ملخص
أثار حصول أعضاء من حزب "ريفورم" البريطاني على أموال من منصة "إكس" التي يملكها إيلون ماسك، استياءً بسبب تزايد تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على الخطاب السياسي وزيادة التحريض والانقسامات.
أثار الكشف عن حصول أعضاء في البرلمان البريطاني من حزب "ريفورم" اليميني Reform UK - وهم زعيمه نايجل فاراج ولي أندرسون وروبرت لو - على أكثر من 10 آلاف جنيه استرليني (12200 دولار أميركي) من منصة "إكس" التي يملكها قطب الأعمال إيلون ماسك، استياءً عارماً، ليس لأن هؤلاء هم أثرياء وأصحاب نفوذ فحسب، بل لأن التعاملات المالية في ما بينهم تعكس صورة مزعجة ومثيرة للاشمئزاز.
تكشف هذه القضية عن مشكلة أوسع نطاقاً تتمثل في التأثير المقلق لوسائل التواصل الاجتماعي على الخطاب السياسي، وكيف تعمل شخصيات مثيرة للجدل مثل إيلون ماسك، على استغلال الخطاب التحريضي لتغذية الانقسامات. النتيجة الطبيعية التي ستصل إليها منصة ماسك الاجتماعية هي حركة مستمرة من المال والنفوذ، مدفوعة بالكامل بآراء متطرفة واستفزازية.
أما طريقة العمل فهي كالآتي: يكافئ برنامج "إيرادات المنشئ" Creator Revenue الخاص بمنصة "إكس" المستخدمين الموثقين الذين يمتلكون أكثر من 500 متابع بناءً على تفاعل الآخرين مع منشوراتهم. وكلما زاد حجم التفاعل - سواء من خلال التعليقات أو الإعجابات أو المشاركات أو حتى وقت يقضيه المستخدمون في قراءة المنشورات - زادت العائدات التي يتلقاها صاحب المحتوى. ويشجع هذا النموذج المستخدمين على إنتاج محتوى جذاب، مما يحافظ على ديناميكية المنصة وجاذبيتها بالنسبة إلى المجتمع، ويستهوي بدوره المعلنين. وتبدو المسألة وكأنها مكسب للجميع... أليس كذلك؟
إن الصورة في الواقع هي مغايرة تماماً. فعلى نقيض وسائل الإعلام التقليدية التي غالباً ما تحد من المحتوى المثير للجدل بموجب المعايير التحريرية التي تعتمدها، يشجع نموذج تحقيق الدخل الخاص بمنصة "إكس" على إثارة الانقسام. فكلما زاد الغضب والاستفزاز، زاد التفاعل مع المحتوى، مما يعني أرباحاً أكبر لصاحب المنشور. وهكذا تصبح الدقة والحقيقة وإثراء النقاش العام مسائل ثانوية، في حين يتصدر المشهد السعي إلى إثارة المشاعر بدلاً من تعزيز الحوار الهادف.
هل كان هذا هو الهدف في الأساس؟ ربما. فأي شخص أمضى وقتاً في العمل ضمن عالم وسائل التواصل الاجتماعي يدرك جيداً أن هذا هو المسار الطبيعي الذي ستسلكه الأمور.
هناك في الحقيقة احتمالان واضحان: إما أن إيلون ماسك يتعمد إثارة الصراعات من أجل تحقيق مكاسب مالية، أو أنه ببساطة لا يهتم بمصدر الأموال أو وجهتها، ما دامت تستمر في التدفق. من جهتي أنا منفتح على كلا التفسيرين، إذ توجد أدلة تدعم كليهما.
ولعل هذا ما يساعد أيضاً في تفسير سبب تحول نواب حزب "ريفورم"، المعروفين بتصريحاتهم التحريضية وخطاباتهم التي تشعل الحروب الثقافية، إلى أن يصبحوا من أكثر البرلمانيين نجاحاً في هذا المخطط.
وفقاً للسجلات المتوافرة، لم يعلن أي نواب بريطانيين آخرين عن أرباح من منصة "إكس"، على رغم أن كثيراً منهم يمتلكون متابعين كثراً. ويشير ذلك إلى أن المسألة لا تتعلق فقط بعدد المتابعين، بل بمدى قدرة المحتوى على إثارة ردود فعل عاطفية قوية. وقد قام لي أندرسون على وجه الخصوص بتحويل منشوراته الساخرة على الإنترنت حول "عصابات الاغتصاب الباكستانية" إلى مادة مربحة للغاية.
في المقابل يقول إيلون ماسك إن النظام يفضل "الدقة على الإثارة" في إطار المكافأة، بحيث تُحدد الأرباح بناءً على "التفاعلات الحقيقية". لكن ما التعريف الذي يحدد التفاعل الحقيقي؟ الرد المدروس الذي يستغرق وقتاً يحتسب كتفاعل واحد، في حين أن عشرات التعليقات الغاضبة المتوالية بسرعة تحتسب على أساس 12 تعليقاً. ولا يفرق النظام بين التفاعل الناتج من الموافقة أو الغضب، بل يعتمد ببساطة على عدد النقرات.
ومن خلال استثمار الغضب، نجح موقع "إكس" في بناء نظام قادر على الاستمرار، بحيث يحتل المحتوى التحريضي مركز الصدارة، مما يسهم في دفع الخطاب السياسي نحو التطرف بصورة متزايدة. وليس من قبيل المصادفة أن نايجل فاراج - الذي أتقن فن إثارة الجدل والتحريض - قد حقق من المال أكثر من غيره. فالمبلغ الذي حصل عليه والذي بلغ 5400 جنيه استرليني (6588 دولاراً) كان مكافأة مباشرة له على قدرته على تأجيج هذا النوع من النزاعات التي تحافظ على تفاعل المستخدمين واهتمام المعلنين.
والخلاصة في هذا الإطار تبدو قاتمة: نحن نخطو نحو عصر يتمكن فيه السياسيون من تحقيق مكاسب مالية مباشرة من خلال كونهم أكثر إثارة للانقسام. ولم يعد الأمر يقتصر على استخدام الخطاب التحريضي لكسب الأصوات، بل أصبح الآن يوفر عوائد مالية.
يشار إلى المنصة التي كانت معروفة سابقاً باسم "تويتر" عانت لفترة طويلة مشكلات مرتبطة بالتحريض والمضايقات، لكن كانت هناك أيضاً رغبة حقيقية داخل الشركة في مكافحة هذه الظواهر. وعلى رغم جميع عيوبها، فإنها كانت تعمل على أساس من النيات الحسنة. لكن الآن، في ظل قيادة إيلون ماسك، تحول التحريض إلى سلاح يشكل جزءاً من نموذج تجاري مربح. وقد بات في إمكان السياسيين الذين يجيدون إثارة الغضب باستمرار أن يتحولوا إلى جزء من شبكة مالية يديرها ماسك، مما ينشئ حافزاً مالياً مباشراً للاستمرار في تأجيج الجدل إلى أقصى حد ممكن، من أجل تحقيق أرباح.
هذا هو العالم الذي أرساه إيلون ماسك: مساحة يمكن للسياسيين فيها العمل كمحرضين محترفين، حيث تصبح إثارة الغضب أكثر ربحاً من قول الحقيقة، وحيث جرى تصميم آليات المنصة نفسها لمكافأة أولئك الذين يزرعون الفرقة والانقسام.
وهذه ليست سوى البداية، فمع ازدياد إدراك الساسة المكافآت المالية الناتجة من إثارة الجدل، يمكننا أن نتوقع أن يقفز مزيد منهم إلى متن قطار المكافآت.
إلا أن السؤال الحقيقي هو ليس ما إذا كان سيؤدي ذلك إلى مزيد من التدهور في خطابنا السياسي، بل إلى أي مدى سيكون الضرر قبل أن ندرك تماماً الكلفة الحقيقية لتحويل الانقسام إلى نموذج أعمال مدفوع بالربح.
أهلاً بكم في مستقبل الخطاب السياسي، الذي يتم فيه حرفياً دفع أموال لأعلى الأصوات وأكثرها إثارة للانقسام والفرقة، وحيث يتولى إيلون ماسك تحرير الشيكات.
مارك بوروز صحافي مستقل ومؤلف وممثل كوميدي يقيم في مدينة بريستول في إنجلترا، وهو متخصص في مجالي الإنترنت والثقافة الشعبية. وكان في السابق منظم محتوى في موقع "تويتر"، قبل مرحلة إيلون ماسك، ومشرفاً مجتمعياً بارزاً في صحيفة "غارديان" البريطانية
© The Independent