Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

التراث العربي بين التحديات الرقمية والفرص التكنولوجية

يعاني الموروث الثقافي تحديات في التحويل الرقمي أبرزها تعقيد المخطوطات التاريخية وضعف الوعي ونقص الخبرة التقنية

يعرف التراث بأنه الموروث الثقافي والفكري والعلمي والفني والاجتماعي الذي خلفه أسلاف العرب (هيئة التراث)

ملخص

على رغم أن اللغة العربية تعد خامس أكثر اللغات انتشاراً عالمياً من حيث عدد المتحدثين، إلا أن الإحصاءات التقديرية تشير إلى أن المحتوى العربي على الإنترنت يمثل نسبة ضئيلة للغاية، تتراوح بين 0.5 في المئة و0.6 في المئة فقط من إجمالي المحتوى العالمي.

يعرف التراث بأنه الموروث الثقافي والفكري والعلمي والفني والاجتماعي الذي خلفه أسلاف العرب، وتكمن أهمية الحفاظ على التراث ونشره في حماية الهوية ونقل المعرفة إلى الأجيال القادمة، والفشل في ذلك يؤدي إلى اندثار التراث العربي ثم طمس الهوية العربية، فيصبح مصيرها كمصير كثير من الحضارات التي اختفت، مثل حضارة المايا.

كانت حضارة المايا من أعظم الحضارات التي شهدها العالم القديم، وازدهرت بين عامي 2000 قبل الميلاد و1500 ميلادية تقريباً. طور شعب المايا نظاماً كتابياً متقدماً، ونظم تقويم وفلك، وفناً معمارياً مميزاً، ومع ذلك لم يحافظ على معظم هذا التراث على مر القرون. وبعد قرون من اندماج شعوب المايا مع السكان الجدد وهجرتهم إلى مناطق أخرى، ونتيجة لغياب التدوين، فقد الأحفاد صلتهم بتراثهم الأصلي وتقاليدهم، مما أدى إلى اختفاء هويتهم.يتحدث اليوم أكثر من 450 مليون شخص حول العالم اللغة العربية، وتعتبر اللغة الرسمية في نحو 25 دولة، وفقاً لمنظمة "يونسكو"، إضافة إلى مكانتها الفريدة كلغة للقرآن الكريم، الذي حفظ بصورته الأصلية منذ نزوله قبل أكثر من 1400 عام.وأسهم ذلك في الحفاظ على اللغة العربية القرآنية من دون تغيير يذكر، مما يجعلها اللغة الوحيدة من بين اللغات القديمة التي لا تزال تقرأ وتحفظ وتستخدم بصورتها الأصلية على نطاق واسع. أما اللغات الأخرى مثل السنسكريتية واليونانية القديمة واللاتينية، فتقتصر على الاستخدام في الدراسات الأكاديمية أو الطقوس الدينية ضمن مجتمعات محددة، ولا تتمتع هذه اللغات بانتشار يومي واسع كما هو الحال مع اللغة العربية. 

قصة تراث ينطلق من الصحراء

مع انتشار الإسلام في القرن السابع الميلادي توسعت الثقافة العربية بصورة ملاحظة، إذ أصبحت اللغة العربية لغة الدين والعلوم والفنون، مما أسهم في نقل الموروث الثقافي العربي، بما في ذلك الحرف والفنون التقليدية، إلى مناطق شاسعة تمتد عبر آسيا وأفريقيا وأوروبا. وكان فن السدو، الذي يعد من أعرق الفنون التقليدية في الجزيرة العربية، جزءاً أساساً من هذا الانتشار الثقافي.

يتميز السدو بنقوشه الهندسية المستوحاة من البيئة الصحراوية، مثل الكثبان الرملية والنباتات البسيطة، التي تعكس هوية المجتمع البدوي بألوانها وتصميماتها الفريدة. اعتمد البدو على نسيج صوف الأغنام والإبل لإنتاج أغطية وخيام وسجاد يعبر عن ثقافتهم واحتياجاتهم الحياتية، مع توسع الدولة الإسلامية وانتقال التجار والرحالة المسلمين انتقل هذا الفن إلى مناطق بعيدة مثل الهند والصين وبلاد فارس وآسيا الوسطى، إذ تأثرت الثقافات المحلية بجماليات السدو وأدمجت بعضاً من عناصره.

وتظهر أوجه تشابه لافتة بين نقوش السدو والهندسة الزخرفية في السجاد التركماني والأقمشة التقليدية في تلك المناطق، مما يعكس تأثير الثقافة العربية، ومن المثير للاهتمام أيضاً وجود تقاطعات بين نقوش السدو والفنون التقليدية لشعوب الهنود الحمر والمكسيك، مما قد يشير إلى تأثير عربي عبر الهجرات المبكرة والتجارة.اليوم يمثل السدو رمزاً غنياً للتراث العربي يمكن استثماره في تعزيز الحوار الثقافي العالمي، عبر رقمنة نقوشه واستخدامها في الأزياء والمنتجات الحديثة، يمكن الترويج لهذا الفن كتراث مشترك يعكس الإبداع العربي. إضافة إلى ذلك يمكن دعم الدراسات التاريخية التي تستكشف تأثير الفنون العربية في ثقافات أخرى، مما يسهم في إبراز دور الثقافة العربية في تشكيل التراث الإنساني.

التراث أمام نهضة الرقمنة

في عصر البيانات الرقمية يزداد التحدي في الحفاظ على التراث العربي وتطوير المحتوى الرقمي باللغة العربية، في حديثه أشار الدكتور علي الأعسم، المتخصص في حلول النشر والمحتوى الرقمي العربي، إلى وجود ضعف في حجم المحتوى العربي على الإنترنت، وأوضح أن هذا يعود لقلة الإنتاج الرقمي وضعف التمويل والدعم للمشاريع العربية.وأكد أن تحديات الترجمة وصعوبة التعريب تعد من العقبات الأساسية أمام تطوير المحتوى، وأضاف أن بعض الكفاءات العربية تميل إلى نشر محتواها بلغات أجنبية بهدف الوصول إلى جمهور أوسع. كما أشار إلى ضعف التدريب على مهارات إنتاج المحتوى الرقمي والبنية التحتية الضعيفة في بعض الدول العربية، مما يشكل عقبة أمام التنوع والتطور.

وأشار المتخصص في تطوير المحتوى الرقمي إلى انتشار ظاهرة نشر المعلومات غير الدقيقة على الإنترنت، منوهاً أن ذلك يؤدي إلى فهم خاطئ للتراث العربي ويعطي صورة سلبية عنه.كما أضاف أنه حتى الدول العربية التي تمتلك بنية تحتية رقمية متقدمة تواجه تحديات كبيرة، مثل التطور التكنولوجي السريع وظهور تقنيات الذكاء الاصطناعي.وأوضح أن التحديات التقنية تعد من أبرز العقبات في رقمنة المحتوى التراثي، مشيراً في عملية الرقمنة إلى الحاجة إلى استخدام معدات متخصصة وتقنيات حديثة لتحويل المخطوطات والصور إلى ملفات رقمية عالية الجودة، بما يضمن الحفاظ على أدق التفاصيل، كما أن الحفاظ على أصالة المحتوى يتطلب توثيقاً دقيقاً لضمان عدم فقدان المعنى أو السياق التاريخي.

وأكد الأعسم أن مواجهة هذه التحديات تتطلب جهوداً مستدامة واستراتيجيات فعالة، وأشار إلى أن تعزيز حضور المحتوى الرقمي العربي وحماية التراث الثقافي يمثلان أولوية في العصر الرقمي.على رغم أن اللغة العربية تعد خامس أكثر اللغات انتشاراً عالمياً من حيث عدد المتحدثين، إلا أن الإحصاءات التقديرية تشير إلى أن المحتوى العربي على الإنترنت يمثل نسبة ضئيلة للغاية، تراوح بين 0.5 في المئة و0.6 في المئة فقط من إجمالي المحتوى العالمي.في هذا السياق يوضح الدكتور طه محمد نور، المشرف العلمي على الوثائق والأرشيف في مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث في دبي، "يواجه المخزون التراثي العربي تحديات كبيرة في عمليات الأرشفة الرقمية، مما ينعكس سلباً على مستويات عدة. تتمثل هذه التحديات في طبيعة التراث العربي نفسه، مثل المخطوطات والوثائق التاريخية التي تتطلب دقة كبيرة في التحرير، إلى جانب ذلك تبرز مشكلات أخرى تتعلق بضعف الكفاءات التقنية، وغياب الفهم الواضح لطبيعة المهام الوظيفية التي يجب أن تؤديها الفرق المسؤولة عن عمليات الأرشفة الرقمية". 

 

يعتمد تطور الذكاء الاصطناعي على توافر محتوى رقمي واسع وعالي الجودة لتدريب أنظمته، لذلك فإن ضعف المحتوى العربي الرقمي، خصوصاً التراثي، يشكل تحدياً كبيراً أمام استفادة العالم العربي من إمكانات الذكاء الاصطناعي، سواء لفهم التراث وتعزيزه أم لتطوير المجتمع بصورة عامة، وسيظل الذكاء الاصطناعي محدود الفائدة في المنطقة العربية ما لم تبذل جهود جادة لزيادة رقمنة التراث.

يوضح نورأن هناك تحديات تعوق الاستفادة من الذكاء الاصطناعي في رقمنة التراث أبرزها جودة البيانات، مما يتطلب الذكاء الاصطناعي بيانات غزيرة وعالية الجودة لاتخاذ قرارات دقيقة وتحسين أدائه، كما يؤكد أهمية حماية الخصوصية والالتزام بالأخلاقيات لتجنب التحيز والتمييز.يشير الدكتور طه إلى أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يسهم في تعزيز رقمنة المحتوى العربي بطرق متعددة، منها الترجمة الآلية لتسهيل نشر المحتوى العربي عالمياً والعكس، كما يمكنه تحليل النصوص العربية لاستخراج المعلومات الرئيسة، مما يسهل الفهرسة والبحث. إضافة إلى ذلك يمتلك الذكاء الاصطناعي القدرة على توليد نصوص عربية جديدة، مثل المقالات والتقارير، مما يوفر الوقت والجهد.ويضيف أن الأنظمة المعتمدة على الذكاء الاصطناعي يمكنها تحويل الكلام العربي إلى نصوص مكتوبة بسهولة، مما يسرع عملية نسخ المحتوى الصوتي، كما يمكن لهذه الأنظمة اكتشاف الأخطاء الإملائية والنحوية واقتراح تصحيحات، مما يرفع جودة المحتوى الرقمي العربي.

الحفاظ على التراث العربي في العصر الرقمي

في المقابل تظهر عدد من الفرص للحفاظ على التراث العربي، أبرزها الأرشفة الرقمية ورقمنة المخطوطات والأعمال الأدبية، كما تفعل جهات متخصصة مثل مركز جمعة الماجد، ومع ذلك يبقى التراث العربي بحاجة إلى مزيد من الجهود.ومن الابتكارات الحديثة توظيف الواقع الافتراضي والواقع المعزز لإحياء التراث من خلال تجارب تفاعلية، مثل الجولات الافتراضية في المواقع الأثرية أو استكشاف المتاحف رقمياً. كما يمكن للإنتاج الإعلامي الرقمي، مثل الأفلام الوثائقية والمحتوى المرئي، أن يعرض التراث العربي بأساليب مبتكرة تجذب الجمهور.

تعد منصات التواصل الاجتماعي أيضاً فرصة واعدة لنشر التراث العربي، لكنها تستخدم بصورة عفوية وغير منظمة يغلب عليها الطابع العاطفي، خصوصاً بين الشباب، ولذا يمكن استثمار هذه المنصات بصورة أفضل لتقديم التراث العربي بطريقة أكثر احترافية وإيجابية.مع انتشار الذكاء الاصطناعي يمكن تسريع جهود رقمنة التراث العربي، وبدأت بالفعل مبادرات مميزة مثل "منصة المشترك"، التي تهدف إلى إنشاء مكتبة وطنية عربية للأعوام الـ100 الماضية باستخدام تقنية الذكاء الاصطناعي "CAIR" المطورة في المملكة المتحدة. يهدف هذا المشروع إلى رقمنة الوثائق والخطب والشهادات التاريخية، مما يضمن توفير هذا التراث للأجيال القادمة وتعزيز الوحدة من خلال تاريخ مشترك.

التعليم والتكنولوجيا وتعزيز التراث

من أهم وسائل الحفاظ على التراث العربي وتناقله عبر الأجيال هو التعليم، وفي عصر الرقمنة أصبح لا بد من استغلال وسائل التكنولوجيا الحديثة في تعزيز تعليم التراث العربي، سواء كان ذلك جزءاً من المناهج الدراسية أم اجتهاد من المعلمين. وهناك عدد من الحلول التكنولوجية المتطورة التي يمكن استخدامها في ذلك مثل الجولات الافتراضية باستخدام الواقع الافتراضي أو المعزز، ومنصات الكتب التراثية والتطبيقات التعليمية التفاعلية والألعاب التعليمية.

ولما كان يغلب على محاولات استخدام التكنولوجيا للتعليم في تعزيز التراث الطابع الفردي غير المنظم، ظهرت الحاجة إلى إنشاء منصات ومنظومات تكنولوجية تجمع تلك المحاولات، وتشجعها وتقدم الرعاية لها كإنشاء قواعد بيانات وأرشيفات رقمية مفتوحة للباحثين والمهتمين بالتراث، أو مثل ما تقوم به دارة الملك عبدالعزيز في المملكة العربية السعودية بخدمة "رقمنة أرشيف"، التي تهدف إلى تحويل أصول المواد التاريخية والعلمية المختلفة إلى نسخ رقمية بجودة عالية ومميزة.

استدامة التراث العربي في العصر الرقمي

وللحفاظ على التراث العربي في ظل التغيرات التكنولوجية المستمرة، واستمرارية واستدامة الاستثمار في التكنولوجيا للحفاظ على التراث للأجيال القادمة، يتوجب النظر إلى إطار استثماري يضمن منظومة تدر إيرادات تضمن استمرارية واستدامة مبادرات الحفاظ على التراث العربي في العصر الرقمي. 

لكن ماذا بعد قرون؟ وماذا إذا اندثر العصر الرقمي؟ فالتقنية اليوم عند تصميمها وتصنيعها، لا تأخذ بالحسبان استمراريتها أكثر من عدد محدود من السنوات، فعمر الوسائط التخزينية مثل الأقراص الصلبة التقليدية والثابتة وحتى الضوئية يصل إلى 10 سنوات. فإن فقدت بياناتها، سيندثر معها كل التراث والمحتوى الذي كان يعتمد على التكنولوجيا الرقمية، كما اندثر تاريخ وتراث عدد من الحضارات. وبالتالي فإنه لا يجب الاعتماد حصرياً على الرقمنة والتكنولوجيا للحفاظ على التراث العربي، ولكنها تظل وسيلة فعالة لنشر وتعليم التراث. وستكون هناك مسؤولية كبيرة علي عاتق كل جيل لنقل التراث من الوسائط التكنولوجية المندثرة إلى الوسائط الجديدة، كما حدث بالمخطوطات والمطبوعات الورقية. ولا يقل أهمية عن ذلك الاستدامة البيئية والثقافية والاهتمام بها، واستخدام التكنولوجيا الخضراء عند رقمنة التراث العربي. 

 

رقمنة التراث العربي كفرص استثمارية

يذكر الدكتور علي الأعسم، وهو أيضاً مؤسس "ديوان العلوم وتقنية المعلومات"، التي أخرجت لنا برنامج الناشر الصحافي التطبيق الأشهر في التسعينيات من القرن الماضي للنشر الصحافي باللغة العربية، "إن رقمنة التراث العربي ليست فقط للحفاظ على الهوية الثقافية، بل تحمل أيضاً فرصاً استثمارية متعددة، فإلى جانب الحفاظ على الإرث التاريخي، يمكن للتراث الرقمي أن يدعم صناعة السياحة الثقافية عبر توفير محتوى تفاعلي يجذب الزوار ويعزز تجربتهم. كما تتيح الرقمنة فرصاً للتعليم الإلكتروني، إذ يمكن للجامعات والمؤسسات الأكاديمية استخدام هذا المحتوى في مناهجها. هناك أيضاً إمكان إنشاء تطبيقات ومواقع تعليمية تقدم التراث العربي بصورة عصرية، مما قد يجذب اهتمام فئات جديدة. إضافة إلى ذلك يمكن للتراث الرقمي أن يكون قاعدة لمنتجات إبداعية، مثل الألعاب الإلكترونية والأفلام الوثائقية، مما يسهم في تنويع مصادر الدخل". 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

حاضنة استثمارية لرقمنة التراث العربي

وخروجاً عن الدور التقليدي الذي تقوم به الحكومات والمؤسسات لدعم التراث، تظهر الحاجة إلى مبادرة مبتكرة تسهم في حماية ونشر التراث الثقافي باستخدام التكنولوجيا، عن طريق إنشاء حاضنة الأعمال ربحية ممولة من مؤسسات ومستثمرين مهتمين بالتكنولوجيا الثقافية وابتكارات التراث، بحيث تكون مركزاً للابتكار في مجالات الحفاظ على التراث العربي باستخدام التقنيات الحديثة مثل الرقمنة والذكاء الاصطناعي والواقع الافتراضي.

وتكون أداة لدعم وتشجيع رواد الأعمال على تأسيس شركات ناشئة تقدم حلولاً رقمية مبتكرة للحفاظ على التراث العربي، مثل أدوات التوثيق الرقمي والترويج الثقافي، وتوفير الموارد والأدوات التكنولوجية للشباب ورواد الأعمال المهتمين بالتراث، وإنشاء شبكة قوية من الشركاء والمتعاونين في مجالات التراث والتكنولوجيا.

بحيث تقدم الحاضنة تمويلاً أو مساهمات للشركات الناشئة والمشاريع المبتكرة في مجال التراث الرقم، إضافة إلى استشارات وخبرات من خبراء في مجالات التراث والتكنولوجيا وإدارة الأعمال. وتوفير الأدوات اللازمة مثل معدات التصوير الرقمي ثلاثي الأبعاد، وبرامج تحليل النصوص، ومساحات العمل الرقمية، وأيضاً مساعدة الشركات الناشئة في تسويق مشاريعها ومنتجاتها من خلال المنصات الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي.

الحاجة إلى مؤشرات رقمنة التراث العربي

إن أهمية التراث العربي لا يمكن إلا أن تكون أولوية وذات أهمية، والأجدر أن تكون هناك مؤشرات تقيس وتتابع تطور رقمنة التراث العربي بصورة دقيقة. منها مؤشرات كمية مثل حجم المحتوى الرقمي ونسبة الرقمنة من إجمالي التراث العربي المتاح، ومؤشرات كمية كمستوى التفاعل وشمولية التغطية الجغرافية وعدد المشاريع التي نجحت في التوسع دولياً وترويج التراث العربي عالمياً، وهناك فرصة لأن تقوم جهة بتبني المؤشرات لقياس التقدم ومتابعة الأداء بانتظام. 

 

 

هيئة التراث السعودية نموذجاً

لا بد من التطرق إلى نموذج مبشر يمكن أن يكون مثالاً يحتذى به، وهو هيئة التراث السعودية. إن تعامل المملكة العربية السعودية مع التراث في العصر الرقمي تم بصورة مثالية من خلال إنشاء هيئة التراث في فبراير(شباط) 2020 كجهة متخصصة للحفاظ على التراث الوطني وتطويره، إذ أطلقت هيئة التراث استراتيجية شاملة تتضمن 33 مبادرة تهدف إلى تطوير القطاع، بما في ذلك حماية المواقع الأثرية وتعزيز الأبحاث، وتنمية المواهب المتخصصة في التراث، واستخدام أحدث التقنيات في التوثيق والعرض. وأعلنت هيئة التراث في نوفمبر 2024 تسجيل 9317 موقعاً أثرياً في قاعدة بياناتها الرقمية. كما حققت المملكة مستهدف "رؤية 2030" بتسجيل ثمانية مواقع في قائمة التراث العالمي، مما يعكس الجهود المبذولة في الحفاظ على التراث والتعريف به عالمياً. ومن خلال هذه الجهود والمبادرات، تضع المملكة التراث كعنصر أساس في التنمية المستدامة، وجعل التراث مصدر فخر للأجيال الحالية والمستقبلية.

ويذكر الدكتور طه "إن الحفاظ على التراث العربي ليس مجرد واجب وطني، بل هو مسؤولية عالمية تسهم في بناء مستقبل أفضل للأجيال القادمة، وحفظه يعني الحفاظ على جزء من تاريخ البشرية. لأن التراث العربي أحد أهم مكونات ذاكرة الأمة، والذاكرة هي مكون رئيس في البناء المعرفي للأجيال القادمة، وهي أساس بناء جيل قادر على التطوير والابتكار. كما يمثل التراث العربي مصدراً مهماً لإلهام الأجيال الشابة، كما يشجعهم على الإبداع والابتكار".

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة