Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"الحملُ الطاهر" رواية نيتشوية تضطهد الأم فيها وليدها القبيح

أبطال الكندي غايتان سوسي يعيشون صراعا بين الوحشية والرغبة في الخلاص

الروائي الكندي غايتان سوسي (صفحة الكاتب - فيسبوك)

ملخص

 تدور أحداث رواية "الحمل الطاهر" للروائي الكندي جايتان سوسي حول فكرة التطهير من الخطايا عبر النار، إذ تبدأ بحريق كبير في مدينة مونتريال وتنتهي باحتراق أبطالها، لتعكس الصراع بين الخير والشر من خلال شخصيات متناقضة مع لمحات فلسفية نيتشوية وكافكاوية تبرز عبثية الوجود الإنساني

تأتي رواية "الحمل الطاهر" للروائي الكندي جايتان سوسي (1958- 2013) كأول عمل روائي له يترجم إلى العربية (دار المرايا - القاهرة) بتوقيع مجدي الصيرفي، وهي أولى روايات المؤلف عموماً ونشرت عام 1994 بالفرنسية "L'Immaculée Conception" وترجمت إلى عدد من اللغات وإن لم تكن أشهر أعماله الإبداعية، إذ نشر أربع روايات ومسرحية، كان أبرزها روايته الثالثة "الطفلة المولعة بأعواد الكبريت" (1998)، فهي فور صدورها ترجمت إلى أكثر من 10 لغات، وتحولت إلى فيلم سينمائي عام 2017.

وثاني أعماله الروائية هي رواية "الكفّارة" 1997، أما روايته الأخيرة فهي "قاعة الموسيقى" 2002، أما مسرحيته الوحيدة فهي باسم "كاتوبليباس" Catoblepas (2001). وتجسد رواية هذه الرواية جزءاً من ثلاثية روائية تشترك في مجموعة من السمات العامة، منها فكرة التكفير عن الذنب، ففي "الحمل الطاهر" تحضر النار بوصفها صورة من صور التطهير من الذنوب والخطايا، فتبدأ بحريق ضخم في حي فقير في مدينة مونتريال الكندية أودى بحياة أكثر من 75 شخصاً عام 1924، بخلاف الذين التهمتهم النيران في حوادث مختلفة، إذ تقوم بنية الرواية على استعادة حريق قديم جرى داخل حظيرة مواشي قبل أكثر من 20 عاماً من بداية أحداث الراوية، كما ينتهي العمل باشتعال النيران في بطل الرواية مع زوج أمه بعد أن ضلّا الطريق في إحدى الغابات لتكتمل بهذه الحرائق مسألة التطهير التي ارتكبت بقصد أو من دون قصد.

وفي الرواية الثانية "الكفارة" يسافر البطل لويس بابوم إلى بلدة سانت ألدور الصغيرة في منطقة كيبك الكندية عام 1946 ليكفر عن ذنب اقترفه في الماضي، معتذراً لتلميذته جوليا التي يعتقد أنه ارتكب ضدها أعمالاً فظيعة، وهذا الذنب أفقده الإلهام الموسيقي. أما روايته الثالثة "الطفلة المولعة بأعواد الكبريت" فهي عن فتاة أحرقت أمها من دون قصد، فيما يعتقد الوالد أن ذلك الاحتراق لم يكن سوى عقاب عادل على ذنب اقترفته الأم.

الشخصيات التوائم

تظهر في الروايات الثلاث فكرة التشظي والانقسام عبر وجود الشخصيات التوائم، ففي رواية "الحمل الطاهر" نحن أمام "ويسلون" وتوأمه، بطبائعهما المختلفة تماماً، وفي رواية "الكفارة" تظهر الفتاتان التوأم اللتان يبحث البطل عن إحداهما للتكفير عن ذنبه، وتقوم "الطفلة المولعة بأعواد الكبريت" على هذه الثنائية أيضاً، الشقيقان اللذان يعيشان تحت سطوة أب ديكتاتور، ولا يتحرران إلا بعد انتحاره شنقاً فيحصلان على حريتهما في الانطلاق وفهم العالم المحيط بهما الذي عزلهما الأب عنه.

الروابط المشتركة بين أعمال سوسي في ثلاثيته كثيرة، سواء في أسلوبه الغامض وعدم التمكن من الإلمام بتفاصيل قصته وعدم إعطائه إجوبة وتفسيرات واضحة لمجرى الأحداث، ويختلط في أعماله الشيء ونقيضه، الواقعية مع الفنتازيا، والإيمان مع الكفر، والخلاص مع الدنس، والاستقامة مع الانحراف، وتحضر فيها فلسفات مختلفة ومتناقضة، ويرجع ذلك لتنوع المجالات التي عمل فيها المؤلف الذي درس الرياضيات والفيزياء والفلك في جامعة مونتريال، ثم اتجه إلى درس الفلسفة وتدريسها.

ويظهر في رواية "الحمل الطاهر" التناقض بين حضور قوي لرجال الدين ودعوتهم الناس إلى التحلي بالأخلاق القويمة، وبين أفكار نيتشه التي تدعو القوي إلى سحق الضعيف، ويدعم الجانب الإيماني الأول اسم الرواية الذي يشير إلى عيد تحتفل به الكنيسة الكاثوليكية في الثامن من ديسمبر (كانون الأول) كل عام، باعتباره اليوم الذي حملت فيه مريم العذراء عليها السلام.

الجميل والقبيح

أما الجانب النيتشوي فيتجلى أكثر ما يتجلى في قصة الحطَّاب ويلسون الذي كان له توأم مغاير تماماً في الصفات، يعكس تبايناً بين القبح والجمال الرقة والخشونة، فتقرر أمهما الفصل بينهما فيزداد توحش القبيح ويصبح صورة للإنسان البدائي الذي يصطاد طعامه من الغابات، لكن في الوقت ذاته كان لديه نهم غير طبيعي للمعرفة يدفعه لقراءة كل الكتب التي تقع عينه عليها، فيأتي على لسانه في مذكراته التي يطلق عليها "اعترافات وحش"، "مرت الأعوام وأنا أصقل مهاراتي، أقصد في ما يخص إتقان دوري كوحش مسجون، لم أكن أستحم، لم أغير ملابسي أبداً"، إلى أن يصل في اعترافاته إلى القول بأنه قتل الخالق خنقاً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وهكذا تتمازج في الرواية الروحان المؤمنة والكافرة، بين ويسلون ونقيضه الراهب الإسباني إيغناس الذي عاش في القرن الـ 16 واشتهر بالورع الشديد، واشتهر بمفهومه عن الإرشاد الروحي القائم على تحرير الفرد من كل مؤثر يلهيه عن مشيئة الرب، ولا تنحاز الرواية إلى أي من الرؤيتين بل تقبل وجهي العملة كما هما، من دون تفضيل وجه على آخر. وترمز شخصيتا ويسلون وأخيه أميديه الى فكرة الخير والشر في الإنسان، "على رغم أن أميديه كان تجسيداً حياً للبهاء والجمال والسحر الطفولي، وأنني كنت مشوه القلب والوجه، فقد كنا نتكامل مثلما يكمل الليل النهار".

وعلى رغم الاختلاف البيّن بين الأخوين لكن علافتهما كانت متناغمة إلى حد كبير، إلى أن عملت الأم على الفصل بينهما وإرسال الابن السوي إلى التعلم بعيداً من أخيه الوحش الذي رفضت إرضاعه حين رأت بشاعة منظره، وعندما يعود الأخ للبيت كمعلم موسيقى ينفر من أخيه الوحشي إلى أن تعتل صحته ويموت، فيما تتوحش صورة الشر في ويلسون بشكل مخيف، فيقد الأخوان بإبعادهما واحدهما عن الآخر توازنهما، في إشارة إلى أن التوازن بين الخير والشر ضرورة إنسانية من دونها يختل العالم.

الطابع الكافكاوي

وتتجلى في شخصية روموالد، موظف البنك، الطابع الكافكاوي، فإضافة إلى انعزاليته عن العالم فهو يقدم صورة من شخصية غريغور سامسا الذي استيقظ من النوم فوجد نفسه حشرة في رواية المسخ، فهذا الهاجس من التحول إلى حشرة أو شيء آخر يطارد روموالد، "شعر أثناء إصابته بالحمى أن هناك تغيرات غير مسبوقة تحدث له، أنه سينبت له ثديان، سيتحول إلى امرأة، وإذا كان من الممكن ألا يظل صغير الحجم فلا بد أنه من الممكن جداً ألا يظل ولداً، ألا يظل إنساناً أن يتحول إلى ذبابة أو عنكبوت" (ص:155).

هذه الشخصية الكافكاوية الطابع تتماس مع غوريغور سامسا في أنهما شديدا الانضباط، فلم يتأخر أي منهما عن العمل ولو لدقيقة واحدة، كما تتماس الشخصيتان في الطابع الغرائبي، فإذا كان سامسا تحول حقيقة إلى حشرة فإن روموالد يتحول إلى كائن مخيف منطو على نفسه يخشى الطلاب الاقتراب منه، لكنه يتمتع في الوقت ذاته بموهبة غير عادية في النجارة، فضلاً عن أنه يفعل كل ما يطلب منه، وهذا التحول في شخصية روموالد يمكن تفسيره من جانب نفسي كما تشير إلى ذلك أحداث الرواية على أنه "اضطراب ما بعد الصدمة"، فقد تعرض وهو في الـ 12 من عمره لفقدان الذاكرة عندما خدعه ويسلون ودفعه لأكل أخته غوسلين يوم عيد "الحمْل الطاهر"، بعدما أوهمه بأنه إنما يأكل لحم حيوان اصطاده من الغابة، ولكن حين فتح روموالد الكيس المصنوع من الخيش وجد رأس أخته الصغيرة في داخله، فاضطرب عقله ونقل إلى ملجأ في قرية بعيدة.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة