ملخص
يرى مراقبون أن هذه الحادثة التي تقع للمرة الأولى في قطاع غزة على رغم انهيار الأمن والنظام المدني، قد تترك آثاراً خطرة على المجتمع، وبطبيعة الحال فإنها تهدد السلم الأهلي والمجتمعي، وتنذر بحرب أهلية إذا ما تم تدارك الموقف، سواء حل أزمة الطحين أو منع استخدام السلاح في مشكلات العائلات.
أثناء محاولة تنظيم التجمع والتدافع أمام مخبز دير البلح وسط غزة، قتلت ثلاث سيدات بعد إطلاق نار، نشب بعده عراك كبير بين العائلات، واضطر الفرن الذي يقدم الخبز الساخن للجائعين إلى إغلاق أبوابه أمام الناس، مما زاد من شدة الجوع في القطاع.
ويرى مراقبون أن هذه الحادثة التي تقع للمرة الأولى في قطاع غزة على رغم انهيار الأمن والنظام المدني، قد تترك آثاراً خطرة على المجتمع، وبطبيعة الحال فإنها تهدد السلم الأهلي والمجتمعي، وتنذر بحرب أهلية إذا ما تم تدارك الموقف، سواء حل أزمة الطحين أو منع استخدام السلاح في مشكلات العائلات.
اختفاء الدقيق سبب الفوضى
قبل أسابيع عدة، بدأ الطحين يختفي من خيام النازحين في المنطقة الإنسانية في جنوب القطاع، إذ كانت الأمهات يعملن على إعداد الخبز يدوياً، ولكن بعد نفاد الدقيق اضطر الناس إلى التوجه لشراء الخبز من الأفران التي تعمل بدعم من برنامج الغذاء العالمي، مما سبب حالاً من الضغط الشديد على تلك الأفران التي تعاني أساساً نقصاً في الدقيق نتيجة تقييد إسرائيل توريد الطحين لغزة، وترى الأمم المتحدة أنها سياسة متعمدة، إذ تستخدم تل أبيب التجويع المتعمد كسلاح ضد السكان المدنيين.
في أي حال، يتجمع يومياً ولساعات طويلة آلاف الغزيين أمام المخابز للحصول على ربطة خبز واحدة تتكون من 20 رغيفاً، ولكن يغيب النظام أمام تلك الأفران ولا يصطف الأفراد في طوابير وتعمّ الفوضى المكان.
هذا ما يحدث أمام المخبز
يزاحم الغزيون بعضهم من أجل الوصول إلى بوابة المخبز لشراء ربطة الخبز، وتشرح هيا "نخرج الساعة الثالثة فجراً، ونقف أمام المخبز ولكن ليس في طوابير بسبب غياب عناصر أمن كانوا يتولون مهمة تنظيم الدور في طوابير طويلة".
وتقول هيا "نتزاحم ونتعارك ونضرب بعضنا بعضاً نسوة ورجالاً، وهناك حالات سرقة وفوضى، وهناك إصابات أيضاً، وكل ذلك من أجل الوصول إلى بوابة المخبز وشراء ربطة واحدة، والشخص الذي يتمكن من الحصول على الأرغفة يكون محظوظاً".
"ليس محظوظا تماماً"، تضيف هيا التي تستدرك أنه "بعد شراء ربطة الخبز، يهجم الناس على الشخص الذي يحملها، يتهافتون عليه أملاً في أخذ رغيف أو أكثر، وعادة يخفي الأفراد ربطة الخبز داخل ملابسهم ويحضنونها لحمايتها، ويتحملون ضرباً مبرحاً في سبيل تناول الخبز الساخن أو البارد، المهم أنه خبز".
تدخل العشائر
لم تعجب هذه الحال العائلات في المنطقة الإنسانية، وقررت العشائر إيفاد أبنائها من أجل تنظيم الدور، ووصلوا بهيئة رجال مسلحين وحاولوا تنظيم طابور طويل، لكن عبثاً كانوا يحاولون، فهناك عدد ضخم من الجائعين ينتظرون رغيف الخبز.
وفي محاولة لتنظيم الطوابير، أطلق أحد المسلحين النار في الهواء، لكنه فشل في السيطرة على سلاحه، ونتيجة ذلك سقط الرصاص بصورة عشوائية في المكان، مما أدى إلى مقتل ثلاث سيدات على الفور.
نذر حرب أهلية
ثار أهالي النسوة وخرجوا يحملون السلاح ويطلقون النار في الهواء، ووصلوا إلى المخبز وأغلقوه وأحرقوا الإطارات المطاطية، وهددوا عائلات المسلح الذي أطلق النار بالقتل ورحلوهم من خيامهم التي تؤويهم، ثم توعدوا كثيراً قبل أن يغادروا المنطقة.
في الواقع، لهذه الحادثة خلفية طويلة، إذ بدأ الأمر عندما أغلقت إسرائيل المعابر في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي على خلفية الأعياد اليهودية، وبعد فتحها قيدت تدفق الطحين إلى المنطقة الإنسانية، مما أدى إلى نقصان الدقيق.
وبعدما سمحت إسرائيل في تدفق قوافل الطحين، تعرضت الشاحنات للنهب والسرقة ولم يصل الدقيق إلى المخابز أو العائلات، وبيع في السوق السوداء بسعر خيالي، إذ وصل ثمن الكيس وزن 25 كيلوغراماً إلى نحو 340 دولاراً.
حراس مستأجرون
وبعد محاولات عدة، وصلت شاحنات الدقيق إلى المخابز، وحينها اضطر أصحاب الأفران إلى استئجار مسلحين لحماية المستودعات الصغيرة من السرقة وأيضاً لمحاولة تنظيم الدور أمام المخابز ومنع التدافع والفوضى.
لكن الحراس المستأجرين المسلحين فشلوا في مهمة التنظيم، وهنا ظهرت السوق السوداء في بيع الخبز، إذ تباع الربطة الواحدة داخل المخبز بسعر دولار واحد، وتباع خارجه بـ11 دولاراً، مما يزيد التدافع على بوابة الفرن.
قيود إسرائيلية
يقول المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك "يعاني وسط قطاع غزة وجنوبه نقصاً حاداً في كميات الطحين بفعل الإجراءات الإسرائيلية وسرقة المساعدات من قبل بعض العصابات واللصوص".
ويضيف أن "القوات الإسرائيلية منعت ثلثي عمليات المساعدات الإنسانية المختلفة البالغ عددها 129، من الوصول إلى قطاع غزة، فزاد خوف السكان من استمرار إسرائيل في التلاعب بإدخال كميات مساعدات كافية، مما سيفاقم من المجاعة في المنطقة الإنسانية".
وبسبب نقص الدقيق، اضطرت أمس المخابز الثمانية التي تعمل في المنطقة الإنسانية إلى إغلاق أبوابها لعدم توافر الطحين، ويقول مدير مكتب الإعلام الحكومي إسماعيل الثوابتة "تعوق إسرائيل مرور شاحنات الطحين للأمم المتحدة، مما زاد من الأزمة لذا أغلقت الأفران أبوابها".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
رحلة شاقة لتأمين رغيف الخبز
الحصول على ربطة خبز أشبه برحلة معاناة شاقة ومرهقة، ويقول محفوظ "لليوم الثالث على التوالي أعود لأسرتي مثقلاً من دون خبز، أفشل في توفير بعض الأرغفة لأبنائي".
وتوضح صبحية "بتّ في الأيام الأخيرة أخصص ساعة أو ساعتين من يومي للبحث عن الخبز، أنا لا أذهب إلى حيث الطوابير، وأبحث عن أحد يرغب في بيعه، لكن للأسف لا أجد".
أما علاء، فيؤكد أنه يخوض "معركة يومية في طابور الخبز، وأغمي عليّ مرات كثيرة، لا سيما أنني مريض قلب، ولا أستطيع الوقوف لساعات طويلة، وأحياناً كثيرة يضيع دوري من شدة ازدحام النساء والأطفال، ناهيك عن المشكلات التي تحصل بين الناس والخوف من أن يلحقني الأذى".
يقول مفوض عام "أونروا" فيليب لازاريني إن "الناس يكافحون في دير البلح من أجل الحصول على رغيف خبز، ويواجه الجميع في قطاع غزة خطر المجاعة".
وتنفي إسرائيل عرقلة وصول المساعدات إلى غزة، ويصرّح المتحدث باسم الجيش دانيال هاغاري بأننا "نسهم في تحسين تدفق المعونات ونسهل مرور الشاحنات، وهناك مشكلة في غزة لا علاقة لنا بها، نحن نسمح بمرور شاحنات الطحين باستمرار ومن دون أي عائق".