Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تركيا تجس نبض "غاز المتوسط" من شواطئ سوريا

تصريحات أنقرة حول ترسيم الحدود البحرية مع دمشق أعادت الجدل حول انضمام تركيا للمنتدى ومحللون: العلاقات مع اليونان وقبرص معقدة وستقف عقبة أمام طموحها

استضافت القاهرة قمة ثلاثية خاصة بمنتدى غاز شرق المتوسط ضمت رؤساء مصر واليونان وقبرص (رئاسة الجمهورية)

ملخص

لطالما تستغل تركيا اضطرابات الدول لعقد اتفاقات جانبية تخص البحر المتوسط من دون التقيد بقانون البحار، مثلما عقدت اتفاقاً مع ليبيا عام 2019، فإن مراقبين يرون أن أنقرة أطلقت "بالونة اختبار" بمساعيها مع سوريا لعقد اتفاق حول المتوسط، فهل تتراجع عن خطواتها بعدما وجدت عدم قبول من قبرص واليونان والاتحاد الأوروبي؟ 

قبل نحو سبعة أعوام توافقت مصر واليونان وقبرص على إنشاء منتدى يجمع دول إنتاج واستيراد الغاز الطبيعي في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط، لكن ما كان يجمع تلك الدول في ذلك الوقت ليس فقط الرغبة في تحقيق مصالح من تنسيق سياسات الطاقة، بل أيضاً علاقات متوترة مع تركيا التي تحتل ركناً مهماً في أقصى الشمال الشرقي للمتوسط، وتعد أحد أكبر المستوردين للغاز والساعين إلى استكشاف احتياطات منه.

خلال تلك الأعوام جرت مياه كثيرة تحت جسور المنطقة، فتصالحت مصر مع تركيا، وأصبحت علاقات أثينا أكثر ودية مع أنقرة، فيما لم يتغير السلوك التركي الساعي إلى ترسيم الحدود البحرية بعيداً من اعتراضات دول الإقليم، وهو ما بدا في تصريحات وزير الطاقة التركي حول استعداد بلاده لترسيم الحدود البحرية مع سوريا، وذلك عقب سقوط نظام بشار الأسد، مما لاقى اعتراضاً من جانب كل من قبرص واليونان.

تحركات أنقرة أعادت الأنظار إلى منتدى غاز شرق المتوسط، والدور الذي قد يلعبه في توحيد المواقف إزاء أي خطوات تركية محتملة للحصول على مكاسب طويلة الأمد من إدارة سورية لا تزال موقتة. كما فتحت باب التساؤل حول إمكانية أن تستغل أنقرة سياسة التصعيد للحصول على مكسب الانضمام إلى المنتدى الذي تجاهلها سابقاً، بخاصة أنها من إحدى الدول الأكثر احتياجاً للطاقة.

اعتراض يوناني- قبرصي

ولم يصدر تعليق رسمي عن المنتدى في شأن تصريحات وزير الطاقة التركي، لكن البيان الختامي لقمة زعماء مصر واليونان وقبرص في القاهرة حمل رداً بصورة غير مباشرة، إذ شدد البيان على أهمية احترام سيادة وحقوق السيادة لجميع الدول في مناطقهم البحرية، مؤكداً أن أي اتفاقات أو مذكرات تفاهم في شأن تحديد الولاية البحرية يجب أن تبرم وفقاً للقانون الدولي، بما في ذلك معاهدة الأمم المتحدة لقانون البحار، وكذلك المبادئ المتفق عليها بصورة مشتركة في سياقنا الثلاثي، وعدم التعدي على حقوق السيادة للدول الثالثة بالمنطقة.

وأشار البيان الصادر عن القمة الثلاثية التي استضافتها القاهرة في الثامن من يناير (كانون الثاني) الجاري إلى أن منتدى غاز شرق المتوسط "سيساند جهود الأعضاء في تحقيق الاستفادة الكاملة لموارد الغاز في المنطقة واستثمار احتياطاتهم وفقاً للقانون الدولي، بما في ذلك اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار".

 

ولم توقع تركيا اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، وترفض ترسيم الحدود البحرية وفق بنودها، وهو ما يتعارض مع موقف قبرص، العضو في الاتحاد الأوروبي، التي لديها مخاوف عميقة من التأثير في المناطق الاقتصادية الخاصة بها في حال ترسيم تركيا وسوريا حدودهما البحرية اعتماداً على تعيينهما للجرف القاري الخاص لكل دولة.

كانت أثينا ونيقوسيا قد عبرتا عن اعتراضهما على أي اتفاق محتمل بين أنقرة ودمشق لترسيم حدود مناطقهما الاقتصادية الخالصة في البحر المتوسط، وقالت الدولتان في بيانين منفصلين عقب تصريحات وزير الطاقة التركي، إن ذلك الاتفاق المحتمل "سيكون غير قانوني ويمس حقوق قبرص السيادية". وأشار البيان القبرصي إلى أن الرئيس نيكوس كريستودوليديس بالتنسيق مع رئيس وزراء اليونان، أطلع قادة الاتحاد الأوروبي على التحركات المحتملة لتركيا، "وحصلوا على الدعم الأوروبي".

وبحسب دراسة نشرها المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية فإن التخوفات في شأن مقترح تركيا لترسيم الحدود البحرية مع سوريا تعكس التوترات المتصاعدة في منطقة شرق المتوسط، وذلك نتيجة التنافس الإقليمي على النفوذ والموارد الضخمة من الغاز الطبيعي. وأشارت الدراسة إلى أن تركيا تسعى من خلال هذه الخطوة إلى "تعزيز حضورها الإقليمي والهيمنة على صناعة الغاز الطبيعي في المنطقة وخلق دور إقليمي لها في تلك المنطقة الاستراتيجية المهمة".

هل تدخل تركيا المنتدى عبر التفاهم المصري؟

ويرى الباحث والمحلل السياسي التركي محمود علوش أن ترسيم الحدود البحرية مع دمشق هو "نيات استراتيجية" لدى تركيا. متوقعاً أن تؤدي تلك الخطوة إلى "إعادة تشكيل التوازنات السياسية والاقتصادية في المنطقة". وقال علوش لـ"اندبندنت عربية"، إن أنقرة تسعى إلى تعزيز موقفها في المنافسة الجيوسياسية في شرق المتوسط من أجل فرض حضورها طرفاً على الطاولة.

واستدرك المحلل التركي أن إبرام مثل تلك الاتفاقية "لن يكون في المستقبل القريب قبل تولي حكومة مستقرة في سوريا"، فيما قلل من أهمية الاعتراض اليوناني والقبرصي على تحركات أنقرة، مؤكداً أنه "لن يؤثر في أي تحرك تركي- سوري بهذا الخصوص". مشيراً إلى أنه سبق لتركيا أن أبرمت اتفاقية مشابهة مع ليبيا رغم اعتراض بعض دول حوض المتوسط و"أصبحت أمراً واقعاً".

وكانت تركيا قد وقعت مذكرة تفاهم مع حكومة الوفاق الليبية برئاسة فائز السراج في نوفمبر (تشرين الثاني) 2019، لتعيين الجرف القاري والمناطق الاقتصادية، من دون الأخذ في الاعتبار المناطق الاقتصادية لكل من اليونان وقبرص.

وأثار الاتفاق غضب مصر وقبرص واليونان، وكذلك اعتراض مجلس النواب الليبي. وفي أغسطس (آب) 2020 وقعت مصر واليونان اتفاق تعيين الحدود البحرية، مما فسر بأنه محاولة لقطع الطريق أمام أي محاولات للتعدي على حقوق البلدين في المناطق الاقتصادية من جانب محور تركيا وليبيا.

 

لكن التوترات المصرية - التركية خفتت بعد ذلك، وحدثت تفاهمات أفضت إلى استئناف العلاقات التي جرى تخفيضها عام 2013، وتبادل الرئيسان عبدالفتاح السيسي ورجب طيب أردوغان الزيارات العام الماضي، وكان من بين القضايا محل النقاش ملف الغاز، إذ قال أردوغان خلال مؤتمر صحافي مع السيسي في أنقرة سبتمبر الماضي، إن بلاده لديها الرغبة في "تحسين التعاون مع مصر في مجال الطاقة، خصوصاً الغاز الطبيعي"، وبعد ذلك صرح وزير الطاقة التركي ألب أرسلان بيرقدار بأن بلاده "مهتمة بالاستثمار في حقول الغاز المصرية".

وجاءت تركيا في صدارة مستوردي الغاز المصري عام 2023، وبلغ إجمالي صادرات الغاز المصري إلى تركيا عام 2022 أكثر من 1.6 مليار دولار، بما يعادل نحو 40 في المئة من إجمالي الصادرات المصرية لتركيا، لكن الواردات تراجعت بشدة في 2024، حيث بلغت في الأشهر الثلاثة الأولى من العام الماضي 66 ألف طن، مقابل 740 ألف طن في الربع المقارن من 2023.

وتوقعت بعض الدراسات أن تزداد واردات تركيا من الغاز المسال في الفترة المقبلة، سعياً إلى تلبية الطلب المحلي والتوسع في الصادرات، بما يواكب طموحاتها للتحول إلى مركز تصدير إلى دول الاتحاد الأوروبي.

اقرأ المزيد

تعزز الطموحات التركية احتمالية أن تسعى إلى تفاهمات مع منتدى غاز شرق المتوسط من طريق استخدام علاقاتها المتميزة أخيراً مع مصر، بخاصة مع إشارة بيان القمة الثلاثية المصرية - اليونانية - القبرصية إلى أن منتدى غاز شرق المتوسط "مفتوح لعضوية جميع الدول التي تشارك ذات القيم والأهداف، وترغب في التعاون من أجل أمن المنطقة بأكملها ورفاهية شعوبها".

ويعتقد الباحث المتخصص في مجال الطاقة أحمد سلطان، أنه يجب على تركيا أن تعمل على طرق أبواب منتدى شرق المتوسط، لأن تلك الخطوة "تعد استراتيجية في رحلة الإدارة التركية نحو تحقيق حلم مركز إقليمي للغاز في المنطقة".

وقال سلطان لـ"اندبندنت عربية"، إن الاتفاق المحتمل بين تركيا وسوريا من الممكن أن يتيح للبلدين توسيع وتقاسم مناطق التنقيب عن النفط والغاز الطبيعي. مضيفاً أن إبرام هذه الاتفاقية "قد يؤدي إلى تحولات كبيرة في موازين القوى في شرق البحر المتوسط، إذ من الممكن أن يمنح الاتفاق أنقرة حقوقاً بحرية إضافية قد تصل إلى نحو 4 آلاف كيلومتر مربع في المياه الإقليمية بالبحر المتوسط". لكنه أشار أيضاً إلى التحديات التي تواجه الطموح التركي، على رأسها الحاجة إلى سلطة منتخبة في سوريا، إضافة إلى توقعات انكماش شهية أوروبا للغاز الطبيعي لمصلحة مصادر الطاقة المتجددة بعد عام 2030.

وفي المقابل، يستبعد المحلل السياسي التركي محمود علوش التعاون بين تركيا ومنتدى غاز شرق المتوسط، مشيراً إلى أن فرص تحقيق ذلك التعاون تواجهه عقبة رئيسة تتمثل في العلاقات المعقدة بين تركيا وكل من اليونان وقبرص.

تحركات تركية منفردة

من جانبه أوضح الباحث المتخصص في الشأن التركي بشير عبدالفتاح، أن مصر وقبرص واليونان وإسرائيل دول مطلة على البحر المتوسط وتجمعها الاتفاقية العامة لقانون البحار الموقعة عام 1982، وتخلق مظلة قانونية لاستخراج النفط والغاز عبر حدودهم، لكن تركيا تتصرف "منفردة"، وترغب في استخراج ثروات البحر المتوسط دون التنسيق مع دول الاتفاقية، معلنة أنها ستتعامل عسكرياً مع أي تهديد خلال عملها في بقاع المتوسط.

وأكد عبدالفتاح لـ"اندبندنت عربية" أن مصر "لم تعلق على تحركات أنقرة لعدم اشتراك حدودهما". مشيراً إلى أن تركيا تستغل اضطرابات الدول لعقد اتفاقات جانبية تخص البحر المتوسط من دون التقيد بقانون البحار، مثلما عقدت اتفاقاً مع ليبيا عام 2019، وتسعى الآن مع سوريا لعقد الاتفاق ذاته.

ويرى أن ليس من مصلحة تركيا خسارة دول البحر المتوسط، وعليها أن تحترم سيادة القانون المنظمة لاستخراج ثروات المتوسط، لأن حدودها "شحيحة" في استخراج الغاز والنفط، والتوافق مع الدول قد يعطيها أحقية الحفر في بقاع مختلفة أو الحصول على تخفيضات لأسعار موارد الطاقة.

 

ويعتقد عبدالفتاح أن أنقرة أطلقت "بالونة اختبار" بمساعيها مع سوريا لعقد اتفاق حول المتوسط، وبعدما واجهت رداً "عنيفاً" من قبرص واليونان والاتحاد الأوروبي قد تتراجع عن عزلتها عن أوروبا في ملف الغاز والنفط.

وأكد أن الرهان خلال الأعوام المقبلة على موارد الطاقة المتجددة وعلى أنقرة وباقي الدول أن يعوا ذلك، ملمحاً أن ليس من المنطقي أن تحاول أنقرة تأسيس مشروعات نفط في أوقات تقلل الدول من حاجاتها النفطية وتتعامل مع الطاقة المتجددة بسبب سياسات المناخ السائدة أخيراً في كل العالم.

كانت القاهرة قد شهدت في سبتمبر 2020 توقيع الميثاق الخاص بإنشاء منتدى غاز شرق المتوسط، الذي بمقتضاه يصبح منظمة دولية حكومية في منطقة المتوسط تسهم في تطوير التعاون في مجال الغاز الطبيعي وتحقق استغلالاً أمثل لموارده. ويبلغ عدد الدول الأعضاء الأساسيين بالمنتدى ثماني دول هي: مصر وقبرص واليونان وإسرائيل والأردن وفلسطين وإيطاليا وفرنسا.

وتشغل الولايات المتحدة عضوية المنتدى بصفة مراقب، إضافة إلى الاتحاد الأوروبي والبنك الدولي، فيما لم تتم دعوة تركيا صاحبة أطول سواحل في المنطقة، إضافة إلى سوريا التي كانت في ذلك الوقت تحت حكم بشار الأسد المقاطع دولياً، وكذلك لبنان وليبيا.

وكان المسح الجيولوجي الأميركي قد قدر عام 2010 إجمالي ما تحتويه منطقة شرق المتوسط، التي تطل عليها مصر ولبنان وسوريا وفلسطين وتركيا وإسرائيل بـ3450 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي، و1.7 مليار برميل من النفط.

المزيد من تقارير