Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

التمويلات الميسرة... اقتراض مفروش بالورد في مصر

حصلت القاهرة على 38.8 مليار دولار منها في 4 أعوام تشكل تقريباً "ربع" الدين الخارجي للبلاد

من بين هذه التمويلات الميسرة مليارا دولار استخدمتهما القاهرة في سد عجز الموازنة خلال يونيو الماضي (اندبندنت عربية)

ملخص

على رغم ما تحظى به هذه التمويلات من مصروفات خدمة دين أقل وشروط مرنة وميسرة وفترات سداد طويلة الأجل، فإن ثمة مخاوف من كونها باباً خلفياً مشرعاً على توسعة الاقتراض وزيادة كومة الدين الخارجي للبلاد.

بين من يراها مساعدات تمويلية تخدم أغراضاً تنموية ملحة، ومن يعدها قروضاً أجنبية تنكأ جرح البلد المثخن بحمى الاستدانة، تبقى التمويلات الميسرة ملفاً شائكاً في مصر، فعلى رغم ما تحظى به من مصروفات خدمة دين أقل وشروط مرنة وميسرة وفترات سداد طويلة الأجل، فإن ثمة مخاوف من كونها باباً خلفياً مشرعاً على الاقتراض وزيادة كومة الدين الخارجي للبلاد.

لدى البعض، لا تخفف ديباجة "التمويلات التنموية الميسرة" و"شركاء التنمية" و"التمويل الإنمائي" من ثقل الكلمات على أسماع كثيرين ممن يرون فيها تجميلاً لواقع كونها في الأصل قروضاً أجنبية مثقلة لالتزامات البلاد وإن زين بالورد، وأن مثل هذه التمويلات عبء يضاف إلى إجمالي الدين الخارجي غير المسبوق وإن طال أجله.

38.8 مليار دولار في 4 سنوات

وبينما يفترض في هذا النوع من التمويل أن يوجه صوب مشروعات تقول وزارة التعاون الدولي، إنها تتطابق مع أهداف رؤية 2030 الأممية، فإن ذلك لم يمنع من توجيه جانب منها للعمل على سد عجز الموازنة المصرية بما تحمله من نفقات على الدعم والأجور والحماية الاجتماعية، إضافة إلى سداد الديون.

 

بحسب بيانات حللتها "اندبندنت عربية"، فإن إجمالي التمويلات الأجنبية الميسرة التي أبرمتها وزارة التعاون الدولي في مصر مع مؤسسات دولية مانحة خلال الفترة ما بين 2020 و2023 بلغ 38.8 مليار دولار تتوزع على القطاعين الحكومي والخاص، بواقع 28.5 مليار دولار للأول و10.3 مليار دولار للثاني.

ديون قصيرة الأجل

ووفقاً لبيانات البنك المركزي المصري، بلغ حجم الدين الخارجي للبلاد 152.9 مليار دولار بنهاية يونيو (حزيران) 2024، مقابل 168.034 مليار دولار بنهاية ديسمبر (كانون الأول) 2023، يتوزع على 126.8 مليار دولار ديون طويلة الأجل، و26.24 مليار دولار ديون قصيرة الأجل، فيما سيتعين على القاهرة سداد التزامات بقيمة 60.8 مليار دولار من يوليو (تموز) الماضي حتى منتصف 2025.

وتمتلك مصر واحدة من أكبر محافظ التعاون في الإقليم مع المؤسسات الدولية المانحة، وتفخر بعلاقات متجذرة مع المؤسسات الدولية المانحة البالغ عددها قرابة 70 مؤسسة وجهة تمويلية دولية، وتنظم تلك العلاقات بروتوكولات استراتيجية تشمل رؤية للتعاون كل بضع سنوات.

"تمويلات لمشروعات غير منتجة"

رئيس مجلس أمناء حزب التحالف الشعبي الاشتراكي المصري زهدي الشامي، قال لـ"اندبندنت عربية"، إن توجيه هذه التمويلات إلى أغراض وأوجه إنفاق غير منتجة أو قادرة على توليد عملة أجنبية خطأ جسيم، خصوصاً أن تمويل تلك المشروعات يأتي عبر الاقتراض بالدولار.

وكثيراً ما واجهت وزارة التعاون الدولي المصرية انتقادات برلمانية إزاء ما قيل إنه توسع في الاقتراض بدعاوى التنمية الاقتصادية، وهي الانتقادات التي قوبلت بتأكيد كون الوزارة "مجرد مفاوض" على تدبير ما تحتاج إليه باقي الوزارات والقطاع الخاص من تمويلات "شركاء التنمية الدوليين" بأفضل الشروط.

اتباع معايير الحوكمة

ودوماً تؤكد وزيرة التخطيط والتعاون الدولي رانيا المشاط على اتباع معايير حوكمة شديدة في ما يتعلق بالحصول على التمويلات الإنمائية من خلال لجنة دين يترأسها رئيس الوزراء، مشيرة في تصريحات سابقة إلى أن أي تمويل يأتي من الخارج يخضع للتدقيق من حيث دراسات الجدوى حتى يصل إلى البرلمان، مع ضمان حصوله على موافقات تنفيذية وموافقات فنية وقانونية وتشريعية.

 

لكن زهدي الشامي يصر في حديثه على ضرورة مراجعة أولويات إنفاق التمويلات الميسرة بدقة، إذ "لا يتعين توجيه مثل هذه التمويلات إلى مشروعات مثل المونوريل، فكيف سيتمكن المشروع من رد كلفة إنشائه بالدولار... سبق تجميد المشروعات ذات المكون الدولاري في ظل أزمة النقد الأجنبي التي عانتها البلاد قبل عامين، لكن الأمر ماض على نفس الوتيرة ومن دون تغيير، من ثم فمن الأولى توجيه تلك التمويلات إلى مشروعات قابلة لتوليد نقد أجنبي، وهو أمر قابل للتحقيق".

تمويلات ذات أجل طويل

وفي مايو (أيار) الماضي، مثلت وزيرة التخطيط والتعاون الدولي المصرية رانيا المشاط، أمام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب المصري، وقالت إن إجمالي التمويلات التنموية الميسرة لمختلف قطاعات الدولة بلغت 28.5 مليار دولار، بينما بلغت التمويلات التنموية الموجهة للقطاع الخاص نحو 10.3 مليار دولار خلال الفترة من 2020 إلى 2023.

وأوضحت وزيرة التخطيط المصرية أن تلك التمويلات تتسم بكونها ذات أجل أطول وفائدة أيسر، إذ يسجل متوسط سعر الفائدة على التمويلات المتفق عليها خلال أربعة أعوام نحو 1.6 في المئة، وتصل متوسط فترة السداد إلى 18.6 في المئة، بينما تصل فترات السماح إلى 6.4 سنة.

مؤسسات دولية مانحة

ووفرت تلك القروض الميسرة عدد من المؤسسات من بينها البنك الدولي، والبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية EBRD، وبنك الاستثمار الأوروبي EIB، والبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية AIIB، والبنك الأفريقي للتنمية، ومؤسسة التمويل الدولية IFC، والوكالة الدولية لضمان الاستثمار MIGA، والمؤسسة الإسلامية لتنمية القطاع الخاص، وصندوق المناخ الأخضر، والأمم المتحدة ووكالاتها وبرامجها التابعة، إلى جانب البنك الأفريقي للتصدير والاستيراد.

ومن بين المؤسسات المانحة العربية، يأتي صندوق النقد العربي، والبنك الإسلامي للتنمية، والمؤسسة الدولية الإسلامية لتمويل التجارة ITfc، إضافة إلى الصندوق الكويتي للتنمية وصندوق أبوظبي، والصندوق السعودي للتنمية، والصندوق العربي للإنماء.

في حديث لمعد التقرير، يتحدث الرئيس الإقليمي للبنك الأوروبي للاستثمار جويدو كلاري عن معايير الإنفاق وأولوياته، ويقول إن تمويل مشاريع التنمية في مصرفه يراعي أولويات وسياسات الاتحاد الأوروبي، واستهداف قطاعات مختلفة تستجيب للحاجات المحددة والمتغيرة لمختلف البلدان، وإكمال المشاريع التي تركز على مجالات مثل العمل المناخي والطاقة المستدامة ودعم الشركات الصغيرة والمتوسطة ودفع النمو وخلق فرص العمل والتعليم والتدريب والصحة والرقمنة.

ويضيف جويدو كلاري "يتولى بنك الاستثمار الأوروبي الدور الرائد في تمويل المشاريع الكبيرة في مجال النقل والطاقة، كما يستثمر بصورة كبيرة في المياه وفي القطاع الخاص من خلال تقديم القروض من خلال البنوك التجارية الشريكة للشركات الصغيرة والمتوسطة".

تمويلات خاضعة لقيود ورقابة

من جانبه يرى عضو الجمعية المصرية للاقتصاد والتشريع محمد أنيس، أن التمويلات الميسرة مكون من مكونات الدين الخارجي لكنه يفرق بين نوعين من تلك الديون، الأول هو الديون السيادية فيما النوع الثاني يمثل الديون التنموية.

ويتحدث أنيس لـ"اندبندنت عربية" عن الديون السيادية فيقول إنها أكبر حجماً ولا تخضع لقيود على أوجه إنفاقها من قبل الجهات المقرضة، إذ قد توجه تلك الديون إلى سداد عجز الموازنة واستيراد القمح والحبوب، بعكس النوع الثاني من الديون، الذي يمكن تسميته الديون التنموية، وفيه يخضع التمويل الميسر المقدم من جهات دولية مثل البنك الدولي وغيره من المؤسسات لقيود وضوابط محددة على أوجه الإنفاق بما يضمن توجيه تلك التمويلات الميسرة إلى مشروعات تنموية مرتبطة بخطط تنموية كبناء للمدارس ومحطات الطاقة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي يونيو الماضي، قالت وزارة التعاون الدولي المصرية، إن القاهرة حشدت تمويلات ميسرة بنحو ملياري دولار من مؤسسات التمويل الدولية لدعم الموازنة العامة وتحفيز سياسات الإصلاح الهيكلي.

عائد محدود على التمويل

ويقف أنيس، عند التمويلات الميسرة فيشير إلى ما تتميز به من حيث العائد المتواضع (الفائدة) على التمويل، مقارنة بالديون السيادية، ويقول إن العائد على هذه التمويلات يراوح ما بين اثنين وثلاثة في المئة، وهذه التمويلات لا تشكل توسعاً في الدين الخارجي بقدر الديون السيادية الأكبر حجماً، بقدر ما تؤديه من خدمات لأغراض تنموية.

وفي 17 نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري، أكد رئيس الحكومة مصطفى مدبولي خلال الاجتماع الأول للجنة الدين الخارجي وتنظيم الاقتراض، على استهداف الحكومة العمل على استدامة المسار النزولي للدين الخارجي لمصر، بعد نجاحها خلال العام المالي الماضي في خفض مستويات الدين من إجمالي الناتج المحلي.

قد تكون مؤسسات التمويل الدولية محكومة بأهداف تنموية وأبعاد أخلاقية في المقام الأول، لكن ذلك لا يمنع كونها مؤسسات تراعي أيضاً مسألة الربح بحسب ما تشير إليه تقارير نتائج أعمالها الختامية نهاية كل عام، ضماناً لاستدامة رؤوس تلك الأموال والعمل على صونها وتنميتها، وهو ما يفرض في المقابل تحمل مسؤوليات محلية تفضي إلى ضبط الاقتراض وفق حدود وآليات خاضعة للرقابة وتقدير للأولويات من دون إفراط ولا تفريط.

اقرأ المزيد