Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الحدود الميدانية لـ"هيئة تحرير الشام"

يتبنى الشرع استراتيجية الانفتاح على ظهور أصوات أخرى غير دينية لتقديم صورة الحكم التعددي في سوريا

يقف أحد مسلحي المعارضة أمام دبابة مهجورة في بلدة على مشارف دمشق (أ ف ب)

ملخص

تعلم الدول الكبرى أنه خلال الوقت المتبقي حتى دخول دونالد ترمب إلى المكتب البيضاوي نافذة كبرى بإمكان قوى المعارضة الإسلامية المسلحة أن تعلل وجودها على الأرض وتأخذ اعترافاً من الغرب، وأهم اعتراف إذا حصل هو بالوضعية الميدانية لـ"هيئة تحرير الشام".

بدأت التصاريح الدولية تتوالى بعد وصول "هيئة تحرير الشام" إلى دمشق وإسقاط نظام الأسد البعثي بصورة نهائية، والأسئلة المباشرة التي بدأت العواصم الغربية بطرحها والتدقيق فيها لتتمكن من استشراف المستقبل تتعلق أولاً بالمساحة الجغرافية التي تنوي الهيئة السيطرة عليها ضمن الجمهورية العربية السورية.

النقطة الثانية تتعلق بنوعية النظام الذي تنوي هذه المجموعات المسلحة القوية إقامته على الأراضي السورية، إذ إن الغرب والعالم اندهشوا بالسرعة التي أوصلت هذا التنظيم من إدلب إلى حلب فحماة وحمص نزولاً على الخط السريع إلى دمشق العاصمة، وإعلانها السيطرة على الدولة السورية بمؤسساتها ومناطقها.

في عالم الصحافة الأميركية وسائر دول الغرب بدأ ينظر إلى هذه القوة "المسلحة" التي كانت أسرع من تنظيم "داعش" في السيطرة على "قطر" عربي كبير له ثقل لا يمكن التهاون به في العالم العربي، وبدأت الحكومات تراقب هرب الأسد إلى روسيا وانسحاب قوات موسكو ما عدا القوة الموجودة على الشريط البحري وانتشار قوات الجولاني (أحمد الشرع) في المناطق المهمة من سوريا حيث الثقل الاقتصادي والمالي، لأن الدول الكبرى تعلم أنه خلال الوقت المتبقي حتى دخول دونالد ترمب إلى المكتب البيضاوي نافذة كبرى بإمكان قوى المعارضة الإسلامية المسلحة أن تعلل وجودها على الأرض وتأخذ اعترافاً من الغرب، وأهم اعتراف إذا حصل هو بالوضعية الميدانية لـ"هيئة تحرير الشام". لذا السؤال هنا إلى أين وأية منطقة ومدينة وحدود ستسيطر عليها هذه المجموعات المسلحة التي انتمى عدد كبير من قيادتها إلى "جبهة النصرة" الموضوعة على لائحة الإرهاب، و"القاعدة" العدو الأول للعالم الحر منذ أكثر من عقدين.

فلنستعرض أولاً ما الأولويات الاستراتيجية للهيئة وقائدها أبو محمد الجولاني لدعم تمركز نظامه في العاصمة دمشق وصولاً إلى بقية الجبهات، وبناء على ذلك سيفهم أين الحدود التي ستذهب إليها ميليشياته ونوايا الدولة الإقليمية الكبرى التي تدعمها تركيا ومن خلفها قطر.

مما لوحظ في الدول الغربية أن فتح دمشق تم بسرعة واستسلمت المدينة على اختلاف القوى التي كانت موجودة بها، والقوى المؤيدة لتحرير الشام والجماعات المسلحة كانت تنتظر الجولاني، وبعد دخوله باتت تشكل قاعدته الحزبية ولكن هناك قوى سياسية ديمقراطية علمانية ليبرالية واجتماعية واسعة في العاصمة. من هنا كان على أحمد الشرع القيام بعملية سيطرة سياسية سريعة على مراكز القرار، ومن ناحية أخرى تظهر صورة الساعي إلى إقامة حكم مقبول في الجمهورية السورية، وهذا يحتاج إلى أمور عدة. أولاً أن تبقى تحرير الشام ضمن إطار شعبي يدعمها بمواجهة البعث، فالهيئة تحاول الظهور بمظهر تشجيع قوى المعارضة السابقة للظهور وكأنها تقود حركة سياسية موحدة بين الإسلاميين والعلمانيين .

فتح القائد السابق لإدلب المجال لكل المدن السورية لظهور أصوات أخرى حتى لو كانت مدنية غير دينية، وظهر ذلك بأنه سيكون حكماً تعددياً، أي الفرقاء الإسلاميين من ناحية والمجتمع المدني من ناحية أخرى، وأن الأكثرية العربية السنية قادرة على التفاهم وبناء دولة مشتركة توفر الشرعية لكل من ينتمي إليها، بالنسبة إلى التنظيم المسيطر هذه استراتيجية ضرورية كي لا تحصل صدامات بين المعارضين المدنيين والإسلاميين.

ولاحظ الجميع أن الشرع أكد على ضرورة الحصول على هذه الشرعية حتى من رئيس الحكومة السابق محمد الجلالي، وبين ذلك بوضوح على شاشات التلفزة عبر اجتماع مشترك بين "هيئة تحرير الشام" ووزراء الأسد، وتم التركيز على هذه النقطة لتوجيه رسالة يفهمها الجميع بأن الحكومة الآتية بعد الاجتماع المشترك حكومة شرعية على صعيد القانون الدولي، وبالتالي الحكومة الانتقالية معترف بها ثم يجري التحضير لانتخابات رئاسية وبرلمانية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ولكن هذا الأمر سيستمر وستحاول الهيئة الحصول على اعترافات دولية وإقليمية تمكنها من إقامة سلطة شبيهة بحكومة محمد مرسي في مصر، أي أن تكون هناك انتخابات تشرف عليها حكومة إسلامية بدلاً من أن تكون حكومة وطنية علمانية، ويبقى موضوع السيطرة العسكرية وهو الأهم الآن في هذه المرحلة، فالغرب يراقب الحدود العسكرية التي ستذهب إليها تحرير الشام بعد أن فهموا الحدود السياسية التي سينطلقون منها.

ميدانياً رأى المراقبون أن أولوية الهيئة تكمن في السيطرة على المدن الكبرى ذات الثقل الاقتصادي والدبلوماسي، وأيضاً سبق الهيئة إلى مدن الساحل السوري، أي عملياً بلاد العلويين لإنهاء أي إمكان لعودة بقايا النظام السابق، وما يمكن استشرافه أن عمق سوريا الذي يبدأ من حدود تركيا إلى حلب والمدن السنية الموزعة من الشمال إلى الجنوب مروراً باللاذقية وصولاً إلى دمشق وحدود لبنان والمناطق التي بإمكان الشرع الوصول إليها في الجنوب وعلى طول الحدود الأردنية، في ما يتعلق بالأخيرة فإن المجال لا يزال مفتوحاً أمام ميليشيات الهيئة لتصل إلى المنطقة الصحراوية بين سوريا والأردن والطرف الوحيد القادر على منعها القوات الأميركية في قاعدة التنف، فإذا قرر الأميركيون التمسك بموقفهم الرافض لتقدم الهيئة فإن ذلك سيؤدي إلى قيام منطقتين خارجتين عن سيطرتهم، الأولى في الجنوب، المنطقة السنية الدرزية التي تمتد من الجولان إلى السويداء مروراً بدرعا، ومنطقة أخرى محاذية على الحدود تتحكم بها القبائل العربية وصولاً إلى البوكمال، وستشهد صعود الطرف العربي - السني غير المؤيد للمتطرفين، وإذا أقفلت الحدود بين التنف والبوكمال سينكسر وجود الخمينيين في سوريا الشرقية، وستلعب قوتان رئيستان دور مجابهة النظام الجديد الذي سيستهدف تدمر وقوى التحالف الواسع الذي ستحاول هي الأخرى الإمساك بهذه المنطقة.

أخيراً يبدو أن "تحرير الشام" وضعت أولوياتها، وهي أولاً تعزيز وجودها في السلطة وإنتاج سلطة مسيطر عليها، وثانياً تمدد عسكري في جميع الاتجاهات بدءاً من الجبهة الأضعف نحو الأقوى، وإذا اتجهت جنوباً على الهيئة أن تواجه موضوع الدروز والمعارضة السنية غير الإسلامية، وعليها أن تأخذ في حساباتها الحدود التي رسمتها إسرائيل في الجنوب السوري، وإذا اتجهت نحو التنف والحدود الأردنية سيكون هناك موقف أميركي - عربي من التحالف العربي سيصدر عن الأردن ومنطقياً سيقيم شريطاً على طول الحدود المشتركة، وبحال تقدموا باتجاه تدمر والصحراء فقد تلاقي هذه القوى تحالفاً من الأطراف التي لا تعترف بعد بشرعية الهيئة، ولن تواجه مشكلة في المناطق العلوية وتبقى مشكلتان، وهي الحدود اللبنانية، إذ ستتأنى "هيئة تحرير الشام" في هذا الموضوع لأن القوى الراديكالية الشيعية وعلى رأسها "حزب الله" لا تزال قوية في الدولة اللبنانية، إلا في حال انتفضت القوى السنية بوجهها، وذلك يعني الدخول في حرب داخلية في لبنان، ولا نرى حالياً أن قيادة الشرع مستعدة لهذا الموضوع.

ثم يبقى موضوع "قسد" في الشمال الشرقي، وإن لم تشدد عليه قيادة الحكم الجديد إلا أنه أولوية تركية وقد تستخدم أنقرة شرعية دمشق الجديدة للتقدم على الأرض نحو المثلث الكردي - العربي - المسيحي، في هذه المرحلة بالذات نرى أن أولوية الشرع سياسية للحصول على الشرعية، ثم ميدانياً عبر الحصول على أقصى حد من الأراضي التي يمكن السيطرة عليها من دون الخوض في صراعات إقليمية.

اقرأ المزيد

المزيد من آراء