ضمن توقعات وتقديرات وضع الاقتصاد العالمي بصورة عامة وقطاعاته المختلفة وتأثير ذلك في التصنيف الائتماني للدول والشركات، أصدرت مؤسسة "ستاندرد آند بورز" العالمية الكبرى تقريراً حول مستقبل سوق النفط العالمية العام المقبل 2025.
وخلص التقرير إلى أن أسعار النفط التي واصلت الانخفاض في الفترة الأخيرة في المتوسط ستبقى مستقرة العام المقبل 2025، على رغم وجود أخطار محتملة، يمكن أن تؤدي إلى مزيد من الانخفاض مع وجود تخمة في العرض مع ضعف الطلب نتيجة تباطؤ النمو الاقتصادي أو صدمة ارتفاع أسعار نتيجة تصاعد الأخطار الجيوسياسية، خصوصاً في منطقة الشرق الأوسط.
لا ينطبق ذلك على النفط فحسب، وإنما على أسواق السلع عموماً التي يصف التقرير تحركاتها بأنها "غير متوقعة"، بما أن منطقة الشرق الأوسط تمد السوق العالمية بنحو ثُلث حاجاتها من النفط، فمن المنطقي أن تكون الصراعات فيها عاملاً مهماً للتأثير في سوق النفط العالمية.
وعلى رغم الحرب على غزة ولبنان وصراعات أخرى، إلا أن أسعار النفط لم ترتفع بالقدر المخيف، بل على العكس تعد منخفضة في المتوسط.
لكن يصعب الجزم باستمرار ذلك المنحى على المدى الطويل، خصوصاً مع استمرار الطلب العالمي على النفط في النمو، حتى وإن كان بوتيرة أبطأ من ذي قبل، إلى جانب أن زيادة الإنتاج من الدول خارج تحالف "أوبك+"، خصوصاً من الولايات المتحدة، يعوض أي نقص في العرض نتيجة تصاعد الصراعات.
العرض والطلب
في السيناريو الأساس لمؤسسة "ستاندرد آند بورز"، فمن المتوقع أن تكون أسعار النفط للعام المقبل في المتوسط عند 75 دولاراً للبرميل، وذلك مقابل سعر 80 دولاراً للبرميل في المتوسط هذا العام، الذي كان منخفضاً أيضاً عن سعر 82 دولاراً للبرميل في المتوسط العام الماضي.
وأشار التقرير إلى تراجع تحالف "أوبك+"، الذي يضم دول منظمة "أوبك" بقيادة السعودية ومنتجين من خارجها بقيادة روسيا، عن خطة زيادة الإنتاج في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، إذ كان المتوقع أن يوقف التحالف تدريجاً العمل بخفض سقف إنتاج الأعضاء بنحو 2.2 مليون برميل يومياً، لكن وضع السوق ووفرة العرض مقابل الطلب جعل التحالف أمس يؤجل القرار حتى نهاية الربع الأول من العام.
بإضافة تعهدات الخفض الطوعي للإنتاج غير الحصص المتفق عليها رسمياً، يبلغ حجم خفض الإنتاج الكلي من قبل تحالف "أوبك+" نحو 5.8 مليون برميل يومياً، لكن زيادة الإنتاج من دول أميركا، مثل غويانا التي توصلت كبرى الشركات الأميركية لاكتشافات نفطية هائلة في حقولها البحرية، ومن غرب أفريقيا مثل أنغولا وغيرها تعوض القدر الأكبر من خفض إنتاج "أوبك+".
إما أن يحافظ على استقرار الأسعار، على رغم الانخفاض الطفيف، فهو استمرار نمو الطلب العالمي على النفط على رغم جهود التحول في مجال الطاقة والتوسع في مشروعات الطاقة الخضراء من مصادر أخرى غير الوقود الأحفوري.
ويتوقع تقرير المؤسسة أن يواصل الطلب العالمي على النفط النمو العام المقبل 2025، بمعدل يزيد قليلاً على مليون برميل يومياً في المتوسط، وإن كان ذلك أقل من متوسط نمو الطلب في العالم في الـ10 سنوات الأخيرة المقدر بنحو 1.7 مليون برميل يومياً.
ويقدر أن استمرار فائض سعة إنتاج غير مستخدمة بنحو 5 ملايين برميل يومياً، معظمها في الدول الكبرى من "أوبك+"، قد تكون كافية لضبط توازن العرض والطلب في حالة حدوث أي صدمات تعطل الإمدادات.
تحديات وأخطار
مع ما يبدو من استقرار معادلة العرض والطلب والأسعار وقدرة المنتجين على سرعة الاستجابة لأي صدمات محتملة، تظل هناك أخطار وتحديات لسوق النفط العالمية في العام المقبل، ومن بين تلك الاحتمالات تصاعد الاضطراب في نقل النفط بحراً، خصوصاً في منطقة الشرق الأوسط.
ويشير التقرير إلى التعطيل الحادث في ممر البحر الأحمر الملاحي نتيجة هجمات الحوثيين المدعومين من إيران على السفن والناقلات.
في حال أي تصعيد يضر بالنقل الملاحي عبر مضيق هرمز بالخليج، يمكن أن ترتفع أسعار النفط إلى ما فوق 100 دولار للبرميل، وذلك حتى لو لم يؤد التصعيد إلى إغلاق المضيق تماماً، وإنما أي تصعيد يؤدي إلى مخاوف مثل تلك التي يتعرض لها باب المندب الآن، إذ يمر ما يزيد على 30 في المئة من النفط والغاز الطبيعي المسال المشحون بحراً في العالم عبر الخليج إلى وجهات في آسيا وأوروبا.
ومن التحديات المتوقعة أيضاً، أن يكون لأي ارتفاع في أسعار النفط نتيجة صدمات في جانب العرض تأثير سلبي واضح في جهود خفض معدلات التضخم في معظم دول العالم.
ويلاحظ أن معدلات التضخم في الاقتصادات الكبرى، ومعظمها مستهلك كبير للطاقة، عاودت الارتفاع بصورة طفيفة قرب نهاية هذا العام، وإذا حدث أي اختلال واضح في معادلة العرض والطلب في سوق الطاقة وارتفعت الأسعار ستزيد معدلات التضخم بصورة أكبر مما يجعل البنوك المركزية في الاقتصادات الكبرى تتوقف عن مسار خفض أسعار الفائدة.
نتيجة أي صدمة محتملة في سوق النفط العالمي ستكون القطاعات الاقتصادية العالمية الأكثر تضرراً هي تلك التي تعتمد بكثافة على الوقود، مثل النقل والنقل البحري والطيران وما شابه، كما أن هناك صناعات أخرى تعتمد على منتجات النفط المكررة والغاز يمكن أن تتضرر بشدة أيضاً، مما يرفع أسعار سلع أخرى للمستهلكين ويضيف للضغوط التضخمية.
هناك أيضاً تحديات وأخطار تتعلق بجانب الطلب في السوق، فعلى رغم تقدير استقرار نمو الطلب العالمي على النفط، إلا أن سياسات اقتصادية وصراعات تجارية يمكن أن تؤدي إلى انخفاض الطلب، بالتالي زيادة تخمة العرض ما يجعل أسعار النفط تنخفض أكبر من المتوقع.
ففرض الإدارة الأميركية الجديدة رسوماً على صادرات شركائها خصوصاً الصين، سيقوض النمو الاقتصادي ليس في الصين فحسب وإنما في أميركا نفسها إلى جانب اقتصادات كبرى أخرى.
ونتيجة تباطؤ النمو وانكماش النشاط الاقتصادي يتراجع الطلب على الطاقة، إذ يقدر تقرير المؤسسة أن الصراعات المتوقعة، خصوصاً ما بين أميركا والصين، يمكن أن تقلل نمو الناتج المحلي الإجمالي، بما يصل إلى نقطة مئوية كاملة (واحد في المئة).