ملخص
تعني زيادة الضرائب في النهاية تقليدياً الضغط على جيوب المستهلكين، مما يقلل الطلب في الاقتصاد مع ثبات العرض، حتى إن لم يرتفع، بالتالي فالمنطقي هو انخفاض الأسعار نتيجة ميل معادلة العرض والطلب نحو زيادة المعروض والمخزونات
على رغم تصريحاتها المتكررة خلال الأيام الأخيرة التي تشير فيها إلى أنها لن ترفع الضرائب في الموازنات المقبلة، فإن وزيرة الخزانة البريطانية راتشيل ريفز تواجه انتقادات من جهات عدة، خصوصاً من الشركات ورجال الأعمال بسبب ما تضمنته أول موازنة أعلنتها نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وتضمنت موازنة ريفز الأولى، حصيلة ضريبية تصل إلى 40 مليار جنيه استرليني (50 مليار دولار) معظمها من رفع نسب الضريبة على الأعمال والشركات وزيادة مستقطعات التأمينات الاجتماعية التي تدفعها الشركات وأصحاب لأعمال إلى جانب مساهمات العاملين.
ولا تخلو وسائل الإعلام البريطانية يومياً من خبر أو تعليق أو تصريحات من هيئات وروابط تمثل رجال الأعمال والشركات ينتقد الموازنة الأخيرة نتيجة الإضرار بفرص توسع النشاط وزيادة الاستثمار، مثل أخبار توقف نحو ثلث الشركات والأعمال عن التوسع في خطط التوظيف أو مراجعة خططها الاستثمارية المستقبلية أو حتى تعليقها، أيضاً، عدم رضا حي المال والأعمال "سيتي أوف لندن" عن خطط الحكومة لإعادة هيكلة هيئات تنظيم الأعمال.
وخلال الأعوام الأخيرة، زادت وتيرة تحميل الشركات والأعمال أي زيادة في كلفة الإنتاج والتشغيل، سواء بصورة مباشرة نتيجة تعطل سلاسل الإمداد والتوريد أو غير مباشر نتيجة ارتفاع الضرائب والرسوم للمستهلك النهائي، مما يزيد العبء على الأسر.
وعلى رغم تراجع نمو معدلات التضخم، فإن أسعار السلع الأساسية والخدمات لا تنخفض، بل على العكس هي في ارتفاع مستمر، خصوصاً في قطاع الخدمات.
مخاوف تضخمية
وتعني زيادة الضرائب في النهاية تقليدياً الضغط على جيوب المستهلكين، مما يقلل الطلب في الاقتصاد مع ثبات العرض، حتى إن لم يرتفع، بالتالي فالمنطقي هو انخفاض الأسعار نتيجة ميل معادلة العرض والطلب نحو زيادة المعروض والمخزونات، إلا أن تحالف تجار التجزئة في بريطانيا حذر أمس الثلاثاء من أن زيادة مساهمات الأعمال في التأمينات الاجتماعية للعاملين وزيادة الحد الأدنى للأجور، إضافة إلى مجموعة الزيادات في الضرائب والرسوم على الشركات والأعمال ستؤدي حتماً إلى مزيد من ارتفاع الأسعار.
إلى ذلك، حذر عشرات من تجار التجزئة بأن ما أعلنته وزيرة الخزانة في بيان الموازنة الشهر الماضي من إجراءات سيؤدي إلى ارتفاع معدلات التضخم مجدداً. وفي مقابلة مع صحيفة "ذا تايمز"، قالت الرئيسة التنفيذية للتحالف هيلين ديكنسون إنه "مع ما يبدو في الأفق من ضغوط سعرية فإن أرقام نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري، قد تشير إلى نهاية تراجع التضخم، إذ يواجه القطاع كلفاً إضافية العام المقبل بنحو 7 مليارات جنيه استرليني (8.8 مليار دولار) بسبب التغيير في مساهمات الشركات والأعمال في مدفوعات التأمينات الاجتماعية وبسبب ارتفاع ضريبة العمال وزيادة الحد الأدنى للأجور وحزمة الرسوم الجديدة على التعبئة والتغليف".
وطالبت ديكنسون الوزيرة البريطانية بإعادة النظر في نظام ضريبة الأعمال وإصلاحه وكذلك في المدى الزمني لفرض رسوم التعبئة والتغليف.
وبحسب أرقام تحالف تجار التجزئة وشركة الاستشارات "نيلسن أي كيو"، تراجعت الأسعار في محال التجزئة في العام المنتهي هذا الشهر 0.6 في المئة، لكنها نسبة انكماش أقل عن أكتوبر الماضي، حين كان التراجع 0.8 في المئة على أساس سنوي، أما
على أساس شهري، فارتفعت الأسعار في محال التجزئة 0.2 في المئة لنوفمبر الجاري مقارنة بزيادة 0.1 في المئة للشهر الماضي.
أما معدل التضخم في أسعار الأغذية، فانخفض هذا الشهر 1.8 في المئة، وهي أقل نسبة تراجع منذ نوفمبر عام 2021، وانخفضت أسعار بقية السلع 1.8 في المئة مقابل هبوط 2.1 في المئة الشهر الماضي.
إغلاقات محتملة
عادة ما يصدر مؤشر الأسعار لتحالف تجار التجزئة قبل مؤشر التضخم الرسمي الصادر عن مكتب الإحصاء الوطني ويستخدمه المحللون لتوقع معدل التضخم الرسمي.
وكان معدل التضخم الرسمي ارتفع لأكتوبر الماضي إلى 2.3 في المئة من 1.7 في المئة لسبتمبر (أيلول) 2024.
والأسبوع الماضي، أرسل 70 من محال التجزئة الكبرى في بريطانيا، من بينها "تيسكو" و"ماركس أند سبنسر" و"اسدا" و"سينسبري" رسالة إلى وزيرة الخزانة يحذرون فيها من احتمال إغلاق المحال وفقدان الوظائف وارتفاع الأسعار للمستهلكين بسبب الزيادة في الضرائب التي تضمنها بيان الموازنة.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، حذر رئيس سلسلة محلات "سينسبري" سايمون روبرتس من أن رفع مساهمات الأعمال في التأمينات الاجتماعية سيكلف سلسلة المحال ما يصل إلى 140 مليون جنيه استرليني (176 مليون دولار) إضافية العام المقبل.
أما سلسلة محال "ماركس أند سبنسر" التي توظف 65 ألف عامل، فقالت إنها ستتكلف 60 مليون جنيه استرليني (75.5 مليون دولار) إضافية في العام المالي المقبل نتيجة زيادة التأمينات الاجتماعية عليها، وستتكلف مبلغاً مماثلاً إضافياً نتيجة زيادة أجور العاملين.
وعلى رغم تعهد سلاسل محال التجزئة الكبرى تلك بأن تبذل قصارى جهدها لتفادي تحميل الزيادات في الضرائب على المستهلكين عبر رفع الأسعار النهائية، فإنه لا يمكن عدم ضمان ارتفاع الأسعار بصورة كبيرة مع تطبيق زيادة الضرائب.
وتأتي تحذيرات تحالف تجار التجزئة من ارتفاع الأسعار ومعدلات التضخم في وقت ذكرت شركة المحاسبة "برايس بايلي" أن واحداً من كل 10 مطاعم في بريطانيا يتعرض لخطر "الإغلاق قريباً"، وكل ذلك بينما الدخل الفعلي للأسر البريطانية في تراجع، كما أشار مركز أبحاث الاقتصاد والأعمال، فبحسب المؤشر فإن الدخل الصافي للأسر البريطانية أصبح عند 247 جنيهاً استرلينياً (311 دولاراً) في الأسبوع الجاري، بتراجع 1.98 جنيه استرليني (2.5 دولار) لأكتوبر الماضي.