ملخص
يعتبر لقاء أحمد الشرع مع قيادة سوريا الديمقراطية من أهم لقاءات المرحلة الجديدة لما يحمل الطرفين من ملفات ثقيلة مشتركة يأخذ فيها العامل الإقليمي والدولي حيزاً من الاهتمام والتدخل لا سيما صراع تركيا مع الأكراد المتحالفين مع أميركا.
برعاية أميركية وفي أحد المطارات القريبة من دمشق قبل أيام انخرط قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع في محادثات تمهيدية من قيادة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، في محاولة لمعالجة الملفات العالقة بين الطرفين باعتبارها إرثاً ثقيلاً تركه النظام السابق خلفه.
مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبدالرحمن أكد أن الاجتماع جرى بين الشرع وقائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي في مطار ضمير العسكري الواقع شمال شرقي العاصمة، فيما أوضح مصدر مطلع على فحوى الاجتماع في حديثه لـ"اندبندنت عربية" أن الاجتماع لم يكن تفاوضياً، بل كان في إطار التعارف واللقاء للمرة الأولى وجهاً لوجه.
وأشار المصدر إلى أن الجانب الأميركي كان حاضراً بقوة في هذا اللقاء، علاوة على تولي مهمة نقل وفد قيادة "قسد" من شمال شرقي سوريا إلى القاعدة الجوية التي شهدت اللقاء قرب دمشق، موضحاً أن الاجتماع كان تمهيدياً للمرحلة المقبلة بين الجانبين، إذ يتوقع أن تشهد لقاءات متبادلة حول مواضيع وملفات عالقة.
وعلى الاختلاف مع جميع اللقاءات التي عقدها الشرع مع قادة الجماعات المسلحة في سوريا التي كانت جميعها مصورة ومعلنة، لم يصدر عن لقاء الشرع وعبدي، الأول من نوعه، أي تصريح أو بيان من كلا الجانبين. وفي تعليق وزير التجارة بالحكومة السورية ماهر خليل قال إنه لا يوجد إفصاح عن المفاوضات مع "قسد"، كونها لا تزال في مرحلة التشاور، مؤكداً أن هذه المفاوضات سياسية وليست فنية بين وزارتين من الطرفين.
ونبه خليل إلى أن العملية أبعد من النقاش حول النفط أو المحاصيل الزراعية، مضيفاً "الموضوع يرتبط بمناقشة سيادة الدولة على أراضيها كافة، ومشاركة جميع المكونات في بيان الدولة الحديثة"، وأشار إلى أهمية المكون الكردي في هذه المرحلة من عمر الدولة السورية.
تتويج لعلاقة سابقة
وعلى رغم نوعية اللقاء باعتباره على مستوى أعلى هرم القوتين فإن العلاقة بينهما ليست جديدة، فخلال الفترة الماضية عقدت اجتماعات عديدة بينهما، كما أن القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية كشف أكثر من مرة عن التواصل بين "هيئة تحرير الشام" وإدارة العمليات العسكرية عبر الطرف الأميركي.
وقال نواف خليل مدير المركز الكردي للدراسات من ألمانيا في تصريح خاص إن لقاء الشرع مع قيادة قوات سوريا الديمقراطية هو تتويج للعلاقة بين الطرفين التي بدأت منذ بدء عملية ردع العدوان، سواء من خلال عملية إجلاء سكان منطقة الشهباء ومهجري عفرين والإبقاء على الأحياء الكردية في مدينة حلب على حالها، وصولاً إلى تسليم مدينة دير الزور من "قسد" التي دخلتها مع سقوط النظام تحسباً لسيطرة متوقعة من تنظيم "داعش" عليها لإدارة العمليات العسكرية.
الدور التركي
بحسب مدير المركز الكردي للدراسات فإنه مع سقوط بشار الأسد تأسس واقع جديد في سوريا، إذ باتت "هيئة تحرير الشام" وإدارة العمليات العسكرية هم الحكام الجدد، وتحركت الدول العربية لمنع سيطرة تركيا على البلاد، مشيراً إلى أن أنقرة تستغل ضعف دمشق وتحاول ترسيم الحدود البحرية وإقامة قواعد عسكرية داخل البلاد والاستيلاء على قاعدة البيانات في السجلات المدنية من خلال طباعة واستصدار بطاقات شخصية وجوازات السفر للسوريين، إضافة إلى طلبها من الشرع محاربة قوات "قسد".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
خليل حذر من أن تركيا لا تقيم وزناً حقيقياً لسيادة سوريا وحكام دمشق الجدد، فهي تعيد هيكلة وزيادة رواتب ودعم الجيش الوطني الموالي لها وكذلك الحكومة الموقتة الموالية لها برئاسة عبدالرحمن مصطفى على رغم الحديث عن تمتين العلاقات مع دمشق والزيارات المكثفة، بما فيها الحديث عن زيارة مرتقبة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وتساءل عن سبب دعم تركيا للفصائل الموالية لها في حين أن وزارة دفاع جديدة تتشكل في دمشق.
صنع التوازن
نواف خليل لفت الانتباه أيضاً إلى أن التحرك والمواقف العربية بما فيها دور السعودية ذات الثقل ربما يقطع الطريق أمام المطالب التركية، وخففت عن حكام دمشق الجدد كثيراً من الأعباء، مضيفاً أن تلك المواقف والتحركات العربية تلقى دعماً أميركيا وبريطانياً.
وقال "هذه التحركات العربية والغربية قطعت الطريق سابقاً أمام تركيا عندما أرادت أن تكون الوسيط بينها وبين هيئة تحرير الشام، خصوصاً بعد زيارة وفد الخارجية الأميركية برئاسة باربارا ليف ولقائها مع الشرع".
ثمة مقاربة سياسية يتبعها الأكراد تجاه دمشق وتتلخص في اعتماد قيادة قوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية على الإصرار دائماً بأن الحل يكمن في العلاقة مع العاصمة السورية وعبر الحوار، وهو ما أكد عليه أحمد الشرع أيضاً، فالأخير بحسب مدير المركز الكردي للدراسات، بحاجة إلى قوات "قسد" لكونها الشريك الرسمي للتحالف الدولي في محاربة الإرهاب، إذ إن قوام هذه القوات يفوق 100 ألف مقاتل من الرجال والنساء وتمتع بالشرعية.
وتابع "على رغم عدم رسمية قوات سوريا الديمقراطية تستقبل قياداتها بصورة رسمية في محافل الدول المتحالفة معها سواء في فرنسا أو الكونغرس الأميركي وغيرها من العواصم الغربية، وكل المزايا التي تتمتع بها الإدارة الذاتية سيستفيد منها حكام دمشق"، مضيفاً أن الإدارة الذاتية أيضاً تستطيع أن تتفاوض الآن مع الحكام الجدد للوصول إلى عقد اجتماعي جديد يعترف فيه دستورياً بقضية الشعب الكردي.
في المقابل وفي ما يتعلق بالوجه الآخر للعلاقة الجدلية بين دمشق والأكراد، رأى الباحث الكردي نواف خليل أنه لا يمكن أن يكون المركز غير ديمقراطي ويتمتع الكرد بحقوقهم في الوقت ذاته، "فدمقرطة سوريا تبدأ بالاعتراف بالقضية الكردية وعلى أن تكون الدولة لا مركزية سواء أكانت فيدرالية اتحادية أو أي شكل عليه السوريون، بما فيها الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية".
وختم حديثه بالإشارة إلى أن اللقاء الأول بين الشرع وقوات سوريا الديمقراطية هو تتويج لعلاقات سابقة ويؤسس للقاءات مقبلة، والأهم من كل ذلك هي الخطوة التي أقدمت عليها الولايات المتحدة من خلال وساطتها بالتخلص من الضغط التركي، "وهو أمر مفيد لكل من دمشق والإدارة الذاتية".