية في نيويورك. ويضم هذا العدد 249 ألف شخصاً بالغاً و181 ألف طفل.
ولكن تأييدات الحاخامات الكبار ليست متحيزة حزبياً، وغالباً ما تؤدي إلى انقسام في التصويت لرؤساء جمهوريين ومرشحين محليين ديمقراطيين.
ومن المرجح أن الفوز الحاسم الذي حققه ترمب في هذه المنطقة مرتبط بشدة بدعمه القوي لإسرائيل أثناء فترة رئاسته السابقة، والقرارات التي اتخذها مثل نقل السفارة الأميركية إلى القدس والاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان المحتلة، على رغم أن ذلك يشكل انتهاكاً للقانون الدولي.
وحصل الرئيس المنتخب على نسب تأييد مرتفعة مماثلة في مناطق أرثوذكسية متشددة أخرى داخل مدينة نيويورك. ومن ضمن المناطق التي صوتت بشدة لترمب منطقة "بورو بارك" التي تقع أيضاً في جنوب بروكلين و"ويليامزبرغ" شمال بروكلين، وفاز ترمب بهامش ضخم مماثل داخل هذه الأحياء خلال عام 2020 وبدرجة أقل عام 2016.
وفي حي أرثوذكسي مكون من ثلاثة مبان في منطقة بورو بارك حصل ترمب على نسبة 99.2 في المئة من الأصوات، إذ حصد 356 صوتاً مقابل صوتين فقط لهاريس.
الشاطئ الجنوبي لجزيرة ستاتن
أيدت جزيرة ستاتن الحزب الجمهوري بصورة كاملة تقريباً، وتتصل ستاتن بمانهاتن بواسطة العبَّارات ويربطها ببروكلين جسر، ويبلغ عدد سكانها نحو نصف مليون شخص. وكان هناك بعض التأييد للحزب الديمقراطي في الطرف الشمالي الأكثر ثراء.
وتمتع ترمب بتأييد في الجزيرة منذ ترشحه الأول عام 2016، وازدادت نسبة تأييده هذا العام إذ فاز بنحو 65 في المئة من الأصوات.
وغالبية سكان الجزيرة هم من الأشخاص البيض ومعظمهم من الطبقة العاملة، في حين ترتبط المناطق الديمقراطية على الخريطة الانتخابية ارتباطاً شبه مباشر بأجزاء ذات ديموغرافية أعلى من ذوي الأصول الإسبانية والسود.
ويبدو هامش فوز ترمب مرتفعاً جداً في الطرف الجنوبي من الجزيرة، والذي يعد موطناً لعدد كبير من السكان الإيطاليين الأميركيين
وحصل على نسب تتجاوز 85 في المئة داخل عديد من الدوائر الانتخابية في منطقة توتنفيل وأقل من ذلك بقليل في الشمال داخل روسفيل، والتي غالباً ما يشار إليها على أنها أكبر حي إيطالي في مدينة نيويورك.
صوتت الجزيرة بفارق ضئيل لمصلحة باراك أوباما في انتخابات عام 2012، ولكن منذ مشاركة ترمب في السياسة أصبحت الجزيرة أكثر ميلاً إلى الحزب الجمهوري. وساعد الغضب من التدفق الحاد لطالبي اللجوء إلى المدينة خلال العام الماضي في ارتفاع هوامش ربح ترمب هذا العام. وأصبحت الجزيرة
نقطة محورية لمعارضي الهجرة عندما اندلعت التظاهرات احتجاجاً على تحويل مدرسة إلى مأوى للأسر الوافدة حديثاً.
وفي إحدى الاحتجاجات السابقة، قام أحد السكان الذي يعيش في شارع يوجد به ملجأ بوضع مكبر صوت لتشغيل نفس الرسالة بصورة متكررة بست لغات "المهاجرون ليسوا آمنين هنا". في حين لجأ آخرون إلى تسليط الأضواء الوامضة القوية على نوافذ الملاجئ ليلاً لإزعاج الأشخاص الذي يحاولون الحصول على قسط من الراحة.
وعند زيارة "اندبندنت" للجزيرة عقب الانتخابات كان الاقتصاد والهجرة في طليعة اهتمامات السكان.
وقالت إحدى سكان الجزيرة التي لم تذكر اسمها "كنت سعيدة للغاية بأعوامه الأربعة الأولى. أعتقد أنه وضع البلاد في وضع مثالي".
وأضافت "خلال الأعوام الأربعة الماضية كنت يائسة جداً بسبب الوضع الذي وصلت إليه البلاد. وكان وضع الاقتصاد مروعاً. أعتقد أن [ترمب سوف] يعيد تحسين الأمور، وأعتقد أيضاً أنه سيستعيد سمعتنا [الجيدة] في جميع أنحاء العالم".
مجمع سكني مسور في روكاوايز
من الشرق إلى الغرب تتحول خريطة شبه جزيرة روكاوايز الانتخابية من الحزب الديمقراطي إلى الحزب الجمهوري، الذي تزداد شعبيته كلما اتجهنا غرباً في شبه الجزيرة، والسبب الرئيس هو الغضب بسبب الوضع في المدينة.
ويحظى ترمب بأعلى نسبة دعم في الطرف الغربي من الشاطئ الممتد على طول 11 ميلاً في جنوب كوينز. وكثير من هذا الدعم يأتي من مجمع سكني مسور يسمى "بريزي بوينت".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يضم هذا المجمع الذي يقطنه غالبية من الطبقة الوسطى والبيض عديداً من رجال الشرطة وفرق الطوارئ الذين وجدوا قاسماً مشتركاً مع مزاعم ترمب بأن مدينة نيويورك انحدرت نحو الفوضى.
ويحيط بمجمع بريزي بوينت سياج وبوابة دخول يقف أمامها عناصر أمن. ويسمح بالدخول لقاطني المجمع وضيوفهم فحسب. ويقال إن السكان المحليين يشيرون إلى المجمع باسم "الريفييرا [الساحل] الإيرلندية" بسبب العدد الكبير للسكان الذين يزعمون أنهم من أصول إيرلندية.
وفي تقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" عن المجمع قبل انتخابات عام 2020، وصفت الصحيفة المنطقة بأنها "تضم عدداً قليلاً من السكان ذوي البشرة الملونة، وتنتشر فيها الشكوك حول حركة "حياة السود مهمة" Black Lives Matter على نطاق واسع".
توم لونغ (74 سنة) قال للصحيفة "نحن نشاهد الحزب الديمقراطي يتجه أكثر نحو اليسار طوال الوقت".
أيد نحو 77 في المئة من الناخبين داخل المنطقة التي يقع فيها بريزي بوينت ترمب خلال الانتخابات الأخيرة. وجرى تغيير بسيط في المنطقة بعد عام 2020، لكنها شهدت زيادة بنحو خمس نقاط لترمب داخل نفس المنطقة.
واختار الناخبون في الطرف الغربي من روكاوايز ترمب خلال انتخابات عام 2016 و2020 والآن خلال العام الحالي.
وعندما ضرب إعصار ساندي منطقة روكاوايز خلال عام 2012 أعلن ترمب عبر وسائل التواصل الاجتماعي أنه قدم تبرعات للمجتمع المحلي.
ولكن بعد أقل من عقد من الزمان انتقد ترمب دراسة لحماية المناطق الساحلية في المدينة من الكوارث الطبيعية المستقبلية، وفي النهاية قام بحظرها.
وكتب على موقع "إكس" (تويتر) خلال يناير (كانون الثاني) 2020 "آسف، عليكم فقط تجهيز المماسح والسطول!"
موجة حمراء في كوينز؟
يمكن ملاحظة بعض التحولات الأكثر دراماتيكية خلال الانتخابات الماضية في منطقة كوينز.
في حين ما زالت الأجزاء الجنوبية من كوينز معاقل تأييد للحزب الديمقراطي إلى حد كبير، إلا أن المنطقة الممتدة من يوتوبيا إلى بيتشرست شهدت تغييراً لا يمكن إنكاره في الديناميكيات السياسية.
وبالنظر إلى الخريطة الانتخابية يمكننا رؤية أن منطقة شمال شرقي كوينز كانت مؤيدة للحزب الديمقراطي خلال عام 2016، إلا أنه في غضون ثمانية أعوام فحسب، حول ترمب عديداً من التجمعات إلى اللون الأحمر [الجمهوري] في حين لم يحظ الديمقراطيون بتأييد قوي.
وفي حي فلاشينغ وتحديداً داخل منطقتي تشايناتاون وكورياتاون، حظيت هيلاري كلينتون بدعم يراوح ما بين 60 و84 في المئة.
والآن، كانت هذه الأحياء متأرجحة بين ترمب وهاريس مع حصول ترمب على دعم كبير في عديد من المناطق.
وبوجود عدد كبير من السكان من أصول كورية وصينية (69 في المئة) في فلاشينغ يمكن أن تعكس النتائج توجهاً أوسع بين الناخبين الآسيويين، الذين زادوا تدريجاً من دعمهم لترمب في الانتخابات الثلاثة الماضية.
فازت كل من ألكساندريا أوكازيو كورتيز وغريس مينغ كلتاهما من الحزب الديمقراطي بالانتخابات التشريعية في الدائرتين السادسة والـ14، اللتين تغطيان هذا الجزء من كوينز.
وقال أحد الناخبين رداً على ألكساندريا أوكاسيو كورتيز عبر "إنستغرام"، "أشعر أنك وترمب حقيقيان"، شارحاً سبب اختيار التصويت للمرشح الجمهوري في الانتخابات الرئاسية والمرشحة الديمقراطية في انتخابات الكونغرس.
وكتب ناخب آخر "أنت [ألكساندريا أوكاسيو كورتيز] تدلين أيضاً على التغيير. ترمب يدل على التغيير، وكما قلت أخيراً يبدو ترمب أكثر شبهاً بك".
© The Independent