ملخص
تزامنت التوترات الأمنية الحدودية الأخيرة بين الصومال وإثيوبيا، مع زيارة وزير الخارجية الصومالي أحمد معلم فقي، العاصمة المصرية القاهرة.
اتهمت الحكومة الصومالية، القوات الإثيوبية بمهاجمة جنودها في منطقة حدودية صباح الإثنين الماضي، وذلك بعد أيام من توقيع البلدين اتفاقاً في العاصمة التركية أنقرة يهدف إلى تجاوز الخلافات التي شابت علاقات البلدين منذ يناير (كانون الثاني) الماضي.
وقالت وزارة الخارجية الصومالية في بيان لها إن الجنود الإثيوبيين هاجموا قواتها المتمركزة في قاعدة جوية في بلدة دولو في ولاية جوبالاند نحو الساعة العاشرة من صباح الإثنين. وأضافت أن الهجوم استهدف ثلاث قواعد يديرها الجيش والشرطة والاستخبارات الوطنية ووكالة الأمن، وأسفر عن سقوط عدد من القتلى.
وتابع البيان، "من المؤسف أن القوات الإثيوبية ألحقت بقواتنا خسائر بشرية خلال الهجوم، بما في ذلك قتلى وجرحى بين أفراد صوماليين متمركزين في هذه القواعد. إضافة إلى ذلك، أصابت القوات الإثيوبية سكاناً مدنيين في المنطقة". وأوضحت الخارجية الصومالية أن "هذا العمل يأتي في وقت تبذل الحكومة الصومالية جهوداً لإرساء السلام بهدف تعزيز إعلان أنقرة، حيث تم إرسال وفد صومالي رفيع المستوى إلى أديس أبابا، لمتابعة تنفيذ إعلان أنقرة".
ووفق "إعلان أنقرة"، اتفق البلدان على "العمل معاً للتوصل إلى نتائج في ما يتعلق بالإجراءات التجارية ذات المنفعة المتبادلة من خلال الاتفاقيات الثنائية، بما في ذلك العقود والإيجارات والأدوات المماثلة، التي ستمكّن إثيوبيا من التمتع بوصول آمن وسليم ومستدام إلى البحر، وذلك تحت السلطة السيادية للصومال".
أديس أبابا تنفي وتتهم طرفاً ثالثاً
من جهتها، قالت الخارجية الإثيوبية في بيان إنها تشعر بالصدمة من بيان الخارجية الصومالية، معتبرةً أنه تضمن "ادعاءات ضد القوات الإثيوبية بسبب الحادثة التي وقعت في بلدة دولو بالصومال".
وبحسب البيان فإن هذه الادعاءات "ليست صحيحة"، مضيفاً أن "الحادثة تمت بتحريض من عناصر معينة تهدف إلى عرقلة العلاقات بين إثيوبيا والصومال"، واصفة الجهة- التي لم تسمها– بـ "طرف ثالث عازم على زعزعة استقرار القرن الأفريقي، وإفساد ثمار الاتفاق الموقع في أنقرة".
ودعا البيان إلى "عدم السماح لادعاءات كهذه بأن تحبط التزام البلدين بالسلام كما ورد في إعلان أنقرة". وتعهد البيان بمواصلة حكومة إثيوبيا العمل مع الوكالات ذات الصلة بالحكومة الفيدرالية الصومالية لمنع وقوع حوادث مماثلة.
وأشارت الحكومة الإثيوبية في بيانها إلى أنها "تقدّر وتتمسك بالتزامها تنشيط وتعميق العلاقات الأخوية، والعلاقات بين البلدين بروح إعلان أنقرة، كما سيستمر تعزيز عزيمة وشجاعة قادة البلدين من أجل الشراكة الثنائية والتعاون الإقليمي الأوسع.
تزامن موحي
وتزامنت تلك الأحداث مع زيارة وزير الخارجية الصومالي أحمد معلم فقي، للعاصمة المصرية القاهرة.
وقال معلم فقي للصحافيين بالقاهرة إنه أطلع المسؤولين المصريين على نتائج المفاوضات الصومالية- الإثيوبية. وأكد أن بلاده "تدعم الوجود المصري السياسي والتجاري والعسكري في الصومال".
وأشار إلى أن مقديشو لن تقبل أن توقَّع اتفاقية بين دولة مع إقليم داخل جمهورية الصومال الفيدرالية، تمس سيادة الصومال وأمنه"، معرباً عن أمله في التزام الطرف الآخر بما تم الاتفاق عليه.
وفي إشارته إلى الحادث الأخير على الحدود الصومالية- الإثيوبية، قال معلم فقي إن "تجاوزات حدثت بالأمس في الحدود"، مضيفاً أن القوات الإثيوبية هاجمت القوات الصومالية.
ولفت إلى أن "الوفد الصومالي سيتحدث مع الحكومة الإثيوبية، من منطلق استنكار تلك التصرفات". وفي سياق متصل، ذكر أن المنفَذ الذي ستحصل علية إثيوبيا على البحر الأحمر هو "منفذ تجاري وميناء فقط" وسيكون تحت سيادة الدولة الصومالية.
من جهته، قال وزير الخارجية والهجرة وشؤون المصريين بالخارج، بدر عبد العاطي، بعد لقائه بنظيره الصومالي، إن الجانبين اتفقا على رفع العلاقات إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية، بحيثُ تُعقد دورات محادثات متعاقبة تُخصَص لمحاور استراتيجية محددة تشمل محاور السياسة، والاقتصاد والتجارة، والأمن والعسكر، والثقافة، والتعليم، وبناء القدرات.
وأكد عبد العاطي "دعم مصر الكامل لسيادة الصومال ووحدته واستقلاله وسلامة أراضيه، في إطار مبادئ القانون الدولي"، منوهاً بما تضمنه إعلان أنقرة الصادر في 11 ديسمبر (كانون الأول) الجاري، من "تأكيد لتلك المبادئ التي يتعين الالتزام بها بما يُعزز من استقرار الصومال ووحدته وأمنه".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
من هو الطرف الثالث؟
من جهته، رأى الباحث السياسي الصومالي، عبد الحي موسى، أن "الحكومة الإثيوبية لم تقدم أدلة تثبت براءتها من الضلوع في الحادث المؤسف الذي أدى إلى مقتل عدد من الجنود والمدنيين الصوماليين في المنطقة الحدودية". وأضاف أن "إثيوبيا تعمدت الإشارة إلى وجود طرف ثالث لم تسمه"، مشيراً إلى أن "الحدود المشتركة بين البلدين لا توجد بها أي أطراف أخرى"، متسائلاً عن الطرف الذي تشير إليه أديس أبابا.
ورجح موسى أن تكون أديس أبابا "تعمدت تنفيذ الهجوم بغرض التشويش على زيارة وزير الخارجية الصومالي إلى القاهرة". واعتبر أن "أديس أبابا تسعى إلى إحباط خطة مقديشو لإشراك القوات المصرية في مهمات حفظ السلام بالصومال ضمن البعثة الأفريقية الجديدة المزمع انتشارها في يناير (كانون الثاني) المقبل".
ولفت إلى أن "رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد رضخ لشروط اتفاقية أنقرة بغرض منع التدخل المصري وضمان مشاركة قوات بلاده ضمن البعثة الأفريقية الجديدة بالصومال، بخاصة أن الصومال ظل يرفض وجود القوات الإثيوبية ضمن تلك البعثة، بسبب مواقف أديس أبابا المعلنة منذ يناير الماضي، والمتعلقة بانتهاك سيادة الصومال من خلال توقيع مذكرة تفاهم مع إقليم صوماليلاند.
وأوضح المتحدث الصومالي أن "إثيوبيا ظلت ترفض إلغاء تلك المذكرة، كما رفضت التوصل إلى اتفاق مع مقديشو يمكّنها من الوصول إلى البحر تحت السيادة الصومالية"، مضيفاً أن "تراجع أديس أبابا عن تلك المواقف والرضوخ للمطلب الصومالي، أتى لمنع تنفيذ الاتفاقيات العسكرية التي وقعها كل من الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، في أغسطس (آب) الماضي". ويختم موسى بالقول إن "الإشارة الإثيوبية إلى الطرف الثالث قد تعني القاهرة أو أسمرة، على رغم أن كلاهما لم يبعث بعد بقواته إلى الصومال حتى هذه اللحظة، إلا أن القمة الثلاثية بين مصر وإريتريا والصومال في العاصمة الإريترية أسمرة في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، دفع أديس أبابا إلى الاعتقاد بأن القمة تمثل تحالفاً سياسياً وعسكرياً ضد مصالحها في المنطقة".
محاولة إحباط "اتفاق أنقرة"
في المقابل، رأى الباحث الإثيوبي في شؤون القرن الأفريقي بيهون غيداون، أن "الحادثة التي وقعت في منطقة دورو في الصومال قرب الحدود الإثيوبية، تبدو محاولة مخططة لبث حال من عدم الثقة بين البلدين اللذين وقعا منذ أيام اتفاقية تنهي التوتر القائم بينهما". وقال غيداون إن "الجيش الفيدرالي الصومالي يخوض منذ أسابيع اشتباكات مع قوات إقليم جوبالاند التي تحظى بحكم شبه ذاتي للسيطرة على مناطق رئيسة في الولاية ذاتها موقع الحادث الأخير". وأضاف "أن الحادث الأخير يعد جزءاً من تلك الاشتباكات الداخلية، إذ تدخل الجنود الإثيوبيون المتمركزون أيضاً في القاعدة الجوية كجزء من الجهود الرامية لمكافحة حركة الشباب الموالية لتنظيم القاعدة"، زاعماً أن تدخلهم - بحسب مصادر من جوبالاند - أتى لحماية مجموعة من السياسيين المحليين، وليس بغرض مواجهة الجيش الصومالي.
وربط الباحث الإثيوبي بين بيان الخارجية الصومالية، وزيارة وزير الخارجية الصومالي العاصمة المصرية، مشيراً إلى أن "تصريحاته من القاهرة تضمنت إشارات سلبية تقلل من أهمية اتفاق أنقرة".
ورأى المتحدث ذاته أن "الحكومة الصومالية تقع تحت ضغوط كبيرة، بين الالتزام بأحكام إعلان أنقرة، واتفاقياتها السابقة مع القاهرة، حول التعاون العسكري ونشر قوات مصرية على الحدود المشتركة بين الصومال وإثيوبيا"، مرجحاً أن "القاهرة تضغط في اتجاه إحباط مساعي أديس أبابا للمشاركة في بعثة الاتحاد الأفريقي لحفظ السلام في الصومال".
ويزعم غيداون أن "القاهرة تفاجأت بتوقيع الرئيس الصومالي لاتفاقية أنقرة مع رئيس الوزراء الإثيوبي، بخاصة أن القاهرة قد مضت بشكل عاجل في تنفيذ اتفاقيات القاهرة العسكرية، من خلال نقل قطع عسكرية جواً وبحراً إلى الصومال، وتحاول جاهدةً استغلال الخلاف الإثيوبي- الصومالي لخدمة مصالحها المتعلقة بالضغط على أديس أبابا لتقديم تنازلات في ملف مياه النيل وسد النهضة الإثيوبي". وأشار المحلل الإثيوبي إلى التنافس المصري- التركي في القرن الأفريقي، إذ إن "التمدد التركي الملحوظ في المحيط الهندي ومداخل البحر الأحمر يقلق المصالح المصرية، إذ يعتبر مضيق باب المندب ذي أهمية استراتيجية بالغة لمصر، بخاصة أن نحو 10 في المئة من تجارة النفط، و8 في المئة من تجارة الغاز المسال تمر عبره نحو قناة السويس، بينها نحو ثلثي النفط الخام الآتي من منطقة الخليج، بالتالي تسعى القاهرة إلى الوجود في سواحل الصومال وإريتريا في ظل تنامي الوجود العسكري الأجنبي في هذه المنطقة بخاصة في جيبوتي التي تستضيف أكثر من 6 قواعد عسكرية أجنبية".