مسمارٌ أخيرٌ في نعش حكومة عادل عبد المهدي يدقه مقتدى الصدر، فالزعيم الديني أعلن مساندة المتظاهرين، وطلب من نواب "سائرون" تعليق عضويتهم بالبرلمان بدعوى حل الحكومة الحاليَّة.
هذه الحكومة التي بدأ ينسحب منها أعضاء الائتلاف الشيعي المؤسس لها، والمكوّن من غالبيَّة شيعيَّة تتوزّع على قوائم (سائرون، والفتح، والنصر، ودولة القانون)، مع مساندة قائمة (التحالف الكردي - التحالف الشيعي)، الذي يشكّل الأغلبيَّة، ويتفرّد برئاسة الوزراء لأربع دورات متتاليَّة مكَّنته من رسم معالم الطريق في الحكم بأخذ منصب رئاسة الوزراء الذي يتولى الإدارة التنفيذيَّة والماليَّة للدولة ومنصب القائد العام للقوات المسلحة ووزارتين سياديتين الداخليَّة والنفط، مع حزمة مناصب وزاريَّة ذات صفة خدميَّة.
هل يتحمَّل عبد المهدي الانهيار العام في الوزارة الحاليَّة التي مارست سابقة القتل العمد للمتظاهرين السلميين؟ أم أن الحقيبة الوزاريَّة التي يقودها كانت وراء هذا الانهيار الوشيك؟
على الرغم من أن عبد المهدي جاء بشروط إصلاحيَّة عنوانها "وقف الفساد العام"، الذي ينخر في الدولة، ويوسم الوزارات التي سبقته في ائتلاف هو جزءٌ من مكوّناته كنائب سابق لرئيس الجمهوريَّة تولى حقيبة النفط السياديَّة عن المكون الشيعي، فإنه قدَّم نفسه إصلاحياً أيّدت ترشيحه المرجعيَّة الدينيَّة التي رفعت يدها عنه هي الأخرى بالدعوة إلى "تشكيل وزارة غير فاسدة من أفراد مستقلين"، وتنصَّلت عن تأييده عملياً.
لم يُكمل عبد المهدي سنة طلبها للحكم على إجراءاته في إدارة وزارة وُصفت بأنها وريثة شرعيَّة للفساد، باعتمادها ميزانيات محاصصيَّة، قسَّمت الثروة حصصاً على المكوّنات الثلاثة، وقدَّمت الفتات للشعب الذي ينتظر من يُوقف دولاب الفساد الكبير الذي هوى على من فيه من رئاسات اقتطعت 43 بالمئة من الميزانيَّة العامة نفقات على الرئاسات من الـ112 ملياراً من النفقات العامة، يُقتطع منها 17 بالمائة لإقليم كردستان، ونفقات تشغيليَّة ورواتب تدفع لما يزيد على ثمانيَّة ملايين موظف يشكّلون أكبر مستهلك للميزانيَّة في تاريخ البلاد، عُينوا بدوافع شتّى أولها استرضاءات سياسيَّة ومَعين انتخابي، إضافة إلى خفض العطالة في البلاد، وقد سجَّلت عجزاً بمقدار 23 مليار دولار في اقتصاد ريعي يعتمد على إيرادات النفط على الأغلب.
لكنْ، عبد المهدي الذي قَدِمَ من الصين بأكبر وفد في تاريخ الحكومات العراقيَّة منذ تأسيس الدولة العام 1921 بلغ ثمانين وزيراً ووكيل وزارة ومديراً ومستشاراً وقّعوا مذكرات تفاهم مع الحكومة الصينيَّة وشركات القطاع الخاص، وجاء منتصراً مسرباً خبر خروج وزارته من الهيمنة الأميركيَّة الاقتصاديَّة والسياديَّة بمؤازرة إيرانيَّة، وجد الشارع العراقي مليئاً بالمتظاهرين من حَمَلة الشهادات، يهتفون ضد حكومته التي لا تهتم بحَمَلة الشهادات العليا، وعوضاً عن سماع مطالبهم جوبهوا بالرش بالماء الحار والغاز المسيّل للدموع والضرب، في وقت يتظاهر آلاف ممن هُدِمت بيوتُهم من فقراء أحياء العشوائيات وتُرمى أسلابهم في الشوارع!
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الأمر الذي جعل الحراك الشعبي يخرج متعاطفاً مع جموع المهمّشين المحرومين في الأول من أكتوبر (تشرين الأول) بشوارع العاصمة والمحافظات الوسطى والجنوبيَّة، بتنامٍ فاجأ السلطة التي اختارت توزيع العقود والمناصب والوظائف على الموالين والمحسوبين على أحزابها المتحالفة من دون أن تعتمد خططاً اقتصاديَّة تُنقذ البلاد من ثورة الجياع والمحرومين وتأمين مستوى العيش اللائق.
والغريب أن عبد المهدي في خطابه، الذي تأخّر حتى فجر الجمعة، بدلاً من أن يقول للشعب من هم الفاسدون المتسببون في شظف العيش الذي يعانيه الناس، راح يُعدد منجزاته برفع الحواجز الكونكريتيَّة في بغداد، وأنه اتخذ مقراً له قريباً من الشعب خارج المنطقة الخضراء المحصّنة، كأنَّ الناس لا تعرف ما الذي يحدث خلف السياجات الخضراء في قصور الدولة التي بناها صدام حسين حيث تبرم العقود الملياريَّة.
لقد تعدّى الغضب الشعبي شخص عادل عبد المهدي إلى الأحزاب التي غيَّبت حقوق المواطنين، وربطت برنامجها بإيران، وأضعفت مصالح العراقيين، وشلَّت مصانعهم وزراعتهم، وجعلت الاقتصاد العراقي ريعياً مقصوراً على استيعاب التطوّر السكاني الذي تجاوز خمسة وثلاثين مليون نسمة.
لقد تخطت مطالب المتظاهرين حدود التوافق مع العمليَّة السياسيَّة وإصلاحها إلى وقف العمل بآلياتها والمطالبة بتعديل الدستور وإجراء انتخابات عامة لن تسمح لكل الفاسدين والمشاركين في الانتخابات السابقة المشاركة بالترشّح إلى مناصب الدولة وإداراتها، قد تطال حتى العديد من الرموز السياسيَّة والدينيَّة على حد جملة الصدر الشهيرة (شلع قلع)، ليبدأ العراق حقبةً جديدةً تتولى فيها قيادات شابة زمام الأمور تُحاسب رموز الفاسدين، وتحيلهم إلى العدالة على تفريطهم في حاضر العراق ومستقبله وتبديد ثروة تصل إلى ألف مليار دولار.