Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الحرب بين الولايات المتحدة وروسيا على سوق الغاز الأوروبية

أدرك الرئيس فلاديمير بوتين الخطة الأميركية مبكراً لهذا أسرع ببناء خط "نورد ستريم 2" إلى ألمانيا على رغم كل الصعوبات التقنية والمالية

أجبر الأميركيون ألمانيا على وقف تدفق الغاز في أنابيب "نورد ستريم 2" وبناء محطات غاز مسال لاستيراد الغاز المسال الأميركي (أ ف ب)

ملخص

كان بوتين يظن أنه أذكى من الأميركيين، وأن الأميركيين سليتزمون قواعد اللعبة الاقتصادية والسياسية، ولكنه أثبت في النهاية أنه لم يفهم العقلية الأميركية، لأنهم لم ولن يلتزموا قواعد أية لعبة!

خطة الولايات المتحدة لإحلال الغاز الأميركي محل الروسي في أوروبا تعود إلى عام 2014، وهذه الخطة كانت أحد أسباب الخلاف بين السعودية وروسيا في تحالف "أوبك+".

تاريخياً، ارتفع اعتماد أوروبا على الغاز الروسي حتى تجاوز 50 في المئة من إجمال واردات الغاز. خطة بوتين منذ أن أصبح رئيساً أن تصبح روسيا مصدراً آمناً للطاقة، وأقنع القادة الأوروبيين بذلك. وفعلاً أصبحت روسيا مصدراً آمناً لإمدادات النفط والغاز لأوروبا، والانقطاعات التي حصلت تاريخياً لإمدادات الغاز الروسي قامت بها أوكرانيا.

حدثان تاريخيان غيرا وضع أسواق الطاقة، ليس في أوروبا فقط، ولكن في العالم أجمع: ثورة النفط والغاز الصخريين، وضم روسيا شبه جزيرة القرم التي كانت جزءاً من أوكرانيا. العقوبات على روسيا بسبب ضمها جزيرة القرم مع النمو الهائل في إنتاج الغاز الصخري والبدء ببناء محطات الغاز المسال، أعطت الدولة العميقة في الولايات المتحدة فكرة إمكانية إنهاء سيطرة روسيا على أسواق الطاقة في أوروبا. هنا أذكر "الدولة العميقة" لترمز للأمور التي يتفق عليها الجمهوريون والديمقراطيون بالكامل، بغض النظر عمن هو في البيت الأبيض. ففي عام 2014 كان باراك أوباما الديمقراطي رئيساً للولايات المتحدة، ولكن كانت كوندوليزا رايس، وزيرة الخارجية السابقة في عهد جورج بوش الجمهوري من يروّج لإحلال الغاز الأميركي محل الغاز الروسي. وكان الرئيس دونالد ترمب الجمهوري أكبر مروج للغاز المسال في أوروبا خلال فترته الرئاسية الأولى. وعندما جاء الرئيس جو بايدن الديمقراطي، المعادي للنفط والغاز، استمر بالترويج للغاز المسال في أوروبا لدرجة أن صادرات الغاز المسال الأميركية وصلت إلى أعلى مستوى لها في التاريخ بعهده.

أدرك الرئيس فلاديمير بوتين الخطة الأميركية مبكراً لهذا أسرع ببناء خط "نورد ستريم 2" إلى ألمانيا على رغم كل الصعوبات التقنية والمالية، كما بنى محطات غاز مسال، وحاول إبقاء أسعار النفط منخفضة نسبياً حتى لا ينمو إنتاج الغاز الصخري الذي يدعم صادرات الغاز المسال. كما أقنع بوتين القيادة الألمانية بضرورة الإسراع بالتخلص من المفاعلات النووية وإحلال الغاز الروسي محلها. كان بوتين يظن أنه أذكى من الأميركيين، وأن الأميركيين سليتزمون قواعد اللعبة الاقتصادية والسياسية. ولكنه أثبت في النهاية أنه لم يفهم العقلية الأميركية، لأنهم لم ولن يلتزموا قواعد أية لعبة!

نجح بوتين في ثلاثة أمور:

1- بناء خط أنابيب "نورد ستريم 2" إلى ألمانيا في وقت قياسي.

2- بناء محطات غاز مسال.

3- إقناع ألمانيا بالتخلي عن الطاقة النووية.

لكن ظنه بأن الأميركيين سليتزمون قواعد اللعبة كان خاطئاً تماماً. فقد أجبر الأميركيون ألمانيا على وقف تدفق الغاز في أنابيب "نورد ستريم 2"، وبناء محطات غاز مسال لاستيراد الغاز المسال الأميركي، كما فُجر خط "نورد ستريم 1". (غالب الروايات تقول إن الدولة العميقة في الولايات المتحدة وراء تفجير الخط).

خلال تلك الفترة زادت صادرات الولايات المتحدة من الغاز المسال لأوروبا بصورة كبيرة، بينما انخفضت صادرات الغاز الروسية لأوروبا إلى خُمس ما كانت عليه قبل الهجوم الروسي لأوكرانيا.

خلاف روسيا مع السعودية

على رغم انضمام روسيا إلى تحالف "أوبك+" منذ عام 2016، فإنها لم تتفق بالكامل مع السعودية في شأن خفوضات الإنتاج. في الاجتماعات المختلفة كانت السعودية تطالب بخفوضات أكبر، بينما كانت روسيا تعارض ذلك، وأحياناً تعارض أي خفض، حتى انتهى الأمر بحرب أسعار في مارس (آذار) 2020. هناك بضعة أسباب للموقف الروسي أهمها أن روسيا أكبر مصدر للغاز في تحالف "أوبك+"، بينما كبار منتجي "أوبك+" مصدرون للنفط فقط. بعبارة أخرى، دخل روسيا يعتمد على النفط والغاز، بينما مصالح دول "أوبك+" في النفط فقط. أدرك بوتين الخطة الأميركية لإحلال الغاز الأميركي محل الغاز الروسي في أوروبا، وأدرك أن أغلب الغاز يأتي من الغاز المصاحب في حقول النفط الصخري. كلفة إنتاج النفط الصخري وقتها كانت مرتفعة، لهذا لم ترغب روسيا برفع أسعار النفط فوق 60-65 دولاراً للبرميل. أي ارتفاع في أسعار النفط يعني ارتفاع إنتاج النفط ومن ثم زيادة إنتاج الغاز المصاحب بغض النظر عن سعر الغاز. هذا يعزز من قدرة صناعة الغاز المسال الأميركي التنافسية ويساعدها على التمدد، ومن ثم منافسة الغاز الروسي في أوروبا. لهذا قرر الروس ألا يشاركوا في خفض الإنتاج في بداية 2020 منعاً لارتفاع أسعار النفط ومن ثم منع زيادة إنتاج الغاز الأميركي بعدما بدأت الولايات المتحدة بتصدير الغاز إلى أوروبا (كان ذلك قبل الانتهاء من بناء خط نورد ستريم 2). لهذا نجد مقالات في الإعلام الأميركي تتكلم عن رغبة بوتين بخنق صناعة "الصخري" الأميركية. الأمر الآن اختلف بعد العقوبات على روسيا والتغيرات الهيكلية التي حصلت في تجارة الغاز الدولية والتي نتجت منها خسارة روسيا حصة كبيرة من سوق الغاز الأوروبية، ومن ثم هناك انسجام كامل في سياسات السعودية وروسيا النفطية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الحرب تمتد للصين

قامت روسيا والصين ببناء خطوط غاز بينهما وفُعل خط "بور أف سيبيريا" في الأشهر الأخيرة، مما نتج منه وصول صادرات الغاز الروسية إلى الصين في 2024 إلى أعلى مستوى لها تاريخياً، ويتوقع أن تحقق مستويات قياسية في العام الحالي. إلا أن انخفاض معدلات النمو الاقتصادي في الصين يعني عدم حاجة بكين إلى كميات إضافية من الغاز. وبما أن الغاز الروسي عبر الأنابيب أرخص من الغاز المسال الأميركي، فسيحل الغاز الروسي محل الغاز الأميركي في الصين! الأمور قد تزداد تعقيداً مع فرض ترمب تعرفة جمركية عالية على الواردات من الدول المختلفة، بما في ذلك رفع التعرفة على الصين، لأنه إذا قررت الصين المعاملة بالمثل فإن هذا سيخفض صادرات الغاز الأميركية إلى الصين لمصلحة الغاز الروسي! المشكلة أن رفع التعرفة الجمركية يعني استمرار معدلات النمو الاقتصادي المنخفضة في الصين، ومن ثم انخفاض مبيعات الغاز المسال الأميركية للصين، حتى من دون رفع التعرفة الجمركية.

العقوبات الأميركية على منشآت الغاز المسال الروسية

فرضت الولايات المتحدة عقوبات مشددة على منشأة "أركتيك أل أن جي 2" لدرجة أنه توقف التصدير منها كما توقف توسيعها. العقوبات الأميركية تهدف إلى منع روسيا من التوسع في إنتاج الغاز المسال، لهذا ستفعل ما في وسعها لمنع بناء أية منشآت جديدة.

الخلاف هنا إستراتيجي بحت ولا علاقة له بالحرب في أوكرانيا: بوتين يعرف أن سوق الغاز الروسي في أوروبا ستتلاشى مع الزمن، ومن ثم فإن كمية الغاز المصدرة عبر الأنابيب إلى أوروبا ستكون محدودة جداً. كما يعرف أنه لا يريد أن يكون رهينة لاقتصاد الصين وسياسات الصين من طريق جعل الصين هي المستورد الوحيد. لهذا لا بد من تنويع صادرات الغاز لتحقيق أعلى إيرادات ممكنة.

الولايات المتحدة أدركت هذا الهدف الإستراتيجي لبوتين فردت بإستراتيجية مضادة: عدم السماح لروسيا بالتوسع في إنتاج الغاز المسال من طريق وقف تصدير التقنية لروسيا ووقف الاستثمارات الأجنبية. بهذا تستطيع الولايات المتحدة تحجيم قدرات روسيا في تحصيل إيرادات إضافية، كذلك تمنع منافسة الغاز الروسي مستقبلاً للغاز الأميركي في أوروبا، وفي الوقت نفسه تضمن عدم انهيار أسعار الغاز المسال. هنا يصبح الممر الشمالي مهماً لروسيا لإيصال الغاز المسال إلى آسيا وغيرها بمسافة أقصر وكلف أقل. لهذا نجد الولايات المتحدة تفرض عقوبات على كل ناقلة غاز مسال كاسحة للجليد!

أسئلة تحتاج إلى إجابة:

1- لماذا تمر عشرات السفن المحمّلة بالنفط الروسي أسبوعياً من البحر الأحمر، ولا تمر ناقلات الغاز المسال الروسية، التي تدور حول أفريقيا للوصول إلى آسيا؟

2- لماذا لا تمر ناقلات الغاز القطرية المتجهة إلى أوروبا عبر البحر الأحمر وتذهب حول أفريقيا؟

3- لماذا لا تمر ناقلات الغاز المسال من قناة بنما، ولماذا يحاول الرئيس ترمب إعادة السيطرة على القناة؟

4- لماذا يصر الرئيس ترمب على فكرة شراء جزيرة غرينلاد من الدنمارك؟

من سيربح هذه الحرب في النهاية؟ إن غداً لناظره قريب!

اقرأ المزيد

المزيد من آراء