على الرغم من مرور 46 يوماً على توقيع الوثيقة الدستورية الرسمية لفترة الحكم الانتقالي في السودان المحددة بـ 39 شهراً، إلا أن جدلاً قانونياً وسياسياً كبيراً شهدته الفترة الماضية، بعد انتشار معلومات عن وجود نسختين للوثيقة الدستورية، إذ تضمنت إحداهما 70 بنداً يُعين بموجبها رئيس القضاء من قبل مجلس القضاء العالي، ويجري تعيين النائب العام من قبل مجلس النائب العام، بينما احتوت الوثيقة الأخرى على 78 بنداً، وأعطت بنودها مجلس السيادة صلاحية تعيين رئيس القضاء والنائب العام معاً. في حين أعطت الوثيقتان صلاحية تعديل بنود الوثيقة الدستورية إلى مجلسي السيادة والوزراء لعدم تشكيل المجلس التشريعي، وهو ما دفع المجلسان (السيادي والوزراء) إلى الانعقاد والتوافق على وثيقة جديدة جرى إيداعها رسمياً في الجريدة الرسمية (الغازيتا) في وزارة العدل. ومن المتوقع الإعلان خلال الساعات المقبلة عن تعيين رئيس جديد للقضاء ونائب عام.
إجراء دستوري
وبحسب المحامي حيدر عبد الرحمن، فإن "ما حصل من تغييرات في الوثيقة الدستورية، لا يمكن اعتباره تعديلاً بالمعنى الدقيق"، موضحاً أنه "سبق أن عُدّلت الوثيقة بعد التوقيع عليها بالأحرف الأولى، كما أن هذا التعديل من الناحية الإجرائية يعتبر إجراء خاطئاً، لأنه خالف النص الوارد في الوثيقة حول كيفية التعديل، وهو ما أثار المخاوف والقلق من إمكان الطعن في الوثيقة دستورياً، ما يؤدي إلى إبطال بعض النصوص"، مبيناً أن "التعديل من الناحية السياسية يأتي في مصلحة قوى الثورة، إذ إنه يعالج مسألة مهمة تتعلق بتعيين رئيس القضاء والنائب العام لتدارك خطأ المفاوضين ولجنة الصياغة، لعدم وجود نص يشير إلى أحقية قوى الثورة في تعيينهما".
وأوضح "الآن أصبح التعديل المذكور بعد التوقيع بالأحرف الأولى، قانونياً بعد إقراره في اجتماع مشترك بين المجلسين السيادي والوزراء"، لافتاً إلى أنه "لا مجال في هذه المرحلة لتكوين لجنة دستور لحكم الفترة الانتقالية، وذلك لأن الوثيقة الحالية لا تعتبر دستوراً، بل هي وثيقة لحكم الفترة الانتقالية فقط، ولا بد في نهاية الفترة الانتقالية، من صياغة دستور للبلاد تحت إشراف مفوضية الدستور، التي وردت من ضمن نصوص الوثيقة". وأكد عبد الرحمن أن "الاستفتاء الشعبي سيكون لازماً عند صياغة الدستور الدائم، وهو ما يتطلع إليه الشعب السوداني في المستقبل القريب".
تضارب وأخطاء
وكان ثلاثة محامين كبار من أعضاء اللجنة الفنية في قوى "الحرية والتغيير"، هم تاج السر الحبر وكمال الجزولي ومحمد الحافظ، أصدروا مذكرة حمّلوا فيها عضوين من اللجنة، هما ابتسام السنهوري وساطع الحاج، أخطاء الوثيقة الدستورية، فضلاً عن وجود عدد من مسودات للوثيقة الدستورية تداولها الناس عبر الوسائط المختلفة، واعتبروا أن "التعامل مع المسودات والتضارب حول ما جرى توقيعه، ترك مجالاً كبيراً للتساؤل حول قصور التعامل المهني من اللجنة الفنية. كما أن وجود وثيقتين مختلفتين يبقي السؤال حول آلية تعديل الوثيقة الثانية، وهل فُتح باب التفاوض بعد توقيع الوثيقة بالأحرف الأولى؟"، مؤكدين أنه "على اللجنة الفنية تحمل أي خطأ يتعلق بالوثائق المذكورة وطريقة تداولها بين طرفي التفاوض". وأضافوا "نحن نحترم أي جهد يصب في مصلحة الوطن، ولكن يجب أن تستفيد قوى (الحرية والتغيير) من هذه التجربة، وأن تطرح كل ما يهم الناس للحوار المجتمعي، وأن يتحمل المخطئ خطأه، بل يقر به بشجاعة ويقترح الإصلاح".
سريان القوانين
وبحسب المذكرة، فإن بنود الوثيقة نصت على استمرار سريان القوانين مالم تلغ أو تعدل، وذلك يشمل كل القوانين المتعلقة بالسلطة القضائية والنائب العام والمفوضية وكل قوانين التمكين الصادرة تحت ظل النظام السابق، وما من سبيل لإنجاز أية مهام من دون إجراء التعديلات اللازمة وإلغاء عدد غير يسير من القوانين، تصل إلى ما يقارب الـ 143 من القوانين واللوائح الصادرة بموجبها، المنشورة منها وغير المنشورة، فضلاً عن أنها لم تستصحب تجارب السودان في الوثائق الدستورية السابقة عام 1956 وعام 1973 وعام 1985 وعام 2005 حين تم تعديل القوانين لتتسق مع النصوص الدستورية، ما تعتبر عملية معقدة.
شرح وتبسيط
أكدت عضو اللجنة القانونية في قوى "الحرية والتغيير" ابتسام السنهوري، من جهتها، أن "الوثيقة الدستورية أعطت مجلس الوزراء كل الصلاحيات وأنها في انتظار التنفيذ فقط، كذلك حولت كل ما يتحدث عنه الناس حول الشرعية الدستورية"، مشيرة إلى أن "الوثيقة تحتاج إلى شرح وتبسيط ليفهمها الجميع". وأكدت أنها وثيقة لكل الأطراف وليست وثيقة خاصة بقوى "الحرية والتغيير"، وعبّرت عن استغرابها "لاختزال البعض كل اللجنة القانونية في شخصها، بيد أن اللجنة تضمّ في عضويتها كبار الأساتذة في القانون وهي مجرد عضو فيها".
وفي الختام، أوضحت أن "خيار التفاوض مع المجلس العسكري آنذاك كان خيار الأغلبية العظمى، وأن التفاوض حقّق ما قامت لأجله الثورة".