Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الإرهابيون أرسلوا رأس الصبي إلى أهله في "الذراري الحمر"

لطفي عاشور يوقظ جمهور "أيام قرطاج السينمائية" على جريمة رهيبة شغلت تونس

علي الهلالي في دور صديق الصبي القتيل (ملف الفيلم)

ملخص

الأفلام التونسية لها مكانة خاصة في قلب المشاهد التونسي، وهذا هو الإحساس الذي يداهم المشارك في "أيام قرطاج السينمائية" (14 - 21 الجاري)، فالإقبال الجماهيري عليها كبير للغاية. وفي حين أن بعض الأعمال لا تشاهدها إلا حفنة من المشاهدين، فإن الصالات التي تعرض الأفلام التونسية تشهد ازدحاماً وتدافعاً شديداً. وشهد عرض فيلم "الذراري الحمر" رواجاً في المهرجان لكونه يتطرق إلى الإرهاب في تونس.

شهد عرض الفيلم التونسي "الذراري الحمر" للطفي عاشور (ينافس على "التانيت الذهبي")، ازدحاماً رهيباً حتى بدا من آل صعب إيجاد مقعد شاغر في صالة "أوبرا" ("مدينة الثقافة" في تونس العاصمة) التي تحوي أكثر من ألف مقعد. وكان التصفيق حاراً عند صعود جنريك النهاية، خصوصاً أن عدداً كبيراً من المشاركين في الفيلم كانوا داخل الصالة في مناسبة عرضه التونسي الأول. 

انطلق الفيلم من مهرجان لوكارنو السينمائي (قسم "مخرجي الحاضر")، قبل أن يحط في مسابقة الدورة المنتهية للتو من مهرجان "البحر الأحمر السينمائي" فائزاً بجائزة أفضل فيلم من يد المخرج الأميركي سبايك لي الذي أُعجب به، وكان له عرض قبل ذلك في مهرجان تسالونيك ضمن قسم "لنلتقِ بالجيران". الفيلم الذي نال أيضاً جائزة الجمهور في مهرجان فانكوفر الأميركي، مستوحى من قصة حقيقية حدثت في الخريف من عام 2015: ذبح إرهابيون في منطقة جبل مغيلة التونسية راعي غنم يُدعى مبروك السلطاني، 17 سنة. يعترف عاشور أن القصة هذه طاردته طويلاً وأضحت هاجساً عنده قبل أن يقرر نقلها إلى الشاشة. فهي تحمل تفاصيل مقززة، لكون الإرهابيين الذين ينتمون إلى تنظيم "جند الخليفة" حزوا رأس الضحية ونشروا المشهد على الإنترنت، بعدما اتهموا إياه بالتجسس لمصلحة السلطات، علماً أن الصبي بريء تماماً من هذه الاتهامات، وكان يمضي بعض الوقت مع ابن عمه أشرف (علي الهلالي) بين أحضان الطبيعة. وهما يرويان القصص بعضهما لبعض، قبل أن يفاجآن بالقتلة! بعد حز رأسه، يترك الإرهابيون ابن عمه على قيد الحياة، طالبين منه إعادة الرأس المقطوع إلى عائلة المغدور. 

هذا ما نراه في الدقائق الأولى من "الذراري الحمر"، ومن هذه القصّة استوحى لطفي عاشور فيلمه، مطلقاً العنان لمخيلته للتوصل إلى تفاصيل كثيرة، تتشكّل خصوصاً مع وصول الرأس إلى عائلة الضحية، وما يترتب عليه من تحضيرات ونقاشات ومواجهات بين مختلف الأشخاص، للعودة إلى مسرح الجريمة بحثاً عن الجسم الذي تم فصله عن الرأس، وإعادته ودفنه على سبيل تكريم الميت. 

بغية سرد الحكاية، يتبنى الفيلم وجهة نظر الصبي أشرف، ابن عم القتيل الذي يصغره بعضة أعوام، والذي يحمل معه تروما ذلك اليوم إلى الأبد، محاولاً فهم ماذا حدث والتكيف معه بقدر المستطاع. فكل ما يرتسم على وجهه من تلك اللحظة وصعوداً، من أسى وظلم وصدمة، لا تعبّر عنه كلمة. وجهه، وهو يحاول السيطرة على مشاعره، أشبه بوجه الفتى الشهير في فيلم "تعال وشاهد" لإليم كليموف الهارب من جحيم الحرب، مما يؤكد أن ثمة ما يجمع ضحايا الحروب، خصوصاً على مستوى القفز إلى الأمام الذي يحدث في حياتهم. ذلك أننا سنرى الصبي يصبح راشداً في لمحة بصر، ليقتحم عالم الكبار من البوابة الأكثر قسوة. الأحداث عديدة ومتتالية، لكن التركيز يصب على الحالة النفسية لأشرف، الشاهد على عملية حز الرأس، والمأساة المروعة التي عاشها. ومن هنا، يمكن الاستنتاج أن الفيلم ليس عن الإرهاب الذي ضرب تونس خلال فترة ما بعد الثورة، بل عن إمكان النهوض من المأساة الناتجة منه.

الموضوع في ذاته جذّاب للسينما، في كونه يجمع بين نقيضين وطرفين لا لقاء متوقعاً بينهما في ظروف طبيعية: الطفولة وكل ما من المفترض أن يكون ملجأ للبراءة من جانب، والإرهاب الديني الذي يتعرض لأكثر الفئات في المجتمع هشاشة من جانب آخر. والمقصود بهذه الفئات الأطفال الذين لا قدرة لديهم على الرد والمواجهة. بيد أن، ما أثار اهتمام المخرج هو التفصيل الذي يكمن في طلب الإرهابيين من الطفل الناجي أشرف حمل الرأس إلى أهل القتيل. هناك شيء رمزي في هذا الفعل، يعبّر عنه عاشور في مقابلة بالقول: "هذا الطلب يحمل مضموناً ميثولوجياً أحدث صدمة جماعية تأثّر بها الضمير الجماعي التونسي. عندما نتعرض لطفل، إنما نتعرض لجيل كامل سيصبح تائهاً جراء ذلك".  

أراد لطفي عاشور فيلماً سهلاً، يتولّى بطولته بسطاء من الريف التونسي الفقير مع إطلالات على واقع هذه المنطقة المهمشة حيث الناس متروكون لمصيرهم في غياب أي رعاية، محاولاً التقاط بعض من جمالياته بطريقة تغوي العين. لكنّ السينما تمدّ هذه البساطة المشتهاة بمقدار من التعقيد، لا سيما في ظلّ دخول الفيلم في حيز أشبه بالحلم، حيث الحدود بين الواقع والخيال تصبح ضبابية، مع هذا الإحساس الضاغط أننا سننهض منه في كل لحظة، لنلامس حقيقة أخرى، أكثر التحاماً بالواقع. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في المحصلة، نحن أمام عمل سينمائي له ما له من ميزات، وهي قليلة نسبياً على المستوى السينمائي على رغم أهمية الطرح. واللافت أنه يتركنا عطاشاً في آخر المطاف. هناك محاولة لإعطاء الفيلم لمسة من الواقعية الشعرية لكنها تبقى رعناء ولا تحدث تأثيراً عميقاً. يسود الفيلم ارتباك وتفكك، يضربان كل مفاصله، إضافة إلى سعي مزمن لإبراز جماليات بصرية تولاها المصور البولندي فويتشك ستارون، وهي تبدو قديمة عفا عليها الزمن. والأسوأ أن لا مشكلة واضحة يمكن تشخيصها لفهم مكامن الضعف، بل هو إحساس بعدم القدرة على جعل كل العناصر تتضافر لأجل صناعة فيلم مؤثر سياسياً ومتماسك فنياً. 

اقرأ المزيد

المزيد من سينما