ملخص
عدم اتخاذ قرار بشأن مستقبل غزة يجعل من مفاوضات وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب أمراً صعباً، إذ تحاول "حماس" المراوغة وتأمين بقائها في الحكم.
لا يزال مستقبل غزة بعد الحرب يشكل أكبر عقبات التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في القطاع، إذ تبدو إسرائيل حائرة في اتخاذ قرار في شأن اليوم التالي بعد "حماس"، وفي الوقت ذاته تحاول الحركة الفلسطينية استغلال هذا التيه للمحافظة على حكمها في منطقة مدمرة ومنكوبة.
ولم يناقش طرفا القتال، في المحادثات المعلقة التي أجريت بين "حماس" وإسرائيل في العاصمة القطرية الدوحة، أي مسودات في شأن مستقبل غزة بعد الحرب. وعلى رغم أن هذا الملف لم يُطرح على طاولة التفاوض، فإن الحركة كانت تريد ضمانات بأن انتهاء الحرب سيكون تتويجاً لمراحل الصفقة الثلاث.
"حماس" تسعى لموطئ قدم
يقول الباحث السياسي تيسير عابد، إن "حماس تريد انتهاء الحرب من دون أن تناقش مستقبل غزة بعد القتال، لتضمن أن يكون لها موطئ قدم في القطاع. وحاولت في محادثات الدوحة التظاهر بأنها مهتمة بتفاصيل المرحلة الأولى وبدت وكأنها في حالة تركيز شديد بشأن تحرير الرهائن وإطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين". ويضيف أن "تظاهُر حماس بالاهتمام بمناقشة تفاصيل المرحلة الأولى للصفقة، وتهميش مناقشة المرحلتين الثانية والثالثة، يعطيها خيارات وفرصة لإعادة ترتيب نفسها على أساس البقاء في حكم القطاع ولو جزئياً أو كشريك، وعدم إحلال بديل لها، لكن إسرائيل انتبهت لهذه الخدعة ولم تنطل عليها".
في خضم المفاوضات انتبهت إسرائيل إلى أنها تناقش صفقة متدحرجة من ثلاث مراحل، لكنها لم تتطرق لليوم التالي للحرب، فتوجه وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس مباشرةً إلى محافظة رفح أقصى جنوب القطاع وأجرى جولة أمنية في محور فيلادلفي، وبعث من هناك رسائل صادمة لـ "حماس".
تعهد بعدم سيطرة "حماس" على غزة
وركز كاتس في زيارته لغزة على موضوع مستقبل القطاع بعد الحرب، وصعّد من حدة تصريحاته ضد "حماس"، مؤكداً أنه يعمل باجتهاد لزوالها، وقال إن "إسرائيل ستحتفظ بالسيطرة الأمنية على قطاع غزة بعد الحرب، وذلك على غرار ما يجري في الضفة الغربية. حماس تنتهي ولن يُسمح لها بالبقاء في القطاع".
باختصار شديد حدد كاتس ملامح مستقبل غزة بعد الحرب، إذ ينوي جيشه على البقاء في القطاع والسماح لقواته بالعمل بحرية في أي مكان، وتنفيذ أي هجوم في أي وقت، في محاولة لاستنساخ عمل الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية. ويضيف كاتس، "لمنع تهديدات مستقبلية مثل الأنفاق، سنبقى في غزة ونسيطر عليها أمنياً، وسيُسمح للجيش بالعمل في أي مكان بالقطاع، ما يمنحنا فرصة للتأكد من أن مثل هذه التهديدات لن تتكرر. السيطرة الأمنية على غزة ستظل بيد الجيش الإسرائيلي".
وأوضح كاتس أن إسرائيل ستضمن أيضاً بقاءها داخل مساحات أمنية (محاور نتساريم، وفيلادلفي، ومفلاسيم)، وإنشاء مناطق عازلة ومواقع سيطرة لقواتها داخل القطاع، وكل ذلك من أجل عدم بقاء "حماس" في الحكم لا سلطوياً ولا عسكرياً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تعليق المفاوضات وانتقاد للتصريحات
على الجهة المقابلة، فهمت "حماس" الرسالة بسرعة، وخرجت من محادثات وقف إطلاق النار غاضبة بعدما أعلنت تعليقها موقتاً، ووجهت أصابع الاتهام إلى إسرائيل. وقال عضو المكتب السياسي في الحركة حسام بدران إن "إسرائيل ما زالت تصر على قضايا تعرقل الاتفاق، مثل الاحتفاظ بالسيطرة الأمنية على غزة، والبقاء على الحدود والتحكم بالمعابر ومنع عودة النازحين بحرية".
وعلى إثر تعليق المفاوضات، وجّه فريق التفاوض الإسرائيلي اتهامات لكاتس بأنه السبب في الإضرار بمفاوضات تبادل الأسرى، لأن تصريحاته عرقلت اتخاذ القرارات الحاسمة، ولا تنم عن مرونة وحسن نية.
لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لم يصمت على انتقاد فريق التفاوض، وخرج مباشرةً ببيان جاء فيه أن "انتقادات المفاوضين هي تساوق لدعاية 'حماس'، من الأفضل لهؤلاء أن يركزوا على مهمة إعادة الرهائن، ويتوقفوا عن اللعب لمصلحة 'حماس' ضد مصلحة بلادنا".
ولا يعد كاتس أول مسؤول إسرائيلي يؤكد بقاء الجيش في غزة، بل سبقته تأكيدات من نتنياهو، ومن وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، وجميعهم يدعمون السيطرة الأمنية فقط للقوات الإسرائيلية على القطاع، لكن لا يحملون خطة لذلك.
خيارات متعددة وحيرة في القرار
فعلياً، لا يزال مستقبل غزة بعد الحرب يشغل بال الجميع، بخاصة أن نتنياهو يرفض وضع خطة لليوم التالي في القطاع، ويكتفي برفض حكم حركتي "حماس" و"فتح" لغزة، نافياً النية لإعادة احتلال القطاع وإعادة الاستيطان فيه.
وبما أن حرب غزة شارفت على النهاية مع تحقيق نتنياهو أهدافها باستثناء إعادة الرهائن، فإن أكثر من جهة وضعت تصورات لمستقبل غزة، إذ طرحت الولايات المتحدة خريطة طريق تقوم على إرسال بعثة دولية وعربية لحكم القطاع بالتنسيق مع الجهات المحلية.
ثم طرحت الولايات المتحدة فكرة تسليم غزة للسلطة الفلسطينية المتجددة، على اعتبار أنها الجهة الوحيدة المخولة حكم الأراضي الفلسطينية بعد إصلاحها وتجهيزها لتلك المهمة.
كذلك عرضت مصر خريطة طريق لمستقبل غزة، تقوم على أساس تشكيل لجنة لإدارة غزة تتبع للسلطات الفلسطينية في الضفة الغربية وتأخذ أوامرها من حكومة التكنوقراط في رام الله ولا يشارك فيها أي عنصر من "حماس".
وأيدت الدول العربية والإسلامية التي اجتمعت في "قمة الرياض الثانية" مقترح تشكيل "لجنة إدارة غزة" وتدعيم ذلك ببعثة سلام دولية، واعتبرت أن هذه الحلول تمهد لإعادة حكم السلطة الفلسطينية جميع مناطقها بما يمهد الطريق أمام قيام دولة فلسطينية.
ووسط تلك الحلول التي أعلن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أنه يدعم منها ما تمّت الموافقة عليه في "قمة الرياض الثانية"، فإن "حماس" ما زالت ترفضها. وقال المتحدث باسم الحركة، أسامة حمدان إن "الشعب الفلسطيني هو من سيحدد ملامح اليوم التالي للحرب وليس وفق الإملاءات الإسرائيلية أو الأميركية. واهم من ظن أن حماس ستنتهي مع انتهاء الحرب، ولكن على رغم ذلك نؤكد أننا لا نريد حكم القطاع، ونريد تشكيل لجنة غير مرتبطة بالفصائل الفلسطينية".