ملخص
-الإجراءات العسكرية والأمنية التي اتخذتها إسرائيل عقب سقوط النظام في سوريا.
-برأي نتنياهو فإن انهيار الأسد "يخلق فرصاً جديدة ومهمة جداً لإسرائيل، لكنها لا تخلو من الأخطار أيضاً".
لم تخف إسرائيل مفاجأتها من سرعة انهيار نظام بشار الأسد في سوريا، واعترفت أجهزة الاستخبارات العسكرية و"الموساد" بـ"فشل" قدرتهما على توقع هذا الانقلاب والتطورات السريعة، فيما عقدت مشاورات أمنية وسياسية منذ ساعات صباح اليوم الأحد لبحث سبل التعامل مع التطورات الأخيرة، واتخذت عدة إجراءات سريعة وفورية بتعزيز انتشار الجيش الإسرائيلي ونقل لواءي المظليين و"الكوماندو" إلى المنطقة العازلة داخل الأراضي السورية، وعلى طول المنطقة الحدودية مع وحدة المدرعات وأنظمة استخبارات ورصد.
وأعلنت إسرائيل مناطق زراعية واسعة عسكرية مغلقة ومنعت الدخول إليها ووضعت الحواجز على طرقات رئيسة في الجولان قريبة من الحدود وألغت التعليم في قرى الجولان، ضمن حالة الطوارئ التي فرضتها على معظم منطقة الجولان من أقصى جبل الشيخ إلى جنوب الجولان وطبريا.
وكانت قيادة الجيش صادقت على خطتين إحداهما هجومية وأخرى دفاعية، وأكد رئيس أركان الجيش هرتسي هليفي خلال جلسة تقييم جهوزية الجيش في الهجوم والدفاع والعمل على إحباط ومنع التهديدات في المنطقة، وقال إنه يواصل إعداد خطط لمواجهة السيناريوهات المختلفة.
وقال هليفي إن المهام الحالية للجيش هي "مراقبة النقاط الرئيسة والتحركات الإيرانية وإذا ما ستقوم بأعمال لتعزيز مصالحها"، وهذا بحسب هليفي "يشكل أولوية قصوى إلى جانب متابعة العناصر المحلية التي تسيطر على المنطقة، ما الذي يقومون به وكيف يتصرفون ومدى ردعهم، والتأكد من عدم ارتباكهم أو توجههم نحو إسرائيل".
وهدد هليفي أنه إذا ما حدث ارتباك "سيكون هناك رد هجومي يتبعه دفاع قوي جداً، والجيش يواصل استعداده وجهوزيته لذلك"، وفق قوله.
منطقة عازلة وعوائق لحماية الحدود
منذ أيام وفي أعقاب التطورات السريعة داخل سوريا وضمن سيناريو سقوط الأسد، صادقت المؤسسة الأمنية على خطة دفاعية لحماية الحدود ومنع تسلل عناصر من التنظيمات التي تدرجها إسرائيل بين المعادية لها أو احتمال حدوث تطورات تدفع بسكان سوريين إلى الهرب نحو إسرائيل. وباشرت في إقامة منطقة عازلة داخل المنطقة المعروفة باسم "المنطقة المحرمة" في اتفاقية فصل القوات عام 1974، والتي بحسب ما أكد إسرائيليون أنه لا يجوز لتل أبيب دخولها ولم تدخلها منذ ذلك الوقت.
ونشر الجيش قوات عسكرية معززة ومدرعات في مناطق محددة مثل القنيطرة وألون هبشان وبلدات أخرى قريبة من درعا والمناطق السورية التي يحتدم فيها القتال، وخلال ذلك بدأت الجرافات تنفيذ أعمال حفر لشق طريق في أقصى نقطة تطل على الجانب الإسرائيلي وأقامت في هذه المناطق خنادق وعوائق، وركز الجيش هذه الأعمال في المنطقة المعروفة بـ"تلة الصيحات" التي كان يصل إليها السوريون من مختلف البلدات والمناطق في سوريا ليتحدثوا من بُعد مع أقاربهم السوريين في الجولان.
وخلال اليومين الأخيرين نفذت إسرائيل حفريات واسعة فيها ونصبت على التلة العلم الإسرائيلي، وصباح اليوم وفي أعقاب الإعلان عن انهيار الأسد عززت تنفيذ عملياتها الدفاعية، فنقلت لواءي النخبة في جيشها "الكوماندو" والمظليين إلى المنطقة العازلة في الأرض السورية وعلى طول حدود خط وقف إطلاق النار، وكذلك وحدة سلاح المدرعات استعداداً لأي تصعيد أمني واختراق التنظيمات المسيطرة في سوريا هذه المناطق واحتمال تنفيذ اعتداءات تجاه إسرائيل.
وفي المقابل بدأت بتنفيذ الخطة الهجومية التي صادقت عليها بإجراء تدريبات عسكرية واسعة لسلاح البحر بالتعاون مع سلاحي الجو والبر منذ ساعات ظهر اليوم وحتى المساء، وامتدت التدريبات من رأس الناقورة إلى المنطقة البحرية المحاذية لمدينة نهاريا، فيما أعلن الجيش أنه قصف خلال ساعة مبكرة من اليوم وبعد الإعلان عن سقوط نظام الأسد مخازن أسلحة كيماوية واستراتيجية، وقال الجيش إنه دمرها كلياً منعاً لنقلها إلى التنظيمات المسلحة.
وخلال المشاورات الأمنية نوقشت عدة مقترحات بينها احتلال مناطق استراتيجية في الطرف السوري وفي مركزها قمة جبل الشيخ السورية، ودعا وزير الشتات عميحاي شيكلي الحكومة والأجهزة الأمنية إلى اتخاذ قرار فوري باحتلال قمة جبل الشيخ السورية، إذ تشكل منطقة استراتيجية مهمة خصوصاً من حيث المراقبة، ولخطورة وصول تنظيمات معادية وتنفيذ هجمات ضد إسرائيل. واعتبر شيكلي أن "الأحداث في سوريا بعيدة من كونها سبباً للفرح". وكتب في منشور على منصة "إكس"،: "على رغم أن ’منظمة تحرير الشام‘ وزعيمها أحمد الشرع يصورون أنفسهم كمنتج جديد، لكن في نهاية الأمر معظم سوريا موجودة الآن تحت سيطرة منظمات انبثقت من ’القاعدة‘ و’داعش‘. أما الأنباء السارة فهي تزايد قوة الأكراد واتساع سيطرتهم في شمال شرقي البلاد"، وكتب يدعو إسرائيل إلى السيطرة على قمة جبل الشيخ و"ترسيخ خط دفاعي جديد على أساس خط وقف إطلاق النار لعام 1974، يحظر السماح للمتطرفين بالاستقرار قرب مستوطناتنا".
جاء تصريح شيكلي على رغم مطالبة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو الوزراء بعدم إطلاق تصريحات حول التطورات في سوريا وسقوط نظام بشار الأسد، باستثناء أن إسرائيل تراقب من كثب ما سيحدث لاحقاً، وطالب حزب "الليكود" أعضاءه في الكنيست بعدم إجراء مقابلات حول سوريا من دون مصادقة نتنياهو.
وفي جولة له داخل الجولان اعتبر رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو الاتفاق الموقع بين إسرائيل وسوريا عام 1974 منتهيا،ً قائلاً "نحن نعمل أولاً وقبل كل شيء لحماية حدودنا. وكانت هذه المنطقة طوال 50 عاماً منطقة عازلة اتفق عليها عام 1974 وفق اتفاق فصل القوات. واليوم انهار هذا الاتفاق وتخلى الجنود السوريون عن مواقعهم، وبدعم كامل من الحكومة أصدرت تعليماتي إلى الجيش بالاستيلاء على المنطقة العازلة ومواقع السيطرة المجاورة لها. ولن نسمح لأية قوة معادية بأن تثبت نفسها على حدودنا".
واعتبر نتنياهو أن انهيار الأسد جاء نتيجة الهجمات التي نفذتها إسرائيل ضد إيران و"حزب الله" وأدت إلى إضعافهما. وقال في سياق حديثه "هذا يوم تاريخي في تاريخ الشرق الأوسط، ومن جهتنا لن نسمح لأية قوة معادية بترسيخ وجودها على حدود إسرائيل".
وبحسب نتنياهو، كان الأسد "حلقة مركزية في محور الشر الإيراني، لقد سقط هذا النظام بفضل الضربات التي وجهناها لإيران و’حزب الله‘ الداعمين الرئيسين لنظام الأسد. وخلق هذا سلسلة من ردود الفعل في جميع أنحاء الشرق الأوسط لكل أولئك الذين يريدون التحرر من نظام القمع والاستبداد هذا".
وفي رأي نتنياهو فإن انهيار الأسد "يخلق فرصاً جديدة ومهمة جداً لإسرائيل، لكنها لا تخلو من الأخطار أيضاً".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي الوقت نفسه وبحسب نتنياهو تسعى إسرائيل إلى سياسة حسن الجوار كما أسماها "كتلك التي اعتمدتها إسرائيل عند الأحداث التي شهدتها سوريا في الحرب الأهلية، وأقمنا هنا مستشفى ميدانياً يعالج آلاف السوريين الذين أصيبوا بجروح في الحرب الأهلية، وولد مئات الأطفال السوريين هنا في إسرائيل".
وأكد وزير أمنه يسرائيل كاتس الذي رافقه خلال الجولة أهمية استمرار السيطرة الإسرائيلية في المناطق الحدودية وإقامة المنطقة العازلة لمنع تعرض الإسرائيليين إلى تهديدات من طرف سوريا، وقال مؤكداً "نُصر على عدم عودة الوضع إلى السادس من أكتوبر (تشرين الأول) عام 2023 لا في الجولان ولا أماكن أخرى".
سوريا مفتاح الشرق الأوسط
ووافق شيكلي الرأي حول جبل الشيخ، الرئيس السابق لشعبة الاستخبارات العسكرية يسرائيل زيف الذي اعتبر التطورات الأخيرة في سوريا مشكلة استراتيجية لإسرائيل، "كون سوريا مفتاحاً للشرق الأوسط". وأمام مختلف السيناريوهات المتوقعة في أعقاب سيطرة الفصائل المسلحة أكد زيف ضرورة السيطرة على مناطق استراتيجية ومهمة عند الحدود مع سوريا، واعتبر قمة جبل الشيخ أبرز المواقع التي يجب على إسرائيل السيطرة عليها في أسرع وقت وقبل وصول تنظيمات معادية مثل "داعش" وغيرها، وفق حديثه.
وفي رأي زيف على رغم أن سقوط الأسد "يشكل تغييراً دراماتيكاً في كل ما يتعلق بسيطرة محور الممانعة، فإن الأمر له إيجابيات وسلبيات على تل أبيب ويبقى القلق من خطورة تسلل هذه الفصائل إلى إسرائيل أو انتقال ما حدث في سوريا إلى دول أخرى كما السابق، إلى الأردن مثلاً، مما سيكون له تداعيات سلبية وبصورة كبيرة على إسرائيل".
فشل الاستخبارات الإسرائيلية
وإزاء مفاجأة إسرائيل بانهيار نظام الأسد تعرضت أجهزة الاستخبارات العسكرية و"الموساد" وأيضاً المستوى السياسي لانتقادات، واتهمت بالفشل وعدم بذل أي جهد لجمع معلومات حول الفصائل المسلحة ووضعيتها ونشاط كل واحدة منها، وإنما ركزت جهودها على إيران و"حزب الله" والفلسطينيين، ولذلك فوجئت بسقوط الأسد وفق تقرير إسرائيلي.
ومن جهته اعتبر زعيم المعارضة يائير لبيد أن أهمية التطورات في سوريا تكمن في إفساح المجال "لتشكيل تحالف إقليمي قوي إلى جانب ضعف المحور الإيراني"، ودعا الحكومة الإسرائيلية إلى "استغلال الوضع لتحقيق إنجاز سياسي شامل يساعدها أيضاً في غزة والضفة".
ودعا عضو الكنيست أفيغدور ليبرمان رئيس حزب "إسرائيل بيتنا" في منشور له الحكومة إلى القيام بخطوات دراماتيكية والعمل من دون تأجيل، معتبراً أن "أي تأجيل قد يشكل خطراً على أمن إسرائيل. فبيان اللجنة الدولية للطاقة الذرية الجمعة الأخير حول أن إيران ترفع وتيرة تخصيب اليورانيوم وتقترب من سلاح نووي بخطوات عملاقة، يجب أن يستخدم كإشارة تحذير للمجتمع الدولي، ولكن قبل ذلك لصناع القرار في إسرائيل" بحسب ليبرمان.