ملخص
يعود تاريخها إلى الألفية الرابعة قبل الميلاد، دخلها المسلمون سلماً، كان اسمها أذرعات ثم درعا، سيطر عليها العثمانيون لمدة أربعة قرون، وحكمها الفرنسيون 26 عاماً، كانت تنعكس عليها كل أحداث دمشق، أهمل حكم "البعث" الخدمات فيها، ومنها اندلعت واحدة من أهم شرارات الثورة السورية.
"أجاك الدور يا دكتور" من هنا بدأت الحكاية، على جدار إحدى مدارس مدينة درعا، أطفال سوريون يتأثرون بالثورتين المصرية والتونسية، فيخطون على الجدار كلمات لم تكن تعرفها سوريا من قبل، ولعل الطفولة هي أصدق ما في الإنسان، لذا عبر الأطفال عما يجول في خواطرهم، وربما عما سمعوه من أهاليهم.
حفر في أذهانهم أن سوريا تستحق الأفضل، وأن سوريا للسوريين وليست لـ"البعث"، 16 حرفاً تحولت إلى حرب استمرت 14 عاماً، انطلقت من درعا وامتدت إلى البوكمال، خلفت ضحايا ومهجرين وغائبين كثراً، خلفت مدناً تحولت إلى مقابر جماعية، دفن أهاليها تحت أنقاض بيوتهم، ولا تزال الأنقاض إلى اليوم كما هي، جبال من الركام البشري، بآلة الحرب البشرية.
القاتل من سوريا وخلفه وجوه غريبة، والمقتول من سوريا وأمامه وجوه جديدة، وكل من شارك في المعركة الطويلة هو سوري أو يقول إنه من "أصدقاء سوريا"، ثم انتهت الملحمة وتنفست درعا الحرية، ورفع العلم المكلل بالدماء في ساحات دمشق، مستذكراً ما قدمه السوريون من ثمن باهظ لنيل الحرية والعيش الكريم، هنا درعا، مهد الثورة السورية وجدار الحرية المتين.
شرارة الثورة
أول تظاهرة رسمية شهدتها درعا كانت في الـ18 من مارس (آذار) 2011، وهذا التاريخ يعد لدى أهالي حوران بأنه الذكرى السنوية لانطلاق الثورة السورية، فيما تبدأ الاحتفالات عادة من الـ15 وتستمر حتى الـ18 من مارس من كل عام، إذ إن التظاهرة الأولى كانت في دمشق في الـ15 من مارس، فيحتفل السوريون على مدى أربعة أيام منتصف مارس من كل عام إحياء لذكرى الصيحة الأولى نحو الحرية.
درعا هي عاصمة منطقة حوران التي تمتد من جنوب العاصمة السورية دمشق وصولاً إلى جبال عجلون في منطقة الرمثا الأردنية، وهي بوابة سوريا للأردن ويشترك أهاليها مع أهالي شمال الأردن من ناحية الثقافة والترابط الاجتماعي، إذ تبعد عن العاصمة الأردنية عمان نحو 100 كيلومتر.
6 آلاف عام
يعود تاريخ مدينة درعا إلى الألفية الرابعة قبل الميلاد، ووفق المصادر العبرية فإن درعا ذكرت بالتوراة باسم "إذرعي"، ثم تحولت لاحقاً إلى "أذرعات"، وهذا الاسم الذي كان معروفاً لدى العرب عن درعا، إذ تقول المصادر الإسلامية إن يهود بني عريض تم إجلاؤهم من المدينة المنورة إلى "أذرعات" بعدما خرقوا الاتفاق الموقع بينهم وبين المسلمين.
أما أول ذكر لدرعا في المصادر التاريخية فموجود في ما يسمى "رسائل تل العمارنة" التي اكتُشفت في مصر عام 1882، وتذكر هذه الرسومات اسم المنطقة في القرن الـ14 قبل الميلاد، فيما تزعم مصادر أخرى بأن الأموريين هم أول من سكن منطقة حوران وكان ذلك قبل عام 2200 قبل الميلاد، ثم استقر فيها العبرانيون في القرن الثاني قبل الميلاد، قبل أن تنضم لاحقاً إلى المملكة الآشورية.
ومع مطلع القرن الثاني للميلاد انضمت درعا إلى الإمبراطورية الرومانية، فباتت تعرف لدى الرومان باسم "الولاية العربية"، إذ كان يديرها "الغساسنة" وهم عرب كانوا يشكلون تحالفاً مع الرومان ضد الفرس، وبقيت على حالها حتى عام 635 للميلاد حين عقد المسلمون اتفاقاً مع أهالي درعا على أن يدخلوا إليها سلماً بعد انتصار المسلمين في معركة اليرموك الشهيرة، وزارها الخليفة الإسلامي الثاني عمر بن الخطاب وبقي فيها ثلاثة أسابيع شهدت زيارته بداية إنشاء "الجامع العمري" الذي لا يزال حتى اليوم ومن أمامه انطلقت أول تظاهرة في درعا ضد النظام السوري السابق.
في عام 1119 تمكن الصليبيون من الاستيلاء على درعا، قبل أن يستعيدها القائد الإسلامي عماد الدين الزنكي، ثم كانت لاحقاً طريقاً أمام القوات المتجهة إلى بيت المقدس قبيل معركة حطين التي حررت القدس عام 1187، وطوال هذه الفترة كانت درعا مدينة تابعة لدمشق، وفي القرن الـ14 انفصلت المدينة إدارياً عن دمشق وأصبحت مركزاً لولاية سهل حوران.
من العثمانيين إلى الفرنسيين
في عام 1516 دخل العثمانيون إلى درعا بعد السيطرة على دمشق، إلا أن العثمانيين لم يغيروا في الوضع الإداري لدرعا حتى عام 1880 عندما حولوا منطقة حورا إلى "متصرفية" تتبع لها ستة أقضية هي قضاء النقرة (ومركزه درعا)، وعجلون والبلقاء والجولان والجيدور والجبل، وفي عام 1904 مر من منطقة المزيريب في درعا خط السكك الحديد القادم من إسطنبول ويصل إلى المدينة المنورة، وفي عام 1918 شارك أهالي درعا في الثورة العربية الكبرى ونفذوا هجمات ضد الحاشية العثمانية قبيل وصول قوات الأمير فيصل الأول.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في عام 1920 دخل الفرنسيون درعا أيضاً بعد سيطرتهم على دمشق، وشارك أهالي درعا في جميع الثورات والانتفاضات ضد الفرنسيين، حتى غادرها الفرنسيون في الـ17 من أبريل (نيسان) 1946، مثلها في ذلك مثل باقي الأراضي السورية، بعد الاستقلال كانت التطورات السياسية والعسكرية التي تجري في العاصمة دمشق تنعكس بصورة مباشرة على درعا، وشارك عدد من أهاليها في الحروب التي خاضها السوريون ضد إسرائيل في أعوام ما بين 1948 و1968 وأيضاً في ما يسمى "حرب تشرين" عام 1973.
"البعث" والثورة
بعد وصوله إلى السلطة عام 1963 أهمل حزب "البعث" درعا بصورة كلية، فبقيت البنى التحتية في المدينة متهالكة القدم، فيما كان أهالي درعا يعتمدون في تطوير مدينتهم على "الاكتفاء الذاتي" حيث توجد في المحافظات مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية، كذلك فإن الآلاف من أبنائها يعملون في دول الخارج منذ عقود.
منذ اندلاع الثورة السورية كانت الاحتجاجات في درعا سلمية، ومع ذلك قوبلت بالعنف كباقي المدن السورية، وفي الـ14 من نوفمبر (تشرين الثاني) 2011 بدأت أولى المواجهات العسكرية بين الجيش السوري النظامي والجيش السوري الحر، وبقيت معارك كر وفر لما يزيد على عامين، سيطر خلالها الجيش الحر على مناطق واسعة من ضمنها الحدود مع الأردن، ومع حلول 2015 كانت غالب درعا خارج سيطرة النظام، فواصل حملة القصف العنيفة على المحافظة ريفاً ومدينة.
خلال تلك الفترة كانت الحدود السورية الأردنية مغلقة بالكامل، ولم تكن الأردن تعاني تهريب المخدرات السورية، وفي يوليو (تموز) 2018 شنت قوات النظام حملة على مدينة درعا للاستيلاء عليها، إلا أن تدخلاً روسياً للوساطة وإقامة ما سمي "التسويات"، هُجر بموجبها رافضو التسوية بالباصات الخضراء إلى الشمال السوري، أما باقي العناصر فسلموا الأسلحة الثقيلة، ومنهم من انضم إلى الجيش النظامي، وشُكل ما يسمى "اللواء الثامن" الذي يتبع بصورة غير مباشرة جيش النظام، لكن يقوده القيادي السابق في الجيش الحر أحمد العودة، وغالب عناصره هم من العناصر السابقين في الجيش الحر، وبات هذا اللواء مقرباً من روسيا.
الكبتاغون صناعة "بعثية"
خلال الفترة ما بين 2018 و2024 كانت مواقع سيطرة الفرقة الرابعة والميليشيات الإيرانية في درعا مركزاً لإنتاج وتصنيع المخدرات، ومن ثم تصديرها إلى الأردن عبر طرق غير شرعية بتغطية حكومية، مما أغضب عمان، حتى وجه الجيش الأردني بصورة رسمية اتهاماً إلى "بعض المجموعات بالجيش السوري" بالتورط في تهريب المخدرات إلى المملكة، ومع مطلع 2024 شن الطيران الأردني للمرة الأولى غارات جوية في بعض مناطق إنتاج المخدرات في درعا، كذلك كانت العلاقات بين النظام السابق وعمان مبنية على المصالح المتبادلة وعدم الثقة، بسبب استمرار تهريب المخدرات وابتزاز النظام الأردن بهذه القضية.
درعا تعيد سيرتها الأولى
بعد أيام من انطلاق عملية "ردع العدوان" من الشمال السوري بهدف إسقاط نظام الأسد، اندلعت اشتباكات في مدينة درعا انتهت بطرد قوات النظام من المدينة، ومساء السبت السابع من ديسمبر (كانون الأول) 2024 دخل عناصر من الجنوب السوري إلى أطراف العاصمة دمشق بعد هرب قوات النظام وتركها أسلحتها، وسط حديث واسع بأن النظام يعيش ساعاته الأخيرة، وبالفعل كانت فصائل الجنوب السوري أولى الفصائل التي دخلت دمشق لكن من دون قتال إذ كان النظام قد سقط.
احتفلت درعا بسقوط نظام الأسد، وعاد إليها الخطيب السابق في المسجد العمري الداعية أحمد الصياصنة، الذي كان يقود التظاهرات في 2011 قبل أن يعتقل ثم يهجر خارج سوريا، ورفع المحتفلون صور الطفل حمزة الخطيب الذي قتلته قوات النظام بعد اندلاع الثورة وأصبح واحداً من رموزها.