ملخص
في تقرير حديث، قال البنك الدولي، إن الأوضاع الاقتصادية في سوريا تأزمت نتيجة استمرار النقص في التمويل
ما بين بطالة مقلقة وتضخم مرتفع وعملة منهارة وأرقام نمو هزيلة، يرزح الاقتصاد السوري تحت سلسلة من الأزمات العنيفة، لكن هذه الأزمات تفاقمت منذ تجدد الصراع والاشتباكات الداخلية، إضافة إلى ما تشهده المنطقة من توترات، بخلاف ما تفرضه الأزمات العالمية من مشكلات وتحديات على جميع دول العالم.
وفي ظل الأحداث الأخيرة التي تشهدها سوريا، يبقى الاقتصاد في مأزق صعب. ففي تقرير حديث، قال البنك الدولي، إن الأوضاع الاقتصادية في سوريا تأزمت نتيجة استمرار النقص في التمويل ومحدودية المساعدات الإنسانية إلى زيادة استنزاف قدرة الأسر على تأمين احتياجاتها الأساسية وسط ارتفاع الأسعار، وتراجع الخدمات الأساسية، وزيادة معدلات البطالة.
فيما تناول تقرير "المرصد الاقتصادي لسوريا، الذي جاء تحت عنوان "ربيع 2024: الصراع والأزمات وانهيار رفاه الأسر"، السمات الرئيسة لسياسات الاقتصاد الكلي في سوريا ويضعها في سياق الصراع الدائر داخل سوريا وفي المنطقة بأسرها.
وعلى رغم عدم توافر البيانات والأرقام الرسمية حول معدلات البطالة أو النمو أو الاستثمار، فإنه تكفي الإشارة إلى أنه لا توجد أي بيانات رسمية عن احتياطات البلاد من النقد الأجنبي سوى ما هو متداول عن أعوام ما قبل 2016، إذ تشير البيانات إلى أن احتياط النقد الأجنبي في سوريا كان عند مستوى 20 مليار دولار خلال عام 2010، أما تقديرات البنك الدولي لعام 2016 فأوضحت أن احتياط سوريا من النقد لا يتجاوز 700 مليون دولار، وهو ما يشير إلى حجم الأزمة التي يواجهها الاقتصاد السوري في الوقت الحالي.
الليرة تواصل الانهيار مقابل الدولار
ولفت التقرير إلى استمرار تدهور الوضع الاقتصادي في سوريا خلال عام 2023 وتراجع النشاط الاقتصادي بنسبة 1.2 في المئة على أساس سنوي، لا سيما على طول الحدود الغربية لسوريا، ويعود ذلك جزئياً إلى ضعف النشاط التجاري. ولفتت إلى انخفاض بنسبة 5.5 في المئة على أساس سنوي في إنتاج النفط، ويعود ذلك جزئياً إلى الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية بسبب الزلازل والصراعات.
كما أثرت الاضطرابات المرتبطة بالصراع تأثيراً شديداً في التجارة الخارجية، وأدى انهيار الإنتاج الصناعي والزراعي المحلي إلى زيادة اعتماد سوريا على الواردات، كما زاد الاعتماد على الواردات الغذائية مع نشوب الصراع، وإن كان ذلك قائماً قبل عام 2011.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفيما يجري تداول الدولار الأميركي عند مستوى يتجاوز 22 ألف ليرة تركية في التعاملات الأخيرة، لكن خلال العام الماضي، انخفضت قيمة الليرة السورية بنسبة 141 في المئة مقابل الدولار الأميركي، وفي الوقت نفسه تشير التقديرات إلى أن تضخم أسعار المستهلكين ارتفع بنسبة 93 في المئة، وقد تفاقم هذا الوضع بسبب خفض الدعم الذي تقدمه الحكومة.
ومع تباطؤ الاقتصاد، لا تزال إيرادات المالية العامة تسجل تراجعاً، واستجابة لذلك، خفضت السلطات الإنفاق بصورة كبرى، لا سيما في ما يتعلق بالإنفاق الرأسمالي، مع الضبط الشديد لبرامج الدعم.
ووفق تقرير البنك الدولي، فقد شهدت سوريا صدمات متعددة ومتداخلة في عام 2023 مع زلزال فبراير (شباط)، والآثار غير المباشرة للصراع الدائر في الشرق الأوسط. وبعد مرور أكثر من عقد من الزمان على الصراع الأكثر دمويةً في هذا القرن، تراجعت بشدة قدرة سوريا على استيعاب الصدمات الاقتصادية الخارجية، لا سيما مع الانخفاض الأخير في تدفق المعونات وصعوبة الحصول على المساعدات الإنسانية واشتداد التوترات الجيوسياسية الإقليمية.
فيما توقع المرصد الاقتصادي لسوريا استمرار الانكماش الاقتصادي في سوريا، الذي طال أمده، ومع تعرض إجمال الناتج المحلي الحقيقي لحالة غير مسبوقة من عدم اليقين، فمن المتوقع أن ينكمش بنسبة 1.5 في المئة خلال عام 2024، إضافة إلى التراجع الذي بلغ نحو 1.2 في المئة خلال العام الماضي.
أيضاً، من المرجح أن يبقى الاستهلاك الخاص، وهو عجلة النمو الرئيسة، في تراجع مع استمرار تآكل القوة الشرائية بسبب ارتفاع الأسعار، كما يتوقع أن يستمر ضعف الاستثمار الخاص في ظل عدم استقرار الوضع الأمني والضبابية في المشهد الاقتصادي وعلى مستوى السياسات.
هل يتجاوز التضخم مستوى 100 في المئة
ومن المتوقع أن يبقى التضخم مرتفعاً في عام 2024 وربما سيتجاوز مستوى 100 في المئة بسبب الآثار الناجمة عن انخفاض قيمة العملة، فضلاً عن العجز المستمر في أرصدة العملات الأجنبية، واحتمال إجراء مزيد من الخفض في دعم الغذاء والوقود (المحروقات)، وتشير موازنة عام 2024 إلى استمرار خفض الدعم للسلع الأساسية.
وأشار تقرير البنك الدولي إلى أنه خلال عام 2022، طاول الفقر نحو 69 في المئة من السكان، أي نحو 14.5 مليون سوري، لكن وصل معدل الفقر المدقع إلى 27 في المئة، مرتفعاً من مستوى ضئيل للغاية في عام 2009. وقد أسهمت عوامل خارجية عدة، لا سيما الأزمة المالية في لبنان عام 2019، وجائحة كورونا، والحرب في أوكرانيا، في زيادة تراجع رفاه الأسر السورية في الأعوام الأخيرة.
وفق التقرير، فإن أكثر من 50 في المئة من الفئات الأشد فقراً يعيشون في ثلاث محافظات فقط هي حلب وحماة ودير الزور، وتسجل المحافظات في الجزء الشمالي الشرقي من سوريا أعلى معدل لانتشار الفقر، أما الأسر التي تعيلها نساء والأسر النازحة داخلياً، فهي الأكثر عرضةً لأخطار الفقر.
البنك الدولي أشار إلى انكماش الناتج المحلي الإجمال بنسبة 54 في المئة بين عامَي 2010 و2021، وأضعف الصراع قدرة البلاد على امتصاص الصدمات الاقتصادية الخارجية، بينما تقلصت قيمة الصادرات من 8 مليارات دولار في 2010 إلى مليار دولار في 2023، وفقاً لبيانات البنك المركزي السوري.
وتشير التوقعات إلى أن الاقتصاد السوري سينكمش بنسبة 1.5 في المئة خلال العام الحالي، لكن سقوط نظام بشار الأسد ربما يلقي بظلاله أكثر على معدلات النمو المستقبلية. فيما تذهب التوقعات إلى استمرار ضعف الاستثمار الخاص في ظل عدم استقرار الوضع الأمني والضبابية في المشهد الاقتصادي، وكذلك استمرار ارتفاع التضخم بسبب الآثار الناجمة عن انخفاض قيمة العملة، فضلاً عن العجز المستمر في أرصدة العملات الأجنبية.