ملخص
هناك فريق ثالث هو الأخطر على الجولاني ومن معه اليوم من الشيطنة أو التريث، وهو الفريق الذي أحاط بالبطل جو بويرز في فيلم "أيديوقراطية" وأوصله حد التأليه، وهو الفريق الذي نعت طاغية العراق السابق صدام حسين بالرئيس "الضرورة"، وهو الفريق الذي رفع شعار "إلى الأبد يا حافظ الأسد ثم يا بشار الأسد"، وهو الفريق الذي يخلق الطغاة فيرتكبون الحماقات ويزينون الشين فيقع الرئيس في الموبقات.
يصور فيلم "إيديوقراطية" (2006) جو بويرز وقد جُمد جسده كمتطوع ضمن تجربة ودراسات تقوم بها الحكومة، ثم نُسي 500 عام وبعدها أعيد للحياة، وقد نحت المخرج اسم الفيلم من الكلمات المركبة الشائعة التي تسبق "قراطية"CRACIA- والتي تعني إدارة أو حكماً، مثل "ديمو-قراطية" وتساوي إدارة أو حكم الشعب، أو "ثيو-قراطية" وتساوي إدارة أو حكم الدين، و"بيرو-قراطية" وتساوي الشؤون المكتبية وقد تغيرت لاحقاً لتعني التعقيد الإداري، و"أوتو-قراطية" وتساوي الحكم الفردي وهكذا، لكن "أيديو" مشتقة من كلمة IDIOCY وتعني الغباء، وبالتالي فإن ترجمة اسم الفيلم "أيديوقراطية" تعني حكم الأغبياء.
عاد جو بويز للحياة بعدما جُمد خمسة قرون ليجد أن البشر حول العالم كلهم أغبياء، وأن الناس تعظّم الغبي وتمتدحه وتقدمه وتتنافس على الغباء، وبسبب ذكاء جو الفائق على كل البشر في هذا العالم الافتراضي فقد ترقى ليصبح رئيساً عليهم.
لكن رئاسته تميزت بقرارات "قراقوشية" وغبية مضحكة بسبب القوى النفعية المنافقة التي حاصرته وأحاطت به من كل جانب، تكيل له المديح و"تضرب له تعظيم سلام" على كل قرار يتخذه، وتضحك ملء شدوقها على كل نكتة تافهة يقولها، وقد نجح هؤلاء النفعيون المنافقون في تحويل جو من إنسان ذكي إلى إنسان غبي مثل البقية.
سقط نظام بشار الأسد المستبد وبزغ نجم قائد هيئة تحرير الشام أبو محمد الجولاني الذي أفصح عن أن اسمه الحقيقي هو أحمد الشرع، وهو رجل ذو طلة مهيبة وهادئة ووسيم الملامح بلحية مشذبة وليست كثّة، وقد انبرى فريقان في تقييم الجولاني - الشرع، ففريق يعمل على شيطنته وعدم تصديقه والترويج بأن كل كلام الرجل المعسول حول المصالحة والتسامح والتعايش ما هو إلا ذر للرماد في العيون، وأن الرجل كغيره من قادة الدين السياسي في عالمنا "يتمسكن حتى يتمكن" ثم سيصفي كل من كانوا معه، بمن في ذلك رفاق ومجاهدي الأمس القريب الذي ناضلوا بأشكال مختلفة لإسقاط دكتاتورية الأسد البشعة، ويعطون أمثلة بثورة الخميني وأحزاب الدين السياسي في العراق اليوم و"حماس" التي صفت مناوئيها بعد سيطرتها على غزة، و"الإخوان" في السودان الذين طاولت تصفيتهم منظّرهم الشهير حسن الترابي، وهكذا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويؤكد فريق الشيطنة أن الجولاني كان إرهابياً قاعدياً بالأمس القريب، فأنى له أن يتحول إلى مدني ديمقراطي متسامح بين عشية وضحاها؟ ولو صدقنا أنه قد انقلب نحو المدنية وودع العنف السياسي – الديني، فكيف لمن معه أن يتحولوا بالدرجة والسرعة نفسها؟ فهؤلاء المتطرفون المتشددون ليسوا جهاز حاسوب تعيد برمجته (FORMATTING) بضغطة زر وكفى، وسرعان ما سيكشفون عن وجوههم "الداعشية" ما إن تستتب الأمور لهم.
لكن فريقاً آخر يدعو إلى التريث وبعض من الصبر ويحاول أن يسوّق الجولاني بطريقة مختلفة، هادئ ومتزن الكلمات ومحسوب التصريحات، وكل تصريحاته تدعو إلى التعايش والتعددية وحماية الأقليات والحريات العامة والدينية، ويدللون على ذلك بحماية الناس وممتلكاتهم وتدخلهم للحد من التعدي على الكنائس وأماكن العبادة التابعة للأقليات الأخرى، ودعوته إلى الانفتاح على جميع جيرانه وعدم التدخل في شؤونهم، داعياً إياهم إلى عدم التدخل في شؤون سوريا.
ويعزو مؤيدو الجولاني - الشرع بعض أعمال التصفيات والتعديات والمناوشات والشغب لعناصر تحركها إيران وإسرائيل لخلق الفوضى والاقتتال بين السوريين، ويدعو هذا الفريق إلى التريث والانتظار وإعطاء الفرصة للثوار الجدد لالتقاط أنفاسهم، مؤكدين أن الشعب السوري يعيش حالاً ثورية خلاقة لن تسمح للجولاني ولا لغيره بأن يحرف الثورة السورية وأهدافها السامية وتضحياتها الجليلة إلى دولة دينية متشددة منغلقة.
لكن فريقاً ثالثاً هو الأخطر على الجولاني ومن معه اليوم من الشيطنة أو التريث، وهو الفريق الذي أحاط بالبطل جو بويرز في فيلم "أيديوقراطية" وأوصله حد التأليه، وهو الفريق الذي نعت طاغية العراق السابق صدام حسين بالرئيس "الضرورة"، وهو الفريق الذي رفع شعار "إلى الأبد يا حافظ الأسد ثم يا بشار الأسد"، وهو الفريق الذي يخلق الطغاة فيرتكبون الحماقات ويزينون الشين فيقع الرئيس في الموبقات.
إنه فريق "الفرعنة" الذي يحول شخصاً عادياً جداً مثل حافظ الأسد أو غبياً مثل صدام حسين أو مجنوناً مثل معمر القذافي إلى فرعون بسبب النفاق والمنافع الذاتية، فيصمّون آذانه عن أنين الناس ويغمضون عينيه عن مناظر الجوع والتشرد والفقر، ويكيلون له المدائح التي تدفعه نحو الغرور فيتحول إلى "أيديوقراط" غبي بليد.