ملخص
- رغم الأهمية الاستراتيجية لجزيرة أرواد فإن صرعاً عسكرياً لم يقترب منها خلال فترة الانتفاضة السورية، فنجت من الدمار والقصف والبراميل المتفجرة.
-خلال أعوام الحرب نزح إلى جزيرة أرواد عدد من السوريين من المناطق الأخرى، خصوصاً من مدينة حلب، ومع ذلك لم تشهد الجزيرة ازدحاماً كبيراً.
من الجولان إلى البوكمال، ومن التنف إلى أعزاز، ومن القرداحة إلى القامشلي، أجرت الحرب السورية مسحاً شاملاً لجميع المحافظات والمدن والبلدات، وكما يقول السيناريست السوري ممدوح حمادة، "كما في كل المجازر التي تحصل، هناك ناج وحيد"، الناجي الوحيد في الجغرافيا السورية هي جزيرة أرواد، وهي الجزيرة السورية الوحيدة المأهولة بالسكان التي تقع على بعد ثلاثة كيلومترات من شواطئ مدينة طرطوس.
بطول لا يتجاوز 900 متر، وعرض نحو 500 متر، تشكل الجزيرة مستطيلاً برياً في البحر الأبيض المتوسط، يقال إن أول من استوطنها هم الفينيقيون في الألفية الأولى قبل الميلاد، وكانت تسمى "أرادوس". وهناك مكانان آخران يحملان الاسم نفسه، الأول على السواحل الفلسطينية قرب الكرمل، والثاني جنوب جزيرة كريت.
صناعة السفن
بعد دخول المسلمين إلى بلاد الشام في القرن السابع، كانت الجزيرة تحت سيطرة الروم، وفي عام 677 أرسل الخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان القيادي جنادة بن أبي أمية على رأس جيش لطرد الروم من الجزيرة، وبقيت تحت سيطرة المسلمين لما يقارب سبعة أعوام قبل أن يعيد الروم السيطرة عليها. وسيطر عليها الصليبيون في الحملتين الأولى والثانية، ولم يخرجوا منها حتى أرسل إليهم حاكم مصر السلطان المملوكي محمد بن قلاوون أسطولاً بحرياً ضخماً عام 1302 طردهم منها.
في العهد العثماني خضعت الجزيرة للعثمانيين شأنها في ذلك شأن باقي الأراضي السورية، وفي عام 1914 استولى عليها الفرنسيون واستخدموها كقاعدة لشن هجمات ضد الأتراك، وبقيت تحت سيطرة الفرنسيين حتى خروجهم من سوريا في 1946.
وفي أكتوبر (تشرين الأول) 1943 نشرت "مجلة أخبار الحرب" الألمانية تقريراً حول الجزيرة، ومما جاء فيه: "... ولا يقتصر حال جزيرة أرواد على إتقان الملاحة فحسب، بل إنهم يصنعون سفنهم بأيديهم أيضاً، وقد شاهد مراسل "مجلة أخبار الحرب" ومصورها حين زارا الجزيرة، بنائي القوارب وهم ينكبون على ممارسة حرفتهم القديمة، وكانت أحواض المرفأ الصغير تحتضن أكثر من 10 مراكب جميلة، بينما كان الأطفال من حولها يلعبون في الماء، كما لو كانوا أسماكاً برونزية اللون، وكانت الهياكل الخشبية للمراكب الشراعية التي لم يتم صنعها، تبدو خلف البيوت الحجرية الصغيرة المتزاحمة، شامخة بأنوفها وقد شاعت في الجو رائحة الأخشاب التي كان البناؤون ينشرونها ويقطعونها من جذوع الأشجار التي اجتثت من غابات لبنان ومنطقة العلويين. ومن أهم الفنون وأكثرها اتساقاً ولزوماً مع بناء السفن، هو فن حفر الأخشاب وطلائها وزخرفتها بالألوان البراقة، التي تشاهد حول المركب، أما أولئك الذين لا يعملون في بناء السفن من أهل الجزيرة، ولا يشتغلون في شحن وتفريغ المراكب ولا يحترفون الملاحة، فيعملون في صيد السمك والغوص في البحر لاستخراج الإسفنج".
أهمية استراتيجية
ليست هناك إحصائية حديثة دقيقة لسكان جزيرة أرواد، لكن التقديرات تشير إلى أن عددهم نحو 10 آلاف نسمة، يعمل معظمهم في صناعة السفن والقوارب، أو صيد الأسماك ومعدات الصيد، فيما تشهد الجزيرة في كل صيف موسماً سياحياً دسماً.
يوجد في جزيرة أرواد ميناء قديم تم توسيعه عام 1966 ولا يزال يعمل حتى اليوم، وتنتشر قربه كثير من المحال التجارية والمقاهي والمطاعم، كما يوجد في الجزيرة مركز طبي كبير يقدم الخدمات للسكان، إضافة إلى مدرسة ابتدائية وأخرى ثانوية، وتصل الكهرباء إلى الجزيرة من طريق كابلات ممدودة في قاع البحر، ولا يوجد ينابيع أو مياه عذبة في الجزيرة لذلك يعتمد سكانها على تخزين مياه الأمطار وحفر الآبار، وتوجد في الجزيرة قلعتان الأولى بناها الصليبيون والأخرى قلعة إسلامية.
ورغم الأهمية الاستراتيجية لجزيرة أرواد فإن صراعاً عسكرياً لم يقترب منها خلال أعوام الانتفاضة السورية، فنجت من الدمار والقصف والبراميل المتفجرة، لكنها تأثرت بعوامل عدة، أحدها مقتل العشرات من أبنائها بالحرب في أماكن جغرافية أخرى، كما توقفت كقبلة للسياح في الصيف، حيث كانت تشهد في كل صيف ازدحاماً شديداً من قبل الزوار السياح، سواء السوريون أو غيرهم، ومن جهة أخرى تأثرت الجزيرة أيضاً على الصعيد الاقتصادي، سواء من خلال خضوعها كباقي المناطق السورية للعقوبات، أو تراجع صناعة السفن وحركتها، والانهيار العام الذي شهده الاقتصاد السوري.
لم يشعروا بالحرب
في تقرير سابق لوكالة "رويترز"، صدر في أغسطس (آب) عام 2019، ورد فيه أن الانهيار الاقتصادي في سوريا تسبب في تراجع شديد في حركة السياحة التي كانت في وقت من الأوقات صناعة رائجة في جزيرة تفتخر بتراثها البحري، وأضاف التقرير أن "سكان الجزيرة لم يشعروا بالحرب نفسها بل بالأزمة الاقتصادية".
خلال أعوام الحرب نزح إلى جزيرة أرواد عدد من السوريين من المناطق الأخرى، خصوصاً من مدينة حلب، ومع ذلك لم تشهد الجزيرة ازدحاماً كبيراً، وبقيت تحت سيطرة قوات النظام السابق حتى سقوطه، لكن المناظر العسكرية لم تكن منتشرة فيها، كما أن الوجود العسكري للنظام فيها محدود لعدم وجود ما يهددها، خصوصاً أن مدينة طرطوس التابعة لها لم تتأثر كثيراً بالحرب باستثناء الوضع الاقتصادي. وفي صباح الثامن من ديسمبر (كانون الأول) 2024، خرج سكان الجزيرة وحطموا تمثال حافظ الأسد، كما أحرقوا جميع صور بشار الأسد الموجودة هناك، وخرجوا بتظاهرات احتفالية بسقوط النظام، متأملين أن تعود الحياة لتدب في أرواد وتعود السياحة والصناعة إليها.