ملخص
مصدر لبناني ينقل عن هوكشتاين اعتقاده بأنه بغض النظر عما يعلنه "حزب الله" وتشديده على تفوقه في الميدان إلا أن الوقائع والمعلومات تؤكد أن الحزب مني بخسارة كبيرة على مستوى هيكليته العسكرية وأنه بات مستعداً للاستسلام.
حتى كتابة هذه السطور، لم تتأكد زيارة الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين إلى بيروت بعد ظهر غد الثلاثاء ليبحث مع المسؤولين اللبنانيين ردهم على الاقتراح الأميركي لوقف إطلاق النار، بعدما سرت معلومات تفيد بأن رئيس مجلس النواب نبيه بري تسلم رد "حزب الله" على اقتراح واشنطن وسلمه إلى السفارة الأميركية التي بدورها سترسله إلى واشنطن.
وبعدما أكدت مصادر سياسية حكومية لـ"اندبندنت عربية" أن رد "حزب الله" صيغ بطريقة إيجابية على قاعدة "نعم ولكن" وأن زيارة البعوث الأميركي غداً قائمة، نقل مراسل موقع "أكسيوس" الأميركي باراك رافيد عن مسؤولين أميركيين قولهم إن هوكشتاين أبلغ بري تأجيل زيارته بيروت إلى حين توضيح موقف لبنان من الاقتراح، ليعود وينقل في وقت لاحق أن الوسيط الأميركي سيغادر بالفعل واشنطن باتجاه بيروت مساء اليوم الاثنين. واستبعد كثيرون أن تحمل زيارة هوكشتاين إن حصلت إعلاناً لوقف إطلاق النار الذي لا يزال يحتاج إلى مسارٍ تفاوضي طويل، إنما ستكون مخصصة للبحث في التفاصيل والملاحظات اللبنانية على الشروط الإسرائيلية التي تعيق مثل هذا الإعلان.
وأكد مصدر دبلوماسي فرنسي لـ"اندبندنت عربية" أن التوصل إلى اتفاق يحتاج إلى مزيد من الوقت واصفاً الشروط الإسرائيلية بأنها غير مقبولة لدى "حزب الله"، ومشيراً مثلاً إلى أن إسرائيل باتت تطالب بمساحة تتخطى الـ15 كيلومتراً لا يكون فيها أي وجود مسلح للحزب. ولا يستبعد المصدر نفسه أن تلجأ إسرائيل إلى فرض شروطها من خلال أمر واقع ميداني عبر استمرار عملياتها العسكرية وتوغلها في عمق الجنوب اللبناني.
مناورات متبادلة
ويتحدث المطلعون على أجواء الاتصالات عن مناورات متبادلة وأن الجانب اللبناني الممثل برئيس مجلس النواب يناور عندما يعلن الموافقة على الاقتراح الأميركي وفي الوقت نفسه يتحفظ على نقاط فيه، علماً أن النقاط التي تقصد بري وضعها في إطار المتحفظ عليها، مثل بند اللجنة الدولية وأعضائها، لن تكون مشكلة ويمكن أن تحل. ولعل الدليل على ذلك أن ألمانيا، التي سرى في الإعلام أن "حزب الله" يرفض قطعاً مشاركتها في أي لجنة دولية لمراقبة الاتفاق، لم تُبحث معها بعد هذه المسألة ولم تُعرض عليها، وفق ما علمت "اندبندنت عربية" من مصدر دبلوماسي غربي. أما المشكلة الأساسية فهي البند الذي يتحدث عن حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها والتدخل إذا لم يقم الجيش اللبناني بدوره، إذ أبلغت تل أبيب الجانب الأميركي أنها لن توافق على أي اتفاق يستثني هذا البند.
هذا فضلاً عن الكم من الضمانات التي تطالب بها إسرائيل والتي يمكن أن تجيب عن أسئلة كثيرة تتعلق بآلية انتشار الجيش اللبناني في الجنوب وكيفية تنفيذه للقرار 1701 وهل سيلتزم بسحب السلاح من هذه المنطقة، وماذا عن شمال نهر الليطاني، وكل ذلك يؤشر إلى أن الأمور لا تزال معقدة وأن ظروف الحل لم تنضج بعد، وأن تطورات ميدانية قد تحصل قبل أن تبلغ الأمور مستوى الاتفاق.
"حزب الله" بات ضعيفاً ومستعداً للاستسلام
ونقل مصدر لبناني التقى هوكشتاين في واشنطن، أن النقاط المقترحة لاتفاق وقف إطلاق النار شبيهة بالاقتراح الأول الذي كان عرضه على الجانب اللبناني مع بعض الإضافات. القراءة الأميركية للواقع الميداني والسياسي تفيد بأن إيران باتت على قناعة بأن "حزب الله" بات منهكاً وضعيفاً نتيجة الضربات والاغتيالات التي نفذتها إسرائيل، وأن رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو سيستمر في ضرباته حتى شمال الليطاني وتحقيق أهدافه في فرض أمن حدوده والمستوطنات. ويقول هوكشتاين إنه بغض النظر عما يعلنه الحزب وتشديده على تفوقه في الميدان، إلا أن الوقائع والمعلومات تؤكد أن الحزب مني بخسارة كبيرة على مستوى هيكليته العسكرية، وأنه بات مستعداً للاستسلام.
ولا يسقط الوسيط الأميركي من حساباته هواجس إسرائيل وأن التفاوض يقتضي التنبه لعدم تكرار سيناريو الـ2006 عندما قبل "حزب الله" بكل الشروط ووافق على القرار الدولي 1701 بما فيه تسليم سلاح الميليشيات، ولكن عندما حصل وقف إطلاق النار انقلب على كل ما التزم به. ويعتبر هوكشتاين أن إسرائيل مستعدة للمضي بالاتفاق شرط أن يشمل ضمانات من شأنها أن تحقق الأمن للجبهة الشمالية الإسرائيلية وتضمن انتفاء الخطر عن المستوطنين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ماذا عن شمال الليطاني
ويكشف المصدر اللبناني أن الاقتراح الأميركي ينص على انسحاب "حزب الله" وإسرائيل من جنوب الليطاني مع انتشار قوي للجيش اللبناني وقوة حفظ السلام الدولية الـ"يونيفيل"، على أن يلتزم الحزب بعدم الاحتفاظ بسلاح ثقيل وصواريخ في منطقة شمال الليطاني أيضاً، إلا أن آلية تنفيذ هذه النقطة لا تزال تحتاج إلى البحث وسط مطالبة إسرائيل بضمانات بالالتزام الجدي بتنفيذها ومن هي الجهة التي ستراقب التنفيذ.
وبالتالي، فإن السؤال الأساس سيكون ما هو دور الحزب كمقاومة شمال الليطاني من صور باتجاه بيروت، خصوصاً أن مهمة الجيش اللبناني والـ"يونيفيل" ستقتصر بحسب الاتفاق على منطقة جنوب الليطاني المتاخمة للحدود مع إسرائيل. ومع انتفاء مبررات بقاء سلاح "حزب الله" كسلاح "مقاومة"، طالما أن الاتفاق ينص على عدم السماح للحزب باستخدام أي سلاح ضد إسرائيل، وطالما أنه سيتراجع إلى منطقة جغرافية بعيدة من الحدود، من المرجح أن تتفعل في المرحلة المقبلة دينامية داخلية سياسية للمطالبة بأن يتحول "حزب الله" إلى حزب سياسي وأن يتخلى عن تركيبته العسكرية، التي ستكون محدودة مقارنةً مع ما كانت عليه قبل بدء عملية حرب الإسناد.
الاتفاق سيؤدي إلى فكفكة "حزب الله"
وينقل المصدر اللبناني عن الوسيط الأميركي أن الاتفاق ينص على مراقبة المعابر الجوية والبرية والبحرية من قبل الجيش اللبناني والعمل على منع وصول السلاح إلى لبنان من إيران، والتقارير التي وصلت إلى أكثر من دولة عن الوضع في مطار رفيق الحريري الدولي بعد تسليم أمنه للجيش اللبناني هي أكثر من مشجّعة. ويعتبر الجانب الأميركي أن هذا الاتفاق بهذا الشكل سيؤدي عملياً إلى فكفكة التركيبة المسلحة لـ"حزب الله" ولو بطريقة تدريجية. وسيترتب على الدولة اللبنانية والجيش اللبناني مهمة مراقبة التنفيذ والتدخل الجدي عند حصول أي خرق.
ويكشف المصدر نفسه أن التعديل الأساسي الذي أدخل على نص الاتفاق السابق يتعلق بتشكيل هيئة رقابة دولية بإشراف أميركي مهمتها التأكد من تنفيذ الاتفاق، حتى لا يتكرر ما كان يحصل في السنوات الماضية بعد عام 2006، من دون أن يتحدث النص عن الدول الأعضاء، في حين يصر بري و"حزب الله" على أن تكون فرنسا عضواً في الهيئة.
أما النقاط التي لا تزال تحتاج إلى التوضيح والتي يعترض عليها الحزب، فهي التي تنص على حق إسرائيل بالتدخل إذا وجدت أن القرار لم ينفذ، وهو بند تتمسك به تل أبيب كشرط أساسي لموافقتها على الهدنة. وقد يقترح الوسيط الأميركي مخرجاً بأن يكون هذا البند بشكل ملحق خارج الاتفاق أو بصيغة تفاهم معين بين أميركا وإسرائيل، وربما هذا المقصود بكلام بري عندما تحدث عن أن الضمانات لإسرائيل يمكن أن تمنحها لها أميركا.
ويبدي هوكشتاين تفاؤله لجهة الحلحلة في موضوع الفراغ في رئاسة الجمهورية اللبنانية، على اعتبار أن الاتفاق إن حصل يتطلب وجود دولة وجيش مستعد للتنفيذ وأن يبدأ الحديث جدياً عن موضوع ميليشيات "حزب الله" بشكل كامل وليس فقط لجهة السلاح الثقيل والصواريخ بعد انتفاء أي حجة لبقاء سلاحه. ويعتبر الوسيط الأميركي أنه تلقائياً عندما يوضع هذا الاتفاق حيز التنفيذ ويعلن وقف إطلاق النار، فإن بري سيبدأ العمل جدياً على موضوع الانتخابات الرئاسية وتشكيل حكومة جديدة تنفذ الاتفاق شرط ألا تكون هذه الحكومة تابعة لـ"حزب الله".