ملخص
تواجه نوما زاروبينا الروسية المقيمة في بروكلين اتهامات بالتعاون مع الاستخبارات الروسية والكذب على الـ"أف بي آي"، فيما تنفي التهم وتنتظر محاكمتها.
تواجه مواطنة روسية مقيمة في بروكلين اتهامات بتلقي تعليمات سرية من جهاز الاستخبارات في بلدها الأم، بهدف نسج علاقات مع أميركيين "مفيدين" على غرار صحافيين وعسكريين، في سياق مهمة ترمي إلى استمالتهم تدريجاً نحو تبني "طريقة التفكير الروسية".
وفي شكوى جنائية مقدمة إلى المحكمة الفيدرالية في مانهاتن، ورد أن "جهاز الأمن الفيدرالي الروسي" (أف أس بي) قام بتجنيد نوما زاروبينا البالغة من العمر 34 سنة، ومنحها اسماً مستعاراً هو "أليسا". وأوضح "مكتب التحقيقات الفيدرالي" (أف بي آي) أنه رصد نشاط زاروبينا للمرة الأولى بعد اكتشاف علاقتها بجاسوسة روسية مشتبه فيها فرت إلى موسكو هرباً من العدالة. وبحسب المزاعم الواردة في الشكوى، أبرمت زاروبينا اتفاقاً مع الـ"أف أس بي" وحافظت على تواصل مستمر مع مشغليها في روسيا. لكنها كذبت وأنكرت هذا التواصل عندما استجوبها عملاء الـ"أف بي أي"، مما يشكل جناية [بموجب القانون الأميركي].
وفي سلسلة من الرسائل الإلكترونية التي كتبتها زاروبينا الثلاثاء الماضي أوضحت لـ"اندبندنت" أن اعتقالها خلال الـ21 من نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي شكل صدمة غير متوقعة. وروت أنها قادت سيارتها صباح ذلك اليوم إلى مقر الـ"أف بي آي" في منطقة لوير مانهاتن، متوقعة أن تكون الجلسة عبارة عن أسئلة وأجوبة روتينية، كما اعتادت خلال الأعوام الأربعة الماضية مع فريق صغير من عملاء المكتب.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعلقت زاروبينا قائلة "كما في السابق، كنت على موعد مع عملاء الـ’أف بي آي‘... لكن خططهم في ذلك اليوم كانت مختلفة تماماً". وتساءلت "لماذا قرروا اعتقالي الآن؟ هو فعلاً سؤال وجيه".
وأصرت زاروبينا على أنها كانت دائماً "صادقة مع الـ’أف بي آي‘ باستثناء مرتين عامي 2021 و2023"، معبرة عن شعورها بـ"الخوف من نشر تفاصيل القصة بالكامل". ومع ذلك، زعمت أنها كانت مدفوعة بـ"حافز قوي" حثها على الذهاب إليهم ومشاركة أكثر المعلومات سرية وحيوية معهم.
وتابعت قائلة "لقد ساعدتهم، ومن الواضح أنهم فهموا ذلك". ومن ثم أضافت "لكنهم قرروا ’إزاحتي‘ لسبب ما، بعد أن حصلوا على أكبر قدر ممكن من المعلومات مني. وأعتقد أن التوقيت بالغ الأهمية خصوصاً مع اقتراب نهاية العام، والتغيرات التي ستطرأ على السلطات الأميركية خلال يناير (كانون الثاني) 2025. وعلى الأرجح، لا نعرف تماماً ما كانوا يأملون في الحصول عليه من هذا الملف أو الوضع".
وبحسب نص الشكوى ولدت زاروبينا داخل مدينة تومسك في سيبيريا، وهاجرت إلى الولايات المتحدة عام 2016 بعد أن حصلت على شهادة جامعية من "الأكاديمية الروسية للاقتصاد الوطني والإدارة العامة". وورد في الشكوى أنها بدأت في العمل خلال سبتمبر (أيلول) من ذلك العام لدى منظمة غير حكومية مدعومة من الكرملين، تعرف باسم "مركز روسيا نيويورك" (أر سي أن واي) Russia Center New York (RCNY). وفي ملاحظة في أسفل الشكوى، ذكر أن رئيسة مجلس إدارة "آر سي أن واي" وعميلة الاستخبارات الروسية المزعومة إيلينا برانسن لم تكن مجرد ربة عمل زاروبينا، إنما أيضاً عرابة ابنتها الصغيرة.
وفي رسالتها إلى "اندبندنت" وصفت زاروبينا برانسن بالقول "إنها صديقتي المقربة التي أمضيت معها وقتاً وشربت برفقتها القهوة، وتحدثنا عن الحياة وعن العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا، وعن حياتنا الشخصية".
وأردفت بالقول "إنها امرأة بعقلية أميركية، ومع ذلك لا تزال تحب وطنها الأم".
وورد في الشكوى الموجهة ضد زاروبينا أن عملاء الـ"أف بي آي" اتصلوا بها للمرة الأولى خلال أكتوبر (تشرين الأول) 2020، على خلفية علاقتها ببرانسن ومنظمة "آر سي أن واي".
وروت زاروبينا لـ"اندبندنت" أنها فوتت الاتصال الأول من العملاء، لكنهم عادوا واتصلوا بها من رقم غير ظاهر. وقالت إنها "كانت شديدة الفضول" في شأن ما يريدونه، وعندما طلبوا منها الحضور إلى مقابلة طوعية، اقترحت الاجتماع بهم في مقهى "تسوب تسوبي" Tsob Tsobe التركي على جادة كوني آيلند (وقالت زاروبينا إنهم "اكتفوا بطلب القهوة، لا أكثر").
وفي المقهى، روت زاروبينا للعملاء أنها "على علاقة مقربة من برانسن"، لكنها أصرت أنه "ما من علاقة تربطها بأجهزة الأمن أو الاستخبارات الروسية، فيما عدا عدد من رفاق الدراسة السابقين الذين باتوا يعملون في هذا المجال"، بحسب الشكوى.
وذكرت الشكوى أيضاً أنه "في نهاية المقابلة، سألت زاروبينا العملاء عن طبيعة التهم التي سيوجهها الـ"أف بي آي" لبرانسن وعن قدرات المكتب على صعيد مراقبة الهواتف الجوالة".
وبعد حين، التقت زاروبينا العملاء مجدداً في أبريل (نيسان) 2021، بعد ستة أشهر من هرب إيلينا برانسن من الولايات المتحدة إلى موسكو لتجنب اعتقالها. وبحسب الشكوى، استمرت زاروبينا خلال سلسلة من الاجتماعات المتتالية في نفي أية علاقة محتملة لها بأجهزة الاستخبارات الروسية. لكن الشكوى أوردت أنها عادت واعترفت بتوقيعها اتفاق تعاون مع الـ"أف أس بي"، ووافقت بموجبه على مهام تهدف إلى تجنيد أهداف أميركية واستغلالها لصالحه.
وبحسب الشكوى، قام عميل لجهاز "أف أس بي" أطلق عليه لقب "عميل ’أف أس بي‘ 1"، بتزويد زاروبينا بقائمة أسماء "وطلب منها الحصول عن معلومات عن هؤلاء الأفراد، مع احتمال التواصل معهم". وورد في الشكوى أن "عميل ’أف أس بي -1‘طلب من زاروبينا أيضاً تحديد "معارف قد يأتون بالفائدة... بما يشمل أميركيين... ينتمون إلى السلك العسكري، وتزويد عميل ’أف أس بي 1‘ ببيانات عنهم كي يتمكن من اختلاق حجج لدعوتهم إلى روسيا و’تحويل‘ هؤلاء المعارف ليعتمدوا ’طريقة التفكير الروسية‘".
وتجدر الإشارة إلى أن عميلاً ثانياً لجهاز "أف أس بي" أطلق عليه في الشكوى لقب عميل "أف أس بي 2"، كان صديقاً لزاروبينا منذ مقاعد الدراسة الجامعية، بحسب الشكوى. وقالت الثلاثاء الماضي إن علاقتها به شخصية بحتة، موضحة أن المرة الأخيرة التي رأته فيها كانت في موسكو، قبل الغزو الروسي لأوكرانيا.
وقالت لـ"اندبندنت"، "كان يكثر الكلام عن الحياة والحب والسعادة"، مضيفة "أعتقد أنه في بعض الأحيان، يفكر العاملون في جهاز الأمن في الحب أكثر من غيرهم".
وفي سياق متصل، صرح الناشط الروسي المعارض دميتري فالويف الثلاثاء الماضي أنه يتابع نشاط زاروبينا منذ أكثر من عامين. ويُذكر أن فالويف يترأس منظمة "روس أميركا من أجل الديمقراطية في روسيا" Russian America for Democracy in Russia، وهي منظمة غير ربحية مقرها الولايات المتحدة صنفها مكتب المدعي العام الروسي العام الماضي كجهة "غير مرغوب فيها". وأوضح فالويف في حديثه مع "اندبندنت" أن سلوك زاروبينا كان دائماً يثير انتباهه بسبب طبيعته المريبة.
وأكد فالويف أن زاروبينا كانت قبل عام 2022 من أبرز المؤيدين لبوتين علناً. لكنه أشار إلى أنها انقلبت بصورة مفاجئة بعد رفع الدعوى الجنائية ضد برانسن، وبدأت تظهر معارضتها لبوتين بصورة علنية. وأضاف فالويف أنها تواصلت معه مباشرة خلال يناير 2023، وانضمت تزامناً مع ذلك إلى مجموعات مناصرة للديمقراطية، وشاركت في مجموعات دردشة تضم معارضين روس، إضافة إلى حضورها مؤتمرات للمعارضة.
وأوضح فالويف الذي يدير منظمة كانت أول من كشف النقاب عن الدعوى ضد زاروبينا، أنه شارك أبحاثه في شأنها مع الـ"أف بي آي" لتعزيز تحقيقاتهم الرسمية. وأشار إلى أنه استخلص معظم المعلومات الاستخباراتية المتعلقة بها من محتوى صفحاتها على وسائل التواصل الاجتماعي، مؤكداً أن مستوى أمنها العملياتي "ضعيف للغاية". وعلى عكس زاروبينا، قال فالويف إن خبر اعتقالها لم يفاجئه على الإطلاق.
وأكد فالويف في حديثه مع "اندبندنت" قائلاً "إن زاروبينا ليست محترفة"، مضيفاً أنها "هاوية غير متمكنة جندها محترفون".
وفي الوقت الراهن تواجه زاروبينا تهمتين بتقديم بيانات كاذبة، وأُطلق سراحها بكفالة شخصية قيمتها 25 ألف دولار، مع إلزامها بتسليم جواز سفرها ومنعها من التواصل مع أي مسؤولين حكوميين أجانب باستثناء موظفي القنصلية الروسية. ومن المقرر أن تمثل أمام المحكمة مجدداً خلال الـ23 من ديسمبر (كانون الأول) 2025.
وفي حال إدانتها، تواجه زاروبينا عقوبة أقصاها 10 أعوام في السجن.
© The Independent