ملخص
يشار إلى أن تراجع نمو القروض بدا جلياً في السنوات الأخيرة، بعدما انخفض من 8.2 في المئة في 2022 إلى 1.8 في المئة في 2023، مما يعكس الضغوط التي يعانيها الاقتصاد التونسي
دعم القطاع المصرفي في تونس الأسس المالية بتعزيز أمواله الذاتية الاحترازية، إذ فاقت الحدود الترتيبية الدنيا بنسبة 4 في المئة وفق ما كشف عنه البنك المركزي التونسي وذلك خلال النصف الأول من العام الحالي.
وحافظ البنك التونسي على السيولة المصرفية في مستويات مستقرة مرضية، إذ تجاوزت نسبة السيولة في المدى القصير 200 في المئة، وبلغت نسبة القروض إلى الودائع 102.5 في المئة متأثرة إيجاباً بديناميكية تعبئة الودائع التي ارتفعت 8.1 في المئة مقارنة بالستة أشهر الأولى من عام 2023.
لكن في المقابل بدا نشاط القروض متباطئاً ولم يسجل أكثر من 1.8 في المئة من النمو في الأشهر التسعة الأولى من 2024.
وحذر البنك من ضغوط ممكنة على متانة القطاع البنكي على خلفية ارتفاع نسبة القروض المتعثرة التي زادت إلى 14 في المئة حتى يوليو (تموز) الماضي.
يشار إلى أن تراجع نمو القروض بدا جلياً في السنوات الأخيرة، بعدما انخفض من 8.2 في المئة في 2022 إلى 1.8 في المئة في 2023، مما يعكس الضغوط التي يعانيها الاقتصاد التونسي.
في المقابل، شهدت السوق المالية اتجاهاً تصاعدياً للمؤشر الرئيس لبورصة تونس بتسجيله أداءً إيجابياً عند 12.7 في المئة حتى أكتوبر (تشرين الأول) الماضي في اتجاه معاكس لحجم التداول الذي كان خجولاً لينخفض9.1 في المئة مقارنة بمستواه في نهاية أكتوبر2023، متأثراً بالظرف الاقتصادي، بينما اقتصر مستوى الإصدار في السوق المالية في الأغلب على إصدارات الخزانة، متسماً بالتراجع.
دور قطاع التأمين والممولين الصغار
وبينت مؤشرات شركات التأمين في 2023 مواصلة التطور الإيجابي لرقم معاملاتها الذي ارتفع بـ 8.2 في المئة، إذ بلغ 3.4 مليار دينار (1.06 مليار دولار)، وزادت مساهمة قطاع التأمين في تمويل الدولة والقطاع الخاص وارتفعت الأموال الذاتية لقطاع التأمين بـ12.3 في المئة لتبلغ 2.1 مليار دينار (656 مليون دولار)، وهو ما اعتبره البنك المركزي التونسي مؤشراً على المتانة المالية للقطاع.
وحول مساهمة قطاع التمويل الصغير (شركات خفية الاسم وجمعيات القروض الصغيرة) في تمويل المؤسسات الصغرى، فارتفع إجمالي التمويلات الصغرى لأكثر من ملياري دينار (625 مليون دولار) حتى نهاية يونيو (حزيران) 2024، بعد أن أسهمت في تمويل ما يقارب 800 ألف مستفيد من القروض.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وواصل قطاع التمويل الصغير التحكم في أخطار القرض لتبلغ نسبة محفظة الأخطار لمدة 30 يوماً 2.9 في المئة، وبذلك أسهمت مؤسسات التمويلات الصغرى في تعزيز الشمول المالي، وفق تقرير البنك المركزي الذي اعتبر أن القطاع المالي أظهر صلابة وأسهم في تمويل الاقتصاد والقطاع العمومي على رغم التوترات الجيوسياسية وتفاقم آثار التغيرات المناخية.
وتعهدت مؤسسة الإصدار بالعمل للحد من الأخطار والحفاظ على الاستقرار المالي عن طرق اليقظة الاحترازية الكلية ومواصلة انتهاج سياسات حذرة في مجال توزيع الأرباح وتكوين المدخرات الجماعية، وأشارت إلى حرصها على دفع المبادرات في مجال تخضير القطاع المالي وإدراج البعد المناخي في المنظومة التعديلية.
معاناة القطاع الخاص
من جانبه، أوضح المحلل المالي مهدي البحوري في حديثه إلى "اندبندنت عربية" أن "إيجابية المؤشرات المالية في المجمل وغياب الأخطار المالية المباشرة لم تمنع ظهور ضعف نمو القروض، ونسبة نموها البالغة 1.8 في المئة"، واصفاً تلك النسبة بالمنخفضة جداً مقارنة بالأرقام التي اعتادت عليها تونس في فترات ماضية، قائلاً "هذا هو أدنى معدل نمو للقروض منذ ما يقارب من 30 عاماً".
وأشار البحوري إلى ارتفاع حجم القروض المقدمة للقطاع العام الذي زاد ثمانية في المئة خلال الفترة نفسها، لافتاً إلى أنه "إذا أضفنا معدل الديون غير المسددة البالغ 14 في المئة ومعدل نمو الناتج المحلي الإجمالي المنخفض جداً بنسبة 1.8 في المئة في الربع الثالث من العام الحالي، يتضح بطء القروض المقدمة للقطاع الخاص، إذ تعاني القروض المقدمة للقطاع الخاص من تباطؤ غير مسبوق منذ 30 عاماً، وهو ما يمكن أن يكون ناجماً عن الوضع الاقتصادي السيئ وعن احتمال تأثير مزاحمة التمويل العام".
أضاف "انعكاس التباطؤ الاقتصادي ونمو الناتج الإجمالي أصبح واضحاً على الديون غير المسددة، وهو صورة عاكسة للقطاع الخاص الذي يواجه صعوبة في الوفاء بالتزاماته الائتمانية في الوقت الراهن".
من جهته، اعتبر المتخصص في الشأن الاقتصادي حسين الرحيلي أن "المؤشرات الإيجابية لتعبئة الودائع تخفي العزوف عن الاستهلاك وغياب الطلب الإضافي للسيولة"، مضيفاً "إذا نظرنا إلى الاستقرار في الطلب على مستوى السوق النقدية بطريقة إيجابية فهو يعتبر تعثراً في النشاط بحكم أن الاستهلاك يمثل أحد أهم محركات الاقتصاد وتجاوره مؤشرات دالة على بطء النشاط مثل نسبة البطالة المستقرة عند 16 في المئة وهي مرتفعة وجميعها عناصر مرافقة لنسق الاستثمار الذي يشهد بطئاً شديداً في شقيه العام والخاص".
وأشار الرحيلي إلى أن ذلك نتيجة حتمية للصعوبات التي تواجه المؤسسات الخاصة والأفراد وتظهرها نسبة نمو القروض وهي 1.8 في المئة والقروض المتعثرة 14 في المئة، إذ يُصعب عليها الاقتراض في ظل نسبة فائدة رئيسة مرتفعة للغاية عند 8 في المئة وتتعثر في السداد بفعل عجزها على تنمية عائداتها، لافتاً إلى أنها متأثرة بالعوامل المذكورة ومؤثرة في الوقت نفسه في نسق الاستثمار، إذ إن إشكاليات السيولة تمنعها من توسيع استثماراتها.