ملخص
تعتبر النيجر من الدول الـ10 الأوائل في العالم من حيث احتياطات اليورانيوم، وهو تصنيف لم يشفع لها من أجل مغادرة قائمة أفقر دول العال
بعد نحو عام على الانقلاب الذي نفذه بنجاح قائد الحرس الرئاسي في النيجر، عبدالرحمن تياني، ضد الرئيس المنتخب محمد بازوم، تثار تساؤلات حول الجهة التي تدير الآن اليورانيوم في هذا البلد الواقع في الساحل الأفريقي الذي يعاني "اضطرابات مزمنة" جراء حركات تمرد وجماعات إرهابية.
وتعتبر النيجر من الدول الـ10 الأوائل في العالم من حيث احتياطات اليورانيوم، وهو تصنيف لم يشفع لها من أجل مغادرة قائمة أفقر دول العالم وهو أمر دفع تياني لإرجاع أسباب قيامه بانقلاب إلى "نهب ثروات البلاد".
وبحسب بيانات الجمعية النووية الدولية فإن النيجر هي سابع أكبر منتج لليورانيوم في العالم، وحتى عام 2015 كانت رابع منتج على المستوى الدولي لكن إنتاجها تراجع جراء الاضطرابات الأمنية وغير ذلك.
تأميم القطاع
وقبل أسابيع، أقدم المجلس العسكري الانتقالي على إلغاء تراخيص لشركة "أورانو" الفرنسية لإنتاج الوقود النووي في أحد أكبر مناجم اليورانيوم في العالم وهو منجم "إيمورارين" الواقع في شمال البلاد.
وهذا المنجم يحوي 200 ألف طن من الوقود الذي يتم عادة استعماله في صناعة الطاقة النووية والأسلحة، ولئن شكل إلغاء الترخيص صدمة جديدة للفرنسيين بعد طردهم عام 2023 دبلوماسياً وعسكرياً فإنه فتح الباب أمام التكهنات في شأن يورانيوم النيجر.
وكان من المفترض أن تباشر الشركة الفرنسية التعدين في "إيمورارين" عام 2015، لكن تم تجميد عملية تطوير المنجم بعد انهيار أسعار اليورانيوم العالمية في أعقاب ضرب تسونامي محطة فوكوشيما للطاقة النووية شمال شرقي اليابان عام 2011.
وقال الباحث السياسي النيجري، عبدول ناصر سيدو، إنه "بعد مرور عام على الانقلاب نجح المجلس العسكري في تأميم ثرواتنا من اليورانيوم، وهو الآن يعمل على عدد من المستويات التي من شأنها أن تؤمن عملية استغلال وتعدين سلسة في مناجم اليورانيوم".
وأكد سيدو في حديثه إلى "اندبندنت عربية" أن "المجلس يعكف الآن على خلق أطر قانونية ومؤسسية تسمح باستغلال وطني وجديد لثروتنا من اليورانيوم، ناهيك عن التوصل إلى معرفة جيدة بالخريطة الجيولوجية للنيجر وتوفير الإمكانات التكنولوجية التي تتيح استئناف الإنتاج".
ولفت إلى أن "من بين الصعد الأخرى التي تعمل عليها السلطات في النيجر من أجل استغلال ثرواتنا من اليورانيوم، تعبئة الموارد المالية اللازمة وهو ما سينعكس على خلق فرص عمل واعدة".
روسيا وتركيا على الخط
ولئن شكلت خطوة إلغاء ترخيص شركة "أورانو" الفرنسية التي تعمل منذ عام 1971 في النيجر صفعة جديدة لباريس من قبل نيامي فإنها عبدت الطريق أمام شراكات جديدة للنيجر مع دول أخرى منافسة لفرنسا بصورة كبيرة على غرار تركيا وروسيا.
وبعد زيارات لوفود دبلوماسية مكثفة، كشفت تركيا عن إبرام مذكرة تعاون في مجال التعدين مع النيجر في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي دون أن تذكر تفاصيل عن هذه المذكرة وما إذا كانت تستهدف قطاع اليورانيوم أم النفط لأن نيامي تسعى أيضاً إلى أن تصبح قوة نفطية، وتعمل منذ أعوام على بناء ركائز لهذا النشاط خصوصاً على مستوى نقل النفط إذ تفتقر البلاد لمنافذ بحرية.
وقال الباحث السياسي المتخصص في الشؤون الأفريقية سلطان ألبان، إن "المجلس العسكري الانتقالي الحاكم في النيجر تحدث كثيراً عن أن أحد الأسباب الرئيسة التي دفعته إلى الانقلاب على بازوم هو نهب ثروات البلاد، والنيجر لها موارد كبيرة جداً من اليورانيوم تلبي ربع حاجات بلدان الاتحاد الأوروبي من الطاقة النووية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأوضح ألبان في تصريح خاص أن "أول خطوة قام بها المجلس العسكري الانتقالي كانت إلغاء العقود مع الشركات الفرنسية التي كانت تتولى استخراج اليورانيوم من البلاد واستبدلت النيجر تلك الشركات بصورة موقتة بشركات محلية مع إبرام اتفاقات مع روسيا وتركيا لاستخراج وتصدير اليورانيوم".
وأضاف أن "من خلال الاعتماد على الطاقة التشغيلية لهذه الشركات المحلية والشركاء الجدد في هذا المجال أي روسيا وتركيا يدير المجلس العسكري الانتقالي في النيجر قطاع اليورانيوم في البلاد".
إيران مستبعدة
وسادت تكهنات في وقت سابق في شأن إمكانية إبرام النيجر "صفقة سرية" مع إيران لمنحها 300 طن من اليورانيوم لكن الكثير يستبعدون ذلك لما له من أخطار جيوسياسية على البلد الواقع في الساحل الأفريقي.
وكانت صحيفة "لوموند" الفرنسية ووسائل إعلام غربية أخرى سبق ونشرت تقارير تفيد بذلك، وهو ما أثار تكهنات في شأن نشوب صراع دولي على "الكعك الأصفر" النيجري الذي أصبح متاحاً إثر إلغاء تراخيص الشركات الفرنسية والغربية.
وقال ألبان "في ما يتعلق بالحديث عن إمكانية استيراد إيران لشحنات من اليورانيوم من النيجر أعتقد أن المجلس العسكري الانتقالي يدرك حجم التحديات المترتبة عن إبرام اتفاقات بخصوص اليورانيوم مع إيران نظراً إلى وقوف الغرب ضد هذه الخطوة بصورة قاطعة ولن تكون في مصلحة الملف الخارجي للنيجر في الوقت الحالي خصوصاً أن وسائل الإعلام الأميركية تداولت بصورة واسعة هذا الملف".
وأوضح أن "هذا أفرز تحركاً أميركياً تجاه النيجر من أجل منع إبرام صفقة بين طهران ونيامي ولو من ناحية قطع الطريق أمام إيران لذلك أعتقد أن الموضوع مجرد مناورة سياسية أكثر من كونه واقعاً ملموساً.
وفي حال أقدمت نيامي على إبرام صفقة مع طهران في شأن شحنة من اليورانيوم فإن ذلك سيعد حلقة جديدة من حلقات الصراع حول النيجر وسيضر بالمجلس العسكري وربما يهدد حتى استمرارية حكمه".
ومن جانبه، أبرز سيدو أن "النيجر في اعتقادي لن تلجأ إلى إبرام صفقة سرية، وإن حصل واتفقت نيامي مع طهران على اليورانيوم سيكون ذلك علنياً".
وأكد أن "النيجر منفتحة على كل الشراكات الخارجية بشرط أن يحترم أي شريك محتمل سيادتنا ويتوافق مع سياساتنا لأننا لا نريد خوض تجارب تخلف لنا مآسي كما حصل في السابق".