Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أميركا توصد الأبواب خلف زمن "الأوبامية"

اختلفت الآراء حول عقيدة الرئيس الديمقراطي الأسبق خصوصا وانها لا تماثل توجهات من سبقه من الرؤساء التاريخيين والتي حملت أسماء مثل "مبدأ مونرو" و"مبدأ نيكسون" و"عقيدة كارتر" و"عقيدة بوش"

خلق أوباما من حوله جماعة يسارية متشددة وجدت رواجاً واسعاً لأفكارها (غيتي)

ملخص

مؤكد أن أوباما اليوم، أضعف مما كانت عليه الحال قبل الخامس من نوفمبر الماضي، وبشكل خاص، بعد أن اكتسب ترمب خبرة قتالية كبيرة.

من هنا يمكن القول إن "الأوبامية"، وإن تلقّت صدمة مروعة، إلا أن توجهات ترمب، حال المغالاة في يمينيتها، قد تضحى بمثابة قبلة الحياة لمرحلة جديدة من "أوبامية" بنفس مختلف.

مع إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية الأخيرة، كان السؤال المطروح في الأوساط الأميركية كافة، من نخبة وعوام "هل كامالا هاريس هي التي هُزمت أم جو بايدن؟ ومن ورائهما الحزب الديمقراطي بأكمله؟".

الواقع هو أن الردّ المثير تمثّل ولا يزال في الحديث عن هزيمة نكراء لحقت بالرئيس السابق باراك أوباما، باعتباره الأب الروحي والعقل المفكر للتيار اليساري داخل الحزب الديمقراطي، ذاك الذي أرسى جذوره عبر سنوات ثمانٍ، امتدت من سنة 2008 إلى 2016، حيث قام بتفكيك رؤوس الماكينة الأميركية التقليدية، البازغة من عند اليمين المحافظ، ذاك الذي ساد، بنوع خاص، خلال سنوات جورج بوش الابن، واستبدلها بتوجهات ليبرالية مغرقة في تطرّفها.

خلق أوباما من حوله جماعة يسارية متشددة وجدت رواجاً واسعاً لأفكارها، قبل أن يقطع عليهم دونالد جون ترمب الطريق عام 2016 بفوزه الواضح على المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون، وزيرة خارجية أوباما، والتي ينظر إليها على أنها لا تقلّ ضراوة عنه.

وخلال أربع سنوات، جرى ما جرى في انتخابات 2020، فحتى الساعة لا يزال هناك قرابة 70 مليون أميركي وأكثر، يعتبرون أن ترمب هو الفائز، وأن ما جرى هو تآمر من اليسار الديمقراطي عبر تحالف مع الدولة الأميركية العميقة لإزاحة ترمب.

 

واعتبر المراقبون سنوات جو بايدن الأربع في البيت الأبيض، ولاية رئاسية ثالثة لأوباما، وغالب الظنّ أنه كان من يدير البيت الأبيض بالفعل مثل عرائس الماريونيت فوق المسرح يشدّ الخيوط، يميناً تارة، ويساراً تارة أخرى، وبين هذا وذاك كانت أجندته الماورائية يجري تنفيذها بدقة بالغة.

من هنا كان الحديث عن ولاية رئاسية جديدة له، أو لنائبته هاريس، أمر يعدّ بمثابة ولاية رابعة لأوباما، ما يعني المزيد من تجذير "الإرث الأوبامي".

هل فوز ترمب يقطع الطريق على أوباما وصحبه، أم أنه لا بدّ من غياب أوباما عن العاصمة واشنطن حتى يأمن الجمهوريون والمحافظون نهاية ألاعيب الفتى الذي تجرّأ على الأمل، والذي أثبتت التجربة أن أمله كان واهياً ومنحولاً، أي مزيّف؟

ماذا عن "مبدأ أوباما" بداية؟

لطالما كثر الحديث عما عرف باسم "مبدأ" أو "عقيدة أوباما"،Obama Doctrine  والذي تكرّر كثيراً جداً على الألسنة، بهدف تعريف سياسات ترمب الخارجية بنوع خاص، وإن عكست، بشكل أو بآخر، رؤيته للداخل الأميركي، غير أن المؤكد هو أنه لم يتمّ التوافق على وجود عقيدة فعلية لأوباما، وربما التعريف الوحيد الذي نجده بشأن هذا المبدأ أو تلك العقيدة، هو ما جاء في مقابلة صحافية عام 2015 مع صحيفة "نيويورك تايمز"، حين علّق بإيجاز بالقول "لقد سألت عن عقيدة أوباما، العقيدة هي أننا سنتشارك، لكن سنحافظ على كل قدراتنا ".

واختلفت الآراء من حول قصة العقيدة "الأوبامية" هذه، لا سيما أن توجهاته لم تكن واضحة بدقة كما الحال مع وقفات تاريخية لرؤساء أميركيين سابقين، مثل "مبدأ مونرو"، أو "مبدأ نيكسون"، أو "عقيدة كارتر"، وآخر المطاف "عقيدة بوش".

وكان توجه أوباما الخارجي محكوماً بالتعاون والتفاوض، بدلاً عن المواجهة الأحادية في الشؤون الدولية، الأمر الذي لقي استحساناً، أول الأمر عند كثيرين، لا سيما أنه حلّ محلّ الصدمة والترويع "اللذين مثّلا عمق سياسات بوش الابن لثماني سنوات امتلأت بالدماء والحروب، بالقتل والغزو ". لكن على الجانب الآخر، جرى توجيه اتهامات لتلك السياسات، وقد وصفها أحد صقور المحافظين الجدد جون بولتون بأنها مثالية وساذجة للغاية، بل إنها تروّج لاسترضاء الخصوم، كما لفت آخرون الانتباه إلى انحرافه الجذري في لهجته ليس فقط عن سياسات إدارة بوش الابن، ولكن، أيضاً، عن العديد من الرؤساء السابقين.

 

ولم يكن مثيراً أن يعتبر أوباما أحد أكبر المروّجين لليسار المعاصر في الداخل الأميركي ما جعل الاتهامات تتوالى عليه من كل صوب وحدب، واعتبار أن الأمل الذي تحدّث عنه، وتجرّأ عليه، لا يتجاوز الزيف والبهتان.

وعطفاً على ذلك فإن ارتباط اسمه بجماعات الإسلام السياسي في الشرق الأوسط، ودفع كثيرين منهم إلى مراكز الحكم عبر سياسات رعناء، بلورتها وزيرة خارجيته كونداليزا رايس في مصطلح "الفوضى الخلاقة"، وكلها أمور جعلت من سنواته الثماني في البيت الأبيض محلّ تشكيك حول ولاءاته وأهدافه، بخاصة بعد الاتفاق سيئ السمعة مع إيران عام 2015 حول برنامجها النووي.

باختصار، فإن أوباما لم يكن من المؤمنين بما يعرف بـ "الاستثنائية الأميركية"، بل منتقداً فكرة الاحتياج العالمي لأميركا، وقد استبق دونالد ترمب في مطالبة دول "الناتو" بزيادة نسبة مساهمتها في تمويل حلف الأطلسي إلى اثنين في المئة من ناتجها القومي الإجمالي.

وعطفاً على ما تقدّم، تنكّر أوباما لما يمكن أن نسمّيه "أرثوذكسية السياسة الخارجية"، والتي تعني الوفاء والولاء لأصدقاء الولايات المتحدة التاريخيين، وهو ما جرى مع السعودية، منحرفاً عن علاقات وثيقة تجاوزت الثمانية عقود.

بدا كل هذا متهاوياً حين فاز ترمب بمقام الرئاسة، لكن "الأوبامية" ما لبثت أن تعود من الباب، بعد أن خرجت من شباك الأحداث مع جو بايدن وهاريس، وها هما يغادران عما قليل، ويبقى السؤال "أهي نهاية الأوبامية حقاً؟".

عن نهاية عصر أوباما الطويل

وجّه الاميركيون لطمة قاسية جداً للديمقراطيين عامة، ولأوباما بنوع خاص، الأمر الذي يذكّرنا بما قاله الكاتب والصحافي الاميركي الشهير إتش إل مينكين، ذات مرة، من أن "الديمقراطية هي النظرية التي تقول إن عامة الناس يعرفون ما يريدون، ويستحقون الحصول عليه بكل ما أوتوا من قوة".

واعتبر الملايين من الأميركيين أن عائلة أوباما قد خاضت عملية شرسة لصالح هاريس، لا سيما أنها كانت، في نهاية المطاف، المرأة المثالية التي كان باراك أوباما قادراً، من خلالها، على الاستمرار في تحريك خيوط الدمى، كما فعل مع بايدن الضعيف. وتلفت الانتباه في هذه الرؤية التحليلية، الأحاديث الماورائية التي انطلقت حول دور أوباما في رسم خارطة ولاية بايدن البائسة، وكيف أنها كانت، وقبل أن يدخل البيت الأبيض، ولاية خاضعة لتوجهات بل أوامر أوباما نفسه. وتخبرنا الأنباء التي تسرّبت من الداخل الأميركي أن بايدن حاول الخروج عن الخط المرسوم له، أي شرط ولاية رئاسية واحدة، كنوع من جوائز الترضية لخدمته كثماني سنوات نائباً لأوباما، غير أن هذا الأمر تمّت مقابلته بكثير من العسف والخسف الأوباميين، وبمساعدة رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي التي استخدمت ألفاظاً ربما يعاقب عليها القانون في حق بايدن، في طريق الضغط عليه لطرده خارج سباق الرئاسة، وهو ما فعله صاغراً لاحقاً.

وأدرك الأميركيون مبكراً أن هاريس لا تمتلك رؤية سياسية خارجية أو داخلية خاصة بها، باستثناء الدعوة السخيفة إلى فرض ضوابط على أسعار المواد الغذائية، ما يعني أنها كانت راضية بالمطلق لاتباع قيادته.

 

ولم ينطلِ على ملايين الأميركيين المشهد المسرحي الذي بدا فيه أن أوباما يلتزم الصمت حيال عدم انسحاب بايدن، في حين كان هو المحرّك الرئيس من وراء الستار للأمر برمته، عطفاً على المشهد الساخر الذي ظهر على الشاشات، وفيه بدت هاريس كممثلة متدرّبة، أكثر منها سياسية حاذقة، عبر تلقي اتصال هاتفي عشوائي، وعلى غير موعد من أوباما وميشال زوجته، لدعمها في مسيرة الترشح.

بدا إرث أوباما فاشلاً جداً، بعد ولايتين رسميتين، وثالثه لـ "جو النعسان" على حدّ تعبير دونالد ترمب، فقد أدى تقسيم أميركا إلى مجموعات قائمة على الهوية، إلى إضعاف النسيج المجتمعي الأميركي، وأشعل فتيل العرقيات، مرة جديدة، في دولة كانت تفاخر بأنها "بوتقة انصهار".

وفي الوقت عينه، أدى فرض الحصص العنصرية على نطاق واسع، باسم المساواة، إلى تأجيج مشاعر الاستياء بين المجموعات المفضلة والمجموعات غير المفضلة.

الذين فرحوا وسهروا حتى ساعات الفجر الأولى، فرحاً بانتصار أوباما في مواجهة خصمه الجمهوري جون ماكين، كانوا يأملون أن يكون انتخابه بداية لمداواة جروح العبودية والعنصرية، ولكن في نهاية الأعوام الثمانية التي قضاها في البيت الأبيض، كان السود والبيض، على حد سواء، ينظرون باستمرار إلى العلاقات العرقية باعتبارها تراجعاً.

لكن الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني)، شهد نهاية سياسة تقوم على النزعة العنصرية أو الجنسية الأساسية من النوع الذي استشهد به بايدن في حملته الانتخابية عام 2020، عندما قال للأميركيين من أصل أفريقي "إذا لم تصوّتوا لي، فأنتم لستم سوداً".

وساهم في هزيمة هاريس الخلاسية أنها كانت أقلّ ألقاً من جو بايدن، لا سيما بين الناخبين الأميركيين من أصول أفريقية، والخسارة الأكثر دراماتيكية جرت بين ذوي الأصول اللاتينية.

هل من جزئية أخرى طفت على السطح أثبتت أن "إرث أوباما" لم يكن سوى رماد؟

أوباما ومواجهة أميركا الدينية

المؤكد أن باراك أوباما الذي وصل إلى البيت الأبيض في عام 2009 بأغلبية حاكمة شملت أعضاء ديمقراطيين معتدلين من ولايات مثل ألاسكا وأركنساس ونبراسكا وداكوتا الشمالية، قد انحرف كثيراً جداً عن مسارات روح أميركا الدينية، والتي لا تطفو على السطح إلا في أوقات الأزمات والمحن العميقة.

وبدأت مسيرة أوباما بمحاولة التشكيك في أصوله وجذوره، وهل هو بالفعل من مواليد الولايات المتحدة، أم أنه لا توجد له شهادة ميلاد فعلية، ومن جانب آخر جرى التشكيك في انتمائه الديني، وكثيراً ما استخدم اسم والده، حسين أوباما، لدفع ملايين الأميركيين الأنغلو - ساكسون إلى القلق من انتماءاته العقيدية، والرهان هنا جرى على حدود ظاهرة الإسلاموفوبيا، على أن ثماني سنوات في البيت الأبيض دفعت الجميع للاعتقاد بأن أوباما لا ينتمي إلى أي شريعة سماوية، إذ كان فوق رأس تيارات ينظر إليها بأنها خارجة عن النواميس الطبيعية والشرائع السماوية.

وكانت صيحة أوباما "الحب انتصر"، غداة إقرار المحكمة العليا في البلاد، زواج المثليين، دافعاً لغضب مكبوت من المحافظين المعتدلين، أما اليمينيون، فقد اعتبروا الرجل أداة لتخريب الإرث الروحي للمدينة الأميركية القائمة "فوق الجبل".

وبالمضي قدماً مع إدارة بايدن، والتي شجّعت، بدورها، على الإجهاض، عطفاً على مواجهته مع الكنيسة الكاثوليكية الرومانية، والتي كادت أن تحرمه من عضويتها، بسبب دعمه الإجهاض، فبات واضحاً أن عقاباً كبيراً شديد الوقع ينتظره.

 

وبدت "الأوبامية"، وكأنها الضدّ من أميركا الطهرانية، وقد حملت معها دعوات لحرية الإجهاض، فيما الأزمة الكبرى، هي السعي لتغيير الجنس لدى الأطفال في المدارس الحكومية، وعدم فرض أية رقابة على المصنفات الفنية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والتي تشيع وتذيع الإباحية والفسوق.

في هذا السياق، كان من الطبيعي للغاية، أن تنمو وربما في السرّ لا الجهر، رغبات متصاعدة لوقف هذا المدّ غير الأخلاقي والكارثي، واعتبر الملايين أوباما بمثابة "كعب أخيل" في الجسد الأميركي باتهامات الاشتراكية المنحرفة مرة، وبكونه قادماً من خلفية إسلامية تارة أخرى، ما جعله في نهاية المطاف، هو ومن يلفّ لفّه، في مواجهة استحقاقات هزيمة ثقيلة في الانتخابات الرئاسية الأخيرة.

الديمقراطيون وهزيمة سابقة الإعداد

يتساءل المراقبون للمشهد الانتخابي الأخير، وهزيمة الديمقراطيين الساحقة "هل كان في الأمر شبه ثورة مخبأة ضد ليبرالية باراك أوباما المنحولة، ثورة تخمّرت عبر عقد من الزمن، ومن ثم انحرفت فجأة في وجه غلاة التطرف اليساري الديمقراطي؟".

يبدو أن هذا هو ما يميل إليه تشاك تود المحلل السياسي الرئيسي في قناة NBC NEWS  الأميركية والمشرف على برنامج "واجه  الصحافة" Meet The Press.

والواقع بحسب تود، هو أن العديد من الديمقراطيين الذين شاركوا في صعود باراك أوباما، اعتقدوا أنه بعد انتخابه في 2012 أن التحالف المتعدد الأعراق الذي شكّله سوف يصبح أغلبية ديمقراطية ليبرالية دائمة، غير أن هذه الرؤية تحطمت بعد عامين مع انتخابات التجديد النسفي في عام 2014، ثم اختفت مع صعود ترمب. فهل يمكن القول الآن إنها انسحقت وانمحقت تحت وقع اختيارات الناخبين الأميركيين في الخامس من نوفمبر الماضي؟ وإذا كان ذلك كذلك، فما هي الأسباب والدوافع وراء ذلك الأمر؟

المؤكد أنه لا تفويض دائماً، ولا توجد حركة سياسية محصنة ضدّ الاضطرابات المحتملة، ولهذا السبب تظلّ الديمقراطية أفضل طريق لتعلم البشر كيفية العيش معاً.

وكان الفارق الأكبر بين نجاح بيل كلينتون وباراك أوباما اللذين أعيد انتخابهما، وفشل فريق بايدن - هاريس في الفوز بأربع سنوات أخرى، يتمثّل في تجاربهما في منتصف المدة، فقد تعرّض كل من كلينتون وأوباما لهزيمة ساحقة ما أجبرهما على إعادة التفكير في بعض سياستهما وكيفية بيعها .ولقد اعتبر بايدن والحزب ككل أداء الديمقراطيين "الأفضل من المتوقع" في الانتخابات النصفية  لعام 2022، عندما خسروا مجلس النواب، لكنهم حصلوا على مقعد في مجلس الشيوخ كعلامة على أنهم على الطريق الصحيح وأنهم لا يحتاجون إلى تصحيح المسار بقدر ما كانت استطلاعات الرأي تخبرهم فعلياً بتصحيح المسار .ولعلّ أحد الأشياء التي لم يدركها الديمقراطيون والعديد من حلفائهم من وسائل الإعلام هو أن قضية  الديمقراطية كما يرونها، هي شيء يتمتعون برفاهية القلق بشأنه .

غير أن هذا لا يعني أن مخاوفهم ليست خاطئة، بل إن هذه ليست الرسالة الأفضل التي يمكن استخدامها لحشد أنواع الناخبين الذين يحتاجهم الديمقراطيون للفوز بالانتخابات. فالعديد من الناخبين، بخاصة أولئك الذين يتأرجحون بين التصويت وعدم التصويت، ينظرون إلى الانتخابات باعتبارها معاملاتية أكثر، وباعتبارها قرارات تستند إلى من يعتقدون أنه قد يجعل حياتهم أفضل. وهذا لا يعني أنهم أقل وطنية، ولا يعني أنهم لا يشعرون بالقلق إزاء تآكل المعايير الديمقراطية، ولكنه يعني أن هذه ليست أولويتهم في الوقت الحالي.

يوماً بعد الآخر، ومع الاقتراب من نهار الانتخابات الفائته، كان إرث باراك أوباما الرمادي يتهاوى، إذ ظهر جلياً كيف أن الديمقراطيين منظّمون للغاية في ما يتعلّق بالتكتيكات، ويقضون كثيراً من الوقت في محاولة العثور على مسارات أكثر كفاءة للفوز، بدلاً من بناء حزب من القاعدة إلى القمة، والذي قد يعمل في يوم من الأيام على توسيع فرصهم.

هل يعني ذلك أن طريقة تفكير أوباما وهيكلته للحزب الديمقراطي أحد أهم أسباب تراجع وربما نهاية "عقيدة أوباما؟".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

حول الإرث الهش لباراك أوباما

في أبريل (نيسان) من عام 2018، نشرت مجلة "بوسطن ريفيو" تقريراً مطولاً عن إرث باراك أوباما الهشّ، وكأنها كانت تتوقع بما سيصيب الديمقراطيين في انتخابات 2020، وهو الأمر الذي غالباً ما عكسته الدولة الأميركية العميقة التي عملت على الضدّ من دونالد ترمب وقتها.

وتعتبر المجلة الأميركية الشهيرة أن أوباما لم يخلف إرثاً حقيقياً صلباً، قادراً على الصدّ والردّ، السقوط والقيام، ما يفتح الباب واسعاً بالفعل للحديث عن نهاية "الأوبامية".

وتقول سطور مقدمة التقرير "إن ما يجعل من الواضح كل يوم أن باراك أوباما كان رئيساً أقلّ من تاريخي إلى حدّ ما، هو أنه لم يخلف وراءه سوى إنجاز تشريعي واحد فقط "أوباما كير"، وهو إنجاز هشّ في الوقت نفسه، والحقيقة هو أنه فشل فشلاً ذريعاً في بناء الحزب الديمقراطي الحداثي، أو مكّن جذوره في التربة الوطنية الأميركية.

وخلال فترة رئاسته، وحتى مع تمتعه بإعادة انتخابه ومعدلات تأييد قوية   نحو نهاية هذه الفترة، عانى الحزب الديمقراطي كثيراً، فقد خسر الديمقراطيون أكثر من ألف مقعد في الهيئات التشريعية للولايات ومقرات حكام الولايات والكونغرس خلال فترة وجوده في منصبه.

ولم يكن عصر أوباما مبنياً حول شخص واحد فحسب، بل كان عبارة عن مجموعة من المؤسسات وقواعد القوة والشبكات النخبوية. وهذا ما يقرّ به مايكل لند كاتب العمود في مجلة "نايت"، ومؤلف كتاب "الحرب الطبقية الجديدة".

ومن وجهة نظر لند، فإن ديمقراطيّي أوباما هم أول حزب وطني أميركي يعتبر، أيضاً، آلة وطنية، بمعنى أنه يكرر، على المستوى الوطني نوع الهيكل الآلي الذي كان موجوداً منذ فترة طويلة، سواء في الآلات الجمهورية أو الآلات الديمقراطية على مستوى الولايات والمستوى المحلي.

هل كان هناك قصور في بلورة مزيد من التفاعلات مع كبريات المدن في الداخل الأميركي لضمان حضور ديمقراطي فاعل يقطع الطريق على صحوة الجمهوريين؟

مؤكد أن هناك خطأ كبيراً يضاف إلى الأخطاء الجوهرية التي لم يفهم أوباما عنها شيئاً، والمتصلة بروح أميركا "ماي فلاور" المبكرة جداً.

وعلى سبيل المثال لا الحصر، فإن الهياكل الحزبية القديمة التي كانت تتألف من المعالجين في الأحياء وزعماء الحزب، وما إلى ذلك من أشكال التنظيم الحزبي، لا تزال قائمة إلى حدّ ما، لكنها تآكلت إلى حدّ كبير، حتى أن المنظمات غير الربحية حلّت محلّها في هذه المدن الديمقراطية حيث يعيش أغلب السكان الأميركيين، ليس من خلال مراكز البحوث، أو من هذا النوع  من المنظمات غير الربحية، بل من خلال المنظمات غير الربحية التي تقدم الخدمات وتتعامل مع المشردين والتعليم وغير ذلك من الأمور، والتي تحصل على منح من حكومة المدينة للقيام بوظائف كانت تؤديها قبل الاستعانة بمصادر خارجية والتي بدأت في عهد كلينتون .

لقد كان يتم تنفيذ هذه المشاريع من قبل موظفين حكوميين يتقاضون رواتب، ومنذ ذلك الحين، لم يترفع عدد الموظفين الحكوميين، ولكن ما يسمى بالقوى العاملة المختلطة من المقاولين، سواء كانوا غير ربحيين أو ربحيين قد انفجر للتو، والمحصلة كانت انكماش الحضور الديمقراطي الذي حاول أوباما الترويج له. وفي كل الأحوال ومهما يكن من شأن أوباما "هل على الديمقراطيين مراجعة أوراقهم حال رغبوا في العودة إلى البيت الأبيض بعد أربع أو ربما ثماني سنوات قادمة؟".

طريق العودة الآمن للديمقراطيين

قضي الأمر، وهزم الديمقراطيون بـ "الثلاثية التاريخية"، إذ خسروا البيت الأبيض وأغلبية مجلسي الشيوخ والنواب، عطفاً على غالبية حكام الولايات.

وبات السؤال: أي اتجاه سيسلكونه من الآن فصاعداً لمداواة هذا الجرح الكبير؟

الثابت أنه منذ فوز ترمب والديمقراطيون يوجهون اللوم ويشككون في أنفسهم، بخاصة بعد أن تحولت ولايات حاسمة في الجدار الأزرق إلى اللون الأحمر، ولم يكن لدى الديمقراطيين زعيم واضح، وتحولت مجموعات عدة من الناخبين التي اعتمد عليها الحزب إلى اليمين.

ويرى بول بيجالا الخبير الاستراتيجي الذي عمل في حملة بيل كلينتون، وفي الإدارة كمستشار للبيت الأبيض، أنه يتعيّن على الديمقراطيين إعادة بناء صلتهم بالطبقة العاملة، والنتيجة الأكثر إيلاماً في هذه الانتخابات هي أن الديمقراطيين قد خسروا الطبقة المتوسطة.

أما أدريان شروبشاير المديرة التنفيذية ومؤسسة لجنة العمل السياسيBLACK PAC  فتحذّر من القطع بأن الاقتصاد كان هو السبب الرئيس وراء خسارة  الديمقراطيين، وأن الأمر قد لا يكون على هذا المستوى من البساطة، وأن الديمقراطيين فقدوا أجزاء مهمة من الطبقة العاملة، بل تلّخص المشهد بالقول "هناك بعض البناء الحزبي الذي قد يحتاج إلى أن يتمّ بالفعل، وإن مشكلة الحزب الديمقراطي هو أنه لا يفهم  قاعدته".

أما وليد شهيد مستشار الحركة المعروفة باسم "غير ملتزمين"، فيرى أن الديمقراطيين بحاجة إلى التوصل إلى حل وسط بشأن قضايا متعددة إذا كانوا يريدون استعادة أصوات الناخبين من الطبقة الوسطى، ويقول إنهم بحاجة إلى تحقيق مكاسب اقتصادية للعمال مع عدم التهرّب من مواضيع أخرى مثل حقوق المتحوّلين جنسياً.

ويذهب البعض الآخر داخل الحزب الديمقراطي إلى القول إنه ربما يكون هناك طريق جديد مثير لكي يعود البريق إلى الديمقراطيين. ماذا عن هذا؟

إنه يتلخّص باختصار في القول "إنه بدلاً من القتال بكل ما أوتي الحزب وأعضاؤه من قوة لمنع أجندة دونالد ترمب، ينبغي للديمقراطيين أن يسمحوا للناخبين بتجربة التأثير الكامل للسياسات المتطرفة التي ينتهجها الرئيس المنتخب. ومن خلال اللعب على المدى الطويل يمكّنهم فضح مدى التدمير الذي تنطوي عليه أجندة ترمب واستعادة أصوات الطبقة العاملة في أميركا".

هل بدأ الديمقراطيون طريق التشافي بعيداً عن باراك أوباما؟

ربما يكون ذلك كذلك بالفعل، بعد أن بدأ السباق لاختيار رئيس اللجنة الوطنية الديمقراطية، وأصبح حاكم ميريلاند السابق مارتن أومالي أو المتنافسين على الحزب رسمياً.

ما الذي يتبقى في هذا الحديث؟

أوباما في واشنطن... الخطر قائم

على الرغم من كل الكلام الذي تقدّم عن نهاية "الأوبامية"، فهناك أصوات ترى أن نهاية "الأوبامية"، لن تجري بها المقادير، طالما ظلّ باراك أوباما مقيماً في واشنطن ما يعني أنه قادر، في وقت معيّن، على التأثير على الحزب الديمقراطي.

ويكتب الأميركي لي سميث مؤلف كتاب "اختفاء الرئيس: ترمب والحقيقة الاجتماعية والنضال من أجل الجمهورية"، يقول "قصة صعود ترمب وسقوطه وخلاصه لم تنته بعد"، وإذا لم يطرد باراك أوباما من واشنطن العاصمة، ويفكك شبكته في القطاعين الخاص والعام، فقد يخسر ترمب في نهاية المطاف. فقد قوّض حلفاء أوباما في أجهزة إنفاذ القانون والاستخبارات في الولايات المتحدة ولايته الأولى، وهناك أدلة، بحسب سميث، تشير إلى أن قلب المقاومة متمركز الآن داخل "البنتاغون"، ومستعد بالفعل لمحاربته، وهذا لا يهدد رئاسة ترمب فحسب، بل ويهدد، أيضاً، استقرار البلاد.

هل سيلجأ أوباما عما قريب إلى تآليب المؤسسة العسكرية الأميركية على الرئيس ترمب؟

مؤكد أن أوباما اليوم، أضعف مما كانت عليه الحال قبل الخامس من نوفمبر الماضي، وبشكل خاص، بعد أن اكتسب ترمب خبرة قتالية كبيرة.

لكن على الرغم من هذا، سيكون من التهور أن نفترض الأفضل من الرجل الذي أثبت، بالفعل، استعداده لتسليح جهاز الأمن القومي ضدّ خصمه السياسي ولا ينبغي للرئيس المنتخب أن يخاطر بكل شيء.

من هنا يمكن القول إن "الأوبامية"، وإن تلقّت صدمة مروعة، إلا أن توجهات ترمب، حال المغالاة في يمينيتها، قد تضحى بمثابة قبلة الحياة لمرحلة جديدة من "أوبامية" بنفس مختلف.

المزيد من تقارير