Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الدين والسياسة... قراءة جديدة

يجب أن يكون بديل الأسد في سوريا عادلاً ورحيماً وعصرياً يؤمن بالحداثة ويحترم العلم ويعلي رايات المستقبل

ثقوب الرصاص تشوه جدارية بشار الأسد في بلدة عدرا على مشارف دمشق (أ ف ب)

ملخص

إن محاولة تطويق العالم العربي من كل اتجاه لن تكون صائبة في كل الظروف بل إنها قد تدفع إلى ما هو غير ذلك تماماً، ويكفي أن نتذكر أننا أمام إدارة أميركية جديدة وحكومة إسرائيلية لا تحترم الشرعية الدولية ولا ترعى حقوق الإنسان بل لا تفكر في مستقبل التعايش المشترك بين كل الأطراف.

تعد منطقة الشرق الأوسط نقطة تلاقي الأديان، وعلى رغم ذلك فقد دارت حولها صراعات الأوطان، فالدين كالماء سائل نقي يجمع الناس على عبادة الإله الواحد الأحد ويدفعهم نحو الفضيلة وينأى بهم عن الرذيلة، وهذه قواسم مشتركة بين الديانات السماوية وحتى الفلسفات القديمة، فالشرائع السماوية والأرضية معاً تحاول دوماً الارتقاء بالإنسان وتهدئة الصراعات وإنهاء الخلافات، وتتفاوت الشعارات الدينية بين الرحمة والعدل، بين الحق والسلام، مع السعي إلى الإنصاف بين الإنسان وأخيه الإنسان، ولكن لأن الإنسان وُلد جهولاً فقد قتل أخاه وحارب ذويه وتملكته الأطماع وغلبت عليه غرائزه، وبذلك تحولت الدنيا أمامه إلى أشلاء ودماء وضحايا وشهداء، وانعدمت الثقة المتبادلة بين الناس وظهرت الكراهية وانتشرت بين الطوائف والنحل وأصحاب الديانات على نحو لم نشهد له في العصور الماضية مثيلاً. وعلى رغم تعاقب الحضارات وشيوع الثقافات فإن العنف لا يزال هو لغة الخطاب المعاصر، ولم يعد للرحابة والتسامح مساحة كافية نعيش بها ولها.

دعنا نتأمل منطقة الشرق الأوسط وإقليم البحر المتوسط لندرك أننا أمام مشاهد عبثية، تشير بوضوح إلى التدهور الواضح في الرؤية بين كل الأطراف وعلى مختلف المستويات بصورة تكاد تطيح مفهوم التعايش المشترك بين البشر مهما اختلفت مشاربهم وتنوعت أوطانهم وتعددت دياناتهم، والذكر الحكيم يقول في كتاب الله (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خبيرٌ)، مما يعني أن كلمة الله إلى البشر عامة وشاملة لا تختص بقوم من دون آخرين أو جماعة من دون غيرها، وها هي المنطقة التي نعيش فيها من قلب العالم تواجه محنة حقيقية بين المفهوم المعتدل للأديان السماوية وعناصر التطرف ومظاهر العنف التي تكاد تطيح السلم والأمن الدوليين، إذ إن ما جرى في سوريا وهو إسقاط نظام أجمعت الآراء على فساده ووحشيته، وظهر أمامنا بعده حجم من الحقائق لم نكن نتخيل وجوده أو نعلم بشأنه، وأصبحت عاصمة الأمويين في قبضة مجموعات جديدة قد تثير قلق بعض المراقبين ومخاوف آخرين، في ظل أوهام وهواجس قد تدفع بالمنطقة إلى مواجهات صعبة غير محسوبة ونزاعات دامية.

لقد أعلن الحكام الجدد من دمشق أنهم ينزعون رداء الفصائل التي كانوا ينتمون إليها والميليشيات المسلحة التي حاربوا معها لكي يتحولوا إلى عناصر عصرية تؤمن بالشعوب وتحترم حقوق الإنسان وترفض كل الممارسات التي تؤدي إلى التعصب والغلو والتشدد، بل وتقرأ أديان السماء قراءة شكلية لا تصل للجوهر وإنما تكتفي بالمظهر، مع أن الدين معاملة وهو أيضاً وسطية واعتدال وحب للغير وحرص على الآخر.

ومنطقة الشام الكبير التي تبدو دمشق عاصمتها الأولى هي الأحرى والأجدى بأن تكون – كما كانت دائماً – منبعاً للقومية ومستودعاً للعروبة وأرضاً للتعايش المشترك، ولكن الحركة الصهيونية التي اختارت فلسطين مركزاً للاستيطان غير المشروع والعبث الذي لا مبرر له والعدوان الظالم على أصحاب الوطن الأصلي أحال كل شيء إلى نقيضه بعد الحرب الدامية على غزة لأكثر من عام والعدوان على أجزاء من الأراضي اللبنانية، مما أدى إلى سوء الظن واستشعار الريبة بأن ما هو قادم على سوريا قد يحمل في طياته مشكلات جديدة وأزمات عدة نتيجة الصراعات المتراكمة والنوايا السيئة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لقد سقط في سوريا نظام كان يجب أن يرحل خصوصاً بعد ما شاهدناه من ممارساته وعرفناه من داخله، لذلك فإن البديل يجب أن يكون عادلاً ورحيماً وعصرياً يؤمن بالحداثة ويحترم العلم ويعلي رايات المستقبل، وذلك هو ما نصبو إليه وتتطلع إليه شعوبنا التي عانت طويلاً وآن لها أن تستريح بعد أشواط طويلة من المواجهات الدامية والنزاعات العسكرية والحروب المتصلة والقطيعة المتأصلة التي تؤدي إلى خلق مزيد من العداوات وتوسيع الهوة حتى بين أبناء الوطن الواحد، وليرفع العرب في أقطارهم المختلفة شعار المواطنة أي المساواة بين البشر على رغم اختلاف دياناتهم وأعراقهم وأنسابهم وألوانهم، عندئذ تقف الأمة العربية على المشارف الحقيقية لرؤية العصر الذي نعيش فيه وتلتزم ما يجب أن تلتزمه، ولعلي أطرح هنا بعض الملاحظات أهمها...

أولاً: إن الحكم على الأنظمة ومصادر السلطة في البدايات هو حكم ظالم ومتعجل، إذ لا بد أن يكون التقييم موضوعياً لا يتأثر برواسب الماضي ولا يفكر بالضرورة إلا في تطلعات المستقبل وأحلامه وآماله أياً كانت الظروف صعبة والأجواء ملبدة بالغيوم، ولا يعني ذلك الغفران المطلق أو التجاهل التام أو النسيان الكامل، فالإنسان ابن بيئته ونتاج فطرته وتعبير عن طبيعته، لذلك فإننا ملتزمون جميعاً التعامل مع الواقع بمعطياته المختلفة وتبادل الرأي في وضوح واستقبال الآخرين بغير رواسب، وأنا شخصياً أعترف بأن بعض المشاهد والتصريحات في أحاديث حكام دمشق الجدد لا تزال تشعرني بشيء من القلق، بل والخوف أيضاً على سلامة الأمة وصفاء روحها التي تشدها في كل اتجاه.

ثانيًا: إن المسكوت عنه في الخطاب السياسي السوري الجديد يدعو إلى بعض القلق المشروع أيضاً، وذلك اعتماداً على سقوط الحقوق الفلسطينية من ذلك الخطاب، بل وغياب التعابير القومية التي تدعم التزام القطر السوري المنهج القومي الذي رفعه العرب جميعاً، خصوصاً في الفترة الحالية التي تظهر فيها رائحة التآمر الدولي والعبث الإقليمي الذي يقوده في تطرف واضح رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو، قاتل الأطفال ومدمر المدن وهادم البيوت، إلى جانب سياسي شديد المراس صعب الفهم يجمع ما بين التراث العثماني والولاء الغربي الأميركي، وأعني به بالطبع السيد رجب طيب أردوغان، الذي اكتشفت شخصياً تطلعاته التوسعية حينما ذهب هو والسيدة قرينته منذ أعوام عدة في زيارة رسمية إلى دولة الصومال يقدرون فيها ما يجب أن يحدث ويتأملون منها ما ينتظر أن يسود، ولا ننسى أيضاً سعيه إلى إقامة قاعدة عسكرية في ميناء سواكن السوداني، فالزعيم التركي يسعى إلى استعادة العرش العثماني ولكن بقبعة أميركية غربية بديلاً لعمامة إسلامية قد لا تسمح الظروف بقيامها وقد مضت القرون وعبرت السنون على الجميع.

ثالثاً: إن موقف حكام دمشق الجدد الذين نعطيهم فرصة الظن الحسن هم المسؤولون الأوائل عن إجلاء الحقائق وما جرى الاتفاق عليه بين القوى العظمى والمراجع الإقليمية، إذ لا بد من تأكيد سلامة الكيان العربي وثبات الحق الفلسطيني والمضي في طريق الكفاح والتفاوض معاً من أجل إقرار الحقوق واستتباب السلام في أرض السلام، مع هذه الأيام التي ترتبط بميلاد السيد المسيح وبعدها أطلت تباشير الدعوة المحمدية لكي يلتقي الجميع على كلمة سواء.

رابعاً: إن محاولة تطويق العالم العربي من كل اتجاه لن تكون صائبة في كل الظروف، بل إنها قد تدفع إلى ما هو غير ذلك تماماً، ويكفي أن نتذكر أننا أمام إدارة أميركية جديدة وحكومة إسرائيلية لا تحترم الشرعية الدولية ولا ترعى حقوق الإنسان، بل ولا تفكر في مستقبل التعايش المشترك بين كل الأطراف، لذلك يتعين علينا جميعاً أن نرصد الواقع بعين فاحصة، فالدولة الشريرة التي بدأت بالحرب على غزة وواصلت مسيرة العدوان إلى لبنان هي ذاتها التي تتحرش بالعراق وتطرح القضية السورية في الوقت ذاته على أشد ما يكون وأكبر ما يحتمل!

وهنا تبقى كلمة لا بد من أن نزجيها للجماهير العربية، وهي أن التضامن بين الأنظمة مهما اختلفت والحكومات وإن تباينت هو السبيل الصحيح لمواجهة الموقف الذي طرأ بعد العدوان على غزة ولبنان وتغيير نظام الحكم في سوريا، إذ غطت الفرحة على الحقيقة وكاد يسكرنا شراب الانتصار على النظام البائد في سوريا حتى أصبحنا ننسى أن نظاماً جديداً بفكر مختلف تماماً يقبع الآن في دمشق يدير الأمور ويحرك السياسات، وهو نظام نرجو أن يكون عادلاً وعصرياً، واضعين في الاعتبار حالة الانقسام في السودان والتضارب السياسي في ليبيا والنزاعات المكتومة داخل صفوف القيادات الفلسطينية!

دعونا ندعو الله أن يكون المستقبل العربي عادلاً وذكياً، مؤمناً بالإنسان، يفتح أبوابه للبشر جميعاً من دون تفرقة أو تمييز، بلا تعصب أو تطرف أو إرهاب.

اقرأ المزيد

المزيد من آراء