Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عواقب كارثية بانتظار فرنسا وألمانيا إن لم تستعيدا استقرارهما سريعا

أصبح التفاؤل نادراً في ظل الاضطرابات التي تعيشها أوروبا واكتساب الشعبوية زخماً متزايداً في مختلف أنحاء العالم. كذلك فإن مسار المستقبل يعتمد إلى حد كبير على قرارات زعيمين يتبعان نهجين متعارضين، أحدهما ذو طابع استعراضي والآخر شديد الدقة والحذر

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يستقبل المستشار الألماني أولاف شولتز في قصر الإليزيه في 26 أكتوبر 2022 في باريس، فرنسا (غيتي)

ملخص

مع دخول عام 2025، تواجه فرنسا وألمانيا تحديات سياسية واقتصادية عميقة تعكس أزمة قيادة تهدد مستقبل الديمقراطية الليبرالية في أوروبا.

مع قرب انتهاء عام 2024، تجد كل من فرنسا وألمانيا نفسيهما غارقتين في أوضاع مضطربة. ففي ظل شلل حكومتي باريس وبرلين، وتعثر موازنتي الدولتين، والانقسامات السياسية العميقة، وتخبط الاقتصادَين، وتزايد ضغوط المتطرفين، يواجه البلدان تحديات مشتركة وحالاً من عدم يقين.

وعلى رغم أن أزماتهما تنبع من جذور متشابهة، فإن الدولتين اللتين يُفترض أن تشكلا قوة الدفع لكتلة الاتحاد الأوروبي، تبدو مقاربتهما للخروج من هذه المشكلات مختلفة للغاية.

جدير بالملاحظة أن هاتين الدولتين أصيبتا بالعجز في لحظة يواجه فيها العالم الغربي تحديات كبيرة غير مسبوقة. فالولايات المتحدة ستبدأ فصلاً جديداً في الـ20 من يناير (كانون الثاني) 2025 مع عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض. وسيترأس ترمب الساحة العالمية مقدماً نموذجاً بارزاً عن الشعبوية اليمينية. ومن المرجح أن يلهم نفوذه حكومات في مختلف أنحاء أوروبا وخارجها، ويشجعها على احتضان خطابه وأجندته.

إلا أن العواقب الأوسع نطاقاً على الديمقراطية قد تكون وخيمة. فإذا فشلت كل من فرنسا وألمانيا في استعادة الثقة بنظاميهما السياسيين في المستقبل القريب، فإنهما تخاطران عن غير قصد، بتسريع زوال الديمقراطية السائدة.

يُشار إلى أنه خلال الفترة الأولى من رئاسة دونالد ترمب، كانت أوروبا - باستثناء بريطانيا بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي - أحد المعاقل القليلة لنموذج ديمقراطي مستقر. لكن ما الذي تبقى من ذلك اليوم؟ ففي حين يوجد بعض من الأمل في دول البلطيق وبلدان الشمال الأوروبي، يتضاءل التفاؤل بسرعة في أماكن أخرى. أما بولندا، التي كانت تشكل ذات يوم ثقلاً موازياً، ترى الآن أن زعيمها المؤيد لأوروبا وأوكرانيا دونالد توسك، يجد صعوبة في البقاء في السلطة.

حكومة إسبانيا تقف على أرضية مهتزة، ولا يزال الغضب الشعبي عليها عارماً بسبب استجابتها الضعيفة للفيضانات الأخيرة. وفي أماكن أخرى من العالم، شهدت كوريا الجنوبية أخيراً اضطرابات ناجمة عن محاولة انقلاب فاشلة قام بها رئيس البلاد. كذلك تطغى حال من الفوضى على المشهد السياسي في اليابان، وحتى كندا، التي كانت في ما مضى منارة للانفتاح والقيم الليبرالية، تبدو على وشك سلوك اتجاه آخر.

في الوقت نفسه، سيكتسب الشعبويون زخماً أكبر. فبفضل ترمب، ستواجه رئيسة الوزراء في إيطاليا جورجيا ميلوني قيوداً أقل في مواصلتها أجندةً أكثر عدوانية. وقد بدأت الدول الشيوعية السابقة في وسط أوروبا وشرقها التحول نحو الاستبداد، وعادت لتدور في الفلك الروسي. وبحلول عام 2025، قد تحذو جمهورية التشيك حذو كل من المجر وسلوفاكيا في هذا التحول.

في المقابل، يعمل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على تأجيج عدم الاستقرار أينما أمكنه ذلك - مستغلاً فصائل اليمين المتطرف واليسار المتطرف على حد سواء - بفاعلية متزايدة. وبعد نجاحه في إعادة جورجيا إلى محور نفوذه، فشل بفارق ضئيل في التلاعب بانتخابات مولدوفا، وكاد يوصل زعيماً موالياً لموسكو هناك. وقد أسفرت جهود مماثلة عن وقوع فوضى دستورية في رومانيا.

أي الخيارات إذاً ما زال ممكناً؟ يمكن القول إن المملكة المتحدة التي كانت المرشحة الأقل ترجيحاً - نظراً إلى سجلها على مدى العقد الماضي - تقف الآن باعتبارها موقعاً محتملاً للاستقرار. لكن حتى مع الأغلبية البرلمانية المهيمنة التي يتمتع بها السير كير ستارمر، فإنه يجد صعوبة في إحداث تأثير كبير على مجتمع منقسم بشدة. ولم يعد من الممكن استبعاد احتمال تشكيل حكومة يمينية متطرفة، أو قيام شكل من أشكال التحالف بين حزب "إصلاح المملكة المتحدة" و"المحافظين"، يحقق الفوز في الانتخابات المقبلة.

 

لكن قبل الاستسلام لليأس، من المهم أن نفكر في الطريقة التي قد تتمكن بها فرنسا وألمانيا من الخروج من مأزقهما الراهن.

يقع علماء السياسة في كثير من الأحيان في فخ تقديم تفسيرات مجتمعية واسعة. وباختصار، فإنهم يحملون العولمة وعدم الرغبة في محاسبة أي شخص على الأزمة المالية التي وقعت في عامي 2007 و2008 المسؤولية عن فجوة عدم المساواة وفوارق الثروات وانحدار مستويات المعيشة، في حين يُعزى تراجع سياسات يسار الوسط إلى صعود ثقافة "اليقظة" Woke (المناهضة للظلم والتمييز العنصري).

وعلى رغم أن هذه التحليلات قد تكون صحيحة إلى حد ما، فإن الأسباب الكامنة وراءها غالباً ما هي أكثر بساطةً ووضوحاً. وفي حالي فرنسا وألمانيا يتلخص السبب في فشل القيادة فيهما.

في فرنسا، نشأت الأزمة من الغطرسة المتقلبة للرئيس إيمانويل ماكرون، الذي لُقب بـ "جوبيتر". فنتيجة إحباطه من الانتقادات المتواصلة له من جانب خصومه، دعا إلى إجراء انتخابات برلمانية خلال الصيف، وهي خطوة جاءت بنتائج عكسية بصورة كبيرة، مما أدى إلى انقسام ثلاثي بين حزبه الوسطي، واليسار، وحزب "التجمع الوطني" اليميني المتطرف بزعامة مارين لوبان.

الكتلة اليسارية التي تتألف إلى حد كبير من شركاء سابقين في صفوف الاشتراكيين، طرحت عدداً من المرشحين المحتملين لرئاسة الوزراء، وكان من الممكن أن يكون أي منهم خياراً مقبولاً. ومع ذلك، رفض ماكرون مبادراتهم. لم يكن اختياره ميشيل بارنييه الدبلوماسي والمفاوض المخضرم، مثيراً للجدل بطبيعته، لكن في نظام سياسي يهيمن عليه اتخاذ القرار من القمة إلى القاعدة، وتعاون حزبي ضئيل، قدم بارنييه موازنة كان الهدف منها تضييق الخناق على خصومه وإحراجهم، أكثر من تعزيز التوافق.

في ألمانيا، التحدي كان معاكساً تماماً. فالائتلاف المكون من ثلاثة أحزاب لم يكن هو المعضلة في حد ذاته، لأن الثقافة السياسية في البلاد متجذرة في التفاهم والتسويات. المشكلة الحقيقية تمثلت في افتقار أولاف شولتز للحزم وعجزه عن اتخاذ مواقف حاسمة. وعلى رغم أنه ترك انطباعاً قوياً في البداية في ما يتعلق بسياسة ألمانيا تجاه أوكرانيا، فإنه سرعان ما تراجع إلى التحفظ والانكفاء. ولم يؤد تردده في معالجة نقاط الضعف الاقتصادية البنيوية الكثيرة التي تعانيها ألمانيا إلا إلى تفاقم الصعوبات.

من المقرر أن تُجرى الانتخابات - التي تنتظر أن يؤكدها البرلمان الألماني الأسبوع المقبل - في الـ23 من فبراير (شباط)، وهو ما قد يمثل نهاية ولاية شولتز ما لم تحدث مفاجأة غير عادية.

لم يكن ماكرون وشولتز - الأول ذو طابع استعراضي والثاني شديد الدقة والحذر - على الموجة نفسها قط، والأسباب واضحة. فقد أفضت شخصيتاهما المتناقضتان، وأطرهما الدستورية المتمايزة، وأساليب الحكم المختلفة، إلى مستويات مماثلة من خيبة الأمل وعدم الرضا.

المسار المحتمل لألمانيا إلى الأمام أصبح أكثر وضوحاً. ومن المتوقع على نطاق واسع أن يصبح زعيم "الحزب الديمقراطي المسيحي"، فريدريش ميرتس، المستشار المقبل. ففي ظل قيادته، عاد الحزب إلى جذوره المحافظة التقليدية، ونأى بنفسه عن إرث المستشارة السابقة أنغيلا ميركل.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

واجه ميرتس انتقادات بسبب ما وصفه بعض المتابعين بـ"مشكلة المرأة" - وليس المقصود هنا تورطه بأي سوء سلوك، لكن - بحسب بعض المعلقين - الافتقار إلى التعاطف وصعوبة التواصل. وكما قال لي أحد السياسيين هذا الأسبوع: "لا يعاني ميرتس مشكلة تتعلق بالمرأة وحسب، بل لديه مشكلة مع الناس". تصور مزيجاً ألمانياً من نورمان تيبيت (السياسي "المحافظ" في حكومة مارغريت تاتشر) ومايكل هوارد (الزعيم السابق لحزب "المحافظين"). ومع ذلك، في ظل المناخ الراهن، ربما يكون هو بالضبط ما تحتاج إليه ألمانيا، أو الرجل المناسب في الوقت المناسب.

وعلى رغم أنه يطمح إلى الحصول على أغلبية مطلقة، فمن غير المرجح أن يمنحه النظام الانتخابي ذلك. وسيحتاج بالتالي إلى التعاون إما مع "الحزب الديمقراطي الاشتراكي" (بمجرد انفصاله عن شولتز) أو مع "حزب الخضر". ومع ذلك، فإن تحقيق نصر حاسم من شأنه أن يسمح له بتحديد شروط تشكيل ائتلاف، مما يمهد الطريق لمواجهة التحدي الهائل المتمثل في تنشيط الاقتصاد الذي يعاني جموداً من خلال إجراء الإصلاحات الضرورية.

في المقابل، يظل إيمانويل ماكرون عازماً على البقاء حتى انتهاء فترة ولايته في عام 2027. وبينما بدا متجهماً وغير مرتاح في حفل إعادة الافتتاح الرسمي لـ"كاتدرائية نوتردام" السبت - الذي كان دونالد ترمب أحد ضيوف الشرف فيه - فهو يواجه المهمة الملحة المتمثلة في تقديم مرشح لرئاسة الوزراء يحظى بأغلبية برلمانية.

هذا يتطلب مهارة جديدة أو قدرة على بناء إجماع. أما ألمانيا فتحتاج إلى أمر مختلف للغاية، يتمثل في مزيد من الحزم والإرادة القوية على اتخاذ الإجراءات اللازمة.

الحل في الواقع هو أبسط مما قد يعتقده بعضهم. إن ما نحتاج إليه في كلا البلدين وفي بلدان أخرى متمسكة بالديمقراطية الليبرالية، هو أن تكون هناك قيادة أقوى. ومن دون ذلك، يصبح الباب مشرعاً أمام الآخرين للدخول من خلاله.

© The Independent

المزيد من تحلیل