Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تاريخ الجيش السوري من أولى حروبه ضد إسرائيل وصولا إلى مواجهة شعبه

على رغم دخول نظام الأسد في المحور الإيراني لكنه لم يتشارك مع "حزب الله" المعركة الأخيرة ضد تل أبيب

الإعلان الرسمي لدخول الجيش السوري إلى لبنان كان عام 1976 (أ ف ب)

ملخص

تأسس عام 1945 وانهار نهاية 2024، وخاض أولى حروبه ضد إسرائيل وسيطر على لبنان لثلاثة عقود ودمر مدناً سورية عام 1982، ثم شن حرباً على السوريين بعد عام 2011، وكانت تهيمن عليه قيادة من طائفة واحدة، فيما انشق عنه آلاف بعد قصف المدنيين إبان اندلاع الانتفاضة الأخيرة.

في الأول من أغسطس (آب) من كل عام تحتفل سوريا خلال نظامها السابق بما يسمى "عيد الجيش العربي السوري"، والسبب في اختيار هذا التاريخ يعود لإعلان تأسيس الجيش السوري الذي جرى في مثل ذلك اليوم عام 1945، وقبل شهور قليلة من مغادرة الفرنسيين الأراضي السورية واستقلال البلاد، وهو اليوم نفسه الذي كان متفقاً عليه كموعد لتسلم كل من الحكومتين السورية واللبنانية القوات المسلحة وجميع ما يتعلق بإدارتهما من السلطات الفرنسية، على أن يكون لسوريا جيش مستقل وللبنان جيش مستقل.

وهذا التاريخ كان تتويجاً لأعوام طويلة من محاولات تأسيس الجيش، إذ بدأت الأولى عقب خروج العثمانيين من سوريا عام 1918 إلا أن الجيش الوليد ما لبث أن تلاشى عام 1920 مع دخول الفرنسيين، وبعد ضغوط شعبية عليهم وافق الفرنسيون على تشكيل نواة للجيش بدأت بتأسيس الكلية العسكرية في مدينة حمص عام 1932، وفي عام 1936 نصت "معاهدة الاستقلال" على أن يكون لسوريا جيشها المستقل، وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وبدء ملامح قرب الاستقلال أصدر الرئيس السوري شكري القوتلي مرسوماً في الـ 29 من مايو (أيار) 1945 ينص على تشكيل جيش سوري، وما هي إلا شهور قليلة حتى جرى الإعلان رسمياً عن تشكيل الجيش في الأول من أغسطس من العام نفسه، وجرى الاعتراف به دولياً في الـ17 من أبريل (نيسان) 1946 يوم الاستقلال.

الحرب الأولى

بعد إعلان تأسيسه كان عدد عناصر الجيش السوري 12686 عنصراً بينهم 586 ضابطاً أعلاهم برتبة كانت تسمى في ذلك الوقت زعيم، ويترأسه وزير الدفاع رئيس الوزراء سعد الله الجابري، الذي يُطلق اسمه إلى اليوم على إحدى أهم الساحات الكبرى في مدينة حلب.

وبعد صدور قرار تقسيم فلسطين عام 1947 دعت الجامعة العربية إلى تشكيل جيش تطوعي سُمي "جيش الإنقاذ" لدعم المقاومة الفلسطينية، وشارك الجيش السوري في جيش الإنقاذ العربي بـ 54 ضابطاً، فكانت هي الحرب الأولى التي يشارك فيها الجيش السوري خارج حدود البلاد، وكانت المشاركة تشمل لواء المشاة واللواءين الثاني والثالث.

جيش من الانقلابات

وبعد الهزيمة في فلسطين وجّه البرلمان السوري انتقادات لاذعة للجيش بسبب أدائه، وتزامناً مع أزمة اقتصادية كبيرة نفذ الجيش السوري أول عملية انقلاب عسكري في تاريخ سوريا الحديث بقيادة حسني الزعيم في الـ30 من مارس (آذار) 1949، إذ قام بإلغاء الدستور وحل البرلمان، وما هي إلا شهور قليلة وتحديداً في الـ13 من أغسطس 1949 حتى نفذ سامي الحناوي انقلاباً على حسني الزعيم، ليسجل التاريخ السوري انقلابين عسكريين خلال أقل من ستة شهور، وأيضاً بعد شهور قليلة وتحديداً في الـ 19 من ديسمبر (كانون الأول) 1949 نفذ الضابط أديب الشيشكلي انقلاباً عسكرياً على سامي الحناوي وأبقى على السلطة التشريعية وعزز صلاحيات البرلمان، وعلى رغم ذلك بقي الجيش يتدخل في جميع الشؤون السياسية للبلاد قبل أن يعاود أديب الشيشكلي تنفيذ انقلابه العسكري الثاني، والرابع في تاريخ البلاد، في الـ29 من نوفمبر (تشرين الثاني) 1951، فاعتقل الرئيس هاشم الأتاسي وحل البرلمان وعلق الدستور.

وفي الـ 25 من فبراير (شباط) 1954 نفذ الجيش السوري خامس انقلاب بعد الاستقلال سُمي "انقلاب حلب" لأن الوحدات العسكرية تحركت من حلب، لكن هذا الانقلاب أسهم في إعادة العمل بدستور 1950 وعودة النظام الجمهوري البرلماني التعددي وازدهار الحياة السياسية في البلاد.

زمن الوحدة والانفصال

بعد قيام الوحدة بين سوريا ومصر كان جيشا البلدين ضمن جيش الجمهورية العربية المتحدة، وجرى نقل عدد من الضباط السوريين إلى مصر والبعثات العسكرية في الخارج، وكان الضباط البعثيون، أي المنتمون لـ "حزب البعث" في سوريا، يتذمرون بصورة متكررة من القرارات التي تصدرها القيادة المركزية للجيش في القاهرة، فقام الضابط السوري الرائد محمد عمران بتأسيس لجنة سرية في القاهرة تضم كلاً من الرائد صلاح جديد والنقيب حافظ الأسد، وثلاثتهم من الطائفة العلوية، إضافة إلى عبدالكريم الجندي وأحمد المير ملحم من الطائفة الإسماعيلية، وضابطين برتبة ملازم من المسلمين السنّة، وكانت مهمات هذه اللجنة تعطيل استمرار الوحدة بين سوريا ومصر، وعلى رغم ذلك لم تكن هي سبب الانفصال لاحقاً.

وفي الـ 28 من سبتمبر (أيلول) 1961 نفذ العقيد عبدالكريم النحلاوي سادس انقلاب عسكري في تاريخ سوريا بعد الاستقلال لكنه كان مختلفاً في نوعه وكان هدفه فصل سوريا عن مصر وإعلان استقلال سوريا، وهو ما جرى بالفعل.

وبحسب وجهة نظر النحلاوي في تصريحات إعلامية سابقة فقد توجه "بفرقة دبابات إلى مقر الضابط المصري المسؤول في سوريا المشير عامر لإبلاغه بطلبات الضباط الانقلابيين التي لم تتضمن الانفصال، بل تلخصت في إبعاد سيطرة بعض الضباط المصريين عن فرق الجيش السوري، ووافق المشير عامر في بداية الأمر على المطالب وجرت صياغة بيان يمهد لعودة الضباط إلى ثكناتهم وتسليم السلطة مجدداً لجمال عبدالناصر، ولكن المشير عامر ماطل في إصدار البيان بغية كسب الوقت نظراً إلى إرسال قوات عسكرية مصرية لحسم الموقف مما أفشل محاولات الصلح، وهذا بخلاف وجهة نظر مصرية تقول إن انقلاب النحلاوي كان سبباً في الانفصال".

صراع بعثي – بعثي

بعد الانفصال بين سوريا ومصر نفذ "البعثيون" انقلاباً في الثامن من مارس 1963 لتدخل البلاد مرحلة جديدة لا تزال آثارها حتى اليوم، وفي هذا السياق يقول الباحث السوري محمد علاء الدين الذي سبق أن أعد بحثاً موسعاً عن تاريخ الجيش السوري، إنه "ما إن سيطر البعثيون بمفردهم على الحكم والجيش حتى برز صراع جديد داخل صفوفهم، وهذه المرة قاده العسكريون ومن لف لفيفهم من البعثيين المدنيين في التنظيم القُطري ضد قيادتهم التاريخية، وما عرف بالقيادة القومية للحزب بمن فيهم من المؤسسين أنفسهم، وللحقيقة يعود التذمر من تلك القيادات في جذوره إلى تخبط القيادة والمؤسسين في مواقفهم غير الممنهجة، منذ لحظة الوحدة وما تبعها من ارتدادات على الحزب، فميشيل عفلق الذي وقع على حل الأحزاب سرعان ما تراجع عن موقفه، وأكرم الحوراني الذي كان نائباً شكلياً لعبدالناصر وقع على وثيقة الانفصال فجرى إبعاده كلياً عن الحزب بعد عهد الانفصال، ولم يبق إلا صلاح البيطار من بين المؤسسين كواجهة قيادية يتولى رئاسة الحكومة أمام تعطش العسكريين للاستئثار بالحكم، بعيداً من محاولة الهيمنة عليهم من تلك القيادات الحزبية المدنية".

ويضيف علاء الدين أنه "كان ممن وقف في صف القيادة القومية الرئيس أمين الحافظ وبعض أعوانه، فيما نشب بين الطرفين صراع خفي لاجتذاب القيادات الدرزية مثل اللواء فهد الشاعر والرائد سليم حاطوم المميز بقيادته سلاح المغاوير ذي الكفاءة الخاصة، فيما بدا اللواء محمد عمران في موقف حائر بين الطرفين مما جعل صلاح جديد يركّز جهوده لاستمالة سليم حاطوم إلى صفه، ليكون رأس الحربة في المواجهة العسكرية في ما عرف بـ 'حركة 23 فبراير 1966' وانتهت باعتقال الرئيس أمين الحافظ بعد مهاجمة منزله وإصابته وابنته في معركة دامية، قتل فيها كثيرون من قوة الحرس الرئاسي وقوات المغاوير المهاجمة، وانتهت باعتقال الرئيس أمين الحافظ وكثير من قيادات الحزب والدولة، ومؤسس اللجنة العسكرية السابق اللواء محمد عمران، ثم زُجّ بهم في السجن ليغدو صلاح جديد القائد الفعلي للحزب والدولة، ولم تمض شهور إلا وجرت تصفية العسكريين الأقوياء من الطائفة الدرزية إثر تمرد سليم حاطوم في السويداء، وما جره عليه من وبال انتهى باعتقاله وتصفيته داخل السجن، وكان قد سبقه اعتقال اللواء فهد الشاعر الذي اتهم بمحاولة التحضير لانقلاب، ليُستنزف الجيش مزيداً من قياداته على أبواب حرب يونيو (حزيران) 1967 التي لا تزال التحقيقات فيها غير مكشوفة الوثائق وبخاصة حول دور وزير الدفاع حافظ الأسد الذي أمر بإذاعة بيان سقوط القنيطرة عبر الإذاعة قبل حدوث المواجهة وما تبعه من هرب قائد الجبهة أحمد المير ملحم متنكراً على ظهر حمار، والتوجيه إلى الخطوط الأولى على الجبهة بالانسحاب الكيفي من طريق الأراضي السورية واللبنانية، وإعادة التجمع في حمص لا في دمشق العاصمة، والمستغرب بعد هزيمة عام 1967 أن التحقيقات في دور حافظ الأسد لم تفض إلى نتيجة عملية بل زادت سيطرة الأسد على مفاصل الجيش ومراكزه الحساسة بالتخلص من ضباط كثر غير خاضعين لسيطرته التامة، مثل رئيس الأركان العميد أحمد سويداني".

حرب أكتوبر

في السادس من أكتوبر (تشرين الأول) من كل عام تحتفل سوريا ومصر بما تقول إنه "الانتصار في حرب تشرين التحريرية"، فيما تحتفل إسرائيل باليوم نفسه وتقول إنه "الانتصار في حرب يوم الغفران"، ففي مثل هذا اليوم من عام 1973 شنت كل من مصر وسوريا هجوماً مفاجئاً مشتركاً ضد إسرائيل، وقد بدأ الجيش المصري هجومه من جبهة سيناء والجيش السوري من جبهة الجولان، كما لاقت هذه الحرب دعماً عربياً عسكرياً ومادياً.

وفي جبهة الجولان تمكن الجيش السوري خلال الأيام الأولى من التوغل إلى عمق هضبة الجولان وطرد القوات الإسرائيلية منه، ووصلت القوات السورية إلى بحيرة طبرية قبل أن تعاود إسرائيل الهجمات لتعيد السيطرة على الجولان وتطرد الجيش السوري منها، ثم أعلنت لاحقاً ضمّها إلى السيادة الإسرائيلية في ظل رفض دولي وعدم اعتراف الأمم المتحدة بهذه السيادة حتى الآن، فيما وجه معارضو النظام السوري اتهامات لحافظ الأسد بالتخلي عن الجولان في مقابل الحفاظ على الحكم، مستندين إلى أن القوات السورية وصلت بحيرة طبريا قبل أن تتراجع إلى القنيطرة، وبنهاية الحرب أعلنت مصر وسوريا الانتصار وأيضاً أعلنت إسرائيل الانتصار.

العميد السابق في الجيش السوري أحمد رحال يقول في حديث إلى "اندبندنت عربية" إنه "بالنسبة إلى جبهة الجولان فقد نص 'اتفاق فض الاشتباك' الذي وقع عام 1974 على وجود مناطق عازلة، لكن في حقيقة الأمر تنازل حافظ الأسد عن القنيطرة والجولان لإسرائيل عام 1967 وكانت هي عربون وصوله إلى السلطة، ولذلك فوجود الجيش في الجنوب السوري كان أساسه الحفاظ على حدود إسرائيلية آمنة".

ويضيف رحال أنه "في بداية تأسيسه كان الجيش السوري منضبطاً وقوياً وله مكانة وتاريخ، لكن تخريب الجيش بدأ بعد وصول حافظ الأسد إلى السلطة"، وينقل رحال عن العميد السابق في الجيش السوري أحمد عبدالمالك الذي شارك في "حرب تشرين" قوله إن "عناصره تعرضوا للقصف من قبل عناصر العماد علي أصلان لأنه كان يتقدم أكثر في عمق هضبة الجولان، وبعد انتهاء الحرب والتحقيق في القضية برر العماد أصلان قصفه لقوات العميد عبدالمالك بأنه ظن أن إسرائيل هي التي تسيطر على الموقع"، وقد انشق العميد أحمد رحال عن النظام السوري عام 2012 والتحق بصفوف الانتفاضة السورية وبقي على موقفه حتى انتصارها.

اقرأ المزيد

انتفاضة حماة والصراع مع الإخوان

منذ استيلاء حافظ الأسد على السلطة في سوريا وتفرده بالحكم حصر قيادة الجيش وكبار الرتب العليا في الطائفة العلوية التي ينتمي إليها، وبسبب سلطة الحزب الواحد فقد خرجت احتجاجات واسعة في عموم الأراضي السورية وهجمات متكررة على مقار حزب البعث، وخلال الشهور الأولى من عام 1980 نفذت معظم المدن السورية إضراباً مفتوحاً واحتجاجات واسعة ضد حزب البعث ما لبث أن تطور إلى نزاع مسلح بعد أن أرسل الجيش السوري أرتالاً عسكرية ضخمة ومروحيات إلى مدينة حلب، ونفذت حملة عسكرية أسفرت عن مقتل مئات المتظاهرين واعتقال أكثر من 7 آلاف شخص خلال أيام، إلا أن الاضطرابات لم تهدأ ففي الـ 26 من يونيو 1980 تعرض حافظ الأسد لمحاولة اغتيال يقال إن تنظيم "الإخوان المسلمين" هو من نفذها، إلا أن الأسد نجا منها وشن حرباً حقيقية ضد "الإخوان المسلمين" وجميع المعارضين بما فيهم التيار العلماني، فقامت "سرايا الدفاع" التي يقودها في ذلك الوقت رفعت الأسد بإعدام 1152 سجيناً داخل سجن تدمر، كما أصدرت السلطات قراراً رسمياً بإعدام كل من يثبت انتماؤه لجماعة "الإخوان المسلمين"، وفي أغسطس 1980 شن الجيش السوري حملة عسكرية أخرى في أحياء مدينة حلب قُتل خلالها العشرات، وفي مطلع عام 1982 شهدت مدينة حماة وسط سوريا انتفاضة كبرى خرجت على إثرها المدينة عن سيطرة النظام، فبدأ في الثاني من فبراير 1982 حملة قصف تلاها اجتياح للمدينة استمر أياماً عدة قتل خلالها الآلاف، فيما تُقدر بعض المصادر عدد الضحايا بـ 25 ألف شخص.

جيش سوري بنكهة طائفية

وتعليقاً على "علونة" الجيش السوري يقول العميد أحمد رحال إن "جعل حافظ الأسد للجيش ذا قيادة علوية بدأت منذ عام 1963، وحتى عام 1970 جرى تسريح ما يقارب 2000 ضابط من الطائفة السنيّة وبقية الطوائف في سوريا ورُفّع عناصر علويون مع منحهم رتب ضباط ليحلوا محل الضباط السنّة أو المسرحين من باقي الطوائف، واستمر نهج زيادة نسبة العلويين في الجيش حتى بعد وصول الأسد إلى الرئاسة، فعلى سبيل المثال كانت الدورة التي تخرجتُ منها عام 1982 تحوي 158 طالباً في البحرية، بينهم 18 طالباً من جميع المكونات السورية و140 طالباً علوياً، وعلى رغم أن العلويين يشكلون نحو 10 في المئة من إجمال سكان سوريا لكن نسبتهم في الجيش تصل إلى 30 في المئة وغالبيتهم من كبار الضباط، وهم من يتسلمون جميع مفاصل الجيش السوري".

الجيش السوري في لبنان

بعد ظهر الـ 14 من فبراير عام 2005 هز انفجار ضخم العاصمة اللبنانية بيروت كان ضحيته رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، فيما وجهت الاتهامات إلى المخابرات السورية بالوقوف وراء الهجوم الذي غير تاريخ لبنان، فخرجت تظاهرات ضخمة في لبنان تطالب بخروج الجيش السوري من البلاد بعد وجوده فيها لما يقارب ثلاثة عقود، عانى خلالها اللبنانيون انتهاكات لا تزال آثارها حتى اليوم، وانتهت التظاهرات بمغادرة الجيش السوري البلاد إلا أن النفوذ الاستخباراتي بقي له دوره السلبي، ولكن متى دخل الجيش السوري لبنان؟

في عام 1975 نشبت الحرب الأهلية اللبنانية على أساس طائفي، وبعد عام على نشوب الحرب دخل الجيش السوري إلى لبنان ضمن "قوات الردع العربية"، وعلى رغم انسحاب باقي القوات العربية من لبنان لاحقاً لكن الجيش السوري بقي هناك بتفويض من "الجامعة العربية" وفق "اتفاق الطائف" الشهير الموقع في الـ 22 من أكتوبر عام 1989، وانتهت به الحرب الأهلية اللبنانية بعد 14 عاماً التي أسفرت عن مقتل ما يزيد على 120 ألف شخص، فيما كانت الحجج العلنية للوجود السوري في لبنان تتضمن "الحفاظ على وحدة لبنان وتحريره من الاحتلال الإسرائيلي"، فيما قال مراقبون إن حافظ الأسد كان يطمح إلى التوسع جغرافياً في لبنان وضمه في خطة إستراتيجية فشلت بعد موت حافظ الأسد ومن ثم اغتيال الحريري.

وفي عام 1991 جرى توقيع ما يسمى "معاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق" التي يراها اللبنانيون مجحفة في حقهم، إذ تسمح للنظام السوري بالتحكم بكل مفاصل الدولة اللبنانية، وبقي للنظام السوري الذي تحالف مع "حزب الله" في لبنان، وكلاهما تحالفا مع إيران، دور مؤثر في لبنان حتى سقوطه في الثامن من ديسمبر عام 2024، حتى إن كثيرين احتفلوا بسقوط النظام السوري في لبنان لتدخل العلاقات السورية - اللبنانية بعد سقوط الأسد مرحلة وصفها الرئيس اللبناني جوزاف عون خلال خطاب القسم بأنها قائمة "على احترام سيادة البلدين، وأن هناك فرصة لبدء حوار جدي وندي مع سوريا".

وكان العميد في الجيش السوري أحمد رحال أحد الضباط السوريين الذين خدموا في ميناء طرابلس اللبناني خلال الفترة ما بين عامي 1989 و1991، ويقول في تصريح خاص إن "الإعلان الرسمي لدخول الجيش السوري إلى لبنان كان في عام 1976، لكن الحقيقة هي أن الجيش دخل إلى لبنان قبل عام من ذلك تحت غطاء استخباراتي أو مدني، وأثناء وجوده في لبنان تعرض للمسيحيين والفلسطينيين وأسهم في إنشاء "حزب الله"، وعلى رغم ذلك كان الجيش السوري في لبنان حريصاً على تنفيذ مصالح إسرائيل، كما كان ضباط الجيش السوري في لبنان ينفذون عمليات سرقة ونهب مما أسهم لاحقاً في تدمير الجيش، وكان هناك فرق واضح بين الضباط الموجودين في لبنان حيث جمعوا ثروات بخلاف الموجودين في سوريا الذين كان دخلهم محدودً، وبالنتيجة فإن الدور السوري في لبنان كان مدمراً وأدى إلى سيطرة نظام الأسد على لبنان عسكرياً وسياسياً وأمنياً واقتصادياً، وأضر بلبنان والاقتصاد اللبناني ومكانة الجيش السوري".

الحرب الأخيرة

في الـ 15 من مارس عام 2011 انطلقت احتجاجات شعبية في سوريا تنادي بإصلاحات سياسية، لكن نظام بشار الأسد استخدم الأجهزة الأمنية لقمع المحتجين السلميين مما زاد وتيرة الاحتجاجات، ليعلن الجيش السوري الدخول في حرب ضد الشعب قال إن شعارها "مواجهة الحرب الكونية على سوريا"، فخاض حرباً مفتوحة على مدى 13 عاماً بدأت بانشقاق آلاف الضباط والعناصر، واستمرت حتى تدمير معظم المدن السورية ومقتل مئات آلاف المدنيين بسلاح الجيش السوري، وعلى رغم دخول نظام الأسد في المحور الإيراني لكنه لم يشارك مع "حزب الله" في الحرب الأخيرة ضد إسرائيل، وبقيت جبهة الجولان السوري أكثر الجبهات الإسرائيلية هدوءاً حتى اليوم، وبعد سقوط نظام الأسد بساعات بدأت إسرائيل سلسلة غارات هي الأعنف ضد سوريا، دمرت خلالها معظم ما بقي من المواقع العسكرية للجيش الذي انحل مع سقوط الأسد بعد ما يقارب 80 عاماً، خاض خلالها حرباً جدية واحدة ضد إسرائيل وحروباً ضد السوريين وقمعاً بحق اللبنانيين، وانتهت بنهاية حقبة وصفت بالسوداء ضمن تاريخ سوريا الحديث.

المزيد من تقارير