ملخص
مسارات متنوعة للشعر السوري الجديد، حفرها شعراء من أجيال مختلفة، داخل سوريا وفي المنفى، منذ اندلاع الثورة عام 2011، حتى سقوط نظام الأسد اخيرا. وعلى اختلاف هؤلاء الشعراء في أساليبهم ومعالجاتهم، فإنهم قدموا معاً في منجزاتهم الفردية المستقلة، وعبر تشكلاتهم وتجمعاتهم غير الرسمية، تجارب إبداعية، ذات اهتمامات مشتركة وملامح خاصة في التعبير واللغة.
تأتي حركة الشعر السوري الجديد المواكبة للثورة بمثابة متنفس مغاير، متحررة من ربقة السلطة على المستويات كافة، في رؤاها وتوجهاتها وصيغها ومضمونها المناوئ للسياسات الحاكمة، وفي انعتاق شعرائها أيضاً بطبيعة الحال، من النشر المؤسسي في الاتحادات والهيئات الرسمية التابعة للدولة. فهم ينشرون أعمالهم في الدور الخاصة غير الحكومية، أو خارج البلاد، ويديرون أنشطتهم بصورة ذاتية أو من خلال الكيانات والتكتلات البديلة، مثل اتحاد الكتاب والأدباء السوريين الأحرار، ورابطة الكتاب السوريين، والمواقع والصفحات الإلكترونية الكثيرة التي تشكل واقعاً موازياً.
على مدى 13 عاماً تعانقت إسهامات شعراء الداخل السوري، والخارج/ المنفى، لتنتج منظومة إبداعية تتعاطى بجسارة، مع الحراك الأرضي ومستجدات الواقع، وتتقصى مواقف السوريين من بلادهم وأنفسهم، ونظرة العالم إليهم. وتأتي قصائد هؤلاء الشعراء، قريبة من قضيتها وأناسها وبيئتها التي تنبع منها، فهي جوقة أنفاس ملتهبة، مشحونة بمآسي الحرب والقتل والسجن والتهجير والتشريد، وممسوسة بالتعطش إلى الحرية والحب والعيش الكريم. وهي، في الوقت نفسه، ذات نزعة إنسانية وفلسفية عميقة، إذ توسع مفهوم الجرح المحلي لتجعله شأناً عاماً، يخص كل مكان وزمان. هنا استطلاع لآراء مجموعة من الشعراء السوريين الذين رافقوا الثورة وكتبوا من قلبها وفي صميمها.
نوري الجراح: تخليد الطرواديين العصريين
"ما من مخلوق رأى حزن الشجرة، إلا وحمل النار بعيداً عن الغابة/ لكن مسوخاً ولدتهم أمهاتهم في جرار سوداء/ نزلوا إلى المدن، وأضرموا النار في الأسرة". هي الحرائق الملعونة في دمشق، التي تستهدف البشر والنهر والنهار والأشجار، إذ "لا حرب في طروادة"، بحد عنوان مجموعة الشاعر نوري الجراح، المقيم في لندن.
دواوين نوري الجراح الصادرة بعد 2011، ومنها "يوم قابيل والأيام السبعة" و"يأس نوح" و"قارب إلى ليسبوس" و"نهر على صليب" و"لا حرب في طروادة" و"فتيان دمشقيون في نزهة"، تستوعب ليس فقط المشاهد المباشرة للثورة السورية، وثورات الربيع العربي، وإنما تنفذ بطابعها الملحمي وروحها التأملية الفلسفية إلى ما سرده التاريخ، وما روته الأساطير، وما سجلته الحضارات الإغريقية والفرعونية والفينيقية والسومرية والآشورية والبابلية والكنعانية والعربية وغيرها.
هو ناسج تراجيديا إنسانية كبرى من لحم الحالة السورية التي باتت أسطورة بحد ذاتها، تستحق التخليد. هو يقرأ أرضه القريبة جاعلاً منها أرضاً كونية لمواجهة البطش والعنف والقمع، فلا أرض سواها، حتى وإن نبضت يده الهامدة في أرض أخرى، في المنفى البعيد. وهو يعتني كثيراً بالملحمي، وفق حديثه إلى "اندبندنت عربية"، من أجل مضاهاة واقع عصي على التعريف، ومقاربة مأسوية ما يحدث للناس الذين ينتمي إليهم "أولئك الذين هدم الطغيان أرضهم، وأحالهم بحروبه المهولة إلى أمة ممزقة، فباتوا طرواديي العصر الهائمين على وجوههم في البحر واليابسة، وفي أربع جهات الأرض، في عالم مخطوف العقل ومعطوب القلب وميت الضمير".
تحركت قصائد نوري الجراح وعينها على أن "توازي تحرك السوريين، منتفضين على نظام عسكري متوحش ومبتذل، ظن أنه محصن من الثورات، معتداً بجبروته. نظام أقام للناس كهفاً مظلماً يخيم عليه الصمت وينتشر فيه الرعب".
ولأن قصيدة نوري الجراح منحازة إلى الثورة على الأرض، فهي لا يمكنها إلا أن تكون قصيدة ثورية في أبجدياتها الفنية، فهي هادفة دائماً إلى كسر آفاق التوقع، وخلخلة حواس التلقي وإحداث الدهشة، برؤيتها المدعومة بالمعرفة، وبنيتها الجدلية والدائرية والسردية والحوارية، وتعدد مستوياتها بين الغنائية والدرامية والملحمية والأنا المتشظية. وبحد تعبيره "لا قصيدة من دون مواجهة شرسة مع اللغة، تعكس طبيعة علاقة الشاعر بذاته وبالعالم، ومن دون شيفرة وراثية، وأسرار تتخلل الصياغات والتراكيب والإيقاعات والموضوعات، وتتسلل إلى التأملات والهواجس والانفعالات والتهيؤات والمواقف".
رشا عمران: تحول شعري لافت
"ثقلت حتى صرت التراب ذاته، التراب الجاف ذاته، التراب المالح ذاته، وهو يحاول أن يلملم بقايا دمشق، التي هوت عن أحضاننا، وتمزقت كالورق". تنفتح تجربة الشاعرة رشا عمران، المقيمة في القاهرة، على الثورة السورية المتأججة، وتوجعات الاغتراب والوحدة في ليل التمزقات والجفاف، الذي لم يكن يقوى على أن يزيله إلا شعاع التحرر.
وترى صاحبة "التي سكنت البيت قبلي" و"بانوراما الموت والوحشة" و"زوجة سرية للغياب" في حديثها لـ"اندبندنت عربية" أن هناك تحولات شعرية لافتة أنجزها تيار الشعر السوري الجديد منذ عام 2011، بشقيه الداخلي (في الميدان) والخارجي (في المنفى). ومن أبرز ملامح هذا التيار الجديد "استخدام الشعراء لغة أكثر بساطة في التعبير عن يوميات الحرب والمنفى. هذه اللغة لم يعرفها الشعر السوري من قبل، إذ تتخفف كثيراً من المجازات، وتقترب من مناخات رواد المنصات الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي. لغة تسكنها المفردات الصريحة المعبرة عن المشهد: الموت، القتل، الدماء، القذائف، الرصاصات".
وشعراء هذا التيار الثوري السوري، خصوصاً الشباب، وفق رشا عمران "يمتلكون خيالات جديدة مبتكرة في رؤيتهم العالم، وفهمه، وإدراك مكان السوريين من العالم، ونظرة العالم إليهم. وذهبت نصوص الشعراء إلى الاختزال والتكثيف، والتركيز على جوهر المحنة، والتحلل من الاستغراقات والاستعراضات البيانية لمصلحة الأفكار والمعاني والدفقة الشعورية الحادة لحظة الكتابة".
وتوضح الشاعرة السورية أن من أهم مكاسب تيار الشعر الثوري "أن الشعر لم يعد نخبوياً مثلما كانت الحال مثلاً لدى الشعراء السوريين في أعقاب 1967، حين عبروا عن الهزيمة باللجوء إلى الأقنعة والإسقاطات. فلقد صار الشعر الجديد، المكتوب في الميدان، أرضياً بامتياز، نابعاً من ذات الشاعر ونفسه، ومتوجهاً إلى ذوات الآخرين القريبين ونفوسهم، وصارت الكتابة نوعاً من الشفاء من آثار القتل المادي والمعنوي. وبدا الشعر المكتوب في المنفى أيضاً مختلفاً عما كان يكتبه شعراء المهجر في القرن الماضي، لأن الذين تركوا سوريا هاجروا مضطرين، من دون خيار، وبلا رغبة، فافترستهم العزلة، وألم بهم الإحساس بالقهر والعجز".
مرام المصري: الحرية تصل عارية
"تصل عارية، الحرية، إلى جبال سوريا وسفوحها/ وفي مخيمات اللاجئين/ أقدامها تنغرس في الوحل/ أيديها تتشقق من البرد، والتعذيب/ ولكنها تتقدم". توازن الشاعرة مرام المصري، المقيمة في باريس بين تفاعلها المباشر بالكتابة الشعرية عن تفجرات الحالة السورية الثورية، واهتمامها بتجارب الشعراء السوريين في كل مكان، تلك التجارب التي دققتها وجمعتها في أنثولوجيا من إعدادها بعنوان "الحب في زمن الحرب"، وترجمتها إلى الفرنسية.
وفي كتابتها الذاتية وانتقاءاتها نصوص الشعراء الآخرين تراهن مرام المصري على الجرأة والمشاكسة، معتبرة أن تحرير الذات والجسد وجه من وجوه الحرية المنشودة للوطن، وأن الإصرار على الحب هو إصرار على الخلاص من الحرب وشرورها، وبلوغ الأمل في عالم يصير أكثر نبلاً وجمالاً.
وتوضح مرام المصري لـ"اندبندنت عربية" أنها اكتشفت من خلال بحثها أن الشعر السوري الجديد حاضر بصورة فعالة، وأن الثورة فجرت الخيال الحسي لدى الشعراء، وأفرزت تياراً يحكي عن الحرب وعن الحياة معاً، ويستحضر الحب أيضاً في مفردات جديدة. وهكذا "لم تعد القصيدة مصطنعة، بل اتجهت بكل لقطاتها إلى الواقع لترسمه، وإلى المكان والجغرافيا لتظللهما بفيئها الإنساني والفني".
وتصف الشاعرة السورية قصائد التيار الثوري بأنها قطرات الدماء والدموع التي نزفها الشعراء. فالشعر "تعويذة للتطهر مما كابده الشعب من ظلم وألم وعذاب، والشعر صديق الإنسان الذي لا يخيب ظنه أبداً، والشعراء يتجهون بقلوبهم ونصوصهم نحو النور كعباد الشمس". وتضيف مرام المصري "آمن هؤلاء الشعراء بأن لديهم واجباً تجاه أرضهم، وأن عليهم حفظ كل ما يجري في هذه اللحظات الحاسمة. فلتتسع قصائدهم المقبلة للفرح، فلقد وصلت الحرية، وكان الثمن غالياً".
زياد عبدالله: تجارب منفردة
"نحن خائفون، أما أنتم فلا! فما رأيكم بأن نقتلكم قبل أن تقتلونا؟". الشاعر والروائي زياد عبدالله، هو مؤسس حركة "أوكسجين" الإلكترونية الإبداعية، كفضاء للتجريب ومنصة للمهمشين. وإلى هذه التجربة يعزى توفير متنفس جديد للإبداع الحر المتمرد، وتعزيز حضور الشعراء السوريين الثوريين والمغامرين خلال الأعوام الماضية، إذ تطمح كثافة الأحلام إلى تلبية متطلبات الشارع السوري والعربي المحتج غضباً، والتخلص من كثافة الواقع الكابوسي الخانق.
وعن ملامح الشعر السوري المنغمس في تجليات الثورة السورية، يوضح زياد عبدالله لـ"اندبندنت عربية" أنه "يمكن الحديث عن تجربة الشاعر نوري الجراح ورسوخها وتراميها، ومنعطفها الكبير نحو الميثولوجيا والتاريخ السوري بعد الثورة السورية والتراجيديا السورية. ويمكن التوقف عند تجارب قيمة، مثل تجربة الشاعر منذر مصري، التي لها نسقها ومقترحها وخصوصيتها. وتحضر أيضاً في هذا السياق أسماء شعراء وشاعرات يمكن وصفها بالتجارب المميزة أو الجميلة".
ويتصور زياد عبدالله أن الشعر كائن بطيء وهش، له أن يحبو، بينما كل ما حوله متسارع ودراماتيكي. ويرى أن النطاق الزمني لبلورة تيار للشعر السوري الثوري هو زمن قليل بمقاييس الشعر، إذ لا يتجاوز 13 عاماً، ويقول "كلي قناعة بأن المعطيات والمتغيرات والمنعطفات التاريخية لم تعد تفضي إلى تيارات شعرية أو فنية جديدة في زمننا هذا، كما حصل في أوروبا بعد الحرب العالمية الأولى كمثال. ولم يكن ذلك من مشاغل الثوريين، إذ إن شعراء كثراً تركوا الشعر وأصبحوا ناشطين أو معلقين سياسيين. وربما هناك أصوات منفردة، أصدرت مجموعات شعرية متصلة بالحدث السوري، وهي في الغالب من الشتات السوري، ولكنها لا تقدم مقترحاً جمالياً متكاملاً وجديداً في قصيدة النثر السورية".
بسمة شيخو: الحراك النشط
"سأغني، حتى نتصالح مع الزمن، نكف عن لعنه، ويكف عن إتلافنا". الشاعرة بسمة شيخو، التي تتحدى العطب والزوال في ديوانها "شهقة ضوء"، ترى أن الثورة السورية التي انطلقت عام 2011، كان لها أثر عميق في حياة الناس، على صعد مختلفة، ولا يستثنى الشعر من ذلك، بل يتصدر القائمة. ولذا، فمن المهم محاولة الإحاطة بالتغيرات التي طرأت عليه، لتأطير المسار الشعري الذي نشأ خلال الثورة بما يخالف السائد من قبل.
لقد تجاوب الشعر السوري مع الحراك الثوري النشط، وفق بسمة شيخو، من ناحية المواضيع. أما الشكل الشعري فلم يتأثر كثيراً. وتقول الشاعرة السورية في تصريحها "جاء تناول المواضيع وفق أربعة محاور أساس، داخلها أصوات شعرية مكرسة، وأخرى جديدة برزت خلال الثورة. فهناك، أولاً، من استجاب بصورة كاملة، لتكون رد فعله واضحة وعنيفة، ولا يترك بشعره مجالاً للتأويلات. فالكلمات مباشرة، والأمور مسماة بأسمائها. وإن حوت القصيدة رموزاً فهي واضحة بسيطة، تجعله تحت المساءلة. لذا اضطر إلى مغادرة سوريا، وصار يكتب عن الأحداث كمراقب خارجي، مستعيداً ما عاصره قبل خروجه، وكاتباً ما يعيشه من منفاه كلاجئ. وبذلك، أدخل موضوعاً جديداً تحت العنوان العريض: الثورة".
وفي المحور الثاني، تضيف "هناك من كتب عن الثورة والبلاد وأحوال الناس، ولكنه اعتمد على الإزاحة التي تفرضها ثقافة الخوف. فهو يكتب كلمة ويقصد أخرى، تاركاً مدلولها الراسخ في الذاكرة الجمعية للمجتمع، معتمداً على ثقافة المتلقي وتحليله. وقصائد هذا المحور مليئة بالرموز والشيفرات، التي وإن فهمت بصورة صحيحة من قبل النظام السابق، لن تكون دليلاً واضحاً، فهي تثير الشكوك حوله لا أكثر. وهذا المحور هو الصورة الأصدق للشعر السوري الذي أفرزته الثورة، لأنه كتب من معاينة التجربة والالتصاق بالمحيط".
أما المحور الثالث، تستطرد الشاعرة السورية، فهو "لمن امتطى صهوة الثورة في الخارج من أنصاف المواهب، وتاجر بمعاناته على المنابر، وبهذا حاز اهتمام بلاد اللجوء ومؤسساتها الثقافية، وبوجوده شوش على شعراء سوريا في المحورين السابقين". أما المحور الأخير، فهم "شعراء البلاط، وشعراء الطائفة، ممن يمجدون الطاغية وانتصاراته الوهمية، ولذا يسافرون في وفوده، ويتصدرون مهرجاناته، ويظهرون على شاشات قنواته طوال الوقت. وموقفهم يجعلنا لا ننشغل كثيراً بما يكتبونه من شعر".
وهناك خارج هذه المحاور "شعراء لا يعنيهم ما يحصل في أبراجهم العاجية، فيكون شعرهم ذاتياً بعيداً عما يلتصق بظروف الثورة والحرب من معاناة، ومواضيعهم لا تخرج عن الجمال والغزل والوصف، وربما من الأنسب أن يكون هؤلاء محوراً شعرياً ثابتاً، لا يتغير وفق تغير المعطيات".
خلود شرف: اتجاهات منفلتة
"سؤال يسيل من فزاعاتنا/ كثيف هذا الليل، بخيوط رعبنا، مسفوك بالظلام". كواحدة من الشاعرات والشعراء الشباب، الذين آمنوا بالثورية، واحتضنتهم دور النشر المستقلة الجريئة، قدمت الشاعرة خلود شرف مجموعتها "رفات فراشة" عن "دار التكوين" السورية، مراهنة على قيم الجمال والحرية والانفلات التي لا تبلى.
وتشير الشاعرة السورية، المقيمة في فيينا، إلى أنه برز في الشعر الثوري السوري تنوع الاتجاهات الشعرية، على صعيد الداخل السوري، والمنفى. وقد "توزعت هذه التمظهرات بين قضايا الجسد والحرية والقتال اليومي من أجل الكرامة ولقمة العيش. ومن السمات البارزة التي تميز بها شعر الثورة: التيار النسائي، الذي كان جريئاً وصريحاً في تناول موضوعات الجسد والحرية، مع سعيه إلى خلق عالم يعكس الصراع اليومي للمرأة السورية في مواجهة القمع المجتمعي والسياسي. وهذا التيار يفضح النظام المستبد والمجتمع الذي يسعى إلى تأطير المرأة ضمن حدود الأخلاق العرفية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومن ناحية أخرى، كما تصرح الشاعرة السورية لـ"اندبندنت عربية"، فقد "شهدت الثورة أيضاً ظهور تيار شعري يعبر عن الحياة اليومية ومشاعر النضال ضد الجوع والفقر، بطريقة ساخرة ومتحدية. كما ظهرت القصيدة المحكية باللهجات المحلية، وتميزت بقدرتها على تحفيز المتظاهرين، وتفعيل روح المقاومة في التظاهرات السلمية التي رفعت المتظاهرين على الأكتاف بينما غنوا الشعر الذي ارتجلوه".
وتستطرد صاحبة "هجرة السلمون" و"من أنا" و"يوميات لا شأن لي بها"، قائلة "لعلني في تجربتي أنتمي إلى تيار المرأة وتفعيل الذاكرة الجمعية، مستحضرة الأساطير والرموز القديمة لتحريك الحاضر وتقديم صورة عن الحرب التي لا يمكن أن تطغى على قيم الجمال والحرية".
أصوات متحققة
وتبقى الإشارة إلى أن هذه التموجات الخصيبة كلها، بأجيالها وأسمائها وأطيافها المتنوعة، هي أمثلة دالة على فضاء حافل بالثورية الشعرية، في داخل سوريا وخارجها، على مدى 13 عاماً من التخليق الابتكاري المتفجر بالبارود والأخيلة والكلمات. ولا تتسع مساحة محدودة بطبيعة الحال للتوقف عند عشرات التجارب الباذخة الزاخمة، التي احتضنت الاشتعالات السورية في مهدها، وكبرت معها يوماً بعد يوم.
ومن أصحاب هذه التجارب، التي لا يمكن إغفالها، الشاعر علي سفر في "الفهرس السوري"، و"يوميات ميكانيكية ـ يوميات على هامش الحريق السوري"، والشاعرة هالا محمد في "قالت الفراشة" و"أعرني النافذة يا غريب" المهداة إلى السوريين في الشتات، والشاعر منذر مصري في "لمن العالم؟ وسيرة مشبوهة أخرى"، والشاعر عماد الدين موسى في "الطفل الذي في قلبي" و"حياتي زورق مثقوب" و"كسماء أخيرة" و"أن تتعطر بقليل من البارود"، والشاعرة نور طلال نصرة في "جدران عازلة للصوت"، و"بريق من مروا من هنا" للشاعر حسين درويش وغيرهم من الأصوات المتحققة والمؤثرة.