Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تغلق واشنطن بوابة إيران إلى الشام ودول الخليج؟

زيارة السوداني طهران تعبر عن حجم الضغوط الأميركية المباشرة والعلنية لإنهاء حال الميليشيات المسلحة المنفلتة

المرشد الأعلى الإيراني خامنئي أثناء استقباله رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني (وسط) بحضور الرئيس مسعود بزشكيان (أ ف ب)

ملخص

على رغم أهمية الساحة العراقية في إطار ما تبقى من المشروع الإقليمي لطهران، فإنه لم يصدر عن الجانب الإيراني أي موقف واضح ومباشر ومعلن فيه التزام أو إشارة إلى إمكانية التعاون والمساعدة في التعامل مع هذه الفصائل والميليشيات، وإنهاء ما تقوم به وصولاً إلى تفكيكها أو دمجها في القوات المسلحة لوزارة الدفاع، لأن مثل هذا الموقف سيعني اعترافاً إيرانياً بالمسؤولية المباشرة عن أعمال وأفعال هذه الميليشيات.

عرفت إيران ولا تزال في الأدبيات السياسية والعسكرية العراقية بأنها البوابة الشرقية للعالم العربي، وهذا يعني حكماً بأن العراق يعد من الناحية الجغرافية والجيوسياسية البوابة الغربية التي تصل إيران بالعالم العربي، باتجاه بلاد الشام والدول الخليجية.

من هنا تأتي أهمية زيارة رئيس الوزراء العراقي والقائد العام للقوات المسلحة محمد شياع السوداني إلى طهران واللقاءات السياسية التي عقدها مع قيادات النظام، السياسية المعلنة والأمنية غير المعلنة. وهي الزيارة التي من المفترض أن ترسم مستقبل العلاقة بين البلدين، بعيداً من الملفات المعلنة للمحادثات والتي تشمل الجوانب الاقتصادية والتجارية والطاقة.

الزيارة العراقية سبقتها موجة واسعة من التسريبات حول أهدافها وما يحمله السوداني في جعبته، وما يمكن أن يضعه على طاولة المحادثات التي سيجريها مع الجانب الإيراني، والتي تمحورت حول التداعيات المرافقة للتغيير الذي شهدته الساحة السورية نتيجة انهيار نظام بشار الأسد وهرب الأخير وتولي "هيئة تحرير الشام" العملية السياسية.

ولعل التسريبات الأهم والأكثر خطورة على إيران، ما دار من كلام عن شروط أميركية على الحكومة العراقية في ما يتعلق بمستقبل تشكيلات "الحشد الشعبي" والميليشيات المسلحة التي تصنف أميركياً في خانة السلاح المنفلت أو خارج الدولة، وما يعنيه ذلك من نية أميركية لم تؤكد بموقف رسمي معلن، بأنها آخر الأوراق الإيرانية أو قطع الذراع العراقية للنفوذ الإيراني في منطقة بلاد الشام، في إطار مساعي واشنطن إلى استكمال حلقة إنهاء دور الأذرع التي بدأت في غزة وحركة "حماس" وامتدت إلى لبنان بفرض تراجع استراتيجي على "حزب الله" من دون كسره نهائياً، وتالياً بإضعاف وتفكيك الورقة أو الذراع العراقية في المحور الإيراني.

وبانتظار ما ستؤول إليه الأمور في ما يتعلق بجهود التوصل إلى اتفاق بين تل أبيب و"حماس" والهدنة المرتقبة وعملية تبادل الأسرى بين الطرفين، فإن الطريق قد يكون مفتوحاً أمام واشنطن للتعامل مع الساحة اليمنية وجماعة الحوثي فيها، التي اشترطت وقف الحرب في غزة لإنهاء عملياتها العسكرية ضد العمق الإسرائيلي أو القوات البحرية الأميركية في مياه البحرين الأحمر والعربي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لا شك في أن زيارة السوداني لطهران تعبر بوضوح عن حجم المخاوف العراقية من تداعيات الحدث السوري تحديداً، وإمكانية أن تتمدد هذه الحال إلى الداخل العراقي، في ظل الضعف الواضح وعدم الاستقرار الذي تعانيه العملية السياسية في هذا البلد، فضلاً عن الضغوط الأميركية المباشرة والعلنية لإنهاء حال الميليشيات المسلحة المنفلتة، التي تشكل تهديداً مباشراً للمصالح الأميركية ومشروعها في إعادة الاستقرار لمنطقة الشرق الأوسط.

وعلى رغم أهمية الساحة العراقية في إطار ما تبقى من المشروع الإقليمي لطهران، فإنه لم يصدر عن الجانب الإيراني أي موقف واضح ومباشر ومعلن فيه التزام أو إشارة إلى إمكانية التعاون والمساعدة في التعامل مع هذه الفصائل والميليشيات وإنهاء ما تقوم به وصولاً إلى تفكيكها أو دمجها في القوات المسلحة لوزارة الدفاع، لأن مثل هذا الموقف سيعني اعترافاً إيرانياً بالمسؤولية المباشرة عن أعمال وأفعال هذه الميليشيات، سواء على الساحة العراقية الداخلية أو في الأعمال القتالية التي شهدتها المنطقة على مدى الأشهر الـ14 الماضية من اندلاع معركة طوفان الأقصى.

عدم صدور موقف واضح من القيادة الإيرانية، قد لا يعني أن طهران لا ترغب أو لا تريد التعاون مع الحكومة العراقية في تجاوز هذه المرحلة من الضغوط والانتقال إلى مرحلة الاستقرار وتحجيم نفوذ هذه الجماعات والحد من تأثيرها وتحكمها في العملية السياسية وامتداداتها على المستوى الاقتصادي.

إلا أنها في المقابل قد تواجه صعوبة بالتسليم أمام ما يمكن أن يكون شروطاً أميركية تهدف إلى استكمال دائرة محاصرتها وحرمانها من الأوراق والأذرع التي تمتلكها، وبخاصة أن الجهود التي تبذلها من أجل إعادة فتح باب الحوار والتفاوض لم يصل إلى نتيجة واضحة في ظل غياب الموقف الأميركي الصريح من العروض التي صدرت عن عديد من المسؤولين، وتحديداً عن وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي الذي أكد استعداد بلاده للتفاوض على إعادة إحياء الاتفاق النووي والتفاهم على ما هو أبعد منه، وحتى البحث في ملفات أخرى غير النووي في إشارة إلى المسائل والملفات الإقليمية المرتبطة بنفوذها داخل المنطقة.

لا شك في أن طهران في موقف قد لا تحسد عليه وكذلك الحكومة العراقية بقيادة السوداني. فإذا ما اتخذت القيادة الإيرانية موقفاً ينسجم مع التسريبات الأميركية وقدمت وعوداً بمساعدة بغداد في تلبية الشروط الأميركية، فهذا يعني اعترافاً بارتباط "الحشد الشعبي" والميليشيات المسلحة خارجه بالقرار الإيراني. وإذا ما اتخذت الحكومة العراقية قراراً بحل "الحشد"، فقد يواجه العراق أزمة أمنية قد تطيح الحكومة والنظام السياسي معاً وتدخله في دائرة الفوضى من جديد.

وتدرك طهران وقيادات النظام فيها أن خسارة العراق يعني خسارة لأي دور في الإقليم خلال المرحلة المقبلة، وبخاصة أن حليفها اللبناني دخل في مرحلة إعادة ترميم نفسه وترتيب أوراقه ليكون أكثر لبنانية من السابق، والمتحول أو المتغير السوري كان أكثر وقعاً وأشد إيلاماً لطهران وقيادتها، لأنه أدخلها في مواجهة متغيرات إقليمية بما فيها من إعادة توزيع لأوزان قوى إقليمية باتت شريكة في القرار على حسابها وأكثر فاعلية في معادلات المرحلة المقبلة.

المصلحة الإيرانية في التعامل مع المستجد العراقي وفي ظل حال الانتظار لما سيكون عليه موقف الإدارة الأميركية الجديدة من إيران وإمكانية العودة لطاولة التفاوض وما معها من شروط جديدة، قد تكون في ترك الأمور لتقدير الحكومة العراقية بالتفاهم مع القوى العراقية، وبخاصة قوى "الإطار التنسيقي" باعتباره الجهة المعنية بمستقبل "الحشد" والفصائل والميليشيات، إضافة إلى السعي من أجل إعادة تفعيل آلية التفاهم التي توصلت إليها مع واشنطن خلال العام الماضي من حرب الإسناد لغزة التي خاضتها بعض الميليشيات بعيداً من "الحشد الشعبي"، والتي أدت تحت وطأة الموقف الأميركي المتشدد والاستهداف المباشر لهذه الميليشيات إلى تراجع مشاركتها في هذه المعركة، انسجاماً مع رغبة طهران في نزع الذرائع الإسرائيلية لتوسيع الحرب وتوريطها مباشرة بها، وما يعنيه ذلك من تعاظم خسائرها وخروجها بصورة واضحة من العراق، وحرمانها من إمكانية الحفاظ على هذه البوابة التي يكمن الرهان عليها من أجل العودة إلى المنطقة بآليات مختلفة، حتى مع سوريا الجديدة.

اقرأ المزيد

المزيد من آراء