ملخص
خلال الأيام القليلة الماضية سلط مقتل عدد من المقاتلين الكولومبيين داخل الأراضي السودانية بدارفور الضوء من جديد على ظاهرة الارتزاق في حرب السودان، فما الحقيقة وما تداعياتها على مسار الأزمة السودانية؟
بينما تقترب الحرب بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" من عامها الثاني يكاد السودان يتحول إلى ساحة مفتوحة للاستقطاب وصراع النفوذ الدولي والإقليمي.
ومع استمرار القتال وتدفق الأسلحة المتطورة تتزايد الشكوك والاتهامات المتبادلة حول تزايد تدفقات ومشاركة مجموعات من المرتزقة والمقاتلين الأجانب من دول الجوار وغيرها في الحرب، ويضاعف المخاوف اتساع حدود البلاد وانفتاحها على سبع دول عربية وأفريقية، تسهل من إمكانية دخول وتسلل مثل أولئك المقاتلين.
وخلال الأيام القليلة الماضية سلط مقتل عدد من المقاتلين الكولومبيين داخل الأراضي السودانية بدارفور الضوء من جديد على ظاهرة الارتزاق في حرب السودان، فما الحقيقة وما تداعياتها على مسار الأزمة السودانية؟
شواهد واتهامات
وكان قائد الجيش عبدالفتاح البرهان أكد أكثر من مرة أن مرتزقة جاءوا من تشاد وأفريقيا الوسطى والنيجر يقاتلون إلى جانب قوات "الدعم السريع"، فيما ظل مساعده الفريق ياسر العطا يؤكد أن "الدعم السريع" تستجلب أسبوعياً مرتزقة (عديمي الخبرة) من بعض دول الجوار للقتال في صفوفها بعد أن دُمر معظم قوتها الصلبة.
وكان الجيش أعلن خلال عملياته الحربية وسط مدينة أم درمان عن أسر قناصين ومجموعات من المقاتلين الأجانب من جنوب السودان وتشاد مدربين على المدفعية الثقيلة والمتوسطة.
في يونيو (حزيران) الماضي لفت تقرير لخبراء من الأمم المتحدة إلى تجنيد قوات "الدعم السريع" عناصر من جماعات مسلحة تابعة للمعارضة في أفريقيا الوسطى واستخدام منطقة أم دافوق الحدودية كمركز لوجيستي.
ومنذ العام الأول للحرب كشفت الحكومة الإثيوبية عن تلقيها معلومات حول مشاركة قوات من جبهة تحرير تيغراي في القتال إلى جانب الجيش السوداني.
وحملت في بيان سابق الأمم المتحدة مسؤولية مشاركة تلك المجموعات كونهم موجودين بمخيمات اللجوء وتحت مسؤولية معتمدية اللاجئين للأمم المتحدة، مؤكدة موقفها الثابت المؤيد للسلام ووقف الحرب والدمار واستقرار السودان.
جنسيات متعددة
في السياق أكد المتحدث باسم القوات المشتركة التي تقاتل إلى جانب الجيش السوداني، الرائد أحمد حسين، وجود مرتزقة أجانب من جنسيات عدة يقاتلون إلى جانب قوات "الدعم السريع" منذ بداية الحرب ووصفهم بأنهم مرتزقة عابرون للحدود والقارات، قُتل كثير منهم في معارك مدينة الفاشر ومناطق أخرى بشمال دارفور.
وأوضح حسين في تصريح لـ"اندبندنت عربية" أن هناك مجموعات مثل "فاغنر" الروسية تقوم بعمليات إمداد للميليشيات بالسلاح عبر دولتي أفريقيا الوسطي والنيجر المجاورتين وأكبر الداعمين للميليشيات بالإمدادات البشرية، مشيراً إلى أن مقتل قيادات من حركة "فاكت" التشادية مثل القائدين مهدي بشير وإدريس بركاوي في معارك الفاشر ووادي أمبار أقصى شمال ولاية شمال دارفور يعد أكبر دليل على تلك المشاركة.
مكمن المثلث
في شأن ما تردد عن مشاركة مقاتلين كولومبيين في الحرب، كشف الناطق الرسمي للقوات المشتركة، عن أن قوتهم تمكنت بالفعل خلال الأسابيع الماضية من تنفيذ عملية نوعية في محور الصحراء (منطقة المثلث الحدودي بين ليبيا والسودان وتشاد) استهدفت مجموعات من المرتزقة تحركت من مدينة الكفرة الليبية وتضم جنسيات عديدة من أفريقيا وأوروبا وأميركا الجنوبية معظمهم من دولة كولومبيا.
وأوضح المتحدث أن المكمن الناجح الذي نصبته قواتهم أسفر عن الاستيلاء على إمدادات عسكرية كبيرة شملت أسلحة متطورة بينها صواريخ "كورنيت" مضادة للدروع وطائرات مسيرة كانت في طريقها إلى قوات الميليشيات بمدينة الفاشر.
وقدم حسين مجموعة من الوثائق الثبوتية تتعلق بهوية المقاتلين الكولومبيين تضمنت بطاقات هوية وجوازات سفر وأوراقاً أخرى تخص بعض من قتل منهم.
كولومبيا والارتزاق
في الشأن نفسه كشفت صحيفة "لا سيلا فاسيا" الكولومبية عن مشاركة سريتين من الجنود الكولومبيين المتقاعدين في الحرب السودانية برفقة "الدعم السريع"، ووفق تقرير الصحيفة، فإن أكثر من 300 جندي كولومبي سابق يشارك الآن في حرب السودان أو في طريقهم إلى هناك بحثاً عن المال والثراء.
استند التقرير إلى شهادات جنود كولومبيين شاركوا في الحرب قالوا فيها إن وصولهم إلى دارفور بغرب السودان بدأ منذ أكثر من ثلاثة أشهر، ويشتكون من أنهم "كانوا يُوظفون لشيء ثم يأخذونهم لشيء آخر".
وفي أول تعليق على مشاركة مقاتلين من دولته في حرب السودان، طالب الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو، بحظر الارتزاق نهائياً في كولومبيا، ووجه في منشور له على منصة "إكس" وزارة خارجية بلاده بإيجاد "الطرق الكفيلة بإعادة أبنائنا الذين تسفك دماؤهم في أفريقيا بعد أن تعرضوا للخداع إلى بلادهم".
حملات تشويه
لكن قوات "الدعم السريع" تنفي الاتهامات الموجهة إليها بجلب مرتزقة من خارج البلاد، وتصفها بأنها ادعاءات ضمن الحملات الإعلامية المضللة التي تهدف إلى رسم صورة ذهنية سلبية ضد قوات "الدعم السريع".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ونفى مستشار قائد "الدعم السريع"، الباشا طبيق، وجود أي مقاتلين أجانب يقاتلون معهم، مطالباً من يدعي ذلك بتقديم الدليل والبينة التي تثبت تلك "الاتهامات الجزافية"، وتابع "قوات ’الدعم السريع‘ ليست في حاجة إلى جلب مرتزقة من خارج البلاد لأن الأعداد الكبيرة التي انضمت إليها من الشباب جاءت طواعية بعد اقتناعهم بعدالة القضية التي تتبناها وما زال هناك آلاف الشباب يلتحقون يومياً للقتال إلى جانبها".
رد الاتهام
واتهم طبيق تنظيم الحركة الإسلامية بالتخطيط للحرب الراهنة عبر كوادره داخل المؤسسة العسكرية، بجلب مرتزقة من خارج السودان من مقاتلي تيغراي وأوكرانيا والحرس الثوري الإيراني، وكذلك تنظيم "بوكو حرام"، إلى جانب الحركات المعارضة في كل من تشاد وأفريقيا الوسطى للقتال إلى جانب الجيش.
من جهته، يوضح المتخصص في إدارة الأزمات بمركز الدراسات الدولية، اللواء أمين إسماعيل مجذوب، أن قوات "الدعم السريع" اضطرت في الآونة الأخيرة إلى استئجار مرتزقة سواء من الداخل أو من دول الجوار، ووصل بها الأمر إلى الاستعانة بشركات أمنية من كولومبيا وربما دول أخرى لتزويدها بالمقاتلين، مما يكشف النقص الكبير الذي تواجهه في القوى البشرية نتيجة الخسائر الكبيرة التي لحقت بها في المعارك الأخيرة، وبفعل ضربات الطيران والمسيرات والقوات الخاصة التي كان لها أثر بالغ في إضعاف قوتها الصلبة وبخاصة عناصرها البشرية.
جهات دولية
وعن تجنيد مرتزقة أجانب عبر شركات أمنية كولومبية وجلبهم للقتال في السودان إلى جانب قوات "الدعم السريع" لاستعادة بعض المواقع، أشار مجذوب إلى أن هناك جهات إقليمية ودولية تساند تلك القوات هي التي تقف وراء ذلك، بخاصة أن "الدعم السريع" لا تمتلك الكوادر أو الخبرات للقيام بمثل هذه العمليات الدولية.
ويعتقد المتخصص في إدارة الأزمات أنه بثبوت مشاركة مرتزقة أجانب على هذا المستوى في الحرب الراهنة تكون حرب السودان قد دخلت في نفق مظلم، وربما تؤدي مثل هذه التصرفات واستمرار الدعم الخارجي إلى إطالة أمدها أكثر مما هي عليه، كما أنها ستزيد الانتهاكات وجرائم الحرب والإبادة لأن المقاتلين الأجانب لا يتقيدون بأي اعتبارات إنسانية أو دينية، لكنه من جهة أخرى سيسهم كذلك في تحفيز الجيش والمستنفرين وكل السودانيين على القتال بضراوة في مواجهة عدوان قوامه الأجانب من أجل تغيير المعادلة الحربية على الأرض.
تعويض وتأهيل
من جانبه يرى الباحث السياسي والأمني إسماعيل يوسف أن إقدام أي قوة مسلحة على الاستعانة بعناصر من المرتزقة الأجانب يشير إلى أنها تواجه نقصاً في العدد والكفاءة بالنسبة إلى العنصر البشري المقاتل أو في الكوادر التقنية المرتبطة بتشغيل أنواع حديثة من الأسلحة والمعدات.
ويعتقد يوسف أن فشل قوات "الدعم السريع" في تعويض ما فقدته من مقاتلين عبر الاستنفار والتجنيد الداخلي هو ما دفعها إلى الاستعانة بمقاتلين أجانب لترميم قدراتها البشرية، سواء كان من جنوب السودان وإثيوبيا وتشاد أو ليبيا وأفريقيا الوسطى والنيجر، أو بمجموعات من الجنود والضباط السابقين من كولومبيا كما ظهر في الآونة الأخيرة بصورة موثقة.
ويلفت الباحث إلى أن صعوبة مراقبة ومتابعة حدود السودان الممتدة مع سبع دول عربية وأفريقية تجعل منها معبراً مفتوحاً لدخول مجموعات من المرتزقة من دول الجوار، الذين يقاتلون من أجل المال أو القبيلة.
مرحلة خطرة
على نحو متصل يتهم المراقب العسكري، الرائد السابق محمد مقلد، طرفي القتال باستيعاب واستقطاب مقاتلين مرتزقة من دول عدة من طريق شركات أمنية خاصة تحضر وتجهز أفراداً عسكريين سابقين من تلك البلدان مقابل مبالغ مالية كبيرة، محذراً من هذا الأمر يؤكد دخول الصراع في السودان إلى مرحلة خطرة قد تقود إلى تدويل الحرب.
ويتابع مقلد "هناك مشاركة لأفراد مرتزقة من النيجر ومالي وتشاد يعتقد أنهم شاركوا من قبل في حرب ليبيا، إذ ما زال يُحشد هؤلاء المرتزقة حتى الآن بدعم من قائد الجيش الليبي السابق خليفة حفتر، إلى جانب ما حملته أنباء مؤكدة عن مشاركة مقاتلين من دولة كولومبيا في معارك دارفور".
المال والعرق
وفق مقلد، يلعب المال والانتماء القبلي والعرقي لأولئك الأفراد دوراً في عملية الحشد لبعض المجموعات القبلية من دول الجوار الغربي، إضافة إلى المقاتلين من جنوب السودان ومجموعة "فاغنر" الروسية التي تعاون قوات "الدعم السريع" بصفة خاصة في استخدام الطيران المسير والصواريخ المضادة للطائرات وأسلحة متطورة أخرى، مشيراً إلى أن مشاركة "فاغنر" كانت اجتذبت بدورها مشاركة قوات من النخبة بالجيش الأوكراني لمعاونة وتدريب قوات الجيش وكتائب الإسلاميين على استخدام المسيرات والعمليات التكتيكية المتقدمة، إلى جانب اتهامات "الدعم السريع" سلاح الطيران بدولة عربية مجاورة بالقتال مع الجيش.
نوه المراقب العسكري بأن الجيش ظل كذلك يستعين بمقاتلين من الحركات المعارضة ببعض دول الجوار، مثل جبهة تحرير تيغراي الإثيوبية الموجودة حالياً بولايات السودان الشرقية ومدينة الشوك والطريق الرابط بين بمحلية الفاو بولاية القضارف وبعض مناطق الجزيرة.
تهديد إريتري
على صعيد غير بعيد هدد الرئيس الإريتري، أسياس أفورقي، قبل أيام، بالتدخل بقواته وإمكاناته لمصلحة الجيش السوداني حال اقتربت الحرب من ولايات القضارف وكسلا والبحر الأحمر والنيل الأزرق الحدودية مع بلاده، مما سيعرض أمن بلاده القومي للخطر.
ومنذ منتصف أبريل (نيسان) 2023، يخوض الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" حرباً متصاعدة، وعلى رغم ما خلفته من أكبر أزمة نزوح عالمياً، وتفاقم أزمة الجوع وسط السكان مع انتشار الأوبئة، فإنها ما زالت مستمرة وتتمدد في معظم ولايات السودان، مهددة بجر البلاد إلى حرب أهلية قد تزعزع استقرار المنطقة بأكملها.