Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الوضع الجديد... والخطير في الشرق الأوسط

إيران وإسرائيل والتوازن الهش وسط الفوضى

بحث في الأنقاض بعد غارة إسرائيلية على صور، لبنان، نوفمبر 2024 (رويترز)

ملخص

استغل المرشد الإيراني علي خامنئي تداعيات هجوم 7 أكتوبر لتعزيز خطابه الداعي إلى "زوال إسرائيل". ومع تصاعد التوترات بين إيران وإسرائيل، تتزايد المخاوف من اندلاع مواجهة شاملة، خصوصاً في ظل تبادلات عسكرية مباشرة وتنامي التصريحات العدائية بين الطرفين. هذا التصعيد يجري في سياق تطورات إقليمية ودولية تعيد رسم توازن القوى في المنطقة، مما ينذر بجرّ المنطقة والعالم إلى أزمات أكثر عمقاً وتعقيداً.

في الثالث من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، ألقى المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي خطاباً أمام حشد كبير من المسؤولين الحكوميين والزوار الدوليين في طهران. ومع اقتراب كلمته من نهايتها، انتقل خامنئي إلى الحديث عن إسرائيل، عدو الجمهورية الإسلامية اللدود. مستشهداً بآية من القرآن الكريم، أصر خامنئي على أن الدولة اليهودية "ستموت بغضبها". وذكَّر الحضور بأن مؤسس النظام الإيراني الثيوقراطي، روح الله الخميني، وصف إسرائيل بالسرطان. وأنهى خطابه بتوقعٍ قال فيه: "هذا السرطان سيُستأصل بالتأكيد، بإذن الله، على يد الشعب الفلسطيني وقوى المقاومة في جميع أنحاء المنطقة".

بعد أربعة أيام، دوت صفارات الإنذار عند إطلاق صواريخ من غزة باتجاه جنوب إسرائيل. وبعد ذلك اندفع أكثر من 1000 مسلح فلسطيني ليخترقوا الحواجز الحدودية باستخدام دراجات نارية، سيارات جيب، قوارب بحرية، ومظلات من الجو. وفي أقل من 24 ساعة، قتل المسلحون 1180 إسرائيلياً وأسروا 251 آخرين. كانت هذه المذبحة، التي ارتكبتها "حماس" وغيرها من الفصائل الفلسطينية، أكثر أعمال العنف دمويةً ضد اليهود منذ الهولوكوست، وأدت إلى رد عسكري إسرائيلي عنيف قضى على قيادة "حماس" وأباد آلافاً من مقاتليها، وأسفر أيضاً عن مقتل عشرات الآلاف من المدنيين الفلسطينيين وتدمير البنية التحتية في غزة.

وعلى رغم أن طهران لم تشارك بشكل مباشر في هجوم السابع من أكتوبر، إلا أن قادة إيران كانوا متحمسين لاستغلال تداعياته على أمل تحقيق نبوءة خامنئي. في البداية، دخلت إيران الحرب باتباع أسلوبها المعروف المتمثل في التظاهر دبلوماسياً أنها ضد التصعيد بينما كانت تحشد ميليشياتها بالوكالة لشن هجمات على إسرائيل. ولكن في الثالث عشر من أبريل (نيسان)، غير القادة الإيرانيون مسارهم، فأطلقوا وابلاً هائلاً من الصواريخ والطائرات المسيرة على إسرائيل، وهو الهجوم الأول من نوعه من الأراضي الإيرانية مباشرة على الأراضي الإسرائيلية.

نجحت إسرائيل بشكل مذهل في العمل مع الولايات المتحدة وشركائها العرب لصد تلك الضربات. ثم ردت على إيران ووكلائها من دون أن تؤدي إلى إثارة مزيد من الهجمات، واحتوت التصعيد. كما أن سقوط نظام بشار الأسد في سوريا عزز من التفوق الإسرائيلي على إيران. ومع ذلك، يشير التاريخ إلى أن الجمهورية الإسلامية من غير المرجح أن تستسلم بسهولة. وفي المقابل، فإن تحويل الصراع العسكري المباشر بين إيران وإسرائيل إلى أمر طبيعي يمثّل تحولاً جذرياً مزلزلاً يخلق توازناً غير مستقر على الإطلاق. ومن خلال خفض عتبة تنفيذ الهجمات المباشرة، أدت المواجهات المتبادلة إلى زيادة احتمالات نشوب حرب شاملة بين الدولتين الأقوى في الشرق الأوسط، وهي حرب قد تجر الولايات المتحدة إلى التورط فيها وتترك أثراً مدمراً على المنطقة والاقتصاد العالمي. وحتى لو لم تندلع مثل هذه الحرب، قد تسعى إيران الضعيفة إلى حماية نفسها من خلال الحصول على سلاح نووي، مما قد يؤدي إلى موجة انتشار أوسع للأسلحة النووية. وبالتالي، سيكون منع حدوث هذا المستقبل تحدياً أساسياً للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، الذي يجب أن يستغل ميله إلى إحداث تغييرات غير تقليدية لإبرام اتفاق إقليمي.

قوة صاعدة

لم تكن إيران وإسرائيل دوماً عدوّين لدودين. ففي عهد محمد رضا شاه بهلوي، الشاه الذي حكم إيران لعقود من الزمان حتى ثورة عام 1979، عملت طهران على إقامة علاقة أمنية واقتصادية تعاونية ومفيدة للطرفين مع الدولة اليهودية. من جانبهم، سعى القادة الإسرائيليون إلى كسب ود إيران من أجل تخفيف عزلتهم الدولية ومواجهة عداء جيرانهم العرب.

لكن الثورة الإيرانية قلبت تلك العلاقة رأساً على عقب، إذ إن حكام إيران الجدد، رجال الدين الشيعة، احتقروا إسرائيل بشدة. بل إن بعضهم، المتأثرين بنظريات المؤامرة المعادية للسامية، اعتبروا إسرائيل دولة معتدية كافرة. (في الواقع، كانت العلاقات بين الشاه وإسرائيل واحدة من العوامل التي ساعدت في تأجيج المعارضة الدينية ضد حكمه). وقبل الثورة، في خطبة شهيرة ألقاها في عام 1963 أدت إلى نفيه من إيران، ندد الخميني بإسرائيل باعتبارها عدواً للإسلام والطبقة الدينية الإيرانية. واستمر في تضمين مواضيع مماثلة في جميع خطاباته بعد أن أوصلته الثورة إلى منصب رئيس الدولة.

في ظل قيادة الخميني، دمجت الجمهورية الإسلامية هذه العداوة الأيديولوجية العميقة تجاه إسرائيل مع عزمها على تقويض النظام الإقليمي ومساعدة الشعوب المضطهدة، وبخاصة الفلسطينيين. وبدأت طهران عمليتها هذه بالتدخل في لبنان، الذي كان غارقاً في أتون حربه الأهلية الطويلة عندما أصبحت إيران دولة ثيوقراطية. بعد غزو إسرائيل للبنان في عام 1982، قدّمت إيران لمجموعات شيعية لبنانية مثل "حزب الله" المساعدات العسكرية والفنية، وساعدت في تطوير نموذج يُرهب أعداءها من خلال العمليات الانتحارية والاغتيالات واختطاف الرهائن. إضافة إلى ذلك، بدأت طهران في مناصرة القضية الفلسطينية كوسيلة لكسب قلوب وعقول عديد من المسلمين السنة في الشرق الأوسط، الذين لم يكن لديهم سبب آخر للتحالف مع نظام شيعي أصولي.

في البداية سعت إسرائيل، المعتادة على التعامل مع الشاه، إلى إقامة علاقات سرية مع الدولة الثورية الإيرانية واعتبرتها ظاهرة غير مستقرة وموقتة، بل إن المسؤولين الإسرائيليين حافظوا حتى على خط إمداد كبير للأسلحة إلى طهران بعد غزو الرئيس العراقي صدام حسين لإيران في عام 1980، على أمل تقوية الزعماء الإيرانيين المعتدلين وإطالة أمد الصراع ضد بغداد. (كان الإسرائيليون يعتبرون العراق تهديداً أكثر خطورة). لكن هذه المحاولة انتهت بشكل سيئ بعد تدخل المسؤولين الأميركيين، الذين سعوا إلى استغلال مبيعات الأسلحة الأميركية إلى طهران، بما في ذلك الأسلحة التي تبيعها إسرائيل، لحث طهران على مساعدتهم في تحرير الرهائن الأميركيين في الشرق الأوسط وتمويل المتمردين الكونترا في نيكاراغوا بشكل سري. وكانت النتيجة فضيحة محرجة لإدارة ريغان وتشدداً إضافياً للنظام الثوري في إيران. على هذا النحو، ساعدت فضيحة إيران كونترا في القضاء على أي أوهام إسرائيلية بأن إيران الثورية كانت ظاهرة موقتة أو لا تشكل تهديداً.

لم تكن إيران وإسرائيل عدوين لدودين على الدوام

 

في المقابل، منحت نهاية الحرب الإيرانية - العراقية في عام 1988 إيران القدرة على تحدي إسرائيل بشكل أكثر جدية. وربما تكون الجمهورية الإسلامية قد خرجت من ذلك الصراع متضررة وفقيرة، لكن القتال ساعد النظام الديني في ترسيخ قبضته على السلطة. كما أن ذلك كان يعني أن الجيش الإيراني كان بحاجة إلى تحديد مهمة جديدة. وحتى بينما كان الإسرائيليون والفلسطينيون يتخذون خطوات مترددة نحو تسوية النزاع وحل الدولتين في تسعينيات القرن العشرين، وسّعت طهران استثماراتها في المعارضة العنيفة لعملية السلام ولإسرائيل بشكل عام، وعجّلت في إحياء البرنامج النووي الإيراني الذي كان قائماً قبل الثورة.

وعززت الأحداث التي شهدها العقد التالي من قوة النظام الإيراني. فقد أسقطت التدخلات العسكرية الأميركية في أفغانستان والعراق، اثنين من أبرز خصوم طهران، هما "طالبان" وصدام حسين، مما أعطى إيران مساحة أكبر للمناورة. وهذه العمليات الأميركية زادت من حالة جنون الارتياب في طهران بشأن محاولة واشنطن شل الجمهورية الإسلامية، الأمر الذي أدى إلى إشعال عزيمة النظام على طرد القوات الأميركية من المنطقة. وكانت النتيجة أن إيران أصبحت أكثر قدرة واستعداداً لتسليح شبكتها من الوكلاء، بما في ذلك من خلال تزويد المقاتلين الفلسطينيين بالأسلحة.

خلال الفترة ذاتها، بدأت طموحات إيران النووية تتضح بكامل نطاقها. في عام 2002، كشفت إحدى جماعات المعارضة الإيرانية عن مواقع نووية لم يُعلن عنها من قبل، كانت مخصصة لإنتاج وقود يمكن استخدامه لصنع الأسلحة، مما يُعدّ انتهاكاً لالتزامات طهران بموجب معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية. بالنسبة إلى إسرائيل وروسيا والولايات المتحدة والقوى الكبرى الأخرى، أكدت هذه الاكتشافات أن النظام الثيوقراطي كان يطور البنية التحتية للحصول على أسلحة نووية وربما نقلها إلى وكلائه وشركائه. في نهاية المطاف، أحالت الوكالة الدولية للطاقة الذرية القضية إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، مما أدى إلى فرض مجموعة غير مسبوقة من العقوبات الاقتصادية المتعددة الجنسيات على إيران.

وقد أثرت هذه القيود على موارد طهران المالية، لكنها لم تعطل صعودها الإقليمي الذي عززه الربيع العربي في عامي 2010 و2011. في البداية، شكّل انتشار الثورات والحروب الأهلية في الشرق الأوسط تحدياً للجمهورية الإسلامية، بخاصة عندما هددت الاضطرابات أحد أهم شركائها، بشار الأسد. ولكن بمساعدة "حزب الله" وروسيا، تمكنت إيران من دعم الأسد لأكثر من عقد من الزمان. ومن خلال تحسين موقعها في سوريا، استطاعت طهران أيضاً ضمان بقاء "حزب الله" القوة المهيمنة في لبنان، وتوسيع ترسانته من الصواريخ والقذائف الموجهة الدقيقة والوسائل اللازمة لإنتاجها. كما استغلت إيران الفوضى الإقليمية المتزايدة، مثل الحرب الأهلية في اليمن، لتوسيع نطاق نفوذها وتعزيز قدرات شركائها. بحلول نهاية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، كانت طهران قد طورت قدرتها على إظهار قوتها في جميع أنحاء الشرق الأوسط وتنسيق شبكتها من الميليشيات.

اللعب بالنار

راقبت إسرائيل بحذر نمو قدرات إيران. ولكن على مدى سنوات، وعلى رغم تهديدات عدة، تجنبت مهاجمة البلاد بشكل مباشر. ونجحت إدارة أوباما في ثني رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن شن ضربات على البرنامج النووي الإيراني في عام 2012. وفي وقت لاحق، وقعت طهران وواشنطن وخمس قوى عالمية أخرى اتفاقاً للحد من البرنامج النووي الإيراني في عام 2015، على رغم الضغوط الشرسة التي مارسها الزعماء الإسرائيليون.

وعوضاً عن اللجوء إلى العمل العسكري المباشر، اكتفت إسرائيل ببدائل مبتكرة وفعالة نسبياً. فمن خلال العمليات السرية والهجمات الإلكترونية، وكذلك تخريب منشآت نووية إيرانية رئيسة. كما اغتالت علماء نوويين وضباطاً عسكريين، وسرقت سجلات أرشيفية أظهرت الحجم الحقيقي للأنشطة النووية الإيرانية، التي حاول النظام إخفاءها. ولعل الأمر الأكثر أهمية هو أن إسرائيل أنشأت شبكة استخبارات قوية أبقت النظام الإيراني في حالة من الارتباك.

علاوة على ذلك، سعت إسرائيل إلى زيادة الضغط على إيران من خلال مهاجمة حلفاء طهران بشكل مباشر وضرب مواردها خارج البلاد. وما بدأ في عام 2013 كقصف انتهازي محدود لخطوط إمداد "حزب الله" داخل سوريا، تحوّل بحلول عام 2017 إلى حملة عسكرية منهجية ضد أصول إيران ووكلائها في جميع أنحاء المنطقة. وقد حققت هذه الحملة نجاحات كبيرة، بما في ذلك سلسلة من الضربات في صيف 2019 استهدفت مستودعات أسلحة إيرانية في العراق، ومنشآت إنتاج صواريخ في لبنان، ومقاتلين مدعومين من إيران في سوريا. ولكن من خلال البقاء ما دون العتبة التي قد تثير رداً انتقامياً إيرانياً، فشلت إسرائيل في إلحاق هزائم حاسمة ضد "حزب الله" أو إيران.

وتزامن تصعيد إسرائيل في إيران وسوريا مع ولاية ترمب الأولى، إذ تبنت واشنطن موقفاً أكثر قسوة تجاه الجمهورية الإسلامية. فانسحب ترمب من الاتفاق النووي الإيراني في عام 2018 وفرض ما سماه عقوبات "الضغط الأقصى" الاقتصادية على إيران، على أمل انتزاع تنازلات بعيدة المدى. ويقدّم ردّ إيران مثالاً على حساباتها الحذرة. ففي العام الأول من تلك العقوبات، أظهر القادة الإيرانيون ضبطاً للنفس بشكل ملحوظ، لكنهم سرعان ما غيروا استراتيجيتهم بشكل جذري وشنوا سلسلة من الهجمات المضادة، بما في ذلك الهجمات على سفن الشحن في الخليج العربي ومنشآت النفط السعودية. لم يكن هذا عنفاً عشوائياً عبثياً: فقد كان القادة الإيرانيون يأملون في أن تغير المواجهة حسابات واشنطن بشأن الكلفة والفائدة وتدفعها لإنهاء عقوبات "الضغط الأقصى". لم ينجحوا في ذلك، ولكن من وجهة نظر طهران، هذه المناورة لم تفشل تماماً. فبالنسبة إلى إيران، أفضل وسيلة للدفاع غالباً ما تكون الهجوم الجيد، وأظهرت أفعالها العدوانية للعالم أن النظام مستعد لفرض تكاليف حقيقية على الدول التي تتحداه.

 

وتكشف التبادلات الأخيرة للضربات بين إيران وإسرائيل عن منطق مشابه، إذ إنها دفعت الحرب بين الدولتين إلى مرحلة جديدة. فبعد أن قصفت إسرائيل مبنى ملحق بالسفارة الإيرانية في سوريا في أبريل (نيسان)، شنت إيران هجومها المباشر غير المسبوق، فأطلقت أكثر من 350 صاروخاً باليستياً وصواريخ كروز وطائرات مسيرة مباشرةً على عدوها. كان هذا الهجوم، على غرار الهجمات السابقة، محسوباً ومصمماً بوضوح لإيصال رسالة. فإيران، قبل كل شيء، كانت قد أبلغت عنه قبل وقت طويل من تنفيذه. وتمكنت إسرائيل من صد القصف الإيراني بفضل المساعدة الكبيرة من الدول العربية المجاورة. لكن وابل الصواريخ والطائرات المسيّرة المنسق لم يكن مجرد استعراض. فقد أشار الرائد بنيامين كوفي، أحد طياري سلاح الجو الأميركي الذين ساعدوا في إحباط الهجوم الإيراني، إلى أن "هذا لم يكن هجوماً محدود النطاق أو مجرد تصرف استعراضي للتباهي وإبراز القوة، بل كان هجوماً مصمماً لإحداث أضرار كبيرة، وللقتل والتدمير".

لقد تسبب موت الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في حادث طائرة مروحية في مايو (أيار) 2024 في تشتيت انتباه النظام الثيوقراطي لفترة وجيزة، وبدا أن الحادث قد أوقف دوامة التصعيد. ولكن لم يمض وقت طويل قبل أن يعود الصراع ليشتعل مرة أخرى. في أغسطس (آب)، اغتالت إسرائيل الزعيم السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية في دار ضيافة إيرانية تابع للحرس الثوري الإيراني في طهران، بعد ساعات فحسب من لقاء هنية بخامنئي وحضوره مراسم تنصيب الرئيس الجديد للبلاد، مسعود بزشكيان. بعد أقل من شهرين، صعّدت إسرائيل هجماتها على لبنان، فدمّرت عقوداً من الاستثمار الإيراني في "حزب الله" بطريقة مفاجئة ومهينة. وعبر التحكم عن بُعد، فجّرت إسرائيل عبوات صغيرة كانت قد زرعتها سراً في الآلاف من أجهزة البيجر التي يستخدمها عناصر "حزب الله"، مما أدى إلى تعطيل سيطرة الحزب وتحكّمه. ثم قتلت القوات الإسرائيلية تقريباً جميع قادة "حزب الله" البارزين، بمن في ذلك أمينه العام منذ مدة طويلة حسن نصرالله، ودمرت جزءاً كبيراً من أسلحة المجموعة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في الواقع، لم يسفر هذا الهجوم عن إضعاف "حزب الله" فحسب، بل أيضاً إيران. على مدى أكثر من أربعين عاماً، كان "حزب الله" بمثابة الورقة الرابحة لطهران: أول مشروع لها [امتياز لها] ونواة شبكتها الواسعة من الشركاء والوكلاء. وكان الهدف من ترسانة صواريخ الحزب أن تكون خط الدفاع الأول لإيران. وكان شل مثل هذه الأداة الرئيسة، حتى ولو موقتاً، سبباً في تقويض مكانة إيران وقوتها في المنطقة بشكل خطير. وكان فقدان نصرالله مدمراً بشكل خاص لقيادة إيران. فقد عرف نصرالله وخامنئي بعضهما البعض منذ الأيام الأولى لـ"حزب الله". وكان نصر الله يتحدث الفارسية، وعاش لفترة في إيران، وكان الشخصية الرئيسة الوحيدة في المنطقة التي اعتبرت المرشد الأعلى لإيران مرشدها الروحي.

لذلك كان من المتوقع تماماً، وربما من الحتمي، أن تردّ طهران على مقتله باستخدام القوة، مثلما فعلت بإطلاقها وابلاً آخر من الصواريخ في الأول من أكتوبر. ولكن مجدداً، حالَت الاستعدادات والتنسيق بين الولايات المتحدة وإسرائيل دون وقوع ضحايا أو أضرار مادية جسيمة. وبعد فترة قصيرة من الترقب، نفذت إسرائيل مجموعة ماهرة وفعالة من الضربات التي أضعفت بشكل كبير الدفاعات الجوية الإيرانية وبرنامج الصواريخ والطائرات المسيرة إضافة إلى البرنامج النووي، من دون أن تثير أي رد انتقامي. هذه الضربة، إلى جانب الانهيار اللاحق لحكومة الأسد الوحشية، قد دمرت استراتيجية إيران الإقليمية الحالية.

الرغبة في التدمير

في الوقت الحالي، إن الهجمات المباشرة بين إيران وإسرائيل منحت الأخيرة ميزة تفوق واضحة. فقد تراجعت قدرات إيران الدفاعية والهجومية على حد سواء. وتبدو إسرائيل، بعد فشلها الكارثي في السابع من أكتوبر، أقوى من أي وقت مضى. ومن خلال حشد الدول العربية لمساعدتهم في صد الهجوم الإيراني في أبريل، أثبت الإسرائيليون أن الحكومات العربية مستعدة للانضمام إلى الدولة اليهودية في ردع إيران، على رغم التعاطف الكبير مع الفلسطينيين بين الشعوب العربية.

ومع ذلك، تواجه إيران وإسرائيل، والمنطقة ككل، مأزقاً صعباً. فعلى رغم أن إسرائيل حققت انتصاراً كبيراً، إلا أن القادة الإيرانيين والإسرائيليين يعتقدون أن التهديد الذي يشكله الطرف الآخر لا يزال وجودياً وراسخاً. في مواقفهما العامة وخطاباتهما العلنية، تسعى الحكومتان إلى تصوير الطرف الآخر على أنه في وضع حرج. فبعد الضربة الإسرائيلية على إيران في أكتوبر، تباهى نتنياهو قائلاً: " تتمتع إسرائيل اليوم بحرية عمل أكبر في إيران من أي وقت مضى. يمكننا الوصول إلى أي مكان في إيران بحسب الحاجة". أما بالنسبة إلى خامنئي، فإن انتكاسات وكلاء إيران لا تعني شيئاً؛ ووفقاً له، فإن "حماس" و"حزب الله" منتصران بمجرد نجاتهما وصمودهما، وتدمير إسرائيل مجرد مسألة وقت. وقال في أوائل نوفمبر: "سيرى العالم والمنطقة بوضوح اليوم الذي سيُهزم فيه الكيان الصهيوني".

وبالنظر إلى خسائر إيران وهشاشتها المتزايدة في الداخل أخيراً، قد يكون هذا الموقف مجرد تبجح وتظاهر بالشجاعة. وإذا كانت طهران جادة، فقد يكون قادتها يرتكبون خطأً فادحاً في التقدير. ومع ذلك، على مدى السنوات الخمس والأربعين الماضية، نجحت القيادة الإيرانية في تجاوز عديد من النكسات الكبيرة بمرونة مدهشة. وأحد أسرار نجاح النظام هو ميله إلى تبنّي العدوان عند التعرض للضغط، أما الثاني، فهو استعداده للعب سياسة النفس الطويل، من خلال التراجع أو تغيير الاستراتيجية عند الضرورة، واستخدام موارده وعلاقاته المحدودة بشكل مبتكر، والانخراط في هجمات غير متكافئة للتأثير في خصوم أكثر قوة. وقد يفعل ذلك مرة أخرى اليوم.

على مدى أكثر من أربعين عاماً، كان حزب الله بمثابة الورقة الرابحة في يد طهران

 

لنراجع سجل الأحداث. في يناير (كانون الثاني) 2020، اغتالت إدارة ترمب قاسم سليماني، قائد فيلق القدس الإيراني، جناح الحرس الثوري الإسلامي الإيراني المسؤول عن إدارة العلاقات مع حلفاء إيران ووكلائها. بدا الاغتيال في البداية كارثة رمزية وعملياتية لطهران، نظراً للدور الحيوي الذي لعبه سليماني في السياسة الخارجية الإيرانية. ومع ذلك، لم يكن لمقتله تأثير دائم على قوة محور المقاومة الإيراني أو متانته أو كفاءته. وعلى نحو مماثل، عندما قتلت إسرائيل عباس الموسوي، زعيم "حزب الله" آنذاك، عام 1992، مهد ذلك لصعود حسن نصر الله، الذي أثبت أنه خصم أكثر فعالية وفتكاً. وبعد شهر، رد "حزب الله" بتنفيذ تفجير دموي استهدف السفارة الإسرائيلية في الأرجنتين.

في الواقع، تُعتبر تصفية أصول طهران الأكثر قيمة، مثل "حزب الله" ونظام الأسد، خسارة كارثية للجمهورية الإسلامية. لكن إيران الضعيفة لا تعني بالضرورة إيران أقل خطورة. ففي نوفمبر (تشرين الثاني)، أعلن حسين سلامي، قائد الحرس الثوري الإيراني، في رسالة إلى الإسرائيليين: "إيران تحدق في أعينكم وستقاتلكم حتى النهاية". وأضاف: " لن نسمح لكم بالسيطرة على مصير المسلمين. ستتلقون ضربات مؤلمة، استمروا في انتظار الانتقام". قد يبدو هذا التهديد مجرد تهويل إيراني مألوف، إلا أن الافتراض بأن انتكاسة استراتيجية كبيرة ستجعل إيران تستكين وتهدأ سيكون خطأ لا يتماشى مع ما شهدته السوابق التاريخية.

هناك مؤشر آخر على أن إيران قد تتخذ خطوات تصعيدية للتعويض عن نقاط ضعفها الجديدة. لأول مرة منذ عشرين عاماً، بدأت أصوات بارزة داخل البلاد تطالب بتبني خيار السلاح النووي. في الماضي، ألمح عدد من المسؤولين الإيرانيين البارزين، بمن في ذلك وزير خارجية سابق ورئيس سابق لمنظمة الطاقة الذرية الإيرانية، إلى أن إيران تمتلك القدرة على تصنيع سلاح نووي لكنها اختارت عدم القيام بذلك. لكن في نوفمبر 2024، صرح وزير الخارجية الإيراني عباس عرقجي بأن هناك مسؤولين مؤثرين في النظام يرون أن الامتناع عن هذا الخيار يعدّ انهزامياً. علاوة على ذلك، طالب المتشددون في البرلمان الإيراني خامنئي بإعادة النظر في قراره الفقهي الديني الذي يحظر تطوير الأسلحة النووية. وإذا تغيرت قواعد اللعبة بعد أحداث السابع من أكتوبر، فمن المحتمل أن تتغير عقيدة إيران الدفاعية أيضاً. ومن الممكن أن تؤدي عدائية إدارة ترمب، ودعمها لإسرائيل من دون قيود، إلى تسريع جدول إيران الزمني النووي ودفعها إلى تبني التسلح النووي علناً، وهو ما حاولت طهران تجنبه لعقود.

عامل الفوضى

إن إدارة ترمب الثانية ستتولى السلطة عازمة على التعامل بصرامة مع طهران، تماماً مثلما فعلت إدارته الأولى. في الواقع، أعطى فريقه القادم وعوداً بتكثيف الضغوط الاقتصادية على الجمهورية الإسلامية. وحذر الرئيس المنتخب الإيرانيين قائلاً "سأفجر مدنكم الكبرى وأنسف بلادكم نسفاً كاملاً"، إذا سعوا إلى اغتياله، وفق تقارير صادرة عن عديد من وسائل الإعلام.

وفي الوقت نفسه، انتقد مستشار الأمن القومي القادم، مايك والتز، الرئيس جو بايدن لفرضه قيوداً على إسرائيل أثناء مواصلتها حربها في غزة. وخلافاً لإدارة بايدن، قد لا يهتم فريق ترمب كثيراً بالتداعيات المحتملة الناجمة عن المحاولات المستمرة الرامية إلى إضعاف قدرات الحوثيين في اليمن والميليشيات الشيعية في العراق. وإذا كان الأمر كذلك، فقد تتجه المنطقة نحو مزيد من إراقة الدماء. وإذا قررت إسرائيل أو الولايات المتحدة التصعيد في العراق واليمن، فقد يؤدي ذلك إلى زعزعة استقرار العراق ودفع الحوثيين إلى استهداف شركاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، أي الأردن والسعودية والإمارات العربية المتحدة. وهذا من شأنه أن يعقد خطط تقليص وجود القوات الأميركية في العراق تدريجاً ويخلق فراغاً خطيراً في السلطة في قلب العالم العربي، فراغاً قد تسعى طهران وغيرها من المتطرفين إلى استغلاله. وقد يتفاقم الوضع أيضاً بسبب عدم اليقين بشأن مستقبل لبنان وسوريا. ومع ذلك، قد تثبت سياسة ترمب أنها أكثر ذكاء ودقة من نهج المواجهة الثابتة والمستمرة. فبادئ ذي بدء، ستجد الإدارة الجديدة أن الأدوات المتاحة لها أقل فعالية مما كانت عليه عندما استخدمها ترمب خلال ولايته الأولى. على سبيل المثال، نجحت عقوبات الضغط القصوى التي فرضها في خفض صادرات نفط إيران وعائداتها بفضل تعاون الصين، وهو ما قد لا تكون بكين مستعدة لتكراره. كما أن شبكات التهريب التي تسمح للنفط الإيراني بالوصول إلى الصين ازدادت تطوراً، وأصبح من الصعب مواجهتها عبر العقوبات وحدها. علاوة على ذلك، قد يواجه أي إكراه اقتصادي جديد رياحاً معاكسة من حلفاء واشنطن الخليجيين، الذين يفضل قادتهم الآن التعايش مع طهران بدلاً من مواجهتها.

وهناك أيضاً آراء ترمب الخاصة بشأن إيران. فقد أشار الرئيس المنتخب إلى أن أسلوبه الذي يبدو فوضوياً وجنونياً يحمل في طياته منهجية مقصودة، وأنه يرغب في التوصل إلى اتفاق. وخلال حملته الانتخابية في عام 2024، نفى ترمب دعمه لتغيير النظام وأعلن أنه يريد لإيران "أن تكون دولة ناجحة للغاية". وقد ألمح أخيراً إلى أنه لو فاز في عام 2020، لأبرمَ اتفاقاً مع طهران "في غضون أسبوع واحد بعد الانتخابات". ويبدو أن ترمب أعطى الضوء الأخضر للحوار المبكر مع المسؤولين الإيرانيين هذه المرة، بعد أن أرسل أحد أقرب المقربين إليه، الملياردير إيلون ماسك، للقاء سفير إيران لدى الأمم المتحدة في نوفمبر.

 

ومن المؤكد أن الإدارة الجديدة ستتبنى نهجاً متساهلاً تجاه الطموحات الإقليمية الإسرائيلية. لكن ترمب يقول أيضاً إنه يريد إنهاء الحرب في غزة وتوسيع اتفاقات أبراهام من خلال إضافة السعودية. وهو يريد أن يتجنب مزيداً من الالتزامات العسكرية الأميركية، وأن يخفض أسعار الطاقة، وأن يجعل الصين أكثر طاعة، وأن ينهي البرنامج النووي الإيراني. وهذه الأهداف تتطلب تنازلات صعبة، وسوف تستلزم استراتيجية أكثر تعقيداً من مجرد مهاجمة إيران ووكلائها.

وإذا أخذنا من الماضي بعض العبر، فمن المرجح أن يكون نهج ترمب المقبل مدمراً للغاية، بخاصة وأن بعض أهدافه متعارضة بطبيعتها. قد لا يبدو هذا أفضل طريقة للاستقرار في الشرق الأوسط. ومع ذلك، ربما تكون هذه هي اللحظة المناسبة لاستخدام الفوضى غير التقليدية وغير المتوقعة وغير المقصودة التي يبدو أنها تأتي مع رئاسة ترمب. في الواقع، قد تنجح واشنطن البارعة، غير الملتزمة بأي مبادئ أو توقعات، في استخدام القوة الأميركية جنباً إلى جنب مع ولعها الواضح بإبرام الصفقات. ومن الجدير بالذكر أن طموحات ترمب الكبرى ومقاربته المعاملاتية القائمة على الصفقات في السياسة الخارجية مناسبة بشكل مدهش للشرق الأوسط اليوم، حيث تُعتبر مصالح الأنظمة والاستثمارات الانتهازية هي لغة التواصل المشتركة.

ولكي ينجح ترمب، سوف يتعين عليه التعامل مع وجهات نظر موظفي إدارته وأولوياتهم المتنافسة. لكنّ التقييم غير العاطفي للمشهد الإقليمي يقدم فكرة عن خطوات ترمب المحتملة. وقد يبدأ، مثلما فعل في ولايته الأولى، من الخليج. فدول الخليج ترغب بشدة في إنهاء الحرب في غزة، وهو ما قد يخدم مصالحها الاقتصادية والأمنية فضلاً عن مصالح إسرائيل. وكانت الإمارات العربية المتحدة تجري مناقشات مع واشنطن حول المساعدة في إنشاء حكومة فلسطينية بعد الحرب في غزة والحصول على تمويل للأمن وإعادة الإعمار. ويمكن لترمب أن يواصل هذه المحادثات ويستخدمها للمساعدة في إنهاء حرب إسرائيل. ويمكن لدول الخليج أيضاً أن تساعد ترمب في التوصل إلى اتفاق جديد مع إيران. فلدى كل من السعودية والإمارات العربية المتحدة قنوات اتصال قوية مع طهران، يمكن أن يستفيد ترمب منها. ومن المؤكد أن العالم العربي سوف يرحب باتفاق يمنع حرباً شاملة قد تؤدي إلى عواقب كارثية.

لا يخلو الشرق الأوسط من المفسدين

 

هذا الالتقاء في المصالح مفيد، ولكنه غير كافٍ لتحقيق النتائج التي يرغب فيها ترمب. وهنا قد تكون تقلبات الرئيس المنتخب وقسوته بمثابة ميزة غير متوقعة. إذا أعاد ترمب فرض ضغوط اقتصادية فعالة على إيران ومنح إسرائيل بعض الحرية الإضافية للتحرك عسكرياً، فقد يُظهِر بشكل أفضل قدرات الولايات المتحدة وبالتالي يجبر إيران على تغيير مواقفها السياسية الحالية غير المرنة. لقد حقق النهج الأميركي القوي نتائج مثمرة في الماضي مع قيادة إيرانية يهمّها في المقام الأول بقاء النظام. ومن المرجح أن يمثّل نهجاً من هذا النوع تحسناً مقارنة بنهج إدارة بايدن، التي اعتمدت بشكل شبه حصري على المصالحة والتهدئة، الأمر الذي اعتبرته إيران دليل ضعف ويأس. وقد تتمخض هذه النقلة عن صفقة القرن الحقيقية المتمثلة في تخفيف الصراعات المتعددة الجبهات المستعرة في الشرق الأوسط، وفتح الآفاق السياسية وإعادة الإعمار للفلسطينيين واللبنانيين، وبعض التنازلات الشكلية من طهران بشأن برنامجها النووي وسلوكها الإقليمي.

ومع ذلك، سيكون تحقيق هذه الصفقة صعباً للغاية. فدبلوماسية ترمب غير التقليدية خلال ولايته الأولى، لم تُفلح مع قوة نووية أخرى عنيدة، هي كوريا الشمالية، ولم تحقق إدارته سوى قليل من الإنجازات في التعامل مع القوى المعادية. وحتى في حال التوصل إلى اتفاق، فمن غير المرجح أن يدوم طويلاً، إذ إن القيادة الإيرانية غارقة في العداء تجاه كل من إسرائيل والولايات المتحدة، إذ كانت استثمارات النظام في برنامجه النووي وشبكة وكلائه أساسية لاستراتيجية صموده وبقائه. من جهته، وجد نتنياهو أن النهج العسكري المتطرف يحقق فوائد استراتيجية كبيرة إلى جانب مكاسب سياسية داخلية. وفي الحقيقة، لا تخلو هذه المنطقة المشتعلة من مفسدين آخرين.

ولكن حتى مجموعة من التفاهمات العابرة قد تعمل على تهدئة التوتر في الشرق الأوسط. وسيتيح ذلك لواشنطن والعالم تحويل تركيزهما إلى تحديات أكثر صعوبة، مثل الصين وروسيا على وجه الخصوص. وأي صفقة تخفف بعضاً من إراقة الدماء وتقلل بعضاً من المخاطر، ولو موقتاً، قد تمنح ترمب جائزة نوبل للسلام التي يصبو إليها بشغف.

سوزان مالوني نائب الرئيس ومديرة "برنامج السياسة الخارجية" في "معهد بروكينغز"

مترجم عن "فورين أفيرز" 10 ديسمبر (كانون الأول) 2024

المزيد من آراء