Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

وهم الأمان الطبقي في بريطانيا: العصابات لا تستغل الفقراء فقط 

يقول والدان إن استدراج الأطفال إلى عالم الاتجار بالمخدرات والسلوكيات غير السوية يمكن أن يقع لأي أسرة، بغض النظر عن خلفيتها أو وضعها الاجتماعي.

يُستهدف ضحايا عصابات خطوط المقاطعات بعناية، حيث يتم تجهيزهم واستغلالهم ليجدوا أنفسهم عالقين في عالم سفلي عنيف يصعب الهروب منه (غيتي/ آي ستوك)

ملخص

تروي كل من هارييت وزوجها توم قصة ابنهما الذي وقع ضحية لاستغلال عصابة إجرامية ويكشفان عن أخطار استغلال الأطفال، وكيف أن هذه المآسي يمكن أن تقع لأي أسرة، أياً كان وضعها الاجتماعي.

في البداية، بدا كل شيء "طبيعياً" للغاية. أسرة عادية مكونة من أب وأم وطفلين، صبي وفتاة، يعيشون في بلدة هادئة في شمال شرقي إنجلترا. كان هارييت وتوم يواجهان تحديات التربية المعتادة في التعامل مع المراهقين: تغيير المدارس، تكوين صداقات جديدة، وتأثير وسائل التواصل الاجتماعي. كان منزل الأسرة واسعاً، مؤلفاً من ثلاثة طوابق وست غرف نوم، وكانت حياتهم تسير بوتيرة مستقرة. لكن الأمور، وبشكل بطيء في البداية، بدأت تتغير.

لم تكن البوادر الأولى ملحوظة، حيث كان انتقال ابنهم "بن" إلى المدرسة الإعدادية سلساً نسبياً، لكنه كبقية المراهقين كان يحاول تخطي الحدود أحياناً. تقول هارييت: "بدأ في التسلل من المنزل أحياناً"، مشيرة إلى أن غرفة نوم الأبوين كانت في الطابق العلوي مما "صعّب علينا سماع ما يجري في الطابق السفلي دائماً". لم يكن هذا الأمر يعتبر مشكلة في السابق.

تضيف هارييت: "لكننا بدأنا نلاحظ أنه يختفي كثيراً. ويقول لنا إنه مع صديقه في مرأب منزله، فنصر على عودته إلى المنزل فوراً. كان ذلك يحدث بشكل متقطع في البداية، لكنه بدأ يتكرر لاحقاً. ثم راحت ابنتنا تخبرنا عن اختفاء الأموال من مكتبها - مبلغ بسيط، 20 جنيهاً استرلينياً، وأشياء من هذا القبيل. بصراحة، اعتقدنا ببساطة أنها ضيعت المبلغ، لم يخطر ببالنا أن ’بن‘ كان يأخذ الأموال. لكن مع مرور الوقت، بدأت هذه التفاصيل الصغيرة تتجمع لتتضح الصورة أكثر".

في سن الثالثة عشرة فقط، وقع "بن" في شباك عصابة إجرامية تعمل في تجارة المخدرات عبر شبكات تُعرف بالخطوط الإقليمية (وهي شبكات تتخصص في توزيع المواد المخدرة المحظورة). تُعد هذه الظاهرة شكلاً من أشكال العبودية الحديثة، حيث يتم اختيار الضحايا، ومعظمهم من القُصّر، وتدريبهم واستغلالهم، ليجدوا أنفسهم محاصرين في عالم عنيف غير قادرين على التحرر منه.

في عام 2023، تمت إحالة أكثر من 7 آلاف طفل في المملكة المتحدة للحصول على مساعدة عبر آلية الإحالة الوطنية، وهي إطار عمل مصمم لتحديد الأشخاص المعرضين لخطر العبودية الحديثة وحمايتهم. من بين هؤلاء الأطفال، تم تصنيف 42 في المئة كضحايا محتملين لاستغلال العصابات الإجرامية. ومع ذلك، وفقاً لجمعية "برناردوز" الخيرية للأطفال، فإن هذا مجرد غيض من فيض، حيث يُعتقد أن نحو 27 ألف طفل على الأقل معرضون بشدة لخطر الاستغلال من قبل العصابات الإجرامية.

"لفترة، كان يبدو فقط كتصرف سيئ"، تشرح هارييت. هي وتوم طلبا عدم الكشف عن اسميهما الحقيقيين، لحمايتهما وابنهما بن، الذي تم تغيير اسمه أيضاً. أصبح بن معروفاً لدى الشرطة بسبب سلوكياته المعادية للمجتمع. وبالتوازي، شهدت الأسرة "تغيراً جذرياً في شخصيته". عندما اكتشف الأبوان أنه كان يشتري القنب في سن الثانية عشرة، أخذاه إلى مركز الشرطة على أمل أن يخيفه ذلك. تقول هارييت: "كنت منهارة تماماً"، ولكن للأسف، لم يردع هذا "بن" كما كانا يتمنيان.

أخضعت الشرطة "بن" لتفتيش دقيق في منزل العائلة، ووجدت مخدرات وهاتفاً محمولاً كان يستخدمه في أنشطته ضمن شبكة الخطوط الإقليمية. كان "بن" مديناً بمبالغ مالية للعصابة مقابل المخدرات المصادرة، وأصبح عبئاً عليها. نتيجة لذلك، وقع تحت ما يسمى بـ "عبودية الدَّين"، حيث أُجبر على العمل لمصلحة العصابة من دون مقابل لسداد ديونه.

انتقلت العائلة إلى منطقة رأتها "ألطف وأفضل كثيراً"، لكن الأمور لم تتحسن كما تقول هارييت: "لأن الأمر لا يتعلق بالمكان الذي تعيش فيه - يبدو وكأنه ينتشر في كل مكان. بمجرد أن يتم استدراج [الأطفال] وإقامة ذلك الرابط المبدئي معهم، يصبح التورط أمراً لا مفر منه. ازدادت الأوضاع سوءاً، وفي مرحلة ما كنت أخشى حقاً أن يموت ابني".

تشرح سارة بريتشارد، المستشارة الاجتماعية والمدربة في مؤسسة برناردوز الخيرية: "في الإعلام، غالباً ما تُعرض هذه الحوادث على أنها تحدث للأطفال - الصبيان بشكل خاص - من خلفيات فقيرة ومحرومة... لكن قصة توم وهارييت بعيدة كل البعد عن كونها استثنائية. الفرق الوحيد هو أنها لا تُغطى إعلامياً بشكل كبير أو يتم الحديث عنها بما يكفي. إنها عائلة من الطبقة المتوسطة، يعمل الوالدان فيها في وظائف متوسطة، وتعيش في منطقة تسكنها عائلات الطبقة المتوسطة ميسورة الحال. لم يكن الفقر هو الدافع وراء ذلك، وهذه بالضبط هي النقطة الجوهرية: الاستغلال عشوائي".

 

في مرحلة المدرسة الابتدائية، كان "بن" يتمتع بشخصية مبدعة وشعبية. تقول هارييت ضاحكة: "كان دائماً يتورط في مشكلات الفتيات... إذا كانت إحدى الفتيات تبكي، كان يذهب إلى الحمام ليطمئن عليها. كان المعلمون يحبونه، وكذلك الأطفال. كان غير تقليدي. كنا قلقين من أن يتعرض للتنمر بسبب ميوله الإبداعية عندما ينتقل إلى المدرسة الإعدادية. لكن ما حدث في النهاية، كان آخر ما توقعناه".

الحقيقة المعقدة، كما تشرح بريتشارد، هي أن هذه الصفات أصبحت الآن جاذبة للعصابات الإجرامية. تقول: "هناك قوة حقيقية تعمل هنا... هذه الصفات التي كان ’بن‘ يمتلكها، مثل كونه صديقاً وفياً، واستعداده للبقاء والوفاء بالعلاقات، هي ما يبحث عنه المستغلون. لقد وقع ضحية الاستغلال لأن نشأته كانت في ظل وسائل التواصل الاجتماعي - كان مجرد طفل يعيش حياته ويفعل ما يفعله الأطفال في سنه. سيقوم أفراد العصابات باستهداف هذه الصفات واستغلالها لمصلحتهم".

يقول توم: "كانت فترة عصيبة جداً... شعرت بالعجز إلى حد كبير. عندما تفاقمت الأمور، وكان بن في سن السادسة عشرة، كنا بالكاد نتمكن من النوم. كنا نبلغ الشرطة كلما خرج، كما طُلب منا - لإبلاغهم بأنه مفقود. كان يعود دائماً في وقت متأخر، ربما عند منتصف الليل. لكننا كنا نبقى مستيقظين بانتظار الشرطة التي تصل في حوالى الثالثة صباحاً، ثم أذهب إلى العمل مرة أخرى بعد ذلك بساعات قليلة".

يبدو التأثر الشديد جلياً على توم وهو يسترجع تلك الأيام. يضيف: "أنا أشعر بالحزن ببساطة... أحسست وكأنني فقدته. كنا قريبين، قريبين جداً، كما هي الحال مع معظم العلاقات بين الآباء وأبنائهم كما أعتقد. كان يعتذر لي قبل أن يخرج. كان يعلم أنني كنت متأثراً، لكنه كان مضطراً للخروج".

لا يحظى الأمر بتغطية إعلامية واسعة النطاق ولا يتم الحديث عنه ببساطة. إنها عائلة من الطبقة المتوسطة، يعمل الوالدان فيها في وظائف متوسطة، وتعيش في منطقة تسكنها عائلات الطبقة المتوسطة ميسورة الحال. لم يكن الفقر هو الدافع وراء ذلك، وهذه بالضبط هي النقطة الجوهرية: الاستغلال عشوائي.

سارة بريتشارد، مؤسسة بارناردو الخيرية

 

لا محالة، بدأ ذلك يضغط على علاقة توم وهارييت. يوضحان أنه لم تكن هناك "علامات واضحة" كما قد يتوقع المرء كتلك التي نراها عند مشاهدة هذا النوع من الجرائم في التلفزيون أو الأفلام.

تقول هارييت: "تعتقد أن الأمر يشبه أن يصبح عنيفاً تجاهك، وهو ما لم يحدث أبداً"، أو "أن يرتدي سلاسل ذهبية أو أحذية رياضية جديدة. لم يكن عنيفاً أبداً. معظم الوقت كان صامتاً في المنزل. لم يكن هناك شيء يمكنك قوله له ليجعله ينفتح أو يتحدث. ثم نعم، كان يعتذر. كان يقول: ’آسف، يجب أن أذهب.‘ كان الأمر محزناً للغاية."

وتوضح بريتشارد أن الأطفال غالباً ما يتعرضون للتهديد – حيث يُقال لهم إنهم إذا لم يلتزموا بطلبات العصابة، فإن عائلاتهم ستكون مهددة بالعنف. في تلك المرحلة، كان "بن" يختفي للعمل في ما يعرف بـ "منزل مُغتصَب" – شقة ربما تعود لشخص ضعيف، استولت العصابة عليها لاستخدامها في بيع أو تخزين أو توزيع المخدرات. وبطريقة مأساوية، كان توم وهارييت أحياناً يوصلانه إلى هناك، غير مدركين الخطر الذي كان يواجهه بمجرد دخوله.

بدأت الأمور تتكشف عندما تم القبض على "بن" في النهاية، وخضع منزل الأسرة للتفتيش، حيث عثرت الشرطة على هاتفه المحمول المخصص للعمل، والذي كان مليئاً بأرقام هواتف أعضاء في عصابات الخطوط الإقليمية. تدخلت خدمات العمل الاجتماعي، وتمكن توم وهارييت من الحصول على معلومات حيوية ودعم من جمعية "آي فيجين ترست" (التي كانت تحمل في تلك الفترة اسم بيس، وهو اختصار لـ الآباء في مواجهة استغلال الأطفال).

 

عندما بلغ بن السادسة عشرة، كان يواجه خطر دخول السجن. وصلت الأمور إلى ذروتها. في وقت متأخر من إحدى الليالي، وعندما كان والداه يصطحبانه في السيارة، انهار "بن" الجالس في المقعد الخلفي. لكنه كان يقفز "من حالة متطرفة إلى أخرى" بشكل مفاجئ. بعد أن اعترف بما كان يحدث، بدأ يعاني من نوبات ذعر، مما جعل توم وهارييت قلقين للغاية من أنه قد يفكر في الانتحار.

تقول والدته: "كان يحبس نفسه في غرفته ولا يخرج. وإذا اضطررنا للذهاب إلى مكان ما، كان علينا أن نستعين بالعائلة لمراقبته لأننا كنا نخشى عليه من أن يؤذي نفسه".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لحسن الحظ، تلقى "بن" الدعم من الخدمات المعنية، التي عملت بجد لتشكيل علاقة مبنية على الثقة والأمان معه. وبعد أكثر من 18 شهراً، تمكن من تحويل حياته بشكل كامل. تقول هارييت: "إنه شعور رائع لا أستطيع وصفه... صار يركز تماماً على لياقته البدنية، وحصل على تدريب في مجال الميكاترونيكس، ويريد أن يعمل في الطاقة المتجددة. إنه شاب ذكي. علاقتنا الآن رائعة. يريد أن يرافقنا أينما ذهبنا"، تضيف ضاحكة: "يكاد الوضع يكون مثالياً".

يقول توم إن رؤيتهم للأبوة قد تغيرت أيضاً. "أشعر بالخجل من القول إنه قبل أن يحدث ذلك معنا، ربما كنت أنظر إلى بعض الأطفال المتورطين في السلوكيات السيئة مثل بن وأعتقد: 'يجب أن يكون السبب شيئاً في المنزل.'"

وتضيف هارييت: "لقد قمنا بكل ما يُتوقع من الآباء فعله... واحد من أهم الدروس التي تعلمناها هو أننا لم نتخيل في يوم من الأيام أن تربية أطفالنا لن تكون كافية، بل وأنها لم تقترب حتى من كونها كافية. لم يكن هناك أي نوع من التربية أو كم من الحب يمكن أن يفي بالغرض في تلك الفترة من حياتنا".

تعود الأسرة الآن إلى حياتها الطبيعية سوية، وهي فرصة تشعر هارييت بالامتنان للحصول عليها. تقول: "نحن في غاية الراحة لأن كل شيء انتهى... نعلم كم نحن محظوظون لأننا تمكنا من رؤية ابننا يكبر. الحقيقة المأساوية هي أن معظم العائلات الأخرى ليست محظوظة مثلنا".

إذا كنتم قلقين بشأن طفلكم أو أي طفل آخر، يمكنكم الاتصال بجمعيتي "بارناردوز" أو "آي فيجن ترست" الخيريتين للحصول على الدعم.

© The Independent

المزيد من تقارير