Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لغز مقتل الرئيس اليمني الحمدي... التداعيات وردود الأفعال (2 - 2)

تكشف هذه الحلقة ردود الفعل التي انتهجتها سلطة اليمن الجنوبي فور وقوع الحادثة التي ما زالت تثير اهتمام أبناء البلد

رغم فترة رئاسة الحمدي القصيرة إلا أنه نال محبة شعبية جارفة في اليمن (التواصل)

ملخص

يقال إن مجلس الرئاسة ومجلس الوزراء في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية عقدا اجتماعاً طارئاً في الساعات الأولى من صباح الـ12 من أكتوبر 1977، مباشرة بعد بث إذاعة صنعاء خبر عملية الاغتيال.

بعد اغتيال الرئيس إبراهيم الحمدي وجهت بعض القوى أصابع الاتهام إلى حكومة عدن بأنها قد تكون وراء الحادثة، على رغم تمتع الحمدي بعلاقات وطيدة وانسجام سياسي كبير بنظيره الجنوبي سالم ربيع علي (سالمين)، على خلاف الرؤساء الشماليين السابقين واللاحقين، ربما عززتها الخلفية السياسية والأيدلوجية التي تجمعهما بانتمائهما للمعسكر اليساري، بل كان من المقرر أن يلتقي الحمدي وسالمين في اليوم التالي لحادثة القتل لإعلان وحدة اندماجية بين الشمال والجنوب. 

وفي رد فعلها على الواقعة أعلنت حكومة عدن حداداً رسمياً لمدة 40 يوماً، بينما ركزت وسائل الإعلام التابعة لها على الحادثة، في برقية سرية بتاريخ الـ12 من أكتوبر (تشرين الأول) 1977، ورد من السفارة البريطانية في عدن أنه أعلن القتل عبر الإذاعة الرسمية في الساعة 5:15 صباحاً، مع وصف العملية بأنها "نفذت بأياد مجرمة"، من دون ذكر تفاصيل عن الجناة أو دوافعهم، كما اتخذت تدابير أمنية مشددة في المدينة، شملت نشر قوات مظلية ومدرعات حول الإذاعة ومقر القيادة العامة.

ردود الفعل في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية 

أعلن خبر اغتيال الحمدي للمرة الأولى عبر الإذاعة المحلية في الساعة 5:15 صباحاً بالتوقيت المحلي هذا الصباح، وأعلن حداد لمدة 40 يوماً من جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، وتبث الإذاعة فقط تلاوات من القرآن الكريم.

لا توجد أخبار عن الاغتيال في النشرة الإنجليزية لوكالة أنباء عدن هذا الصباح، كما أن إصدار هذا اليوم الـ14 من أكتوبر قد تأخر من أجل تضمين أخبار الاغتيال وتعليقات عنه في إصدار اليوم.


الرثاء الواسع على الحمدي الذي نشر في صحف الأمس (انظر برقيتي رقم 023 بتاريخ الـ11 من أكتوبر إلى صنعاء، وليس إلى الجميع) يبدو بأثر رجعي وكأنه نعي، خلال أيام الحداد الـ40، وفقاً للإذاعة، لن تقام أي احتفالات، هذا سيؤثر في احتفالات الذكرى العاشرة ليوم الـ14 من أكتوبر.
أفاد موظفو المكتب المحلي لدي (تعليقاتهم جاءت من دون طلب مني) بأنهم يعتقدون أن جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية مسؤولة عن عملية القتل، وسيصدر تعليق رسمي من قادة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية حول الاغتيال (إذا توفر) في حقيبة هذا الأسبوع.

عدن بعد اغتيال الحمدي: استنفار وإلغاء الاحتفالات

النص عبارة عن برقية دبلوماسية صادرة عن وزارة الخارجية البريطانية بتاريخ الـ13 من أكتوبر 1977، تتناول تداعيات اغتيال الرئيس اليمني إبراهيم الحمدي وشقيقه، يشير النص إلى ردود الأفعال الرسمية من جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، بما في ذلك اجتماعات طارئة وبيانات تعبر عن استنكار شديد للجريمة وتربطها بمخططات إمبريالية. 

ويغطي النص تحركات وزير الداخلية في اليمن الجنوبي صالح مصلح، وزيارته إلى صنعاء للتباحث مع المسؤولين اليمنيين الشماليين حول الحدث، والنص يختتم بالإشارة إلى إلغاء الاحتفالات بذكرى الـ14 من أكتوبر في اليمن الجنوبي بسبب الحادثة.

ويقال إن مجلس الرئاسة ومجلس الوزراء في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية عقدا اجتماعاً طارئاً في الساعات الأولى من صباح الـ12 من أكتوبر (تشرين الأول)، مباشرة بعد بث إذاعة صنعاء خبر عملية الاغتيال.

إن البيان الذي صدر فجر يوم الـ12 من أكتوبر أعرب عن "الحزن العميق والاستياء الشديد إزاء هذه الخسارة الفادحة، وأكد أن هذه المؤامرة الدنيئة تشكل جزءاً من المخططات الإمبريالية التي وضعت منذ زمن طويل لتقويض نضال أبناء الشعب اليمني". 

وأضاف بيان عدن "إن هذا العمل الإرهابي هو في الوقت ذاته حلقة من حلقات سلسلة الإرهاب الدموي الذي واجه ويواجه شعبنا عبر تاريخه الطويل من النضال ضد الغزاة والمستغلين والدفاع عن سيادته الوطنية وحريته وتقدمه الاجتماعي". 

ويتابع قائلاً "لذلك قامت قوات معادية بتدبير محاولة إجرامية لاغتياله (الحمدي) وشقيقه"، واستطرد "إن هذه العملية الإجرامية الحقيرة تستدعي منا نحن أبناء الشعب اليمني أن نتزود بمزيد من الوعي الثوري ضد مخططات الأعداء الذين يحاولون المساس بسيادتنا الوطنية، ووحدة أراضينا".

ووفقاً لنشرة وكالة أنباء عدن باللغة الإنجليزية، فقد طار وزير الداخلية في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية صالح مصلح إلى صنعاء في وقت مبكر من صباح يوم الـ12 من أكتوبر، وكان في استقباله في مطار صنعاء عبدالله حمران والمقدم محسن اليوسفي، وتوجه صالح مصلح مباشرة إلى قيادة المنطقة العسكرية الثانية، "القوات المسلحة حيث التقى المقدم أحمد حسين الغشمي وعبدالعزيز عبدالغني".

عاد صالح مصلح لعدن ظهر أمس، ولا توجد أية إشارة إلى ما إذا كانت جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية ستكون ممثلة في الجنازة، كما ألغيت جميع الاحتفالات بالذكرى السنوية للـ14 من أكتوبر."في يوم التشييع وصل الرئيس الجنوبي سالمين إلى صنعاء وشارك في الجنازة وبدت عليه علامات الضيق والغضب، بحسب شهادات وثقتها مذكرات عدداً من القادة اليمنيين الذين شهدوا مراسم التشييع.

تكهنات وتحليلات حول الأحداث المرتبطة باغتيال الحمدي

يتناول نص البرقية رقم 339 المرسلة بتاريخ الـ13 من أكتوبر من السفارة البريطانية في عدن إلى وزارة الخارجية البريطانية وشؤون الكومنولث، ردود الأفعال السريعة والمثيرة للشك من جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية بعد اغتيال الرئيس اليمني إبراهيم الحمدي. 

ويسلط الضوء على أحداث وتحركات غامضة مثل تصريحات دبلوماسية و حركة مدرعات، واستخدام غير معتاد للكشافات والطائرات في مطار خورمكسر، كما يناقش النص احتمال وجود صلة بين هذه الأحداث والاغتيال، مشيراً إلى ترتيبات سريعة واتصالات بين جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية والقيادة الجديدة للجمهورية العربية اليمنية، النص يثير تساؤلات حول احتمال تورط أطراف معينة في الحادثة أو معرفة مسبقة بها.

 

كان رد فعل جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية على الاغتيال سريعاً للغاية، وهناك أربع نقاط أعتقد أنه ينبغي لي أن ألفت انتباهكم إليها، التي قد يكون لها تأثير ما في الاغتيال أو قد تكون مصادفة بحتة، في ما يتعلق بجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، لا أعتقد أننا نستطيع أن نتجاهل أي جانب من جوانب سلوكهم، مهما كان صغيراً، في محاولة للتوصل إلى حل محتمل في شأن من قد يكون وراء الاغتيال.

- إن عبارة "الإمبرياليين" التي يشير إليها بيان جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية قد تكون موجهة إلى السعوديين، وقد تشكل جزءاً من "السيناريو الذكي" المشار إليه في صحيفة صنعاء الصادرة بتاريخ الـ12 من أكتوبر.

النقاط الثلاث الأخرى هي:

(أ) أثناء مناقشة على مائدة العشاء الخاصة بي في التاسع من أكتوبر، قال السفير الألماني الشرقي جونتر شارفنبرج، إنه في رأيه ستنشأ مجموعة قومية داخل اليمن التي ستؤدي في النهاية إلى إنشاء جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في شمال اليمن.

(ب) في الساعة 22.30 بالتوقيت المحلي في مساء الـ11 من أكتوبر (ليلة الاغتيال) مرت ست سيارات مدرعة بسرعة أمام منزلي، وكانت متجهة في طريقها إلى منطقة شمالية من جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية.

(ج) في الليلة نفسها وقبل منتصف الليل، استخدمت كشافات ضوئية للمرة الأولى على الإطلاق في الطرف العسكري من مطار خور مكسر، وفي الوقت نفسه كانت هناك أيضاً طائرات مقاتلة في الجو.

قد تكون الأحداث الثلاثة المذكورة أعلاه غير مترابطة تماماً، من ناحية أخرى قد يتكهن المرء بأنه إذا كانت جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية على علم مسبق بالاغتيال أو كانت متورطة فيه، فقد يكون الحدثان الأخيران جزءاً من التدابير الوقائية في حالة حدوث أي خطأ.

إن رحلة صالح مصلح إلى صنعاء، واستقباله في المطار، ومن الغشمي، تشير إلى اتصالات وترتيبات رفيعة المستوى وسريعة بين جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية والزعيم الجديد، وانضباط وهدوء كبيرين بعد وقت قصير من الاغتيال.

إنني أدرك تمام الإدراك أن مثل هذه التكهنات قد تثير القلق، ومع ذلك، أعتقد أنه ينبغي أخذها في الاعتبار.

خلاف دبلوماسي: هل أساءت هيئة الإذاعة البريطانية إلى الرئيس الغشمي؟

تشير البرقية رقم 328 المرسلة من السفارة البريطانية في صنعاء بتاريخ الـ19 من أكتوبر إلى مرجعيتها في لندن، إلى الخطأ الذي ارتكبته إذاعة "بي بي سي عربي" في تغطيتها لخبر اغتيال الرئيس اليمني إبراهيم الحمدي. 

كانت التغطية مثيرة للجدل لأنها لم تعكس بصورة دقيقة المشاعر والظروف السياسية في اليمن بعد مقتل الحمدي، وهو ما أثار غضب عدد من الشخصيات السياسية في اليمن في ذلك الوقت، بما في ذلك خليفته أحمد الغشمي.

الغضب الذي أبداه الغشمي يمكن أن يكون بسبب الطريقة التي تناولت بها إذاعة "بي بي سي" الخبر، إذ قد تكون أساءت فهم الأبعاد الوطنية والمحلية للحدث، أو قدمت تحليلاً منحازاً أو غير دقيق كان يثير مشاعر الاستياء بين اليمنيين، خصوصاً في وقت حساس كان يشهد توتراً سياسياً داخلياً في البلاد. جاء في البرقية ما نصه "أشكركم على تحرككم السريع والمفيد، لقد رأى أحد أعضاء طاقم العقيد خميس (يقصد محمد خميس الذي كان يشغل منصب رئيس جهاز الأمن الوطني في شمال اليمن وعرف بعدائه الشديد لتجربة اليسار في جنوب اليمن) في الـ18 من أكتوبر، وبعد أن أكد أن هيئة الإذاعة البريطانية هيئة مستقلة وملتزمة بواجب نقل الأحداث كما وردت من مراسليها، قال إن وزارة الخارجية البريطانية لفتت انتباه هيئة الإذاعة البريطانية بصورة استثنائية في هذه المناسبة إلى شكوى الرئيس الغشمي". 


وأكملت البرقية أن خميس قال إن العبارة التي أغضبت الغشمي كانت "الشعب الحقير قتل زعيماً كفؤاً"، و"أجد صعوبة في تصديق أن هيئة الإذاعة البريطانية كانت لتدلي بمثل هذا العنوان المهين، ولا شك أنها نقلت الخبر بصورة خاطئة، وسيظهر النص المكتوب ذلك". 

ثم طلب سكرتيري الأول من خميس أن يطمئن الرئيس، وأعرب خميس عن شكره، وقال إنه "سيتوجه لمقابلة الرئيس وسينقل له الرسالة".

الرياض تدين بشدة والصحافة السعودية تبرز دور الرئيس الحمدي في تعزيز الوحدة اليمنية قبل اغتياله

الإدانة التي أصدرتها السعودية لعملية اغتيال الرئيس اليمني إبراهيم الحمدي تعكس اهتمام المملكة العميق بالتطورات السياسية في اليمن والمنطقة. 

وفي هذا السياق أشادت الصحافة السعودية بدور الحمدي في تحقيق الوحدة الوطنية والاستقرار في اليمن، معتبرة إياه شخصية سياسية وسطية سعت إلى تحقيق التوازن بين القوى المختلفة داخل البلاد، كما أشارت إلى أن اغتياله قد يكون ناتجاً من صراع داخلي بين القوى اليمينية واليسارية في اليمن، وهو ما يعكس التوترات السياسية التي كانت سائدة في تلك الفترة.

"إلى وزارة الخارجية فوراً برقية رقم 755 بتاريخ الـ15 من أكتوبر، معلومات فورية من صنعاء وعدن عن اغتيال الرئيس الحمدي"، وبيان صادر عن المحكمة الملكية نشر في الصحافة بتاريخ الـ13 من أكتوبر دان بشدة هذا العمل باعتباره عملاً شريراً وإجرامياً.

وعلقت الصحافة السعودية بصورة إيجابية على جهود الحمدي لتحقيق الوحدة والاستقرار في اليمن، وأشارت افتتاحية الصفحة الأولى في صحيفة عكاظ (صحيفة يومية) إلى الإنجازات الهائلة التي تحققت تحت قيادته، وإلى الحاجة إلى التزام الجيش بسياساته الداخلية والخارجية.

ومقالة افتتاحية في صحيفة "عكاظ" الصادرة باللغة الإنجليزية تصف الحمدي بأنه رجل من الوسط، وربما كان يميل قليلاً إلى اليمين بحكم الضرورة إن لم يكن عن قناعة، وقد تحرك بذكاء للقضاء على القبائل باعتبارها ولايات داخل الدولة.

ومقالة رئيسة في صحيفة "عكاظ" تناقش الدوافع المحتملة للاغتيال:

 أ. اليمين اليمني الذي خشي أن تمهد سياسة الحمدي في التقارب مع جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية الطريق، لاستيلاء اليسار تدريجاً على السلطة في اليمن.

 ب. اليسار اليمني الذي رغب في الاندماج مع جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية (التي كانت تشترك معه في أيديولوجية وفلسفة سياسية مشتركة) وربما تصرف ضد الحمدي إما تلقائياً أو بتشجيع خارجي لتدمير الوضع الراهن ومنع أي نوع من أنواع الاتفاق بين الحمدي واليمين. 

ج. القبائل التي حرمت من السلطة ورفضت قبول علاقة تابعة مع الحكومة. 

د. مساعدو الحمدي (كذا) الذين كان يتقاسم معهم السلطة السياسية، ولكنه كان يتجاهلهم باستمرار، ربما استخدموا مجموعة منشقة لتنفيذ عملية اغتياله بهدف الحصول على مناصب قوة مميزة لأنفسهم، والحقيقة أن القتلة والقوة التي تقف وراءهم لم يلاحظوا الأمر بعد، إلى جانب حقيقة أن القيادة الجديدة كانت ملتزمة تماماً بشكل الحكومة نفسه الذي كان موجوداً في عهد حمدي، كل هذا كان من شأنه أن يدعم هذه النظرية بالذات.

وتشير افتتاحية صحيفة "أراد نيوز" إلى الغشمي بأنه رجلاً يتمتع بسمعة طيبة باعتباره حليفاً وثيقاً للسعودية ورجلاً ينبغي للمملكة أن تكون قادرة على التعاون معه، كما يشير إلى عبدالعزيز عبدالغني وعبدالله عبدالعليم، ولكن بصورة خاصة الأول، باعتبارهما صديقين حميمين للسعودية، ومع ذلك يستمر في التعليق على أن الحمدي كان رجلاً أقوى بكثير من خليفته وأن من المأمول ألا يتطور أي صراع على السلطة يعرض استقرار اليمن وتقدمها للخطر.

المزيد من تقارير