ملخص
رفعت الحكومة المصرية الشهر الماضي أسعار الوقود بنسبة تصل إلى 17.5 في المئة بعد أقل من 3 أشهر على زيادة أخرى
بعدما أصبح شراؤها ترفاً، بدأت منار تطلب من شقيقها الذي يعمل خارج مصر أن يرسل لها قهوة "النسكافيه"، وتقول إنها باتت "تفكر مرتين" قبل شراء مواد أساسية مثل اللحوم، على وقع الأزمة الاقتصادية.
يعكس وضع هذه الأم الصعوبات المتزايدة التي تواجهها الطبقة المتوسطة في مصر مع تطبيق الحكومة برنامجاً قاسياً للإصلاح للاقتصادي بالتعاون مع صندوق النقد الدولي، حصلت بموجبه على قرض يبلغ 8 مليارات دولار.
وتقول منار البالغة 38 سنة، التي رفضت الإفصاح عن اسم عائلتها "حتى قبل عامين لم تكن هناك مشكلات في توفير أساسيات الحياة".
وتتابع الأم لطفلين التي تمتلك منزلها "الآن أصبحت أفكر أكثر من مرة قبل شراء الأساسيات من طعام وملابس... اللحمة مرتين فقط أسبوعياً ووفق موازنة محددة".
الحد الأدنى من الرفاهية
وتعمل منار مدرسة بدوام جزئي، ويرتفع دخلها مع دخل زوجها المهندس إلى 15 ألف جنيه شهرياً (304 دولارات)، وتشير إلى أنها تريد "توفير الحد الأدنى من الرفاهية لأبنائي كالتدريبات الرياضية"، وتقول بحزن "أسلوب الحياة الذي نشأت عليه تغير تماماً".
ورفعت الحكومة المصرية الشهر الماضي أسعار الوقود والمحروقات بنسبة تصل إلى 17.5 في المئة بعد أقل من ثلاثة أشهر على زيادة أخرى بنسبة 15 في المئة، وأثار القرار استياءً شعبياً بسبب انعكاساته على أسعار السلع، فيما بلغ معدل التضخم السنوي في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي 26.5 في المئة.
وتمر مصر، أكبر دولة عربية لناحية عدد السكان (107 ملايين) حالياً بأسوأ أزمة اقتصادية في تاريخها، خصوصاً مع تراجع عائدات قناة السويس بسبب هجمات الحوثيين على سفن في البحر الأحمر وخليج عدن على وقع الحرب في قطاع غزة.
وأعطى صندوق النقد الدولي قروضاً إضافية لمصر بقيمة 5 مليارات دولار في مارس (آذار) الماضي، بعد قرض بقيمة 3 مليارات في نهاية عام 2022. وفي المقابل طالب بإصلاحات واسعة النطاق، عبر اعتماد سعر صرف أكثر مرونة، وخطط تهدف إلى تعزيز دور القطاع الخاص في الاقتصاد ومكافحة التضخم والدين العام.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكانت مصر تبنت في 2016 برنامجاً مماثلاً مع الصندوق حصلت بموجبه على قرض بـقيمة 12 مليار دولار ألقى بظلاله أيضاً على حياة المصريين آنذاك، إذ بلغ معدل الفقر 29.7 في المئة في عام 2020 بعدما وصل في عام 2019 إلى 32.5 في المئة، بحسب تقرير أصدره الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء الحكومي حول الدخل والإنفاق في عام 2020. ومذاك لم يصدر الجهاز تقارير مماثلة.
ويشير مدير وحدة العدالة الاجتماعية في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية وائل جمال إلى أن أثر القرض الأخير "أعنف"، ويقول إن القرارات الاقتصادية الأخيرة أدت إلى "تآكل كبير في مستويات معيشة الناس" مع "ارتفاع أسعار الأدوية والخدمات ووسائل النقل".
وفي مواجهة هذا الوضع الصعب، حرصت الحكومة المصرية على بعث رسائل طمأنة.
"أعباء مالية"
والشهر الماضي، قال الرئيس عبدالفتاح السيسي إن مصر تتعامل مع قرض صندوق النقد "في ظل ظروف إقليمية ودولية شديدة الصعوبة لها تأثيرات سلبية".
وأضاف أن هذا الوضع "يمكن أن يستمر عاماً كاملاً"، متابعاً "إذا كان هذا التحدي سيجعلني أضغط على الرأي العام بشكل لا يتحمله الناس، فلا بد من مراجعة الموقف مع صندوق النقد الدولي".
ومطلع الشهر الجاري، أكد رئيس الوزراء مصطفى مدبولي أن حكومته لن تتخذ أي قرارات قد تضيف "أعباء مالية" على المصريين خلال "الفترة المقبلة" من دون أن يحدد مدتها.
ويرى جمال أن هذه التصريحات تعكس "قلقاً" حكومياً، لكنه شكك في اتخاذ الحكومة "قرارات اقتصادية مختلفة"، ويقول "أعتقد أن الاتفاقات مع صندوق النقد ستأخذ مدى زمنياً أوسع وستنفذ بطريقة مختلفة وتدرجية".
بالنسبة إلى منار "لم يثبت كلام الحكومة صدقيته أبداً. والأسعار تتزايد من دون توقف".
داخل متجر في حي سكانه إجمالاً من الطبقة المتوسطة في غرب القاهرة، ينظر متسوقون إلى الرفوف بحذر، وفي قسم الخضراوات الطازجة تلتقط سيدة "خسة" تتفحصها بتمعن قبل أن تضعها في سلتها، بينما يقف رجل قربها يمسك بكيس رز ليدقق في سعره.
الطبقة المتوسطة في مصر
وتتحدث ربة المنزل زينب جمال (28 سنة) عن "زيادة أسعار" في كل مرة تتسوق، وتضيف "سابقاً كنت أبتاع مشترياتي مرة واحدة في الشهر. الآن أنزل أسبوعياً وأشتري حاجات أقل، ولم نعد نشتري حلويات، وبالنسبة إلى الألبان قللنا الكميات".
أما الموظفة في شركة خاصة نورهان خالد (27 سنة) فاستغنت عن شراء ملابس جديدة والعطور بل والشوكولاتة، وتقول "المرتب كله يصرف على المواصلات والأكل، وبالطبع لا أشتري كل ما أريده".
وكانت العائلات التي تنتمي إلى الطبقة المتوسطة في مصر تسمح لنفسها بتمضية عطل في الخارج بين وقت وآخر، وتدفع ثمن نشاطات خارج المدرسة لأولادها، ولا تحرم نفسها من أمور كثيرة.
ويعمل ملايين المصريين في الخارج، وهم يرسلون قرابة 30 مليار دولار إلى البلاد سنوياً، وتشكل هذه التحويلات مصدراً أساسياً للنقد الأجنبي في مصر، أما اليوم فباتوا يرسلون أيضاً لعائلاتهم سلعاً باتت تعد ترفاً.
وتقول منار "بتنا نعتمد على أخي ليجلب لنا الرفاهيات مثل الملابس ذات العلامات التجارية المعروفة والنسكافيه غولد الذي لم يعد شراؤه ممكناً بعدما تجاوزت علبته 400 جنيه (8.1 دولار)". وتتابع "كل تفكيري في الوقت الحالي ماذا سنفعل إذا حدثت زيادات أخرى في الفترة المقبلة".