شهدت العاصمة السودانية الخرطوم، أمس، اجتماعاً لوزراء المياه والري من مصر والسودان وإثيوبيا لبحث مقترحات ورؤى الدول الثلاث بشأن قواعد ملء وتشغيل سد النهضة الإثيوبي، عقب 4 أيام من اجتماعات لخبراء الدول الثلاث، الذين فشلوا في إصدار تقرير مشترك لرفعه إلى وزراء الري.
في وقت تشهد فيه أزمة سد النهضة تصاعداً كبيراً، بعد إثارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الأزمة في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة للمرة الأولى، بعد فشل جولة المفاوضات التي استضافتها القاهرة في الـ15 من سبتمبر (أيلول) الماضي.
ومع قرب بدء تخزين إثيوبيا المياه في بحيرة سد النهضة نهاية العام المقبل، يُنظر إلى بحيرة ناصر (جنوب مصر) باعتبارها المخزون المائي الوحيد، الذي قد تعتمد عليه البلاد في حالة عدم التوصل إلى اتفاق يجنّب مصر العطش خلال ملء بحيرة السد الإثيوبي، لكن خبراء أكدوا لـ"اندبندنت عربية" أن التعنت الإثيوبي قد يجعل البحيرة المصرية "لا تصمد أمام سحب حصة مصر من مياه النيل"، في ظل عدم التوصل إلى اتفاق بعد 8 سنوات من المفاوضات.
وتتركز الخلافات الأساسية بين القاهرة وأديس أبابا حول فترة ملء خزان سد النهضة، إذ تطالب مصر بأن تستمر فترة الملء 7 سنوات، بينما تصر إثيوبيا على 3 سنوات، حسب تصريحات وزير المياه الإثيوبي سيليشي بيكيلي.
سنوات ملء خزان سد النهضة
وقال الدكتور ضياء القوصي مستشار وزير الري السابق والخبير في شؤون المياه إن "مصير بحيرة ناصر يتوقف على عدد سنوات ملء خزان سد النهضة، إذ يبلغ حجم خزان سد النهضة 75 مليار متر مكعب، وإذا أرادت إثيوبيا ملء الخزان خلال عام أو عامين لن تصل نقطة مياه واحدة إلى مصر والسودان".
وأضاف، "أمَّا إذا تم التوافق على الملء خلال 5 سنوات ستستغل إثيوبيا 15 مليار متر مكعب سنوياً تخصم من حصتي مصر والسودان في مياه النيل، بحيث تنقص حصة السودان 5 مليارات متر مكعب مقابل 10 مليارات متر مكعب من حصة مصر".
وتابع، "الحل الوحيد لكي لا تتأثر حصة مصر أن يتم ملء خزان السد الإثيوبي في فترة لا تقل عن 10 سنوات، وقد تصل إلى 50 سنة"، مؤكدا أن "الملء خلال عام أو عامين معناه عدم مرور نقطة مياه واحدة إلى مصر والسودان ودخول الشعب المصري في حالة من العطش".
وكشف القوصي أن "إثيوبيا لم تجرِ دراسات كافية قبل بناء السد وتتلاعب بمصير الشعب المصري الذي يعتمد كلياً على نهر النيل، خصوصاً أن مصر تعاني العجز المائي، ولا تستطيع تحمل المزيد"، مشيراً إلى أن مصر من حقها "الحصول على تعويض عن كل متر مكعب ينقص من حصتها سواء أكان تعويضاً مالياً أو بحصة من كهرباء السد الجديد أو مياه في فترة لاحقة".
بحيرة ناصر أو بحيرة السد العالي هي أكبر بحيرة صناعية في العالم، تقع في جنوب مصر وشمال السودان. واسم بحيرة ناصر يطلق على الجزء الأكبر الذي يقع داخل حدود مصر، ويمثل 83% من المساحة الكلية للبحيرة، أمَّا الجزء المتبقي الواقع داخل حدود السودان فيُطلق عليه اسم بحيرة النوبة، تكوَّنت نتيجة المياه المتجمعة خلف السد العالي بعد إنشائه (الذي استمر من عام 1958 إلى عام 1970)، وأطلق عليها بحيرة ناصر نسبة إلى الرئيس الراحل جمال عبد الناصر.
تحديد نسبة الخصم من حصة مصر والسودان
وقال الدكتور نادر نور الدين أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة، "مصر اقترحت على إثيوبيا ضمن السيناريوهات المطروحة لسنوات ملء الخزان أن يتم إعطاؤنا وقتاً حتى يصل فيضان غزير يمكن من خلاله ملء خزان السد العالي إلى سعته القصوى، وأن يملأ السودان خزانات السدود الثلاثة لديه الروصيرص وسنار ومروي، لكي تسحب الدولتان منهم خلال الملء الأول لخزان سد النهضة دون معاناة، لكن أديس أبابا لم ترد على المقترح المصري بشكل رسمي، كما ترفض حتى الآن تحديد نسبة الخصم من حصة مصر والسودان من تدفقات النيل الأزرق البالغة 50 مليار متر مكعب سواء بنسبة مئوية أو حجم ثابت من التدفقات".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وحول مدى إمكانية الاعتماد على بحيرة ناصر لمنع حدوث جفاف في مصر، أوضح نور الدين أنه "يمكن الاعتماد جزئياً على مخزون البحيرة مدة 3 سنوات فقط، عن طريق سحب كميات تتراوح بين 5 و10 مليارات متر مكعب سنوياً"، لكنه اشترط أن "يكون الفيضان متوسطاً على الأقل، وأن لا تزيد نسبة الخصم من حصة مصر والسودان على 15 مليار متر مكعب سنوياً، لأن ذلك يعني سحب 50 مليار متر مكعب خلال السنوات الثلاث، وإذا تم سحب أكثر من ذلك ستكون توربينات السد العالي مهددة بالتوقف، لأن منسوب المياه في البحيرة سيقل عن 148 متراً".
وأشار إلى أن مصر "طلبت خلال المفاوضات الانتظار حتى ملء بحيرة السد العالي إلى منسوب 180 متراً، لإتاحة مزيد من المياه للسحب فيما بعد، لكن إثيوبيا رفضت الطلب المصري".
وحسب تصميم السد العالي يكون أقصى منسوب للمياه المحجوزة أمامه 183 متراً، إذ تبلغ سعة البحيرة التخزينية عند هذا المنسوب 169 مليار متر مكعب.
وأوضح أستاذ المياه المصري أن إثيوبيا "تعتزم تخزين 45 مليار متر مكعب من المياه في أول 3 سنوات، وتبدأ العام المقبل في تخزين 15 مليار متر مكعب لتشغيل أول توربينين لتوليد كهرباء بقوة 75 ميغا وات، ضمن السد الذي يحتوي على 16 توربيناً، بينما لم تحدد موعداً للمرحلة النهائية لملء الخزان إلى سعته القصوى، وهي 75 مليار متر مكعب".
وكشف عن طلب مصر في الاجتماع الأخير للمفاوضات قبل أسبوعين "خصم 10 مليارات متر مكعب من المياه سنوياً لمدة 3 سنوات، بدلاً من 15 مليار متر مكعب"، وهي النسبة التي كانت اقترحتها إثيوبيا سابقاً، بحيث توزّع نسبة الخصم بالتساوي بين مصر والسودان، وبذلك تفقد مصر 5 مليارات متر مكعب من المياه سنوياً، وهي نسبة ليست قليلة حسب د. نور الدين، حيث تكفي لري مليون فدان.
تدويل الأزمة
خلال الأسبوعين الأخيرين بدأت مصر فيما قد يوصف بتدويل الأزمة، حيث تناول الرئيس السيسي سد النهضة في خطابه أمام الأمم المتحدة للمرة الأولى، محذراً من أن استمرار التعثر في المفاوضات حول سد النهضة سيكون له انعكاساته السلبية على الاستقرار، خصوصاً أن المياه قضية حياة ووجود للمصريين.
كما أثار وزير الخارجية المصري سامح شكري المسألة في مباحثاته مع وزراء خارجية عدد من الدول على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة، ومنها روسيا وفنلندا وبوروندي وجنوب السودان.
من جهتها، أعلنت الولايات المتحدة الأميركية دعمها المفاوضات الجارية بين مصر وإثيوبيا والسودان للتوصل إلى اتفاق تعاوني ومستدام ومتبادل المنفعة بشأن ملء وتشغيل سد النهضة الإثيوبي.
وذكر بيان صادر عن البيت الأبيض، مساء الخميس، أن الإدارة الأميركية تدعو جميع الأطراف إلى بذل جهود تتسم بحسن النية للتوصل إلى اتفاق يحفظ حقوق الجميع لتحقيق الازدهار والتنمية الاقتصادية، إضافة إلى احترام دول وادي النيل بعضهم بعضا فيما يخص حقهم من المياه.
وتؤكد إثيوبيا أن خطط بناء السد تمضي وفقاً للمخطط المرسوم، وتم إنجاز 63% من المشروع الذي تقدر تكلفته بنحو 4.9 مليار دولار، ويؤثر على حصة مصر المائية البالغة 55.5 مليار متر مكعب سنوياً.