ملخص
ينتج من الاستهداف الإسرائيلي للبلدات اللبنانية انعدام الثقة بين السكان المحليين والقوى الشرعية أو الدولة، إذ يشعرون بعدم وجود حماية كافية.
تتلبد الغيوم فوق رؤوس اللبنانيين في خضم مرحلة شديدة التعقيد من التحديات السياسية والأمنية والعسكرية، إذ تتداخل الأزمات الداخلية مع التوترات الإقليمية والدولية بشكل غير مسبوق. ويواجه المواطن ضغوطاً متزايدة على جبهات متعددة، بدءاً من الانقسامات السياسية العميقة، والوضع الأمني المترنح نتيجة تصاعد حدة الصراعات الداخلية والخارجية، وصولاً إلى التصعيد العسكري المستمر والتهديدات المتبادلة بين إسرائيل و"حزب الله"، الذي يجعل من احتمالية اندلاع مواجهة شاملة خطراً داهماً يهدد الاستقرار الهش.
درونز متجولة في سماء لبنان
في خضم هذه التعقيدات يعاني اللبنانيون مخاوف جدية وخطرة بعدما تزايدت حدة الاستهدافات الإسرائيلية في الأشهر الأخيرة. وكثفت إسرائيل استخدام الطائرات المسيرة (الدرونز) في عملياتها العسكرية داخل الأراضي اللبنانية، مستهدفة مواقع وسيارات تابعة لـ"حزب الله" ومناطق غير خاضعة بالمعنى العسكري لنفوذه.
وتقول إسرائيل إن هذه الاستهدافات جزءاً من استراتيجيتها وتهدف إلى تقويض قدرات الحزب العسكرية واللوجيستية، إضافة إلى أنه كان رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو أطلق تهديداً مباشراً بأن العمليات العسكرية ستطال كل لبنان، بما فيه العاصمة بيروت.
بدوره أكد وزير الدفاع يسرائيل كاتس أن إسرائيل ستواصل ضرب "حزب الله" بكل قوتها، ولن تتوقف الحرب حتى تحقيق الأهداف. وقال كاتس خلال زيارة إلى قيادة المنطقة الشمالية برفقة رئيس الأركان هرتسي هاليفي وقائد القيادة الشمالية اللواء أوري غوردين، إننا "سنواصل ضرب حزب الله بكل قوتنا، لن تكون هناك هدنة أو تسوية دون تحقيق أهداف الحرب".
المجتمعات المستضيفة
وفي إطار ملاحقتها لأفراد يتبعون "حزب الله"، تستهدف إسرائيل المجتمعات المستضيفة للنازحين، زاعمة أنها تضم عناصر أو قادة من الجماعة اللبنانية، غير عابئة بالخسائر المادية والبشرية التي تنتج من استهدافها مناطق مدنية مما يعرض السكان لأخطار وتهديدات، وهذا ما حصل في أكثر من منطقة على جميع الأراضي اللبنانية.
ووصلت الغارات إلى جبل أيطو في الشمال، وقصف الطيران الحربي الإسرائيلي مبنى تسكنه أكثر من عائلة شيعية، بلغ عدد أفرادها 28 شخصاً، فدمر المبنى وسواه بالأرض، مما أدى إلى مقتل 22 وجرح ستة آخرين، وذلك بسبب مطاردة فرد في الحزب، وهو وفقاً للإعلام اللبناني أحمد فقيه مسؤول مالي يهتم بشؤون دفع رواتب المقاتلين إلى عائلاتهم النازحة.
وتتكرر تلك الغارات في مناطق لبنانية عدة، إذ استهدفت منزلاً في بلدة عين يعقوب في محافظة عكار أقصى شمالي لبنان، وهي منطقة حرجية وجبلية نائية ذات غالبية من السنة ومن المسيحيين، وهذه أول ضربة تتعرض لها البلدة. وأعلنت وزارة الصحة اللبنانية حينها عن سقوط ثمانية قتلى و14 جريحاً. وقال رئيس بلدية بلدة عين يعقوب، ماجد درباس، إن 14 شخصاً في الأقل قتلوا وأصيب 15 آخرون في الضربة الإسرائيلية، مؤكداً أن الهجوم استهدف مبنى يقيم فيه 30 شخصاً ومنهم لاجئون سوريون.
أيضاً استهدفت إحدى الغارات بلدة برجا الشوفية (جبل لبنان)، وأعلنت وزارة الصحة اللبنانية مقتل 20 شخصاً في الأقل بتلك الغارة التي استهدفت مبنى في بلدة، وعلم لاحقاً أن المستهدف في الغارة هو مسؤول مالي في "حزب الله" يدعى عبدالله إبراهيم.
لا مناطق محيدة
وهذا غيض من فيض، إذ تستمر الغارات الشديدة في كل أرجاء لبنان، ذلك أنه لم يعد هناك منطقة محيدة، فالجيش الإسرائيلي يرى أنه في حال وجود هدف في منطقة معينة فإنه سيلاحقه. وتترتب على ذلك تداعيات أهمها إنسانية، فالمدنيون الذين يصابون أو يقتلون في مثل هذه العمليات هم غالباً سكان محليون يمارسون حياتهم الطبيعية، مما يزيد من معاناة العائلات التي تفقد أحباءها أو مصادر دخلها، أضف إلى ذلك تؤدي هذه الهجمات إلى أضرار مادية كبيرة تشمل المنازل والمحال التجارية والبنية التحتية، مما يزيد من الضغط الاقتصادي على السكان. وينتج من الاستهداف الإسرائيلي أيضاً انعدام الثقة بين السكان المحليين والقوى الشرعية أو الدولة اللبنانية، إذ يشعرون بعدم وجود حماية كافية.
وكانت منطقة راشيا الوادي في البقاع (شرق) شهدت حادثة أمنية أثارت مخاوف السكان، وتداولت مواقع التواصل الاجتماعي فيديو يظهر توقيف شاحنة على مدخل بلدة راشيا، ليل الأربعاء- الخميس الـ13/ والـ14 من نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري. وقال سكان محليون إنها تابعة لـ"حزب الله" وكانت محملة بالسلاح والصواريخ محاولة الاختباء في المنطقة.
"اندبندنت عربية" سألت رئيس بلدية راشيا رشراش ناجي، فأشار إلى أن الإعلام بالغ في وصف ما حدث، وأنهم كسلطة محلية تواصلوا مع القوى الأمنية في البلدة التي تسلمت السيارة وهي من نوع "رابيد".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكانت المعلومات المتوافرة تحدثت عن أن الشبان في البلدة يجولون ليلاً فيما يشبه الأمن الذاتي، بعدما استشعروا الخطر الذي يحيط ببلدتهم الهادئة بسبب استقبالها أكثر من 1200 نازح. ووفقاً لرئيس البلدية، فإنهم يستقبلون فئة عزيزة عليهم، مضيفاً "إننا كلنا معرضون لمثل ما يتعرض له النازحون، والنازحون الموجودون في راشيا هم من البلدات المحيطة، شبعا ولبايا وسحمر ويحمر، وغيرها، وهم معروفون لدى أبناء راشيا، وهناك تبادل تجاري وعلاقات بينهم منذ زمن".
من هنا، بالنسبة لناجي، فإنهم لا يمكن أن يقدموا على عمل يؤذي أبناء البلدة وهم شريحة لبنانية لا يجوز التعامل معها على أنها مجموعة غريبة "نحنا أهل"، لكنه أبدى استغرابه من الحديث عما يسمى "الأمن الذاتي" قائلاً، "نحن تحت سقف الدولة والقانون اللبنانيين، وهناك جيش واستخبارات وأجهزة أمنية مشكورة تقوم بعملها، ولا يمكن أن نتجاوز السلطة الممنوحة لنا، ونقوم بعملنا من خلال شرطة البلدية المولج بها حراسة والسهر على أمن المواطن ولكن ضمن صلاحيات ضيقة، أما بالنسبة إلى الشباب فهم من باب الحرص على أمن بيوتهم يقومون بجولات بشكل فردي وليس عملاً منظماً، وهم بطبيعة الحال غير مسلحون".
في هذا السياق، عقد الحزب "التقدمي الاشتراكي" سلسلة لقاءات، وزار عضو كتلة "اللقاء الديمقراطي" النائب وائل أبو فاعور، النائب السابق فيصل الداوود، كما اجتمع بالحزب "الديمقراطي اللبناني". وشدد أبو فاعور على أن "راشيا هي حضن للنازحين، ولا مجال لأن تكون ممراً أو مقراً للفتنة، فهذه طبيعة وقناعات أهلها بمختلف ألوانهم وهذه توصيات وليد (الرئيس السابق للحزب الإشتراكي) وتيمور جنبلاط (الرئيس الحالي للحزب الاشتراكي)".
وتابع في حديث صحافي أن "الحزب التقدمي الاشتراكي مستمر بتحمل مسؤولياته الوطنية تجاه أبناء وطننا الذين اضطروا إلى النزوح من قراهم، ومعظمهم في راشيا نتقاسم معهم الجيرة والصداقة والانتماء الواحد، فهم أبناء لبايا ويحمر وسحمر ومشغرة وشبعا وكفرشوبا والعرقوب"، موضحاً أن "الحادثة التي حصلت منذ يومين (أي توقيف الرابيد) عرضية وتم وضعها في عهدة الدولة وأجهزتها".
مبادرات فردية وليس آمناً ذاتياً
وفي رواية مختلفة قالت مصادر مطلعة رافقت عملية توقيف الرابيد التابعة لـ"حزب الله"، إن أعداد النازحين في راشيا والمنطقة تخطت ستة آلاف نازح، موضحة أن ما يقومون به ليس أمناً ذاتياً، بل بالأحرى شباب يسهرون ويراقبون وينتبهون لمن يدخل ويخرج من البلدة، ولكن لا يوجد معهم قطعة سلاح واحدة، ونحن نتعامل مع النازحين بأخلاقية عالية ونقدم لهم أي شيء يحتاجون إليه، ولكن من باب الحرص على أمن منطقتنا وأهلنا، وعندما رأينا أنه لا توجد مراقبة في أماكن وجود النازحين، أخذنا مبادرة ذاتية وبدأنا بالتناوب، ولكن فقط مراقبة، حيث لا نتعامل مع أي حادثة، فقط نعلم الأجهزة الأمنية، وهذا ما حصل مع سيارة الرابيد".
وأوضحت المصادر أنه في تلك الليلة وصل أشخاص إلى مبنى في راشيا بين الأماكن السكنية، والمبنى لا يقطن به أحد، وصاحبه مسؤول في "سرايا المقاومة" (تابعة لحزب الله)، فتوجه شباب البلدة إلى المبنى فوجدوا مجموعة من العناصر بينهم ابن المسؤول السالف ذكره وأكد أنهم قدموا من بلدة النبطية، ولكنه رفض الإفصاح عن أسماء المرافقين الأربعة له، وحينها اتصلوا باستخبارات الجيش، وبما أنهم كانوا يراقبون المبنى رأوا العناصر يحملون أغراضاً بعد ساعات قليلة، ويهمون بالمغادرة، ولكن باتجاه البقاع الأوسط وليس باتجاه الجنوب".
وذكرت المصادر، "لو كانت هذه المجموعة توجهت جنوباً لما تعرضنا لهم، ولكنهم توجهوا شمالاً فانتابنا القلق من وجهتم، بخاصة أنهم كانوا مدججين بالرشاشات، وهنا تقدم الشباب المكلفون الحراسة وأوقفوا السيارة، ولكن لم يتعرضوا لأحد، بل انتظروا وصول استخبارات الجيش التي تولت بنفسها التفتيش والكشف عن الأسلحة، المؤلفة من صواريخ قصيرة المدى، وقنابل ومتفجرات وحقائب مليئة بالمأكولات"، موضحة أن تلك الصواريخ لا يمكن استخدامها باتجاه إسرائيل لأنها قصيرة المدى، ولاحقاً تم إطلاق سراحهم مع صواريخهم. وهنا تساءلت المصادر، ماذا كانوا يفعلون في راشيا، ولما تلك النوعية من الصواريخ وضد من كانت ستستعمل؟ وتابعت، "بطبيعة الحال لا يميزون عند استقبال النازحين بين مدني وعسكري، ولكن بعد المراقبة إذا شاهدوا أحدهم يحمل سلاحاً أو يتصرف بطريقة مشبوهة، يطلبون من الأمن اللبناني تولي الأمر، لكنهم كانوا يفاجأون أن الجواب يأتيهم أنه لا صلاحيات لدى القوى الأمنية اللبنانية بمصادرة ذلك السلاح أو تفتيش المنزل إذا ما أبرز العنصر المعني بطاقته الحزبية. من هنا اضطر شباب البلدة أن يتولوا الحراسة بأنفسهم خوفاً من الاستهدافات الإسرائيلية لمنطقتهم وبلدتهم، علماً أنهم ليسوا على إطلاع على المستوى العسكري للعناصر الحزبية التي طلبوا منه مغادرة البلدة. ويختم أنه الشباب الذين يتولون الحراسة هم من كل أطياف الدروز ولا ينتمون لأي جهة حزبية، فقط نخوة شخصية".
طرق دولية وآليات مدنية لنقل الأسلحة
وفي السياق كانت مسيرة استهدفت سيارة "فان" في بلدة عاريا بقضاء بعبدا (جبل لبنان) في الـ30 من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. وقال مصدر أمني حينها إن "الغارة استهدفت حافلة صغيرة كانت تنقل ذخائر، مما أدى إلى مقتل سائقها". واستنكرت كل من بلدية عاريا والكحالة في بيان، "استخدام الطرق الدولية والآليات المدنية لانتقال المسلحين ونقل الأسلحة والذخائر، مما يعرض العابرين وأبناء البلدتين للمخاطر". ودعتا الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية إلى التدخل فوراً واتخاذ التدابير التي تمنع استخدام الطرق الدولية لأغراض عسكرية. وهي المرة الثانية التي تستهدف فيها سيارة في عاريا، والمرة الثالثة على طريق عاريا - الكحالة الدولي الذي يربط بيروت بالبقاع شرقاً، كما استهدفت سيارة أخرى بغارة قصيرة بين منطقتي عالية والقماطية.
رئيس بلدية عاريا بيار بجاني أوضح أن "طريق الشام الدولية تمر ببلدتهم وكونها تربط بيروت بمحافظة البقاع تتعرض لضغط سير، وهذا ما يرتب استهدافات لبعض المارين عليها، لكن تلك الطريق يتفرع منها طرقات داخلية إلى قلب عاريا شمالاً ويميناً أمام هذا الواقع، وحيث ينتاب السكان الخوف والقلق بعدما أصبحت الدرونز تتبع المستهدف، إذ هرب أحدهم إلى الحرش، ولكن الدرونز تتبعته إلى قلب الحرش. وبصفتنا السلطة المحلية، اتخذنا بعض التدابير فأغلقنا تلك الطرقات التي تؤدي إلى قلب بالبلدة بخاصة خلال ساعات الليل، والآن نحن بصدد حراسة لا تتخطى المراقبة، وهذا ليس بأمن ذاتي، بل ضمن صلاحية البلديات، وعند الاشتباه في سيارة ما أو أشخاص نستعين بالقوى الأمنية".
وختم حديثه بقوله إن تعليماته تقضي بعدم توقيف أي سيارة على الطريق الدولية، ولكن بقلب الأحياء السكنية في حال الاشتباه يسأل صاحب السيرة عن وجهته، موضحاً أنه ليس وظيفتهم الحراسة وهم يتقيدون بالقوانين المرعية الإجراء، فهناك 30 شاباً متطوعاً، ولكن "للمراقبة ولمساعدة الدولة للقيام بمهامها، ولكن لا نقوم مقام الدولة على الإطلاق، إذ لا نملك الإمكانات للقيام بالتفتيش أو لتوقيف مسلحين".