Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أملاك الغائبين في مرمى "حارسها" بالقدس وعرضة للتزوير بالضفة

خوله القانون سلطات الاستعمال والاستغلال والتصرف بصورة مطلقة وجعل قراره غير قابل للنقض

حذرت مؤسسات حقوقية فلسطينية من أن تطبيق المشروع بصورة كاملة يُهدد بمصادرة ما يقارب 60 في المئة من أملاك الفلسطينيين في القدس (اندبندنت عربية)

ملخص

الحكومة الإسرائيلية كانت قد أصدرت توجيهاً في عام 1971 يسمح لليهود بالالتفاف على القيود عبر شراء أراضي الضفة الغربية من خلال الشركات المسجلة لدى الإدارة المدنية في الضفة الغربية بدلاً من سلطة الشركات الإسرائيلية، ولفتت إلى أن تقييد حق المواطنين الإسرائيليين في الحصول على الأراضي بناء على جنسيتهم فقط "أمر غير مقبول".

كعادته منذ عشرات الأعوام توجه محمد كستيرو (50 سنة) صباحاً إلى مقهاه في منطقة المصرارة بمدينة القدس، فتحه، وشرب قهوته وبدأ في استقبال الزبائن، إلا أنه خلال ساعات قليلة من بدء يومه فوجئ بحضور الشرطة والاستخبارات الإسرائيلية التي أمرته بإخلاء المقهى، وبعد رفض وصراخ كستيرو، أخلته القوات الإسرائيلية بالقوة، وأغلقت المكان بالأقفال معتبرة أن ملكية العقار تعود إلى ما يُعرف بـ"حارس أملاك الغائبين" ليجد نفسه للمرة الأولى غريباً عن المكان الذي أمضى فيه شبابه وصباه منذ عام 1954، وقد خسر معركة قانونية طويلة خاضها منذ عام 2010 تلقى خلالها أوامر عدة لإخلاء المقهى لكنه كان يرفض تنفيذها، متمسكاً بحقه في استخدامه. ولأن التغيير في المبنى يعد إحدى ذرائع إخلاء "المستأجر المحمي" تمكن القيم العام الإسرائيلي، الذي أجر العقار منذ 20 عاماً، من طرد كستيرو بذريعة أن الترميم الذي نفذه في المقهى خرق للاتفاق. ومع إحكام إسرائيل السيطرة على شرق القدس عام 1967 استُولي على سجلات ووثائق حارس أملاك الغائبين الأردني كافة، ومن بينها عقد إيجار المقهى الذي رفضت الحكومة الإسرائيلية تجديده خلال الأعوام الأخيرة.

نصرة القدس

وبحسب ما رصدته الهيئة الإسلامية - المسيحية لنصرة القدس والمقدسات، فقد استولت الجمعيات الاستيطانية منذ عام 67 على سبعة عقارات ومحال تجارية في حي المصرارة الذي يقع قرابة باب العمود، وحولتها إلى بؤر استيطانية تشكل ازعاجاً واستفزازاً مستمراً لسكان الحي حيث يخوضون، منذ أعوام، صراعاً ضد المستوطنين الذين يحاولون إخلاء السكان والاستيلاء، عليه حسب تعبيرهم.

ويتألف "قانون أملاك الغائبين" الذي أقره الكنيست الإسرائيلي عام 1950، ليكون تشريعاً للتعامل مع أملاك الفلسطينيين الذين هُجروا في حرب 1948، من 39 مادة، وحددت التواريخ والأوضاع التفصيلية التي تعرف من طردوا قسراً أو هجروا من أراضيهم بأنهم "غائبون"، ودخلت أحكامه حيز التنفيذ بأثر رجعي في اليوم التالي الذي صوتت فيه الأمم المتحدة على إنشاء دولة إسرائيل من الـ29 من نوفمبر (تشرين الثاني) 1947 وحتى مارس (آذار) 1950.

وحسب تقرير مراقب الدولة الإسرائيلية رقم ثمانية لعام 1957، فقد بلغ إجمالي الأراضي المسجلة في سجل أملاك الغائبين نحو 18 مليار متر مربع. إلا أن السلطات الإسرائيلية لم تلتزم الإطار الزمني الذي وضعته لسريان القانون، وعدلت عليه في عام 1965، ليشمل الأملاك الوقفية والمقدسات الإسلامية والمسيحية، ثم شمل عقارات النازحين من أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967. وقدرت الدراسات الفلسطينية أن 75 في المئة من أراضي الأوقاف وأملاكها حتى منتصف السبعينيات صُودرت عن طريق مزيج من قانون أملاك الغائبين وقوانين أخرى، وأن نحو 330 مليون متر مربع نُقلت إلى الصندوق القومي اليهودي بموجب قانون أملاك الغائبين. وتصف منظمة العفو الدولية القانون بأنه واحد من ثلاثة قوانين عنصرية، تستند إليها إسرائيل في نزع أملاك الفلسطينيين.

 

منصب جديد

وخول القانون "القيم" أو كما يعرف باسم الوصي أو الحارس، سلطات الاستعمال والاستغلال والتصرف في أملاك الغائبين بصورة مطلقة، وقد مُنح سلطتين واسعتين، وأعطته المادة "رقم 30" من القانون حق تحديد هوية الغائب، في وقت جعلت المادة "رقم 17" قراره غير قابل للنقض، مما يعني أن أملاك الغائبين الفلسطينيين التي حولها إلى هيئة أخرى، غير قابلة للاسترجاع. ونفذت وزارة المالية الإسرائيلية، أخيراً، تغييرات في هيكلية قسم القيم العام على أملاك الغائبين، الذي يملك صلاحيات كبيرة في كل ما يتعلق بأملاك الفلسطينيين في شرق القدس. وبحسب ما نقلت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، أخيراً، عين وزير المالية بتسلئيل سموتريتش حنانئيل غورفينكل مديراً في وحدة جديدة جرى استحداثها في دائرة "الوصي على أملاك الغائبين" على رغم جهله باللغة العربية التي تعد شرطاً أساساً في المنصب الجديد، لأن الغالبية الساحقة من نشاطات القسم تكون مع مواطنين أو سكان يتكلمون العربية.

ووفقاً لمنظمات حقوقية إسرائيلية، فإن تعيين غورفينكل من قبل سموتريتش يهدف إلى دفع وتسريع بناء مستوطنات وتهويد القدس الشرقية وبناء مستوطنات جديدة. كيف لا وقد أسس غورفينكل جمعية لتهويد القدس "نبني القدس"، ودعا علناً إلى طرد الطلاب العرب من "التخنيون" (جامعة بحثية حكومية في حيفا)، ومنع "الاحتلال العربي" لشرق القدس، وصادق أثناء توليه سابقاً منصب رئيس الوحدة الاقتصادية للقيم العام في وزارة القضاء الإسرائيلية، على بيع أراضٍ لجمعيات استيطانية، ووظف محامياً لجمعية "عطيرت كوهانيم" اليمينية المتطرفة في سلوان وجمعيات يمينية أخرى من أجل تمثيل الدولة في الملفات لإخلاء عائلات فلسطينية.

خطط بناء

وعلى رغم أن القيم العام على أملاك الغائبين لم يبادر على الإطلاق إلى تقديم خطط بناء في المناطق التي توجد تحت سيطرته، فإن غورفينكل تمكن من ربط مؤسسات حكومية بجمعيات استيطانية يديرها نشطاء من اليمين، للدفع قدماً بإقامة ثلاث مستوطنات جديدة قرب الأحياء العربية في شرق القدس، وشملت خطط البناء أحياء "جفعات شاكيد" قرب قرية شرفات الفلسطينية، و"كدمات تسيون" قرب رأس العمود، وحياً آخر بين قريتي أم ليسون وجبل المكبر، وهو ما دفع الجمعيتين الحقوقيتين "عير عاميم" و"بِمكوم - مخططون من أجل حقوق الإنسان" إلى تقديم التماس للمحكمة العليا الإسرائيلية ضد غورفينكل ووزارة القضاء .

تخطيط حكومي

وبعد أن قررت المحكمة العليا الإسرائيلية عام 2012 أن على السلطات الإسرائيلية تقييد نفسها في استخدام قانون أملاك الغائبين في القدس فقط في حالات نادرة جداً، دأب القيم العام على نبش ثغرات قانونية من شأنها وضع اليد على ما تبقى من الأملاك الفلسطينية والتأثير في التخطيط في القدس، ونجح في دفع الحكومة الإسرائيلية إلى الإعلان عام 2018 البدء في تسجيل الأراضي في شرق القدس، خصوصاً أن عمليات تسجيل الأراضي شرق القدس في السجل العقاري "الطابو" توقفت بعد عام 1967. ويُقدر مختصون أن خمسة إلى 10 في المئة فقط من الأراضي سُويت وسُجلت في "الطابو". وقد أدت عمليات تجميد التسجيل لعقود إلى تفتت الملكيات، وتوزع أصحابها بين القدس وخارجها، الأمر الذي أثار تخوفاً كبيراً لدى الفلسطينيين من تمكن القيم العام تسجيل الأراضي على اسمه بذريعة عدم توفير أوراق ثبوتية سليمة، والتي تعد مهمة لإثبات الفلسطينيين حقهم في أراضيهم.

واعتبرت وزيرة القضاء الإسرائيلية السابقة إيليت شاكيد حينها، أن العمل على قطاع التسوية وتسجيل الأراضي سيُسهل عملية البناء أمام المقدسيين، ويوفر حلولاً سكنية لهم.

في المقابل، رأى مدير دائرة الخرائط والاستيطان في مركز "بيت الشرق" بالقدس خليل التفكجي أن تعدد الورثة، أعواماً طويلة، "أفشل مخططات بيع الأملاك الفلسطينية بالقدس"، وأضاف "تكمن خطورة التسجيل بحصول الورثة على شهادات تسجيل الأراضي من طابو إسرائيلي، مما سيسهل على الاحتلال عمليات تسريب الأراضي والعقارات.

وقد حذرت مؤسسات حقوقية فلسطينية من أن تطبيق المشروع، بصورة كاملة، يُهدد بمصادرة ما يقارب 60 في المئة من أملاك الفلسطينيين في القدس، خصوصاً وقد وضعت الحكومة الإسرائيلية هدفاً بتسجيل كل الأراضي شرق القدس حتى نهاية عام 2025. ولعل أخطر ما حدث في هذا المشروع تمكن السلطات الإسرائيلية في أبريل (نيسان) من عام 2021، من تسوية نزاع الملكية في شأن قطعة الأرض المعروفة فلسطينياً بـ"أرض النقاع" في حي الشيخ جراح، وسجلتها في "الطابو" باسم يهود يدعون ملكيتها قبل عام 1948، وهو ما يفاقم خطر إخلاء 45 عائلة فلسطينية تعيش فيها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

من دون قيود

وانسجاماً مع مشروع تسجيل الأراضي شرق القدس، تبحث لجنة وزارية إسرائيلية، هذه الأيام، مشروع قانون من شأنه تغيير شروط تملك الأراضي في الضفة الغربية بالنسبة إلى اليهود. وقدم عضو الكنيست عن "الصهيونية الدينية" موشيه سولومون مشروع قانون للجنة الوزارية لشؤون التشريع، يمكن المستوطنين من شراء أراضٍ فلسطينية في الضفة الغربية، بصورة مباشرة ومن دون قيود، بهدف تغيير شروط شراء الأراضي، التي تحظر على الإسرائيليين إلى اليوم شراء أراضٍ فلسطينية بصورة مباشرة، إلا من خلال "شركات مسجلة في الإدارة المدنية"، وبعد الحصول على تصريح منها.

وينص مشروع القانون الجديد، الذي يحمل عنوان "إلغاء التمييز بشراء الأراضي في يهودا والسامرة (الضفة الغربية)"، الذي سبق أن طرحه وزير المالية سموتريتش، على السماح للمستوطنين بشراء أملاك وعقارات في كل أرجاء الضفة الغربية من دون أي رقابة أو قيود، الأمر الذي يفسح المجال أمام فبركة عقد صفقات وعمليات تزوير.

وبحسب صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، فإن الوزراء الإسرائيليين المعنيين "سوف يجتمعون قريباً للنظر في مشروع القانون" الذي من شأنه "تبسيط عملية حصول اليهود على الأراضي" في الضفة الغربية، والذي من شأنه أن يلغي القانون الأردني المعمول به حالياً، الذي يحد من إمكانية شراء أو استئجار أراضي الضفة. ويعتبر مبادرو مشروع القانون أن التشريع الأردني الذي يعود تاريخه إلى عام 1953 كان مصمماً لمنع تأجير أو بيع العقارات للأشخاص الذين لا يحملون الجنسية الأردنية، بهدف تقييد الاستحواذ اليهودي على الأراضي.

المحاكم الشرعية

وكانت المحاكم الشرعية، إبان الحكم العثماني، مرجعاً في تسجيل الأراضي والعقارات بموجب "كواشين الطابو"، إلا أن الانتداب البريطاني لفلسطين قسم الأراضي إلى أحواض، والأحواض إلى قطع، إذ استكملت الحكومة الأردنية آنذاك أعمال التسوية، بحيث أصبح ثلث الضفة الغربية مسجلاً بسجلات "الطابو"، وجزء مسجلاً بجدول الضرائب والتخمين. إلا أن الحكومة الإسرائيلية كانت قد أصدرت توجيهاً في عام 1971 يسمح لليهود بالالتفاف على القيود عبر شراء أراضي الضفة الغربية من خلال الشركات المسجلة لدى الإدارة المدنية في الضفة الغربية بدلاً من سلطة الشركات الإسرائيلية، ولفتت إلى أن تقييد حق المواطنين الإسرائيليين في الحصول على الأراضي بناء على جنسيتهم فقط "أمر غير مقبول."

المزيد من تقارير