ملخص
يهدد سقوط نظام بشار الأسد طموحات روسيا في الشرق الأوسط ويكشف حدود دعمها للحكام المستبدين، وهو ما قد يفتح المجال للقوى الغربية لاستغلال هذه الفرصة لإضعاف النفوذ الروسي.
أثار انهيار نظام بشار الأسد في سوريا شكوكاً حول مدى قدرة روسيا على المحافظة على نفوذها ومواصلة مغامراتها العسكرية خارج أراضيها. فقد دعمت موسكو لأكثر من عقد من الزمن الأسد بناء على العلاقات طويلة الأمد بينها ودمشق، إلا أن التقدم الميداني السريع الذي حققته القوات المعارضة للحكومة السورية الشهر الجاري أظهر أن لروسيا قدرة محدودة على التأثير في مسار الأحداث، بصرف النظر عن شن طائراتها غارات جوية (أفادت تقارير كما هي العادة، بأن معظمها استهدف مناطق مدنية) لتعزيز دفاعات قوات النظام.
هذا التطور في سوريا أثار كثيراً من التساؤلات حول قدرة روسيا على الاستمرار في بسط نفوذها خارج حدودها، ودفع بعضاً إلى استنتاجات تتناول انعكاساته المحتملة على مسار الحرب في أوكرانيا.
لكن التفكير المتأني يظل ضرورياً قبل التسرع في إجراء مقارنات. فالفارق كبير بين عملية عسكرية بعيدة المدى من أجل دعم صديق لموسكو يواجه مصاعب في الحفاظ على السيطرة في بلاده، وصراع كبير يدور على حدود روسيا داخل أراض أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أنها يجب أن تكون تحت سيطرة بلاده.
في العقود السابقة، لاحظ المحللون الذين يتابعون أنشطة القوات المسلحة الروسية وجود حقيقة بديهية، مفادها أن الكرملين لن يتوانى عن القيام بتدخلات عسكرية في المناطق التي هي في متناول قواته من طريق البر، سواء بواسطة الآليات أو في الوضع المثالي باستخدام السكك الحديد.
وانطلاقاً من ذلك، يمكن القول إن عملية الانتشار العسكري الروسي في سوريا خلال العقد الماضي من الزمن كانت بمثابة خروج كبير عن المعتاد، بحيث أظهرت موسكو قدرة غير متوقعة على إقامة جسر جوي وبحري واستخدامه للانتقال إلى دولة بعيدة من حدود روسيا. وفاجأ ذلك في حينه كثيراً من المحللين وأثار إعجابهم.
لكن بمجرد بلوغ روسيا هذا المدى في ترسيخ وجودها، أعادت تصرفاتها تأكيد الأنماط الدائمة في نهجها والحقائق القائمة منذ فترة طويلة التي ظلت من دون تغيير. فالاستخدام المتعمد للفظائع وتكتيك التدمير المنهجي للبنية التحتية الأساس بهدف بث الخوف في نفوس المدنيين وإجبارهم على الاستسلام، يعكس استمراراً للنمط التي استخدمته موسكو على مدى عقود وقرون، وهذا النهج يظهر لمحة سوداوية عن المعاناة والفظائع التي ستلحق بالأوكرانيين في هذه المرحلة.
يمثل سقوط بشار الأسد بلا شك ضربة كبيرة لطموحات روسيا، ولسعيها إلى تعزيز نفوذها في منطقة الشرق الأوسط. ومن بين التساؤلات الكثيرة التي يثيرها تغير السلطة في دمشق تبرز مسألة إمكان سحب القوات الروسية المتمركزة على أراض سورية، وآلية تنفيذ هذا الانسحاب. وإلى جانب ذلك يبقى الغموض قائماً حول تأثير هذا التحول في الطموحات الأوسع للكرملين، ولا سيما في ما يتعلق بنفوذ روسيا داخل القارة الأفريقية بعدما كانت سوريا جسراً لوجيستياً أساساً ومهماً بالنسبة إلى موسكو.
النتيجة الإيجابية المحتملة الأخرى لهذا التطور هي أن الحكام المستبدين الدمويين الآخرين الذين يسعون إلى الحصول على دعم روسيا لهم، قد يدركون أن مساندتها لهم محدودة ومشروطة، وهذا من شأنه أن يفتح فرصة أمام القوى الغربية، إذا كانت راغبة وقادرة على استغلالها، لإضعاف تصميم بعض الأنظمة الأكثر إثارة للاحتقار في المجتمع الدولي على التحالف مع موسكو، والسماح للنفوذ الروسي بالتوسع داخل حدودها.
إلا أن تأثير الأحداث في سوريا على أهداف روسيا وطموحاتها في أوروبا يبقى محدوداً، فكان الدعم الذي قدمته موسكو لبشار الأسد وطبيعته مختلفين تماماً عن غزوها لأوكرانيا. ورمى التدخل الروسي في سوريا إلى الحفاظ على وجود محدود [قوات برية صغيرة]، مع الاعتماد بصورة رئيسة على قوة جوية ونشر مستشارين وقوات خاصة.
ويعكس هذا النهج إلى حد ما الاعتماد على جيش أصغر حجماً وأكثر تدريباً واحترافاً وأفضل تجهيزا،ً وهو ما كانت تسعى روسيا إلى بنائه قبل عام 2022. لكن في أوكرانيا، ابتعدت موسكو إلى حد كبير من هذا النموذج، وعادت إلى اعتمادها التقليدي على الكمية [عدد القوات] عوض المهارة والنوعية، فنشرت أعداداً كبيرة من القوات العسكرية ذات التدريب المحدود في كثير من الأحيان لاستيعاب نيران القوات الأوكرانية، وإرهاقها من خلال الضغط والاستنزاف المستمرين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويضاف إلى ذلك أنه في حين أن الوجود الروسي داخل سوريا كان بلا شك بمثابة انعطاف في السياسة الخارجية لموسكو، خصوصاً أنه جاء بعد نجاح موسكو في مواجهة التدخل الذي قامت به الولايات المتحدة عام 2013، إلا أن ذلك كان مصلحة هامشية في حسابات روسيا. وهذا يختلف بصورة كبيرة عن أوكرانيا، إذ لم يؤكد فلاديمير بوتين على مطالبه فحسب، بل ربط اقتصاد بلاده بالكامل ومستقبلها باستعادة الإمبراطورية.
وفيما يضيف سقوط الأسد انتكاسة إلى سلسلة الانتكاسات والضربات التي استهدفت هيبة روسيا، ولا سيما بعد التوغل الأوكراني في منطقة كورسك الروسية، واعتماد موسكو على تعزيزات كورية شمالية لدعم قواتها، فإن أياً من هذه التحديات لا يشكل في الواقع تهديداً مباشراً لسلطة الكرملين داخلياً، على خلاف الفشل في حرب إعادة احتلال أوكرانيا.
وبعبارة أخرى، في حين تظهر التطورات في سوريا أن روسيا لا تستطيع دائماً التحكم في نتائج الصراعات البعيدة من حدودها، فإن هذا الواقع ينبغي ألا يبعث على كثير من الراحة والطمأنينة في [أوصال] أوروبا.
ففي هذه المنطقة من العالم تواصل روسيا التركيز على إعادة بناء قواتها البرية، في وقت أن قدراتها الجوية والبحرية ما زالت سليمة إلى حد كبير جراء طبيعة الصراع في أوكرانيا. ويجمع قادة الدفاع والاستخبارات الأوروبيون على أن أهداف موسكو تمتد إلى ما هو أبعد من أوكرانيا.
الخلاصة الرئيسة لما حدث في سوريا، التي أكدتها أوكرانيا بصورة أكبر على مدى الأعوام الثلاثة الأخيرة، أن روسيا وحلفاءها ليسوا عصيين على الهزيمة، وأنه يمكن وضع حد لاندفاعهم نحو تحقيق أهدافهم من طريق مقاومة حازمة. وهذا بمثابة ناقوس خطر آخر للمملكة المتحدة ودول أوروبا الغربية لتعزيز دفاعاتها، إذا كانت ترغب في إحباط طموحات فلاديمير بوتين.
© The Independent