ملخص
قبل انعقاد القمة الراهنة رصد الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا لهذه القمة ثلاثة أهداف: أولها محاولة إقناع القادة المجتمعين فرض ضريبة عالمية على أرباب المليارات، وثانيها تشكيل تحالف للحد من الجوع والفقر، وثالث تلك الأهداف هو إصلاح منظمات دولية كالأمم المتحدة بحيث تمنح الدول النامية مزيداً من الثقل.
بينما اختتم قادة مجموعة الـ20 أمس الثلاثاء قمتهم المنعقدة في ريو دي جانيرو بالبرازيل، التي خيم عليها طيف الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب العائد للبيت الأبيض، تابع كثير من المعنيين والمراقبين، مخرجات القمة للتعاطي مع التحديات الاقتصادية والجيوسياسية المتعاظمة دولياً، على رغم ما سادها من انقسام في المواقف في شأن الحروب في أوكرانيا والشرق الأوسط، خلال يومها الأول.
وفي وقت متأخر من الإثنين (18 نوفمبر/ تشرين الثاني) أصدر الزعماء المجتمعون بياناً مشتركاً، سلط الضوء على المعاناة الناجمة عن الصراعات في غزة ولبنان وأوكرانيا، في حين دعوا إلى التعاون في شأن تغير المناخ والحد من الفقر والسياسات الضريبية، وذلك بعد أن واجهت مناقشات المشاركين في القمة بخصوص التجارة وتغير المناخ والأمن الدولي صعوبة بسبب تغيرات حادة في السياسة الأميركية تعهد ترمب بتطبيقها عندما يتولى الرئاسة، بدءاً من الرسوم الجمركية إلى الوعد بحل تفاوضي للحرب في أوكرانيا.
"حرب عالمية خفية"
في مقابلة صوتية مع "اندبندنت عربية" يقول مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية جمال عبدالجواد إن "انعقاد قمة مجموعة الـ20 في هذا التوقيت له أهمية كبيرة، بسبب طبيعة التحديات التي يواجهها العالم في هذه المرحلة"، مشيراً إلى ما يشهده العالم في الوقت الراهن من "تداخل أكثر من نوع من التحديات والمشكلات في الوقت نفسه"، وعليه يعول على مجموعة الـ20 للإسهام في فتح آفاق للحل واختبار أفكار جديدة للتحديات التي يواجهها".
ويوضح عبدالجواد "هناك بالتأكيد التحدي الجيوسياسي والصراعات المسلحة الدائرة والمعقدة في أكثر من مكان بمعدلات ودرجة من الحدة لم نشهدها منذ عقود طويلة في الحقيقة"، منوهاً إلى أنه وللمرة الأولى "يتصاعد الصراع المسلح في أوروبا بهذه الكثافة"، في إشارة إلى الحرب الروسية - الأوكرانية المستمرة منذ فبراير (شباط) 2022.
ويتابع بالنسبة إلى الحرب في أوكرانيا فإن ما يعقدها أن "أحد أطرافها هو روسيا التي تعد دولة كبرى، في مقابل أوكرانيا التي يدعمها حلف الأطلسي (الناتو)"، معتبراً إياها "حرب عالمية خفية"، خلفت تبعات وآثار سلبية في كل النظام الدولي من النواحي الأمنية والاقتصادية واقتصادات الطاقة.
وبجانب الصراع في الشرق الأوسط والحرب الإسرائيلية في غزة ولبنان، مضى عبدالجواد في القول إنه "على الجانب الآخر نشهد حالياً نظاماً اقتصادياً دولي يواجه تحديات كبيرة جداً، إذ لم يتعاف العالم بعد من آثار جائحة كورونا وآثار التضخم الذي تبع الجائحة"، ويتابع "عندما يشتبك الصراع المسلح في أوكرانيا والصراع المسلح في الشرق الأوسط، مع أزمة اقتصادية كبيرة منعكسة في مظاهر مختلفة، من أهمها التضخم وأزمة الديون السيادية الهائلة التي تعانيها غالبية دول العالم، وتمثل خطورة أكثر حدة على الدول متوسطة النمو"، يعني أن العالم يمر بمرحلة غير مسبوقة.
مجموعة الـ20 والبحث عن حلول
وفق عبدالجواد فإن تجمع قادة مجموعة الـ20 يمثل "المكان المناسب لبحث هذا النوع من المشكلات، لا سيما المشكلات الاقتصادية والمالية"، معتبراً أن تجمع التكتل ذاته مهم لبحث الصراعات الجيوسياسية "إلا أنه في ما يتعلق بها تكمن أهمية مجموعة الـ20 في كونها منبراً لتداول الأفكار لإظهار موقف الرأي العام الدولي"، مشيراً إلى بيان التكتل الختامي الذي دعا إلى وقف الحروب والعنف وأن "هذا ما يريده المجتمع الدولي" على حد وصفه.
ويمضي عبدالجواد قائلاً "نظل الوظيفة الرئيسة هي اقتصادية ومالية"، موضحاً "الوظيفة التي تأسست من أجلها المجموعة كانت وظيفة مرتبطة بالأزمة المالية العالمية في نهاية تسعينيات القرن الماضي ثم تم الارتقاء بها إلى مستوى اجتماع سنوي على مستوى رؤساء الدول والحكومات عقب الأزمة الاقتصادية في 2008 مرة أخرى".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويضيف "إذا هذا هو المجال الأهم لعمل قمة الـ20، وعليه ناقشت القمة الراهنة وركزت على القضايا المتعلقة بالأزمة الاقتصادية العالمية، والقضايا المتعلقة بالديون السيادية، وكذلك القضايا المتعلقة بمستويات الفقر والجوع، التي عادت للظهور عالمياً بأرقام مخيفة تم إعلانها خلال القمة الراهنة بأكثر من 730 مليون مواطن على مستوى العالم ينامون من دون الحصول على ما يكفيهم من الغذاء".
وبحسب عبدالجواد فإن نسب الفقر والجوع المرتفعة عالمياً، تمثل "وصمة عار في جبين الإنسانية"، معتبراً أن "قمة مجموعة الـ20 هي المكان المناسب للتعامل عن مثل هذه النوع من القضايا، إذ أعلن مبادرة برازيلية للتحالف الدولي ضد الفقر والجوع، ضم أعضاء من 83 دولة".
"ظلال" ترمب
وختم عبدالجواد حديثه قائلاً إن كل هذه المشكلات والتحديات التي تناقشها القمة الراهنة "تجري تحت ظلال وترقب وصول الرئيس دونالد ترمب إلى البيت الأبيض في الولايات المتحدة"، موضحاً "للرئيس ترمب توجهاته في ما يخص الصراعات المسلحة في العالم، وله توجهاته أيضاً في ما يخص الاقتصاد العالمي والتهديد برفع الجمارك ووضع قيود على التجارة، وعليه كان قادة الدول ورؤساء الحكومات في مجموعة الـ20 يتعاملون من ناحية مع المشكلات والتحديات القائمة بالفعل في أثناء اجتماعاتهم، لكنهم في الوقت نفسه يتحسبون للتحدي القادم بوصول الرئيس ترمب إلى البيت الأبيض، وهو تحد بالتأكيد ليس بقليل".
وتعد مجموعة الـ20 منتدى للتعاون الاقتصادي والمالي يضم 20 عضواً يمثلون أكبر الاقتصادات إضافة إلى منظمات دولية تلعب دوراً محورياً في الاقتصاد والتجارة في العالم، وتأسست عندما قرر وزراء المالية ورؤساء البنوك المركزية في الدول الأعضاء في مجموعة السبع الكبار في قمة المجموعة عام 1999 توسيع المجموعة وضم نظرائهم في دول مجموعة الـ20، وفي أعقاب الأزمة المالية العالمية عام 2008 رفع مستوى المشاركة في اجتماعات قمة مجموعة الـ20 إلى مستوى الرؤساء.
وتجتمع المجموعة سنوياً في إحدى الدول الأعضاء فيها، ويمثل أعضاؤها نحو 60 في المئة من سكان العالم، وما يقدر بـ85 في المئة من إجمالي اقتصاده، فضلاً عن نحو 75 في المئة من حجم التجارة العالمية.
وقبل انعقاد القمة الراهنة رصد الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا لهذه القمة ثلاثة أهداف: أولها محاولة إقناع القادة المجتمعين فرض ضريبة عالمية على أرباب المليارات، وثانيها تشكيل تحالف للحد من الجوع والفقر، وثالث تلك الأهداف هو إصلاح منظمات دولية كالأمم المتحدة بحيث تمنح الدول النامية مزيداً من الثقل.
Listen to "بحث "متعثر" عن حلول لتحديات العالم الاقتصادية والجيوسياسية في قمة الـ20" on Spreaker.