ملخص
تمكن الدروز الذين يشكلون 3 في المئة من سكان سوريا من تحييد أنفسهم إلى حد كبير من تداعيات النزاع، بينما تخلف عشرات آلاف الشبان عن التجنيد الإجباري، مستعيضين عن ذلك بحمل السلاح دفاعاً عن مناطقهم فحسب، فيما غضت دمشق النظر عنهم.
يصف بيان الحناوي وقوفه في ساحة الكرامة في مدينة السويداء مع جموع المحتفلين بسقوط حكم حزب البعث بأنه "حلم"، فالرجل الذي أمضى 17 عاماً في السجون بعهد حافظ الأسد، لم يتخيل أن يعيش ليرى هذا اليوم.
ففي مدينة السويداء، مركز المحافظة ذات الغالبية الدرزية، اكتظت ساحة الكرامة التي كانت مسرحاً لتظاهرات مطالبة برحيل بشار الأسد على مدى عام ونصف العام، بمئات ممن احتفلوا بسقوطه.
رفع المحتفلون العلم الأبيض والأخضر والأسود ذا النجوم الثلاث وصفقوا على وقع الأغاني الاحتفالية، رافعين أغصان الزيتون على غرار كثيرين في مختلف مدن سوريا.
من بينهم من فقد ابناً أو أخاً خلال فترة الاحتجاجات التي اندلعت في عام 2011، أما آخرون فعانوا مباشرة في السجون، مثل الحناوي (77 سنة) الذي سجن حينما كان جندياً في الجيش السوري يبلغ 23 سنة في عام 1975 أي بعد نحو خمسة أعوام من الانقلاب الذي أوصل حافظ الأسد إلى السلطة.
ويقول الرجل الذي ملأت التجاعيد وجهه وغزا الشيب رأسه، "كان هذا حلماً، كنا نحلم بأنه في يوم من الأيام سيسقط النظام". ويصف مشاعره بمزيج من "السعادة والحزن"، مضيفاً "هناك حزن وقهر، ليت الذين كانوا معي في (سجني) المزة وصيدنايا قادرون على أن يروا هذا المشهد، المشهد الرائع الذي لم نكن نتصوره".
لا يقوى الرجل الذي يصف معاناة هائلة وتعذيباً تعرض له بالسجن على تمالك نفسه، ويقول "خرجت وأنا في الـ40 من عمري، خسرت كل حياتي... السجن لا يوصف، الجلد ووسائل تعذيب... لم يمارس أي ظالم بالتاريخ ما مارسوه علينا".
لا مظاهر مسلحة
منذ الأحد الماضي، خلت الفروع الأمنية في المدينة من قوات الأمن، وهجر مركز حزب البعث تماماً. وعلى الطريق المؤدي من دمشق إلى السويداء، فرغت الحواجز التي كانت للجيش السوري، من أي جندي، كما المواقع المحيطة في المحافظة.
لا مظاهر مسلحة على الطريق إطلاقاً، أما في السويداء، فالمسلحون الموجودون على الأرض هم من أبناء المنطقة وينتمون إلى فصائل محلية وليس إلى هيئة تحرير الشام التي يبدو أنها لم تدخل السويداء بعد.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في بداية النزاع في عام 2013، انشق نجل سهام زين الدين الملازم خلدون زين الدين عن الجيش السوري، وانضم إلى فصيل محلي للقتال ضد الحكومة حينها، قبل أن يقتل في إحدى المعارك في عام 2014.
بالنسبة لوالدته، فإن ابنها "ضحى بدمه من أجل هذه الوقفة، من أجل الحرية والكرامة". حتى الآن، تقول سهام (60 سنة) بينما وقفت مع المحتفلين في السويداء، "لا نعرف أين رفاته، لم نتسلمه من النظام، أتمنى في الأقل أن نتمكن من الحصول على رفاته".
وخلدون زين الدين من دروز قلائل حملوا سلاحاً ضد نظام بشار الأسد، وانخرطوا في المعارضة المسلحة منذ اندلاع النزاع في سوريا عام 2011.
خريطة توزع الدروز
وتمكن الدروز الذين يشكلون ثلاثة في المئة من سكان سوريا من تحييد أنفسهم إلى حد كبير من تداعيات النزاع، بينما تخلف عشرات آلاف الشبان عن التجنيد الإجباري، مستعيضين عن ذلك بحمل السلاح دفاعاً عن مناطقهم فحسب، فيما غضت دمشق النظر عنهم.
وتتوزع الأقلية الدرزية خصوصاً في لبنان ومرتفعات الجولان السوري المحتل من إسرائيل وفي إسرائيل، إضافة إلى جنوب سوريا خصوصاً في محافظتي السويداء والقنيطرة.
على مدى عقود، عانت محافظة السويداء التهميش ونقص الخدمات الأساسية، كما يقول أبناؤها. وفي المدينة التي شيدت مبانيها التقليدية بالحجارة البركانية السوداء المنتشرة بصورة كبيرة في المحافظة، يظهر بوضوح تردي حال الطرقات والمباني، في وقت تضم المدينة والمحافظة إجمالاً عدداً من الآثار الرومانية البارزة، وتظهر معالمها في بعض الأزقة الضيقة في السويداء.
بالنسبة إلى الشيخ الدرزي مروان رزق، فإن "محافظة السويداء كانت مهمشة طوال أكثر من 60 عاماً... غالبية سكانها تحت خط الفقر، أفقر النظام الغالبية، وعمل بمنهجية على تجويع الناس وتهجيرهم".
ويضيف، بينما انضم إلى المحتفلين في ساحة الكرامة، أن ما يطمح إليه السكان من الحكومة الجديدة في المستقبل هو قليل من الاهتمام. ويتابع، "ننظر اليوم إلى المستقبل ونرجو من الجميع أن يمد يد المساعدة إلى هذه المحافظة... يدنا ممدودة إلى كل السوريين".
في الساحة نفسها، رفع حسين بندق صورة شقيقه ناصر، الصحافي والناشط المناهض للحكومة السابقة، الذي اعتقل في عام 2014 وانقطعت أخباره، بينما يرجح حسين أن يكون قتل تحت التعذيب في أحد سجون دمشق. ويقول بندق (54 سنة)، "ناصر كان شخصاً حراً... أريد أن أبارك له الآن، بأن الغرس الذي زرعه هو ورفاقه بدمهم أصبح شجرة".
ويضيف، "أستطيع أن أقول الآن من دون خجل إننا انتقمنا لهم، وحققوا ما أرادوا (...) لم يذهب دمهم سدى، نحن هنا بفضل تضحياتهم".
وبعد كل هذه الأعوام من حكم حزب البعث، يؤكد حسين أن طموحاته هي "كطموحات أي إنسان محترم، نتمنى ازدهاراً وخيراً".