ملخص
يسري الحديث عن أسباب منح الأجانب الرتب العسكرية بوقت الحكومة الحالية هي حكومة تصريف أعمال ويتطلب منحهم أولاً الجنسية السورية بصورة قانونية، ويرى حقوقيون أنه من السابق لأوانه إصدار قرارات كهذه قبل وضع قوانين ودستور جديد وانتخاب رئيس جمهورية حيث لا يمكن منح الجنسية إلا بمرسوم جمهوري وبناء على طلب من وزير الداخلية.
ظل تعيين مرهف أبو قصرة الاسم الذي تردد كثيراً في الآونة الأخيرة، مثار جدل بعد اختياره لرئاسة وزارة الدفاع في حكومة تصريف الأعمال بسوريا إثر سقوط النظام في ديسمبر (كانون الأول) الماضي. ويعود هذا الجدل إلى اختياره بالذات من دون اختيار من يمثل الوزارة بين عدد كبيرٍ من القادة العسكريين والضباط الذين انشقوا عن النظام السابق، وانخرطوا بالأعمال القتالية مع فصائل المعارضة المسلحة.
وأبو قصرة (41 سنة) أحد أبرز قادة إدارة العمليات العسكرية والعقل المدبر في هندسة القدرات العسكرية، وبرز اسمه في عملية "ردع العدوان" التي انطلقت في 27 نوفمبر (تشرين الثاني) التي أدت إلى إسقاط النظام، وسبقها إشرافه على العمليات الحساسة، وأيضاً عرف عنه اتقانه في تنفيذ العمليات والتي بدأ بها منذ عام 2011 حين نزوحه وأسرته من قريته حلفايا في ريف حماة وسط البلاد إلى مدينة إدلب، ومنها عمل على تدريب الكوادر المسلحة وقيادتهم ميدانياً في وجه الجيش النظامي في ذلك الوقت.
"أبو حسن 600"
ويحلّ أبو قصرة وزيراً للدفاع بعد منحه رتبة لواء، ليحل مكان وزير الدفاع السابق، علي محمود عباس، الذي تسلم الوزارة في العام 2022 بعد أربعة أعوام على توليها من قبل علي عبدالله أيوب.
في غضون ذلك، ينقسم الشارع السوري بين مؤيد ومعارض من تسلمه الوزارة، ففي الوقت الذي يرى السوريون وجود خبرات عسكرية مؤهلة ومدربة ومنهم من المنشقين عن الجيش النظامي ولديهم الإمكانيات المناسبة لقيادة الجيش وإدارته، في المقابل يؤيد فريق آخر عملية التعيين، وتولي شخصية تمكنت ومجموعة القادة المشرفين على اقتحام مدينة حلب من كسر نمطية التفكير الميداني، واستطاعوا تنفيذ أكبر عملية هجومية، وحشدوا لها بطريقة اربكت القوات النظامية وجعلتها تتقهقر إلى الوراء مع تقدم قوات "ردع العدوان" في حينها، على رغم أن أغلب المشاركين هم أصحاب تخصصات علمية متنوعة، وغير عسكريين بل اكتسبوا خبرة ميدانية.
إلى ذلك، يرى مراقبون أن ذلك يخرج عن المألوف في الحكومات السورية المتعاقبة، ولا سيما في مرحلة سيطرة النظام العسكري، لكن الأمر يبقى متاحاً بأن تصل شخصيات حكومية مدنية لترأس وزارة الداخلية والأمن والاستخبارات أو الدفاع من غير التخصص، ولا سيما في الحكومات الديمقراطية.
وأعلن أبو حسن حموي أو ما يعرف "أبو حسن 600" وهو اللقب المتداول في محافظة إدلب شمال غربي سوريا، عن متطلبات بناء المؤسسة العسكرية كخطوة مقبلة، وتفريقها عن عقلية إدارة الفصيل التي لا تتوافق مع إدارة الجيش والدولة.
وكانت القيادة العامة للإدارة الجديدة أعلنت عبر معرفاتها الرسمية جدولاً بأسماء الضباط الجدد ضمت 49 اسماً شملت عدداً من الضباط والقادة المنشقين عن النظام السابق مع بداية الأحداث السورية، فيما منحت القيادة رتبة لواء لوزير الدفاع الجديد.
الجهاز العسكري
ومن المتوقع أن يواجه أبو قصرة جملة من الصعوبات والعراقيل حيث يتربع اليوم على رأس إدارة الدفاع وقيادة الجيش، وهو المنصب الذي يعاني من التفتت بعد استنزاف قدراته على مدار عقد من الحرب الأهلية، إضافة إلى تدمير كل الأسلحة والمواقع الاستراتيجية والحساسة من قبل طيران الجيش الإسرائيلي، والذي بدأ بتكثيف غاراته على مواقع في محيط العاصمة السورية وجنوبها لضرب ما تبقى من سلاح استراتيجي كي لا يقع بيد إدارة العمليات العسكرية والقيادة السورية الجديدة.
ليس هذا فحسب، بل أمام وزير الدفاع الجديد التحدي الأكبر المتمثل بالتوغل العسكري الإسرائيلي نحو مناطق بالعمق السوري تجاوزت فيه تل أبيب الشريط الحدودي الفاصل وصولاً إلى القنيطرة، علاوة على إعادة رسم الخطط والتشكيلات العسكرية لدى الجيش السوري في وقت تحدثت مصادر مطلعة عن إلغاء التجنيد الإلزامي في الوقت الحالي والاعتماد على الجيش التطوعي، مع دمج الفصائل المقاتلة في الجيش السوري، وسط انتقادات بمنح مقاتلين أجانب من جنسيات عدة أجنبية وعربية رتباً عسكرية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يأتي ذلك وسط تحفظ الولايات المتحدة الأميركية على رفع إدراج "هيئة تحرير الشام" من قوائم الإرهاب، وهذا ما سينعكس سلباً على قدرات الجيش وتأهيله والاستعانة بالغرب، ولا سيما الاتحاد الأوروبي لاستجرار السلاح والعتاد المطلوب وإبرام الصفقات وإرسال البعثات الأكاديمية المتخصصة بالعلوم الحربية.
ومع وصول أبو قصرة تطرح تساؤلات كثيرة في الشارع السوري حول مصير عشرات آلاف الجنود المتطوعين المدربين، ولا سيما الذين لم تتلطخ أيديهم بالدماء، وهناك فئة من العسكريين المدربين على استخدام السلاح الثقيل ولديهم الخبرة والكفاءة، في حين توفر مراكز التسوية للضباط وصف الضباط والجنود في مختلف الأراضي السورية تسليم السلاح والوثائق الشخصية، لكن يبقى مستقبل هذا الجهاز العسكري وأفراده غامضاً.
وفي ما يخص جدول ترفيع الضباط الصادر عن قيادة العمليات وحمل توقيع أحمد الشرع بصفته القائد العام، فقد تضمن ترفيع رتبة لواء عدد 2 هما أبو قصرة وقيادي آخر اسمه علي نور الدين النعسان ورتبة عميد عدد 5 وبقية الجدول رتبة عقيد، وجاء في القرار أنه يأتي في إطار تطوير وتحديث الجيش والقوات المسلحة وتحقيق أعلى معايير الكفاءة والتنظيم، في وقت شرعت مراكز التسوية أبوابها لعناصر وقادة الجيش النظامي السابق وسط ترجيحات عن استغناء الإدارة الجديدة عن غالبيتهم.
قرارات سابقة لأوانها؟
وعلى رغم أن لدى "هيئة تحرير الشام" مقاتلين أجانب من جنسيات أجنبية عدة لعل أبرزهم من فصيل الحزب التركستاني الأكثر حضوراً وتشدداً، فإن حركة الترفيعات تلك شملت أيضاً منح رتبة ضابط لأجانب من أبرزهم عبد الرحمن حسين الخطيب الذي رفع لرتبة عميد وهو من الجنسية الأردنية من أصول فلسطينية ويلقب بـ "أبو حسين الأردني"، تخرج من كلية الطب والتحق بالانتفاضة السورية نهاية عام 2013 ومعروف بالولاء للشرع.
في المقابل، يفسر مصدر عسكري من "هيئة تحرير الشام" فضل عدم الكشف عن هويته، القرار بـ"المنصف لقياديين كان لهم الدور الأكبر في صناعة النصر وإسقاط نظام الأسد، ولولا تضحياتهم وتضحيات من سقطوا قتلى لما كنا وصلنا إلى ما وصلنا إليه"، وتابع "أبو قصرة معروف في مناطق إدلب قبل سقوط النظام باسم ‘أبو حسن 600‘ لا أحد من عامة الناس يعرف اسمه، وهو قيادي بارز وصانع انتصارات وكلنا تفاؤل بإنشاء جيش قوي".
ومع هذا يسري الحديث عن أسباب منح الأجانب الرتب العسكرية بوقت الحكومة الحالية هي حكومة تصريف أعمال ويتطلب منحهم أولاً الجنسية السورية بصورة قانونية، ويرى حقوقيون أنه من السابق لأوانه إصدار قرارات كهذه قبل وضع قوانين ودستور جديد وانتخاب رئيس جمهورية، إذ لا يمكن منح الجنسية إلا بمرسوم جمهوري وبناء على طلب من وزير الداخلية، كما يتعين معرفة هذه الشخصيات من الأجانب ودورها في مستقبل سوريا الجديدة.